فرنسا تتحرك دبلوماسيا وقانونيا لإعادة جاذبية الاستثمار إلى اقتصادها

بعد تراجع تدفق رؤوس الأموال الأجنبية 77 في المائة العام الماضي

الرئيس الفرنسي يلتقط صورة تذكارية مع المشاركين في منتدى «المجلس الاستراتيجي للجاذبية الاستثمارية» لفرنسا في قصر الإليزيه أمس بحضور رئيس الحكومة وعشرة وزراء فضلا عن 35 رئيس شركة عالمية (رويترز)
الرئيس الفرنسي يلتقط صورة تذكارية مع المشاركين في منتدى «المجلس الاستراتيجي للجاذبية الاستثمارية» لفرنسا في قصر الإليزيه أمس بحضور رئيس الحكومة وعشرة وزراء فضلا عن 35 رئيس شركة عالمية (رويترز)
TT

فرنسا تتحرك دبلوماسيا وقانونيا لإعادة جاذبية الاستثمار إلى اقتصادها

الرئيس الفرنسي يلتقط صورة تذكارية مع المشاركين في منتدى «المجلس الاستراتيجي للجاذبية الاستثمارية» لفرنسا في قصر الإليزيه أمس بحضور رئيس الحكومة وعشرة وزراء فضلا عن 35 رئيس شركة عالمية (رويترز)
الرئيس الفرنسي يلتقط صورة تذكارية مع المشاركين في منتدى «المجلس الاستراتيجي للجاذبية الاستثمارية» لفرنسا في قصر الإليزيه أمس بحضور رئيس الحكومة وعشرة وزراء فضلا عن 35 رئيس شركة عالمية (رويترز)

شكلت المعلومات التي أصدرتها هيئة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية والخاصة بالاستثمارات المباشرة في الاقتصاديات العالمية، التي نشرت في 28 يناير (كانون الثاني) الماضي، هاجسا وخبرا سيئا بالنسبة لفرنسا، حيث إنها أظهرت تراجع حصتها من هذه الاستثمارات بنسبة 77 في المائة لعام 2013، بحيث إنها هبطت إلى 5.7 مليار دولار. وهذا الرقم ضئيل للغاية، إذا ما قورن بالولايات المتحدة (159 مليارا) أو روسيا (94 مليارا) وألمانيا (32.4 مليار)، وحتى إسبانيا (37 مليارا) وإيطاليا (عشرة مليارات). لذا، كان على الحكومة الفرنسية أن تتحرك سريعا وعلى أعلى المستويات لوقف التدهور، وإبراز جاذبية الاقتصاد الفرنسي والفرص التي يوفرها للمستثمر الأجنبي.
الرئيس فرنسوا هولاند على وقع تلك البيانات تصدى لاستغلال كل زياراته في الخارج، وآخرها إلى الولايات المتحدة الأميركية، لحث المستثمرين على المجيء إلى فرنسا ولتبديد الصورة «المنفرة» لبلاده على المستوى العالمي، بسبب ارتفاع الضرائب والمساهمات الاجتماعية المحصلة من الشركات وقوانين العمل الصارمة والقيود الإدارية، فضلا عن الإضرابات وسوء المواصلات، وخلاف ذلك من «الشواذات» التي لا تشجع المستثمر.
وأول من أمس، خطت الرئاسة والحكومة خطوة إضافية لـ«توضيح» الصورة وإظهار الوضع على «حقيقته» من خلال عقد منتدى «المجلس الاستراتيجي للجاذبية الاستثمارية» لفرنسا في قصر الإليزيه، وبمشاركة هولاند ورئيس الحكومة جان مارك أيرولت، وعشرة وزراء (الخارجية والداخلية والاقتصاد والمال والتربية والتعليم والتجارة الخارجية...)، فضلا عن 35 رئيس شركة عالمية، بينها «فولفو»، «سامسونغ»، «نستله»، «سيمنس»، «إنتل»، «جنرال إلكتريك» ومسؤولو وصناديق سيادية عربية (الكويت، قطر، الصين). وفي الكلمة التي ألقاها مختتما أعمال المنتدى، أكد هولاند أنه سيتابع عن قرب التوصيات الصادرة عن المجلس الذي سيجتمع مجددا بعد ستة أشهر. غير أن الرسالة الأساسية التي حرص على إيصالها هي «طمأنة» المستثمرين، وتأكيد أن حكومته ترحب بالاستثمار الأجنبي المباشر، وأن فرنسا تتمتع بالجاذبية الكافية، وبرهانه على ذلك أنها تستضيف 20 ألف شركة أجنبية توظف ما لا يقل عن مليوني شخص. وفي عام 2012 وحده، اتخذت 700 شركة أجنبية قرارات نهائية للاستثمار في فرنسا. والخلاصة الأولى التي توصل إليها هي أن فرنسا «حافظت على موقعها»، لكنه استدرك مضيفا أن عليها «أن تفعل المزيد لجذب المزيد من الاستثمارات» التي لا توضع العوائق بوجهها، خصوصا أن فرنسا «لا تخاف من شيء، وهي منفتحة على العالم بالاتجاهين وتريد رؤوس الأموال الأجنبية في اقتصادها، كما أنها تملك أوراقا رابحة»، من شأنها التقاط انتباه رؤوس الأموال الباحثة عن فرص استثمارية.
بيد أن باريس عازمة على القيام بالمزيد من الإجراءات وسن القوانين والتشريعات التي تسهل عمل المستثمر وتحفزه، خصوصا أنها واقعة في قلب أوروبا وقلب سوق من 500 مليون مستهلك، كما أنها تحتل موقعا مركزيا في منطقة واسعة، تشمل أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا التي تستحوذ على 32 في المائة، من الناتج القومي الخام في العالم.
وعدّ هولاند أن بلاده تواجه ثلاثة تحديات رئيسة، أولها اجتذاب رؤوس الأموال من الاقتصادات الناشئة، وثانيها تمكين جميع المناطق الفرنسية (وليس فقط باريس ومنطقتها)، من اجتذاب الرساميل الأجنبية، وثالثها استقطاب الشركات العاملة في ميادين البحث العلمي والتجديد والإبداع.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يركز فيها هولاند على هذا الجانب. ففي زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، حرص على الذهاب إلى كاليفورنيا وإلى سيليكون فالي على وجه التحديد، ليدعو الشركات للاهتمام بفرنسا.
وعرض الرئيس هولاند بإسهاب التدابير والإجراءات التي اتخذتها حكومته الاشتراكية لمساعدة المستثمرين وتسهيل انغراسهم في الاقتصاد الفرنسي. وليس سرا أن المستثمر ينظر أولا إلى نسبة الضرائب التي سيفعلها في موقع استثماره. والحال أن هذه النسبة هي الأعلى في فرنسا، من بين كل البلدان الأوروبية، إذ إنها يمكن أن تصل إلى 38 في المائة. فضلا عن ذلك، لم ينسَ المستثمرون أن هولاند وعدّ بفرض ضريبة بنسبة 75 في المائة على الرواتب التي تزيد على مليون يورو في العام، والتي يتعين على الشركات دفعها. ولذا كان من الطبيعي أن يتوقف مطولا عند هذا الجانب، ليؤكد للمستثمرين أن الإدارة المالية ستعمل من الآن، وصاعدا على توفير «رؤية واضحة» للشركات الفرنسية والأجنبية، بخصوص القواعد المالية التي ستخضع لها، وأن تضمن عدم تغييرها حتى نهاية العملية الاستثمارية.
ولهذا الغرض، فإن الحكومة ستنشئ «مكتب الاستثمارات الأجنبية» الذي ستكون مهمته العمل مع المستثمرين الأجانب، ليعرفوا ما الذي ينتظرهم في فرنسا.
ما تريده باريس، وفق هولاند، هو «إيجاد علاقة تطبعها الثقة» مع المستثمر الأجنبي. وبالإضافة إلى الإجراءات الإدارية، فإن حكومته عمدت إلى «تليين» قانون العمل، وأطلقت مبادرة جريئة لخفض تكلفة العمل في فرنسا، عن طريق تحرير الشركات من نسبة كبيرة من المساهمات الاجتماعية المفروضة عليها لصناديق الصحة والبطالة والتقاعد، كما أنها تعمل من أجل عودة النمو الاقتصادي الذي يشكل تدفق الاستثمارات الأجنبية أحد المحركات الدافعة باتجاهه.
ولم ينسَ الرئيس الفرنسي الإشارة إلى أن حكومته قررت تسهيل حصول رجال الأعمال والباحثين وأصحاب التخصصات العالية على تأشيرات صالحة لأربع سنوات، التي تؤهلهم للمجيء إلى فرنسا خلال مدة لا تتجاوز الـ48 ساعة.
وجاء اجتماع باريس بعد أقل من أسبوع على المنتدى الذي عقدته «هيئة باريس الكبرى»، تحت عنوان «التجديد من أجل النجاح»، وفيه جرى عرض الفرص التي تتيحها العاصمة ومنطقتها، التي تشكل «متروبول» من 6.5 مليون نسمة في ميادين البيئة والتكنولوجيا والمدينة الذكية.



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.