لواء «الزينبيون».. والمجال الحيوي الإيراني الجديد

الوجه الآخر لاستقطاب المقاتلين الأجانب من حول العالم إلى الميليشيات الشيعية

لواء «الزينبيون».. والمجال الحيوي الإيراني الجديد
TT

لواء «الزينبيون».. والمجال الحيوي الإيراني الجديد

لواء «الزينبيون».. والمجال الحيوي الإيراني الجديد

طرحت الثورة السورية عدة إشكالات تتعلق بالدور الإيراني المتزايد في تكوين وتدريب الميليشيات الطائفية وإدماجها في نظام الفوضى المسلحة القائمة هناك؛ وفي الوقت الذي يجري التركيز على «داعش» واستقطابه للأجانب يظهر أن هناك نوعا من غض الطرف من جانب الإعلام العالمي، وتقارير الأجهزة الأمنية للدول الكبرى فيما يخص تجنيد إيران شيعة العالم، وإشراكهم في الحرب الدولية المندلعة في سوريا.
ورغم أن هناك تناولا عابرًا لميليشيا «الحشد الشعبي»، فرضه مجموع جرائمها المنظمة في العراق بحق المدنيين؛ فإن الوضع يختلف عندما ننتقل للجانب السوري، ودور الميليشيات الشيعية غير المنتمية لحزب الله اللبناني في المعارك بين الأسد وقوى المعارضة. ومن هنا نرى أن تسليط الضوء على لواء «الزينبيون»، يأتي في سياق يتجاوز تكوين لواء «حيدر الكرار» من طرف الحرس الثوري الإيراني، منتصف العام 2014م، بعضوية طلبة باكستانيين يدرسون في إيران؛ ليساهم في كشف جزء من حقيقة المعركة الطائفية الدائرة في سوريا حاليًا، كما يظهر طبيعة الاستراتيجية الإيرانية القائمة على استغلال التشيع لأغراض عسكرية وفق منظور استراتيجي لا يخلو من نزوع للتوسع والهيمنة الإقليمية.
لقد ظهرت قضية لواء «الزينبيون» بشكل «بارز» إعلاميًا أواخر مايو (أيار) 2015 على إثر نشر شريط مسجل لوكالة الأناضول للأنباء، ويظهر فيه مقاتلون باكستانيون شيعة يحاربون إلى جانب النظام السوري، ويعلنون انتماءهم لهذا اللواء. وكانت الصحافة الإيرانية قد اعترفت في أبريل (نيسان) الماضي بمقتل نحو 200 مقاتل باكستاني وأفغاني، خلال مشاركتهم في القتال داخل سوريا إلى جانب قوات النظام. وما زالت تتوالى جنازات الباكستانيين الذين سقطوا قتلى في معارك سوريا.
ومعلوم أنه منذ بداية هذه السنة - 2015م - شهدت سوريا تحولات مهمة فيما يخص تقدم المعارضة مما جعل إيران تولي مزيدا من الاهتمام لجلب الشيعة الباكستانيين ودمجهم في لواء موحد. يظهر أن لواء «الزينبيون» يتكون من مئات الشباب الباكستانيين الشيعة من أبناء غرب باكستان خاصة القبيلتين «توري» و«بنجش»؛ ومن غير المستبعد أن يضم اللواء كذلك شباب طائفة الهزارة الشيعية الأفغانية. وذلك راجع أولاً- لطبيعة العمل التشبيكي الذي يعتمده الحرس الثوري الإيراني في إدارته للمعركة الشاملة التي يخوضها في منطقة الشرق الأوسط؛ وثانيًا لنجاح إيران في تكوين لواء «الفاطميون» من مجندين أفغان من الهزارة، وهي مجموعة سكانية من أصول مغولية تتركز في وسط أفغانستان ولها امتدادات في باكستان وتتكلم الفارسية إلى جانب لغة محلية، كما تنتمي فقهيا للمذهب الإثني عشري.
هذه المناطق في باكستان وأفغانستان تعاني من صعوبات اقتصادية واجتماعية، ما يدفع الشباب للبحث عن طرق مختلفة للخروج من دائرة الفقر والتهميش وإيجاد سبل جديدة للعيش الكريم. وشيء من هذا توفره إيران للمقاتلين في لواء «الزينبيون» الذي يقاتلون مقابل مبالغ مالية مهمة إذا ما قورنت بالأجور المعمول بها في مناطقهم الأصلية.
ومن جهة أخرى، استطاعت إيران خلال العقدين الماضيين بناء نفوذ حقيقي في هذه المناطق، شهد توسعًا سريعًا بعد 2003م. ولقد تحوّل هذا النفوذ إلى نوع من الشراكة بين هذه المناطق القبلية والحرس الثوري الإيراني، يظهر من خلال اتخاذ الشراكة بعدا خطيرا يتمثل في توفير إيران للسلاح والتدريب لهذه المناطق القبلية الشيعية، في استغلال واضح للهجمات المتكررة على الحسينيات الإمامية في عدة مدن كبيشاور، وكذلك مناطق شمال وغرب باكستان، التي تقف وراءها حركة «طلبان باكستان» وجماعة «جيش الإسلام» ومجموعات أخرى مسلحة صغيرة لها منطلقات طائفية. ثم إن الشيعة في باكستان يشعرون أن تنظيم داعش أصبح يهددهم في بلدهم، وأن القضاء عليه يستلزم خوض معركة مقدسة، في مركز ولادته ومقره في سوريا والعراق.
ويظهر أن إيران لن تقف عند هذا الحد في دعمها لشيعة الدول المجاورة لها وجوار الجوار، فانسجاما مع استراتيجية شدّ الأطراف الطائفية بالمركز الإيراني، وفق خريطة المجال «الحيوي الإيراني الجديد»؛ يسعى البرلمان لتعديل «المادة 980» من القانون المدني الخاصة بالجنسية، بحيث تمنح الجنسية الإيرانية للأشخاص «الذين يقدمون المنفعة، ويعملون لأجل إيران». وهذه، بالمناسبة، استراتيجية قديمة استعملت مع منظمة بدر العراقية التي يحمل جل قادتها الجنسية الإيرانية منذ ثمانينات القرن العشرين.
ويبدو أن هذه الجهود الإيرانية باتت تثير حفيظة بعض المؤسسات الباكستانية، إذ أصدر مجلس علماء باكستان بيانًا بتاريخ 23 - 06 - 2015، يرفض فيه تجنيد الشباب الباكستاني للقتال في صفوف الميليشيات الداعمة للنظام السوري «بدعم وتجنيد وتمويل إيراني». وطالب الحكومة الباكستانية بالتدخل العاجل لوقف هذه العملية. ومن جهتها ترفض الحكومة الباكستانية تسلُّم جثث المقتولين من لواء «الزينبيون» ما يدفع الحرس الثوري إلى دفنهم في قُم وغيرها من المدن الإيرانية.
«الزينيبون» والسياق الإقليمي وأهدافه
يبدو أن توسيع دائرة التسليح والحشد الشعبي من داخل باكستان يحقق لإيران ثلاثة أهداف مركزية:
أولاً: يتجاوز تثبيت النفوذ الإيراني وتوسيعه داخل الطائفة الشيعية الباكستانية، ونقل الولاء من مجرد تقاطعات عقدية تكتنفها اختلافات فقهية مذهبية، إلى ربط مصير المكوّن الشيعي الباكستاني بطهران باعتبارها المركز والمرجعية الأعلى دينيًا، عبر ولاية الفقيه، وما تمثله من انتماء يتجاوز الجغرافية البلدانية، ويمنح الأولوية للمذهب ومقتضياته السياسية.
ثانيًا: تسعى إيران لتجاوز صعوباتها العملية في الحرب الإقليمية الشاملة التي تخوضها في عدة بلدان بالشرق الأوسط؛ فقد أدت شساعة رقعة الحرب القائمة حاليا لنوع من الاستنزاف للموارد الإيرانية بشريًا وماديا. فلم يعد حزب الله اللبناني قادرًا على خلق التوازن الحقيقي للقوى مع المعارضة السورية، كما أنه مصدر محدود من حيث عدد المقاتلين. وهذا ما يفسر خسارة نظام الأسد مدينتي إدلب وجسر الشغور وسيطرة المعارضة عليهما، إلى جانب سقوط مدينة تدمر في أيدي تنظيم داعش الإرهابي. وعي إيران هذه الإشكالية دفعها إلى التقارب مع شيعة العالم رغم بعض الاختلافات الفقهية والسياسية الحاصلة مع نموذجها.
ثالثًا: تهدف إيران وفق استراتيجية الحرس الثوري إلى خلق جيوب حقيقية لمنظمة «الباسيج» في دول الجوار وجوار الجوار؛ وهذا يعني تكوين وإعداد «ميليشيات» غير إيرانية الجنسية، لكنها موالية عقديًا وعسكريًا للولي الفقيه. ومن أجل ذلك فإن إشراك «الزينبيون» في الحرب السورية لا يحقق فقط الهدف القريب المدى المتمثل في الدفاع عن نظام بشار الأسد؛ بل يحقق أيضًا هدفًا استراتيجيًا آخر هو إعادة التموضع داخل المشهد الباكستاني حيث يشكل الشيعة نحو 20 في المائة من السكان البالغ عددهم 180 مليونا، والذي يشهد منذ عقود عنفًا مسلحًا بمبررات بعضها طائفي. وهكذا فإن إيران بهذه الاستراتيجية الجديدة ستزيد من وتيرة الاضطرابات الأمنية وتفاقم التطاحنات الدينية؛ وهذا وضع تدرك طهران أنه سيدفع للاحتماء بالطائفية، وهنا تبرز العناصر المدربة عسكريًا والموالية للحرس الثوري للعمل داخل الأراضي الباكستانية باسم الدفاع عن شيعة البلد ضد «الإرهاب السني».
إن تجربة حزب الله اللبناني، ومنظمة بدر العراقية التي أنشأتها إيران منذ العام 1982. وما لعبته هذه الأخيرة من دور فعال في الحرب العراقية – الإيرانية لصالح إيران، يبرز قدرة إيران على إقناع جزء هام من الشيعة لحمل السلاح ضد بلدانهم، وفق أجندة دينية وسياسية تتقاطع مع منظومتهم الفقهية المحلية. ورغم أن الغالبية الكبرى من العراقيين لا يتبنون ولاية الفقيه، فإن العلاقة بينهم وبين النظام الإيراني بات ينظر إليها اليوم طائفيًا باعتبار أن بين البلدين مصيرًا مشتركًا.
صحيح أن الغزو الأميركي للعراق عام 2003م كان سببا جوهريًا في الموضوع، إلا أن الدور الذي لعبته وتلعبه منظمة بدر بقيادة هادي العامري، الذي يحمل الجنسية الإيرانية، أصبح هو العامل الحاسم من الناحية العسكرية؛ أما من الناحية السياسية، فأحزاب المنظومة السياسية الشيعية مرتبطة بالميليشيات العسكرية.
ولهذا فإن اختلاف الوضع الباكستاني عن نظرائه اللبناني واليمني والعراقي، لا يعني أن دور «الزينبيون» بعيد عن الاستراتيجية الإيرانية التي دخلت بشكل مبكر في «نظام الحرب بالوكالة»؛ فقد أثبتت التجربة التاريخية منذ ثمانينات القرن العشرين فعالية هذه الاستراتيجية، وقدرة إيران على خلق «معارك مقدسة» تصنع وتحمي المجال الحيوي الجديد لطهران.
* أستاذ العلوم السياسية
في جامعة محمد الخامس



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».