ما الذي تحتاجه الكرة السعودية لتواصل سطوعها عالمياً؟

الاحتراف الخارجي وصناعة النجوم محورا تجاذبات الوسط الرياضي عقب المشاركة المونديالية

الجماهير السعودية ما زالت تتطلع لمشاركات أقوى في نهائيات كأس العالم (إ.ب.أ)
الجماهير السعودية ما زالت تتطلع لمشاركات أقوى في نهائيات كأس العالم (إ.ب.أ)
TT
20

ما الذي تحتاجه الكرة السعودية لتواصل سطوعها عالمياً؟

الجماهير السعودية ما زالت تتطلع لمشاركات أقوى في نهائيات كأس العالم (إ.ب.أ)
الجماهير السعودية ما زالت تتطلع لمشاركات أقوى في نهائيات كأس العالم (إ.ب.أ)

ما الواجب الذي على الكرة السعودية فعله لتكون أكثر تنافسية في بطولات مثل كأس العالم؟ وهل بقاء اللاعبين في الدوري المحلي شكل عائقاً لبلوغ الأدوار الإقصائية؟ وهل العمل على صناعة النجوم يسير في الطريق الصحيح؟ تساؤلات عدة طرحتها الـ«الشرق الأوسط» على خبراء فنيين مارسوا كرة القدم في الأندية قبل توجههم للتدريب.
أكد محمد العبدلي مساعد مدرب فريق التعاون من جهته أن مشاركة الأخضر الأخيرة في مونديال 2022 أثبتت أنه ليس بعيداً بمستواه عن بقية المنتخبات، مشيراً إلى ضرورة محاكاة لجنة المسابقات الروزنامة العالمية في جدولة مواعيد المباريات، والعمل على احتراف اللاعب السعودي المتوقع مشاركته في المونديال القادم، وذلك عبر مراعاة عمر اللاعب والقيمة الفنية التي يمثلها داخل المستطيل الأخضر.

لاعبو المنتخب السعودي يحيون جماهيرهم بعد نهاية مشوارهم في المونديال (إ.ب.أ)

وقال العبدلي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «يتطلب العمل حالياً على برمجة المباريات بما يحاكي النظام العالمي من حيث خوض اللاعب مباراة كل ثلاثة إلى أربعة أيام ليعتاد على رتم المباريات المتتالية والسريعة، وهو ما عانى منه الأخضر في دور المجموعات خلال تقارب مواعيد المباريات، حيث لعب برتم عال في المباراة الأولى، بينما انخفض الرتم في المباراة الثانية وكذلك الثالثة».
وعن الإنجاز الذي حققه المنتخب المغربي في المونديال، قال العبدلي: «أغلب لاعبي المنتخب المغربي محترفون في أوروبا ويلعبون بنفس نظام الدوري الأوروبي، وكذلك اللاعبون اليابانيون والأستراليون والكوريون وليس مستغرباً أن تتطور مستويات لاعبيهم بشكل كبير والاعتياد على رتم المباريات السريع».

من المواجهة التي جمعت الأخضر مع بولندا في كأس العالم (إ.ب.أ)

وأشار العبدلي إلى أهمية اختيار اتحاد الكرة السعودي عدداً من العناصر المميزة الشابة المنتظر مشاركتها في المونديال القادم وتسويقهم لخوض تجارب احترافية خارجية «على الأقل في الأندية التي بها تملك سعودي لاكتساب الخبرة، وهناك عدد من اللاعبين أعمارهم صغيرة وكانوا موجودين في المونديال الحالي، منهم سعود عبد الحميد وحسان تمبكتي وعبد الإله العمري وفراس البريكان، وكذلك هناك لاعبون مميزون بالفئات السنية تبلغ أعمارهم 18 عاما».

من مباراة الأخضر الأخيرة في المونديال أمام المكسيك (أ.ب)

ورأى العبدلي ضرورة مناقشة تقليص عدد اللاعبين الأجانب المحترفين، موضحاً «الأندية تشارك في الموسم الحالي بـ7 محترفين داخل الملعب وليسوا جميعاً بنفس الأداء، حيث تجد أن الاستفادة تكمن من 3 إلى 4 أجانب والبقية بنفس مستوى اللاعب السعودي».
واستطرد العبدلي: «كم ناديا يقوم بتغيير اللاعبين الأجانب كل فترة تسجيل... وهناك لاعبون سعوديون فنياً أفضل من محترفين أجانب وعلى سبيل المثال نادي الهلال يضم عدداً من اللاعبين المحليين المميزين، وقد يلعبون على حساب لاعبين أجانب، فلم إذن التعاقد بهذا الكم؟»، مؤكداً ضرورة حصر التعاقدات الأجنبية على 4 محترفين بشرط أن يكونوا صفوة الصفوة، على حد قوله.
وعن العمل القائم في الأندية فيما يتعلق بالفئات السنية، قال العبدلي: «العمل في الفئات السنية لا يرتقي للأهداف التي نأمل الوصول إليها لعدم وجود الاهتمام المطلوب... والمنتخبات هي من تهتم باللاعبين وتحاول القيام بدور الأندية، ويظل المنتخب يعمل في فترات قصيرة في الموسم، ومتى ما وجدت الفئات السنية الاهتمام والرعاية سيكون هناك منتج جيد ومميز».

رينارد يسعى لصناعة جيل جديد للمنتخب السعودي (أ.ف.ب)

بينما تحدث المدرب عبد العزيز الخالد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى الوعي الذي بات عليه اللاعب السعودي ورغبته في تطوير قدراته بالالتزام بالجوانب الاحترافية، أشار إلى أن ضعف الجوانب اللياقية والبدنية للاعب عادة ما تكون لعدم مشاركته في المباريات الرسمية، وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على مشاركته مع الأخضر، وقدرته على خوض عدد من المباريات برتم فني قوي.
وأضاف «في تصوري المشكلة تتلخص في العدد الكبير للمحترفين الأجانب في الدوري، وهو الأمر الذي لم يعط اللاعب السعودي فرصة اللعب لدقائق أكثر، ومهما كانت التدريبات مستمرة إذا لم تكن هناك مباريات تنافسية يتعرض اللاعب خلالها للضغوطات والاحتكاك فلن يتطور مستواه الفني بشكل ملحوظ، خصوصاً في ظل عدم وجود احتراف خارجي للاعب الذي بطبيعة الحال مرتبط مع ناديه بعقد ذات مردود مالي جيد قد يدفعه لعدم قبول أي عرض لأندية خارج السعودية بقيمة مالية أقل». مشيراً إلى أن «الأندية الأوروبية عادة ما تقدم مبالغ مالية ليست كبيرة في البداية… وعلى اللاعب أن يثبت قدراته وإمكانياته للحصول على مبلغ أكبر».
وأوضح الخالد أن أحد الحلول المطروحة في هذا التوقيت هو حصر التعاقدات الأجنبية بـ4 لاعبين، وتشجيع اللاعب السعودي للاحتراف الخارجي، لمنح اللاعب فرصة أكبر للمشاركة، ومن ثم تسويقه للأندية الخارجية، مشدداً على رفضه فكرة الدوري الرديف مع الإبقاء على نفس عدد اللاعبين الأجانب باعتباره سيرهق الأندية.
وأضاف «عندما تتحدث عن عدد اللاعبين المحترفين الأجانب في دوري المحترفين ستجدهم 128 لاعبا، و108 لاعبين في دوري يلو للدرجة الأولى، وتجد من يشارك منهم مع منتخب بلاده في كأس العالم لا يتجاوز الـ8 لاعبين».
ودعا الخالد إلى ضرورة وجود خبراء لتحليل الواقع ومعالجته، والعمل على تطوير الإيجابيات وتعزيزها ومعالجة السلبيات... متمنياً أن يوجد خبراء وطنيون ممن يشهد لهم بالكفاءة، «منذ فترة طويلة نعتمد على العنصر الأجنبي ولم نستفد شيئا… وأنا لا أتحدث عن نفسي. وهناك مدربون ولاعبون سابقون لهم خبرة عريضة وقادرون على تحليل الوضع بشكل عام عقب الاطلاع على كافة التفاصيل ودراستها».
من جانبه يرى المدرب عبد اللطيف الحسيني أن وصول اللاعب السعودي لمرحلة احترافية عالية، يتطلب تأسيسا متكاملا في سن صغيرة لصناعة نجوم يخدمون الكرة السعودية، ومن ثم اختيار المميز منهم ودعم احترافه خارجياً لصقل موهبته ومهاراته واكتساب الخبرة.
وقال الحسيني في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن العمل بالفئات السنية بالأندية لا يسير بشكل صحيح، مرجعا ذلك لاعتماد الأندية على اللاعب الجاهز في البطولات المحلية والقارية، مشيراً إلى أنه «قد لا نستطيع إرسال اللاعبين الصغار للاحتراف في أوروبا، ولكن بإمكاننا توفير بيئة محترفة لهم هنا وإعدادهم للاحتراف بتوفير كافة مقومات النجاح لهم من ملاعب وأجهزة فنية وإدارية على مستوى عال للإشراف على الأمور الفنية بدقة عالية والاهتمام بكافة الجوانب المتعلقة باللاعب».
وأضاف «اعتماد الأندية على اللاعب الجاهز وليس على اللاعب الذي تنتجه الفئات السنية جعل الاهتمام ليس كبيراً لهذه الفئات، حيث تجد 4 أو 5 فرق للفئات السنية تتمرن على ملعب واحد، وإذا رغبت في تحديد توقيت لكل فريق للتدرب على الملعب، فستجد أن هناك فريقا يتزامن وقت تدريبه على الملعب مع عودة أعضاء الفريق من المدرسة، ولك أن تتخيل أن اللاعب يتجه مباشرة للملعب للتدريب دون تغذية أو أي شيء، كذلك سيتزامن وقت تدريب الفريق الآخر في الفترة الأخيرة، حيث يصل اللاعب لمنزله في وقت متأخر، وفي اليوم التالي لديه دراسة لذلك العمل غير جيد في أغلب الأندية وليس الكل».
واستطرد الحسيني: «هناك أندية مثل برشلونة وريال مدريد تعمل بشكل احترافي كبير على الفئات السنية ولاعبوها لا يشاركون معها... ولكن هناك اهتمام كبير بتسويق لاعبيها لأندية تلعب في ذات الدوري الإسباني أو في درجة أقل وكذلك السماح للاعبين بالمغادرة إلى أندية أخرى خارج إسبانيا للاحتراف والمشاركة في المباريات التنافسية، سواء عبر بيع عقودهم أو إعارتهم، أما اللاعب السعودي أين سيلعب إذا لم يشارك مع ناديه».
ورأى الحسيني ضرورة إلزام الأندية بتأمين 3 ملاعب على الأقل للفئات السنية، في ظل الدعم الكبير الذي تجده من الدولة، مع إلزامها باستقطاب أجهزة فنية وإدارية على مستوى عال، وإتاحة الفرصة للاعب ومساعدته عند بلوغه الـ18 من العمر وقبل دخوله مرحلة النجومية والأضواء والعقود المليونية بالمغادرة للاحتراف الخارجي.
وأضاف «ليس بالضرورة أن تبحث الأندية في الخارج عن لاعبينا للتعاقد معهم، بل يجب علينا العمل على إرسال اللاعبين المميزين والتكفل برواتبهم وكافة الأمور المتعلقة بهم للتدريب مع هذه الأندية وعند إثبات اللاعب وجوده ومشاركته في المباريات ستجد النادي الأوروبي يتكفل برواتبه وكافة أموره».
وأشار الحسيني إلى أن «تأهلنا إلى كأس العالم في 2018 و2022، جاء بجهود اللاعبين الذين لعبوا خلال وجود 4 لاعبين محترفين أجانب في الدوري، والآن مع التوجه لتأسيس منتخب جديد بوجود 7 محترفين، سنصدم بكثير من المشاكل في مقدمتها عدم مشاركة اللاعبين في المباريات، وسينعكس ذلك على أن تكون هناك بعض المراكز التي لن يكون بها نجوم».
وأضاف «عدم مشاركة اللاعب السعودي سيضع مدربي المنتخبات في حرج كبير، عند اختياره القائمة التي سيضمها لمعسكر أو تلك التي سيشارك بها في البطولات، وهو ما سيدفعه لاختيار لاعبين قد لا يجدون فرصة للعب في أنديتهم لشح المميزين في مراكز محددة، فهل هناك وفرة في المهاجمين على سبيل المثال في الدوري، ستجد الإجابة لا باستثناء فراس البريكان الذي يلعب مع الفتح، أما الباقون لا يلعبون رغم أنهم جميعها لاعبون محترفون».
إلى ذلك، أكد المدرب الوطني علي كميخ امتلاك الرياضة السعودية مواهب كثيرة وكوادر فنية وإدارية حاصلة على مؤهلات تدريبية عالمية، مشيراً إلى أن عوامل النجاح موجودة وينقصها التحفيز والدعم، ومن ثم المحاسبة على أي قصور.
واتفق كميخ مع زملائه المدربين العبدلي والخالد والحسيني على ضرورة تقليص عدد اللاعبين المحترفين في الدوري، كون ذلك من الأمور التي تتطلب من اتحاد الكرة التوجه لها؛ لمنح اللاعب السعودي فرصة أكبر للمشاركة في المباريات، لافتاً النظر إلى أهمية التخطيط الجيد للمرحلة المقبلة.
وأضاف «من الظلم ألا يكون الأخضر في دور الأربعة في كأس العالم… وهو ما يحتم علينا تشكيل لجنة فنية من لاعبين دوليين مشهود لهم بالكفاءة لتولي مسؤولية تقييم كافة المسابقات من الفئات السنية إلى الفريق الأول… أين أحمد جميل وصالح النعيمة ويوسف خميس وغيرهم عن خدمة الكرة السعودية؟!».


مقالات ذات صلة

17 محترفاً في تشكيلة العراق لمباراتي الكويت وفلسطين

رياضة عربية خيسوس كاساس (رويترز)

17 محترفاً في تشكيلة العراق لمباراتي الكويت وفلسطين

شهدت قائمة المنتخب العراقي لكرة القدم التي استدعاها المدرب الإسباني خيسوس كاساس، الأربعاء، وجود 17 لاعباً محترفاً من أصل 29.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
رياضة عالمية هونغ ميونغ-بو (أ.ف.ب)

مدرب كوريا الجنوبية يستدعي قائمة قوية لعُمان والأردن

استدعى هونغ ميونغ-بو، مدرب كوريا الجنوبية، 28 لاعباً لخوض مباراتين على أرضه بتصفيات كأس العالم لكرة القدم أمام سلطنة عُمان والأردن، في وقت لاحق من الشهر الحالي.

«الشرق الأوسط» (سيول)
رياضة عالمية كون كاستيليز (رويترز)

حارس بلجيكيا كاستيلز يضع حداً لمسيرته الدولية بعد عودة كورتوا

وضع الحارس البلجيكي كون كاستيلز حداً لمسيرته الدولية رداً على عدم رضاه من عودة نظيره كورتوا إلى صفوف «الشياطين الحمر»، وفقاً لما أعلن في إحدى حلقات البودكاست.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
رياضة عالمية وقّع ترمب على الأمر التنفيذي في المكتب البيضاوي إلى جانب إنفانتينو (أ.ف.ب)

ماذا يعني إعلان ترمب تشكيل فريق عمل كأس العالم 2026؟

وقّع الرئيس دونالد ترمب أمراً تنفيذياً بإنشاء فريق عمل تابع للبيت الأبيض لاستضافة كأس العالم 2026.

The Athletic (واشنطن)
الاقتصاد ترمب ورئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو في البيت الأبيض 7 مارس 2025 (أ.ف.ب)

ترمب يتوقع مونديال 2026 «أكثر إثارة»

عدَّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن التوترات التجارية مع الجارتين المكسيك وكندا ستعزز استضافة كأس العالم 2026 في كرة القدم، في حين أعلن من البيت الأبيض إنشاء

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

من الشغف إلى الاحتراف... الألعاب الإلكترونية في المغرب تلفت الانتباه

الألعاب الإلكترونية تجذب الشباب والفتيات في المغرب (أرشيفية - رويترز)
الألعاب الإلكترونية تجذب الشباب والفتيات في المغرب (أرشيفية - رويترز)
TT
20

من الشغف إلى الاحتراف... الألعاب الإلكترونية في المغرب تلفت الانتباه

الألعاب الإلكترونية تجذب الشباب والفتيات في المغرب (أرشيفية - رويترز)
الألعاب الإلكترونية تجذب الشباب والفتيات في المغرب (أرشيفية - رويترز)

 

انتشرت الألعاب الإلكترونية في المغرب، لا سيما بين الشبان، كوسيلة للترفيه، وقضاء الوقت، لكن سرعة تطور هذه الألعاب شكلت لدى الدولة والمؤسسات المعنية رؤية أوسع بشأن أهمية هذا القطاع، وسبل الاستفادة منه، وتحويله لقطاع جاذب للاستثمار.

ومن بين النماذج الواعدة التي حققت خطوات ملموسة في هذا المجال أنس موسى (21 عاماً) ابن مدينة الحسيمة الساحلية الذي بدأ هاوياً قبل سنوات قليلة حتى استطاع أن يصل إلى نهائي كأس العالم لكرة القدم الإلكترونية 2024 في الرياض.

كذلك نجحت ابتسام فرحان، التي نشأت في حي شعبي بالدار البيضاء، في تحقيق منجز مغربي بمجال الألعاب الإلكترونية حين فازت بالمركز الأول في بطولة البحر المتوسط للرياضات الإلكترونية التي أقيمت في ليبيا شهر أغسطس (آب) الماضي.

وقالت ابتسام لوكالة (رويترز) للأنباء: «قرار الاحتراف جاء بشكل طبيعي بعدما لاحظت أنني قادرة على المنافسة في مستويات عالية، كنت دائماً أبحث عن التحديات، وعندما بدأت في تحقيق نتائج جيدة في البطولات، شعرت بأن هذا المجال يمكن أن يكون أكثر من مجرد هواية».

هذا الشغف المتزايد تردد صداه في أروقة المؤسسات والوزارات المعنية التي شرعت في وضع القواعد التنظيمية، وإقامة البطولات المحلية، وتأسيس منتخبات وطنية، مع الانفتاح على الاستثمار في البنى التحتية لتحويل المغرب إلى مركز إقليمي وعالمي للألعاب الإلكترونية، ليس على مستوى الممارسة فحسب، بل في مجال الابتكار، والبرمجة.

وفي هذا الصدد، تقول نسرين السويسي، المسؤولة عن تطوير صناعة الألعاب الإلكترونية بوزارة الشباب والثقافة والتواصل: «هذا الشغف ليس مجرد ظاهرة مؤقتة كما يعتقد البعض، بل هو تعبير عن جيل يبحث عن هوية رقمية خاصة به، سواء من خلال اللعب التنافسي الذي يجمع الملايين، أو من خلال الإبداع في تطوير الألعاب». وأضافت: «دورنا هو تحويل هذا الحماس إلى فرص عمل، وإنجازات ملموسة من خلال توفير البنية التحتية، والتدريب اللازم لهم ليصبحوا جزءاً من هذه الصناعة».

مبادرات حكومية

وتشيد نسرين بالمبادرات التي أطلقتها الدولة لدعم القطاع الناشئ، ومنها مشروع (مدينة الألعاب الإلكترونية) في الرباط الذي بدأ في الآونة الأخيرة بالشراكة مع فرنسا بهدف توفير منصات تدريبية وإبداعية حديثة، وخلق بيئة متكاملة لدعم صناعة وتطوير الألعاب.

وتستطرد قائلة: «نحن لا نبني مدينة الألعاب على أنه مجرد مبنى، أو مشروع عقاري، بل إنه جزء من استراتيجية متكاملة لتحويل المغرب إلى مركز إقليمي وعالمي في صناعة الألعاب الإلكترونية، حيث ستكون هذه المدينة فضاء شاملاً يضم استوديوهات تطوير متطورة، ومساحات عمل مشتركة للمبرمجين، وورش عمل لمصممي الغرافيكس، وكتاب السيناريوهات، بهدف خلق 6000 فرصة عمل بحلول 2030، وإنتاج ألعاب بجودة عالمية تنافس في الأسواق الدولية، وتضع المغرب على الخريطة العالمية».

وتشرف نسرين أيضاً على (معرض المغرب لصناعة الألعاب الإلكترونية) الذي انطلق لأول مرة العام الماضي وجذب 250 مشاركاً في نسخته الأولى، لكن هذا العدد ارتفع إلى أربعة أمثال في النسخة الثانية، مما عكس اهتماماً متزايداً من المطورين المحليين والشركات الدولية.

قاعدة أوسع

تعمل الجامعة الملكية المغربية للألعاب الإلكترونية على تعزيز الجانب التنافسي بقيادة حسناء الزومي التي تقول إن «الاهتمام بالرياضات الإلكترونية في المغرب شهد تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، حيث لاحظنا زيادة كبيرة في عدد اللاعبين، والمسابقات، والجمهور الذي يتابع هذه الفعاليات، سواء بشكل مباشر، أو عبر الإنترنت».

وأوضحت أن بطولات مثل «البطولة» و«الدوري» نمت بشكل كبير، حيث ارتفع عدد المشاركين في «الدوري» من 180 لاعباً و21 جمعية إلى أكثر من 1200 لاعب و51 جمعية، مع زيادة الألعاب من اثنتين إلى سبع.

كما ترى اللاعبة ابتسام فرحان أن الألعاب الإلكترونية تتيح الفرصة للفتيات لإبراز إمكاناتهن، إذ تقول إن «مستقبل الرياضات الإلكترونية للنساء في المغرب واعد جداً، خاصة مع تزايد عدد اللاعبات المشاركات في البطولات المحلية والدولية».

وتعتبر أن فوزها ببطولة البحر المتوسط للرياضات الإلكترونية لم يكن مجرد إنجاز شخصي، بل بداية لتحفيز جيل جديد من اللاعبات إذ تسعى إلى تغيير الصورة النمطية للمرأة في الألعاب وتصبح نموذجاً يلهم الفتيات الأخريات لاقتحام هذا المجال.

الجانب الثقافي للألعاب

ولا تجذب الألعاب الإلكترونية اللاعبات في المغرب فحسب، بل اقتحمت الفتيات مجال البرمجة، والتصميم، ومنهن سلمى محضر التي تحلم بصنع ألعاب تعكس الروح والهوية المغربية.

وقالت سلمى: «لدينا اهتمام العديد من الشبان المغاربة الذين يريدون تحويل شغفهم إلى مهنة في تطوير الألعاب، أو ببساطة تعلم مهارات إنشاء ألعاب الفيديو، مما دفعهم للانضمام إلى مجتمعات تطوير الألعاب المخصصة، مثل مجموعة (مطوري الألعاب المغاربة)، مما أظهر أن المزيد من الشبان مهتمون بصناعة الألعاب، وليس فقط لعبها». وأضافت: «من تجربتي الشخصية، تمكنت من التعرف أكثر على جغرافية وتاريخ العديد من الدول، وأرى كيف يمكن للألعاب المغربية أن تتناسب مع هذه الصورة باستخدام ثقافتنا الجميلة، وتاريخنا الغني، وجمالنا المحلي في الألعاب».

وتابعت قائلة: «لماذا لا ننشئ لعبة عن عمارتنا في المدن القديمة مثل مراكش وفاس المعروفة بتصاميمها التفصيلية، والأسواق الملونة، والمعالم التاريخية، حيث يتبع اللاعب قصة جيدة بينما يزور أماكن تاريخية مثل مسجد الكتبية، ساحة جامع الفنا، قصر الباهية في مراكش، وجامعة القرويين، المدينة، والمدرسة البوعنانية في فاس».

وختمت بالقول: «لضمان نجاح عالمي للعبة... يجب أن تتابع اتجاهات الألعاب الحديثة، ما هو جديد في الصناعة، وتستمع إلى آراء اللاعبين في كل مراجعة للعبة لفهم ما حدث من خطأ، أو ما حدث بشكل صحيح... ببساطة، يجب أن تكون شخصاً مبدعاً، تحليلياً، صبوراً ومتفهماً».

سوق واعد

وبحسب التقديرات الرسمية تبلغ قيمة سوق الألعاب المغربية 2.24 مليار درهم (نحو 230 مليون دولار)، مع التطلع لمضاعفة هذه القيمة إلى خمسة مليارات درهم بحلول 2023.

ورغم التطور السريع، والانتشار الواسع للألعاب الإلكترونية في المغرب، فإن ثمة تحديات تواجه القطاع الواعد من وجهة نظر المتخصصين.

ويقول الإعلامي المتخصص في الألعاب والرياضات الإلكترونية الطيب جبوج إن البنية التحتية للإنترنت في المغرب شهدت تطوراً كبيراً في السنوات القليلة الماضية، لا سيما في المدن الكبرى، مثل الدار البيضاء، والرباط، ومراكش، لكن لا تزال هناك تفاوتات في المناطق الريفية، أو الأقل تطوراً.

وأضاف أنه من أجل تحقيق نتائج أفضل مستقبلاً يحتاج الأمر إلى تعزيز البنية التحتية الرقمية، وتشجيع تدريب المواهب، والاستثمار في التدريب، والبحث، وإقامة أحداث رياضية إلكترونية منظمة تسمح بتوحيد مجتمع يتزايد عدده باستمرار.