مصر: انتقادات برلمانية للحكومة وسط تواصل «أزمة الغلاء»
نواب حمّلوها مسؤولية «ارتباك الأسواق»
جانب من اجتماع سابق للحكومة المصرية (صفحة مجلس الوزراء على «فيسبوك»)
القاهرة:«الشرق الأوسط»
TT
القاهرة:«الشرق الأوسط»
TT
مصر: انتقادات برلمانية للحكومة وسط تواصل «أزمة الغلاء»
جانب من اجتماع سابق للحكومة المصرية (صفحة مجلس الوزراء على «فيسبوك»)
عززت تعليقات برلمانية وإعلامية في مصر من موجة انتقادات لأداء الحكومة المصرية التي يرأسها الدكتور مصطفى مدبولي، وذلك وسط أزمة غلاء متفاقمة وترقب لتغييرات محتملة في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار. وتحت قبة مجلس النواب (البرلمان) المصري، ولليوم الثاني على التوالي، وجّه ثلاثة نواب، اليوم (الاثنين)، انتقادات مختلفة لأداء الحكومة، وحمّلوها المسؤولية عن ارتباك الأسواق وزيادة أسعار العملات في السوق الموازية، فضلاً عن زيادة أسعار الذهب، فيما رحّب إعلاميون بتلك الانتقادات، معتبرين أنها «أمر طبيعي». وتواجه البلاد أزمة تمويل تتفاقم حدتها، وسط تعويل رسمي على جولة تمويل بدأت بموافقة «صندوق النقد» على إقراض القاهرة 3 مليارات دولار على مدار 46 شهراً. وتقدم النائب نبيل عسكر، عضو مجلس النواب، ببيان عاجل للحكومة بشأن «التلاعب في العملة واكتناز الذهب»، داعياً إلى «ضرورة أن تتدخل الحكومة لحل أزمة الدولار في الشارع». وعدّد النائب، بحسب ما نقلت وسائل إعلام محلية، المشكلات التي حمّل الحكومة المسؤولية عنها، وقال إن «الأسعار في ازدياد مستمر ولا توجد رقابة على الأسواق لمواجهة التلاعب بالأسعار، ويجب على الحكومة التحرك ووضع حلول؛ وإلا فلتتقدم باستقالتها»، بحسب قوله. ولم يختلف توصيف النائب عمرو درويش، أمين سر «لجنة الإدارة المحلية» بمجلس النواب، للأزمة عن زميله، إذ طالب خلال الجلسة بـ«تدخل صارم وحاد من الحكومة والبنك المركزي المصري حفاظاً على اقتصاد البلاد الذي تأثر بنقص العملة الأجنبية». وركّز درويش على أن «السوق الموازية خلقت تبايناً في سعر الجنيه مقابل الدولار، ووصل إلى مستويات كبيرة». وزاد: «هناك أزمة دولارية في البلاد، بسبب ممارسات من جماعات وأفراد يقومون بدور بهدف التأثير السلبي على الاقتصاد الوطني، وهذا لا يمكن السكوت عنه»، بحسب تعبيره. ولم يكن النائبان أول من تحدث موجهاً انتقادات للحكومة، إذ سبقهما بيوم البرلماني مصطفى بكري الذي قال إن «القيادة السياسية تعمل ليلاً ونهاراً»، مطالباً الحكومة بأن «تكون على قدر المسؤولية لمساندة القيادة السياسية في مواجهة التحديات التي تمر بها البلاد». وخلال جلسة أخرى (الاثنين)، رفضت النائبة مها عبد الناصر مشروع قانون لتعديل «قانون هيئة قناة السويس»، معتبرة أنه «محاولة من الحكومة لإنشاء صندوق جديد». وقالت: «الحكومة مُصِرّة على عمل نفس الأشياء وتنتظر نتائج مختلفة، وتركتنا لحد ما لبسنا (اصطدمنا) في الحيط (الحائط)». كما دعت رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى المثول أمام البرلمان لـ«توضيح الوضع الاقتصادي الحقيقي»، وانتقدت النائبة بحدة سياسة الاقتراض. وكان مجلس إدارة «صندوق النقد الدولي»، وافق مطلع الأسبوع، على منح مصر قرضاً جديداً بقيمة 3 مليارات دولار على مدة 46 شهراً، على أن يتم «صرف دفعة فورية بقيمة 347 مليون دولار». ويتطلع المسؤولون في مصر إلى تمويلات إضافية، بفضل قرض الصندوق، قدّرها صندوق النقد الدولي بنحو 14 مليار دولار، وفق بيان صحافي من الصندوق، أشار فيه بالخصوص إلى دول مجلس التعاون الخليجي.
تجري مصر محادثات مع شركات أميركية وأجنبية أخرى لشراء كميات من الغاز الطبيعي المسال عبر اتفاقيات طويلة الأجل، في تحول من الاعتماد على السوق الفورية الأكثر تكلفة.
بينما خفض الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة للمرة الثانية على التوالي يدخل البنك المركزي المصري اجتماعه قبل الأخير في العام الحالي والأنظار تتجه نحو التضخم
ترى الشركة المنفذة لأعمال الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، أن الربط الكهربائي بين البلدين سيحسّن إمدادات التيار في المنطقة ويقلل من انقطاعات الكهرباء.
دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
وجدت دعوات تحجيب النساء «جبراً»، التي تنتصر لها السلطة في العاصمة الليبية، عدداً من المؤيدين، لكنها خلقت أيضاً تياراً واسعاً من الرافضين لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات.
فبعد إعلان السلطة، ممثلة في عماد الطرابلسي، وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، عن إجراءات واسعة ضد النساء، من بينها «فرض الحجاب الإلزامي»، بدت الأوضاع في ليبيا متجهة إلى التصعيد ضد «المتبرجات»، في ظل صراع مجتمعي محتدم.
بين الرفض والقبول
تفاعل الشارع الليبي بشكل متباين مع تصريحات الطرابلسي، بين من رفضها جملة وتفصيلاً، ومن قال إنه «ينفذ شرع الله ويسعى لنشر الفضيلة»، في وقت شرعت فيه أجهزة أمنية في إغلاق صالات رياضية ونوادٍ نسائية، بينما لم تعلّق سلطات البلاد، ممثلة في المجلس الرئاسي أو «الوحدة»، على هذا الأمر، وهو ما عده مقربون منهما «رضاً وقبولاً» بما تعهد به الطرابلسي.
وبين هذا التيار وذاك، ظهرت شكاوى من التضييق والتحريض ضد «متبرجات»، أعقبتها دعوات للنائب العام بضرورة التدخل لحمايتهن وتفعيل القانون. وأمام تصاعد هذا الاتجاه الذي حذرت منه منظمات دولية، عدّت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أن الهدف منه «إشغال الناس عن القضايا الجوهرية، مثل الفساد المالي والإداري وتهريب الأموال».
وقالت الزهراء لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التوجه «يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تفعلها حكومة (الوحدة) بين الحين والآخر، في إطار توجّه منهجي لعودة المنظومة الأمنية القمعية، وكبت الحريات العامة، وملاحقة المجتمع المدني عبر توظيف خطاب متشدد».
وسبق لمنظمة «العفو الدولية» القول إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء والفتيات، والانتقاص من حقوقهن في حرية التعبير والدين، والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء شرطة الأخلاق لفرض الحجاب الإلزامي».
من جهته، عدّ جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، أن هذه الإجراءات «قسّمت المجتمع بين جماعة مؤيدة، وأخرى تعد هذا التوّعد إهانة للمرأة الليبية، التي ترفض فرض الحجاب عليها بالقوة».
وقال الفلاح الذي يرى أن المرأة الليبية «قيادية ورائدة في مجالات عدة»، لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كنا نتحدث عن الأخلاق والفضيلة، فليبيا اليوم تعج بالربا وفساد السلطة والمسؤولين، بالإضافة إلى الرشى في أوساط من هم في السلطة؛ ولذلك كان من الأولى التركيز على قضايا الرشوة والابتزاز والقتل خارج القانون».
وكان الطرابلسي قد قال في مؤتمر صحافي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، باللهجة الليبية: «نلقى واحد مقعمز (جالس) هو وبنت برقدهم في الحبس، والبنت بترقد هي وأهلها في الحبس. والنساء اللي تسوق من غير ستر شعرها بنستلم منها السيارة... لا نعرف زميل لا صديق لا شريك لا موظف».
وسيلة للإلهاء
أمينة الحاسية، رئيس مجلس إدارة ملتقى التغيير لتنمية وتمكين المرأة، ربطت بين توجه سلطات طرابلس لتفعيل الحجاب «جبراً»، والأزمة السياسية في البلاد، وهو ما ذهبت إليه أيضاً لنقي.
تقول الحاسية لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يضع المسؤولون في ليبيا المرأة في مكان بين السياسة والدين؛ ولو تريد الدولة حقاً المحاسبة فعليها أن تبدأ أولاً بمواجهة الفساد، وتدع المرأة وشأنها»، مضيفة: «هم الآن في وضع سياسي سيئ».
وعدت لنقي التركيز على المرأة وزيها وشعرها «زوبعة يستهدفون الإلهاء من ورائها»، معتقدة أن حكومة طرابلس «تسعى لأن تكون سلطة دينية وهي ليست كذلك... و 90 في المائة من الليبيات تقريباً يرتدين الزي نفسه داخل ليبيا. هذه في رأيي زوبعة للإلهاء عن القضايا الجوهرية لا أقل ولا أكثر».
حماية الآداب العامة
غير أن صمت السلطة حيال ما ذهب إليه الطرابلسي توقف بعد قرار أصدره الدبيبة، وتم تداوله على نطاق واسع، وهو القرار الذي قضى باستحداث إدارة بالهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، تسمى «الإدارة العامة لحماية الآداب العامة».
وحدد القرار، الذي لم تنفه حكومة الدبيبة، مهام إدارة «حماية الآداب العامة»، من بينها ضبط الجرائم التي ترتكب في الأماكن العامة، والمقاهي والمطاعم ودور العرض والفنادق، وغيرها من الأماكن العامة أو المخصصة للارتياد العام بالمخالفة للتشريعات الخاصة بحماية الآداب العامة، ومكافحة الأفعال التي تتنافى مع توجهات المجتمع، وتسيء إلى قيمه وأخلاقه ومبادئه، وتطبيق التشريعات النافذة، بالإضافة إلى القيام بأعمال البحث والتحري، وجمع الاستدلال في الجرائم المتعلقة بالآداب العامة.
وتوجه مقربون من الإعلامية الليبية، زينب تربح، ببلاغ إلى النائب العام، بعد شكايتها في مقطع فيديو من مضايقات وهي تقود سيارتها من طرف مجهولين لكونها حاسرة الرأس، وقالت إيناس أحمدي، إحدى المقربات من الإعلامية، إن تربح «تتعرض لحملة شرسة من العنف والتعدي»، مشيرة إلى أن الحملة «ما زالت في بدايتها، وما زالت تأخذ أشكالاً أكثر تعنيفاً دون أي رادع».
وانتشر على تطبيق «تيك توك» تأييد واسع لرغبة سلطة طرابلس في تفعيل الحجاب، كما أسبغ بعض المعجبين على الطرابلسي أوصافاً عديدة، تعود لشخصيات تاريخية، وعدّوه «حامياً للإسلام والأخلاق». وهنا تلفت الحاسية إلى «تغول التيار الديني في غرب ليبيا، وتأثيره على من هم في السلطة، لما يملكه من مال وسلاح وميليشيات»، وقالت بهذا الخصوص: «أصبحت هناك حالات تعد على صالات الرياضة والنوادي النسائية بالقوة، وقد حاولوا أن يغلقوها بحجج كثيرة، من بينها الدين والحجاب. وربما نقول إن الطرابلسي له علاقة بهذه التشكيلات المسلحة وهذا التوجه الديني».
ووسط تباين مجتمعي، يراه كثيرون أنه سيتفاعل في قادم الأيام كلما تعددت حالات التضييق على «المتبرجات»، قالت المحامية الليبية ثريا الطويبي، إن ما ذهب إليه الطرابلسي، «جاء مخالفاً للإعلان الدستوري، الذي نص على حماية الحقوق وصيانة الحريات». مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يعد لباس المرأة من الحقوق والحريات الشخصية، ما لم يكن فاضحاً أو خادشاً للحياء العام، وليس من اختصاص وزير الداخلية وضع القيود على لباس المرأة، أو تنقلها وسفرها للخارج».
واتساقاً مع ذلك، تعتقد الحاسية أن ليبيا تعيش راهناً في فوضى، ومواجهة من تيار ديني يريد الهيمنة على زمام الأمور والقوانين ودسترة هذه المشكلات، لكنها قالت جازمة: «الليبيون والليبيات سيرفضون هذا الإلزام، إلا لو فرض عليهم بقوة السلاح».