من الميدان: العمل الصحافي في أفغانستان مغامرة حقيقية قد تخسر فيها الحياة

تفاصيل متشابكة بين العنف والدم تجعل حياة الصحافي في شوارع كابل شبه مستحيلة («الشرق الأوسط»)
تفاصيل متشابكة بين العنف والدم تجعل حياة الصحافي في شوارع كابل شبه مستحيلة («الشرق الأوسط»)
TT

من الميدان: العمل الصحافي في أفغانستان مغامرة حقيقية قد تخسر فيها الحياة

تفاصيل متشابكة بين العنف والدم تجعل حياة الصحافي في شوارع كابل شبه مستحيلة («الشرق الأوسط»)
تفاصيل متشابكة بين العنف والدم تجعل حياة الصحافي في شوارع كابل شبه مستحيلة («الشرق الأوسط»)

منذ أن قررت قبل تسع سنوات اللحاق بركب الإعلاميين الأفغان والأجانب الذين يقومون بتغطية الأحداث الأفغانية اليومية وتداعياتها، كنت أعرف جيدا أن هذه المهنة هي مهنة المتاعب والصعوبات، ولا تخلو من المخاطر الجمة، خصوصا في بلد مثل أفغانستان حيث القانون والسلاح ينتشر في كل مكان، رغم مساعي القوات الدولية والمجتمع الدولي مساعدة الأفغان للخروج من تبعات الحرب وآثارها الكارثية التي أثرت سلبا على حياة وسلوكيات المواطن الأفغاني».
ورغم أن الإعلام ليس من تخصصي، فإن شوقي ورغبتي لهذه المهنة كانت سببا في خوض غمار العمل الصحافي في أفغانستان ما بعد طالبان، إذ انتعشت فيها آمال الأفغان بمستقبل أفضل بعد ما تدفقت إليهم المساعدات المالية للدول المانحة، عملت مع عدة مؤسسات إعلامية محلية وأجنبية وقد كسبت تجارب غنية من خلال تغطية الأحداث اليومية التي تقع في أفغانستان، وما أكثرها، خصوصا العمليات العسكرية التي تشنها جماعة طالبان والجماعات المسلحة الأخرى، ومن الواضح أن هذه التغطية للأحداث أثرت سلبا على نمط حياتي كإنسان بعد ما شاهدت المجازر وأشلاء تتناثر للإنسان الأفغاني، سوء كانت لمنفذ الهجوم أو ضحاياه الذين يسقطون بشكل يومي ضمن حرب مجهولة لا أحد يعرف حقيقة الأهداف من ورائها وإلى متى ستستمر».
سافرت إلى كثير من الولايات الأفغانية لعمل تقارير إنسانية من يوميات الإنسان الأفغاني البسيط بكل أطيافه وانتمائه العرقي، ولاحظت أنه لا تغيير كبيرا حدث في ظروف المعيشة للمواطن العادي، وأن أولوياته غير أولويات الحكومة المركزية في كابل، حيث يبحث عن الأمن والسلام المفقودين، مررت بتجارب مؤلمة خلال عملي الإعلامي في أفغانستان؛ ففي عام 2007 وأثناء تغطية عملية عسكرية شنتها القوات الأميركية على بلدة في شمال شرقي أفغانستان قيل لنا من قبل أهالي المنطقة في ذلك الوقت إن جميع الضحايا من جراء العملية الجوية هم المدنيون العزل، خلافا لرواية القوات الأميركية التي قالت للصحافيين إن القتلى من مسلحي طالبان، قررت الذهاب بعدها إلى المنطقة لتغطية ما وقع، والوصول إلى المعلومة الصحيحة، وأثناء العودة من المنطقة تم اعتقالي مع زملاء آخرين من قبل القوات الأميركية لعدة ساعات بحجة أننا ذهبنا إلى منطقة خارج سيطرة الحكومة وأنها تخضع لطالبان، وبعد تحقيق طويل وشامل تم إخلاء سبيلي، لكن بعد مصادرة جميع الصور والمقابلات التي أجريتها مع أهالي المنطقة الذين تحدثوا على الضحايا المدنيين والخسائر المالية التي لحقت بهم من جراء العملية العسكرية.
وفي عام 2009، وقعت حادثة مخيفة في حياتي لن أنساها، حيث رأيت الموت بعيني ونجوت بأعجوبة، وفي التفاصيل مجموعة مسلحة تابعة لطالبان هاجمت قلب العاصمة كابل عقب تنفيذ عمليات تفجيرية استهدفت عدة مواقع حكومية قرب القصر الجمهوري، توجهت إلى مكان الاشتباكات للوقوف حول حقيقة ما يجري، وكانت أصوات الرصاص هي المسيطرة على أجواء كابل في ذلك اليوم، اقتربت من حاجز أمني للشرطة التي قالت إنه لا يُسمح بالاقتراب أكثر من هذه النقطة. بسبب الرصاص الطائش والخوف من توسع المعارك توقفت عند نقطة التفتيش للشرطة وأنا أستمع إلى أصوات الرصاص وتبادل إطلاق النار بين مجموعة مسلحة تحصنت في مبنى تجاري، ومن هناك كانت تطلق قذائف «آر بي جي» على مقرات أمنية والقصر الجمهوري، بينما كانت عناصر الأمن الأفغاني تطوق المكان وتحاول السيطرة على المبنى، والقضاء على المسلحين، فجأة توجهت سيارة الإسعاف إلى نقطة أمنية تابعة للجيش الأفغاني قرب مقر الخارجية الأفغانية وسط كابل، لا يبعد عن مسرح الأحداث سوى بضعة أمتار لكن عناصر الجيش رفضوا السماح للسيارة بالمرور، مشيرين إلى سائقها إلى المكان الذي أقف فيه مع الشرطة لتمر من هناك، توجهت سيارة الإسعاف باتجاهنا، قلت للمصور: لنقترب منها لنصور إذا كان بداخلها جرحى أو قتلى الهجوم، اقتربنا منها كثيرا، وأنا أرى وجه سائق السيارة جيدا، وهو شاب في العشرين من عمره، سأله الشرطي لماذا يتجول هو في الشوارع ولا يحمل أي جريح أو قتيل من جراء الاشتباك المستمر بين طالبان وقوات أمنية، وإلى أي مستشفى ينتمي، مكث قليلا ثم أشار إلى حزام ناسف كان يرتديه، فقال إن أمامنا أربع ثوان حتى نبتعد من المكان، لأنه كُشف أمره، وهو سيفجر الحزام والسيارة الملغمة. حينها نطقت بالشهادتين، وقلت في نفسي إنها نهاية الحياة، صرخ الجميع بإرادة أو بلا إرادة، وكان الانتحاري صادقا حين قال أمامنا أربع ثوان. ابتعدنا عن المكان ليفجر سيارة الإسعاف التي كان بداخلها ولم يلحق أي ضرر بالشرطة أو الصحافيين الذين كانوا في الموقع، كانت هذه أخطر تجربة عشتها خلال سنوات من تغطيتي للأحداث في أفغانستان.
الوصول إلى المعلومة الصحيحة في بلد مثل أفغانستان وتغطية أداء الحكومة والوزراء والمسؤولين الآخرين ليسا أقل خطورة على حياة الصحافي الميداني من خطورة الحرب الحالية في هذا البلد، فكثير من الوزراء والمسؤولين الحكوميين متورطون في عمليات الفساد المنتشرة في البلاد، ولهم علاقات متينة مع مافيا الاقتصاد، وعند الإشارة إلى فسادهم أو نشر المعلومات التي تدينهم قد يفقد الصحافي في أفغانستان حياته بسهولة دون أن يخضع القاتل للمساءلة القانونية أو يثبت انتماؤه إلى أي جهة، حيث شهدت السنوات العشر الماضية حوادث قتل وضرب طالت الصحافيين الأفغان والأجانب في مختلف المناطق الأفغانية.
مشكلات وصعوبات كثيرة وتحديات أمنية نواجهها أثناء التغطية الإعلامية، رغم أن أفغانستان تعتبر أفضل بكثير من الدول في المنطقة من ناحية حرية الرأي والبيان وإيصال المعلومة، لكن كل ذلك يبقى في الأوراق في كثير من الأحيان والحالات، ونواجه تضييقا في العمل ليس من قبل المسلحين فقط وإنما من قبل الشرطة وعناصر الأمن الذين يقومون بممارسات القيود والتضييق على العمل الصحافي الميداني في أفغانستان، خصوصا مع تصعيد الجماعات المسلحة من أنشطتها العسكرية لهذا الموقع القتالي في البلاد.
مع ذلك تبقى أفغانستان رغم مضي أربع عشرة سنة من رحيل نظام طالبان أكثر المناطق خطورة للصحافيين، وهم يجازفون بحياتهم من أجل إيصال المعلومة والخبر الصحيح إلى المشاهد أو المستمع حول العالم، ويبدو أن السنوات المقبلة ستكون أكثر خطورة، بعد الأنباء التي تتحدث من حضور مقاتلي «داعش» في أكثر من ثلاث ولايات أفغانية، وتزايد المعارك بين طالبان و«داعش» من جهة، وبين الجماعات المسلحة التي تسعى للإطاحة بالحكومة في كابل والجيش الأفغاني من جهة ثانية.



الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
TT

الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)

يبدو أن انتخابات الرئاسة الأميركية، التي أُجريت يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، عزّزت مكانة منصة «بلوسكاي» منافساً رئيساً لـ«إكس»، ما أثار تساؤلات بشأن مستقبل المنصتين، ولمَن ستكون الغلبة في سباق منصات التواصل الاجتماعي للتنافس على زيادة عدد المستخدمين. وفي حين عدّ خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط» أن «بلوسكاي» قد تكون «بديلاً» لـ«إكس»، فإن هؤلاء توقّعوا أن هذا التغير قد يحتاج لسنوات.

من جهتها، أفادت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية بأن منصة «بلوسكاي» شهدت زيادة مليون مستخدم جديد خلال الأسبوع الذي أعقب الانتخابات الأميركية، وعلّقت قائلة «في الوقت الراهن يبحث بعض مستخدمي (إكس) عن منصة بديلة للتفاعل مع الآخرين ونشر أفكارهم». أما صحيفة «الغارديان» البريطانية، فأوردت في تقرير نشرته منتصف الشهر الحالي، أن كثيراً من المستخدمين «يسعون الآن للهروب من (إكس)، وسط تحذيرات من زيادة خطاب الكراهية والمعلومات المضلّلة على المنصة». وحقاً، وفق «بلوسكاي» ارتفع عدد مشتركيها «من 10 ملايين في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى 16 مليون مستخدم حالياً».

رائف الغوري، المدرّب والباحث المتخصّص في الذكاء الاصطناعي التوليدي، أرجع ازدياد الإقبال على منصة «بلوسكاي» إلى «فقدان منصة (إكس) مكانتها تدريجياً». وأردف أن جاك دورسي نقل الخبرات والتجارب الناضجة لـ«تويتر» سابقاً و«إكس» عند تأسيس «بلوسكاي»، ما منح المنصة «عناصر قوة تظهر في مزايا اللامركزية، والخوارزميات التي يستطيع المستخدم أن يعدلها وفق ما يناسبه». وتابع: «انتخابات الرئاسة الأميركية كانت من أهم التواريخ بالنسبة لبلوسكاي في ظل ازدياد الإقبال عليها».ولذا لا يستبعد الغوري أن تصبح «بلوسكاي» بديلاً لـ«إكس»، لكنه يرى أن «هذا الأمر سيحتاج إلى وقت ربما يصل إلى سنوات عدة، لا سيما أن بلوسكاي حديثة العهد مقارنة بـ(إكس) التي أُسِّست في مارس (آذار) 2006، ثم إن هناك بعض المزايا التي تتمتع بها (إكس)، على رأسها، تمتعها بوجود عدد كبير من صنّاع القرار الاقتصادي والسياسي والفنانين والمشاهير حول العالم الذين لديهم رصيد واسع من المتابعين، وهذا عامل يزيد من صعوبة التخلي عنها».

ويشار إلى أن «بلوسكاي» تتمتع بسمات «إكس» نفسها، ويعود تاريخها إلى عام 2019 عندما أعلن جاك دورسي - وكان حينئذٍ لا يزال يشغل منصب المدير التنفيذي لـ«تويتر» («إكس» حالياً) - عن تمويل الشركة تطوير منصة تواصل اجتماعي مفتوحة ولا مركزية تحمل اسم «بلوسكاي». وفي فبراير (شباط) 2022 تحوّلت إلى شركة مستقلة، لتطلق نسختها التجريبية مع نهاية العام.

من جانبه، قال محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «منصة (بلوسكاي) في طريقها بالفعل للاستفادة من التغيّرات الجذرية التي تشهدها منصات كبيرة مثل (إكس)». وأوضح أن «النموذج اللامركزي الذي تعتمده (بلوسكاي) يمنحها ميزةً تنافسيةً ملحوظةً، لا سيما مع ازدياد الوعي حول الخصوصية والتحكم في البيانات، أضف إلى ذلك أن المستخدمين اليوم يبحثون عن منصات توفر لهم الأمان، لا سيما بعد التحوّلات الكبيرة التي شهدتها (إكس) تحت قيادة ماسك... ومن هذا المنطلق يبدو أن لدى (بلوسكاي) فرصة حقيقية للنمو، إذا استمرت في تعزيز مبادئها المتعلقة بالشفافية وحرية التعبير».

الصاوي أشار أيضاً إلى أن عمل ماسك مع ترمب قد يكون له تأثير مزدوج على منصة (إكس)، بشأن الرقابة على المحتوى، وقال: «إن العلاقة الحالية بينهما قد تدفع نحو تغييرات دراماتيكية في إدارة (إكس) وتوجهاتها المستقبلية، ما يزيد ويبرّر الحاجة إلى منصات بديلة أكثر استقلالية مثل (بلوسكاي)».