«ترياق تقاسيم الغربة».. فيلم سعودي جديد للأخوة سعيد من إخراج مجتبى

بعد نجاح تجربتهم في «بوصلة»

مخرج فيلم «بوصلة» علي سعيد يتحدث عن فيلمه للمتابعين  («الشرق الأوسط»)
مخرج فيلم «بوصلة» علي سعيد يتحدث عن فيلمه للمتابعين («الشرق الأوسط»)
TT

«ترياق تقاسيم الغربة».. فيلم سعودي جديد للأخوة سعيد من إخراج مجتبى

مخرج فيلم «بوصلة» علي سعيد يتحدث عن فيلمه للمتابعين  («الشرق الأوسط»)
مخرج فيلم «بوصلة» علي سعيد يتحدث عن فيلمه للمتابعين («الشرق الأوسط»)

يبدو أن التجربة السينمائية السعودية الشابة بدأت تتألق رويدًا رويدًا، إذ بعد نجاح فيلم «بوصلة»، وهو فيلم سينمائي سعودي ألماني ساخر، صُوّر في برلين، أصبحت الساحة الفنية موعودة خلال الفترة المقبلة بإنتاج فيلم بملامح جديدة. الفيلم السينمائي الجديد، بعنوان «ترياق تقاسيم الغربة»، وهو من تأليف السيناريست علي سعيد وإخراج مجتبى سعيد السعوديين، ومن إنتاج خليجي.
وعن «ترياق» يقول علي سعيد لـ«الشرق الأوسط»: «كتبت قبل مدة سيناريو فيلم روائي حول معاناة فنان مغمور ضمن بيئة محافظة محتقرة للفن، وقد فاز النص بدعم جهة سينمائية خليجية لإنتاجه، وسوف تعلن عنه هذه الجهة بعد استكمال العقد خلال الفترة المقبلة».
من جهته، أوضح لـ«الشرق الأوسط»، مجتبى سعيد، وهو من سيخرج فيلم «ترياق»، أنه سيصور في البيئة السعودية الغنية بمواقع تصوير مغرية للشاشة السينمائية أيضًا، على أن يدير التصوير السينماتوغرافي حسن سعيد، الأخ الثالث للإخوة سعيد.
وبالعودة، إلى فيلم «البوصلة»، فإن مؤسسة الدوحة للأفلام تسعى حاليا لعرضه، في المتحف الإسلامي في الدوحة، وذلك نهاية شهر يوليو (تموز) الحالي، ضمن برنامج عروضها للأفلام الخليجية المختارة.
وسبق أن عرض فيلم «البوصلة»، في برنامج «بعيون سعودية» المخصص للمخرجين السعوديين على محطة «mbc1»، واعتبرته لجنة التحكيم فيلمًا جريئًا ومتفوقًا، استطاع من خلاله المخرج مجتبى سعيد أن يفوز بلقب أفضل مخرج سينمائي سعودي في البرنامج الذي ضم نخبة من المخرجين السعوديين.
ليس هذا فحسب، بل سجل الفيلم إعجاب النقاد والجمهور على شبكات التواصل، وأيضا خلال عرضه الأول في السفارة الألمانية بالرياض، ليدرج الفيلم ضمن أهم ما أُنتج من أفلام سينمائية سعودية.
حول فكرة الفيلم يقول الكاتب علي سعيد: «ولدت لدي من سؤال بديهي قد يتعرض له أي شخص مسلم ينتقل إلى مكان جديد لا يعرف فيه أين اتجاه القبلة»، مضيفًا: «وهو السؤال الذي أعدت طرحه من خلال استلهامه ووضعه في حبكة سينمائية برفقة شخوص متنوعين يمثلون أنماطًا من حياة المسلمين اليوم».
يقول الكاتب: «يمكن أن نصف فيلم (بوصلة) على أنه فيلم مركّب على مستوى الصراع أو الحبكة العامة، فهو من جهة يصور صراعا وخلافا إسلاميا بين المسلمين على اتجاه القبلة لدى الجالية المسلمة في برلين. أما الصراع الآخر فهو بين الزوج السعودي مشعل و(محرم) الطالبة المبتعثة نورة الأحمد»، بينما يشير الكاتب إلى صراع آخر يصفه بالرؤيوي، الذي ليس بالضرورة أن يظهر في المسارين الدراميين «القبلة» و«الزوجين السعوديين»، مبينًا: «ضمن رمزيات الفيلم حول القبلة ثمة أيضا مواجهة بين التدين السائد، الذي تمثله الشخصية المسلمة مشعل، والإيمان الذي يمثله شخصية جلال في الفيلم، وهي مسألة أظن تحتاج إلى تأمل أكثر».
ويضيف أن «الفيلم كسرد سينمائي ليس سعوديا بل إسلامي بين شخوص مسلمة، ولكنه أيضا فيلم سعودي من حيث الإنتاج والفكرة والكتابة والإخراج البصري الذي أخذه إلى أبعد مدى المخرج مجتبى سعيد».
الشخوص واللغة السينمائية أكثر ما لفت النقاد والمهتمين في الفيلم، لا سيما أنها متباينة عن بعضها البعض على مستوى اللغة ومنطق الحديث وأيضا الثقافة واللهجة والإثنية (ألمان، أتراك، عرب) وكلها في فيلم واحد وكذلك الحوار السينمائي. يقول علي سعيد: «كنت واعيًا لما سماه باختين بالحوارية بين الشخوص، فلكل شخصية منطقها وفكرها الذي يحتم أن يكون خطابها الشفهي متسقًا مع شخصيتها، فالشيخ سيتحدث بلغة بلاغية عالية لن نجدها عند الشيخ عبد الحفيظ في الفيلم، وكذلك مشعل الزوج (على الورق) له منطق يمثل نمطًا موجودًا في المجتمع، ولكنه سيختلف عن جبار العراقي بائع الخضار أو الحلاق التركي حكمت.. وهكذا». يقول الكاتب السعيد: «الكم الكبير من الشخوص، نسبيا في فيلم روائي (40 دقيقة) أكد أيضا القدرات المبدعة للمخرج مجتبى سعيد الذي أخرج قبل هذه التجربة عددا من الأفلام القصيرة، منها فيلما (حياة) و(كفاحي)».
و«بوصلة»، فيلم سعودي، يؤكد مقدرة هائلة على استجلاب ممثلين بعضهم هواة وآخرون لم يمثلوا من قبل، ويظهروا وكأنهم محترفون من خلال التعاطي الحساس والذكي خلال إدارة أداء الممثل، كي يعطي كل ما يملك بعفوية كانت قريبة جدا من المتلقي، خصوصا أن الفيلم كوميدي ودرامي أيضًا.
البداية الثنائية التي وُصفت بالقوية بين الأخوين سعيد، تستحق التأمل أيضًا، كون علي سعيد له تجربة في الصحافة الثقافية بعد أن درس في كلية الإعلام بجامعة دمشق أساسيات الكتابة الإبداعية، وانطلق من هناك مراسلا ثقافيا للصحف السعودية منذ عام 2003، ويستمر إلى أن كتب أول أفلامه عام 2011.
ما حدث أن المخرج الشاب احتاج إلى نص سينمائي يعبر عن العمق الفكري الذي يريد الاشتغال عليه، وأيضا يكون بمستوى تقني قادر على الإنتاج السينمائي.
من هنا ولدت فكرة العمل الثنائي، بأن يكتب علي ويخرج مجتبى، إذ أنتجا معا فيلمين؛ الأول هو «ليمون أخضر»، وهو فيلم دراما تتخلله جوانب من الغموض والفانتازيا كنوعين في السينما، ثم جاءت تجربة فيلم بوصلة المتطورة في الشراكة لتؤكد هذا الانسجام الفكري والفني في آن واحد.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».