الحلقة (26): الملكة بلقيس (2) .. وصفها القرآن بالأدب والشورى والذكاء

رجل مسن يصلي في أحد مساجد العاصمة الأردنية عمان (أ.ب)
رجل مسن يصلي في أحد مساجد العاصمة الأردنية عمان (أ.ب)
TT

الحلقة (26): الملكة بلقيس (2) .. وصفها القرآن بالأدب والشورى والذكاء

رجل مسن يصلي في أحد مساجد العاصمة الأردنية عمان (أ.ب)
رجل مسن يصلي في أحد مساجد العاصمة الأردنية عمان (أ.ب)

تلقت الملكة بلقيس كتاب سليمان عليه السلام بعد أن ألقاه الهدهد إليها.. على الفور عقدت اجتماعًا لمجلس الشورى.. أبلغت كبار مستشاريها أنها تلقت كتابا من سليمان، وقرأته عليهم.
القرآن الكريم أبرز حديث بلقيس إليهم في قوله تعالى: «قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيِ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ».
اجتماع مجلس شورى بلقيس لم يتوقف عند هذا الحد، فقد طلبت الملكة مشورتهم - كعادتها - قبل أن تصدر قراراتها.. «قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ».
أبلغ القادة ملكتهم بلقيس أنهم أصحاب قوة وبأس شديد، وأنهم قادرون على الدفاع عن مملكتهم، ومستعدون لتنفيذ أوامرها في أي وقت.. «قَالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ».
اختارت الملكة البدء بالسياسة والدبلوماسية، وقررت ما حكاه القرآن عنها: «قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ».
وتنقل الدكتورة بلقيس إبراهيم الحضراني في كتابها «الملكة بلقيس»، عن «ابن كثير»، قوله: «إن سليمان عليه السلام لم ينظر ما جاءوا به بالكلية، ولا اعتنى به، بل أعرض عنه، وقال منكرا عليهم: «أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ» أي أتصانعونني بمال لأترككم في شرككم وملككم؟ فما آتاني الله من الملك والمال والجنود خير مما أنتم فيه».
يقول الكاتب محمد على قطب في كتابه «زوجات الأنبياء وأمهات المؤمنين»: «رد سليمان الهدية مع حاملها، وأرسل ينذر بلقيس وقومها بالإقلاع عن عبادة غير الله، وإلا فإنه سوف يأتيهم بحشود وجنود لا قبل لهم بها، ولا قدرة على مقاومتها، ولسوف يبطش بهم بطشة كبرى، أو يأتون مسلمين معلنين التوحيد».
ويضيف الكاتب أن بلقيس آثرت السلامة لبلدها وشعبها، وبادرت بالقدوم إلى مملكة سليمان في «بيت المقدس» معلنة ولاءها.
ويقول: «تزوج سليمان عليه السلام من بلقيس وأعادها إلى سبأ، وكان يأتيها بين الحين والآخر».
ويوضح الدكتور شعيب الغباشي الأستاذ بجامعة الأزهر في كتابه «أعلام النساء في القرآن الكريم» أن سليمان عليه السلام تزوجها وردها إلى ملكها باليمن، وكان يأتيها على الريح كل شهر مرة، فولدت له غلاما سماه داود مات في زمانه.
ويقول الكاتب والإعلامي جابر الشال في كتابه «قصص النساء»: «تزوجت بلقيس من سليمان - عليه السلام - بعد أن آمنت بالحق الذي يدعو إليه، وعاشت قصتها عبر مسيرة الزمان كملكة حكيمة كان سداد رأيها سبيلا لهدايتها وهداية قومها».
وتبرز الدكتورة بلقيس إبراهيم الحضري حقيقة مهمة في ختام حديثها عن الملكة بلقيس بقولها: «إن ما يعنينا هو حضور هذا الاسم الثابت في الثقافة والذهنية اليمنية، وفي ضمير الأجيال التي ظلت تتوارثه من جيل لآخر، مشكلا حضورا حيا للماضي بكل ما يرمز إليه من قيم ومثل، ورمزا يربط الماضي بالحاضر بالمستقبل».
وتكشف الآيات الكريمة التي تحدثت عن قصة سليمان عليه السلام مع بلقيس عن صفات سياسية وأخلاقية حميدة لملكة سبأ، منها:
- تتمتع الملكة بلقيس بأدب عالٍ وأخلاق سامية جعلتها تصف كتاب سليمان عليه السلام بأنه «كتاب كريم»، على الرغم مما تضمنه من حزم وحسم شديدين، وطلب حضور بإذعان تام ودون استعلاء.
- تطبق الملكة بلقيس بعزم وإصرار نظام «الشورى» في كل أمور الحكم، وتأبى أن تنفرد برأيها، وتحرص على سماع آراء مساعديها بحرية كاملة، وتشجعهم على تزويدها بخبراتهم وتقديراتهم للأمور، ثم تختار ما تراه مناسبا لمصلحة المملكة.
- تتمتع الملكة بلقيس بفكر رشيد، وآراء صائبة، وحكمة في مواجهة المستجدات، وقد سجل القرآن قولها: «إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً».. ولم يكتف القرآن بذلك، بل أكد القرآن الكريم هذا الرأي، فقال تعالى: «وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ».
- تميزت إجابتها عن سؤالها عن عرشها بالذكاء والحيطة، فقد أتى به أحد أعوان سليمان عليه السلام في طرفة عين، وجرى تنكيره لاختبارها، بسؤالها: «أَهَكَذَا عَرْشُكِ».. فجاءت إجابتها: «كَأَنَّهُ هُوَ».
لم يكن أمامها في تلك اللحظة أن تجيب بغير هاتين الكلمتين «كَأَنَّهُ هُوَ».. كانت ستجد نفسها أمام تساؤل مهم إذا أقرت أنه عرشها، وهو: كيف سبقها منتقلا من مملكتها سبأ إلى مملكة سليمان؟
فإذا نفت صراحة أنه عرشها فستجد نفسها أمام تساؤل آخر: كيف استطاع أعوان سليمان تقليد عرشها بهذه الجودة والدقة؟
كانت بلقيس تتأمَّل العرش وهي تقول: «كَأَنَّهُ هُوَ».
وجاءت كلمات سليمان واضحة جلية تقطع الشك باليقين، وتجزم بأنها أمام حقيقة لم تكن تتجسد إلا لنبي، وذلك فيما حكاه القرآن الكريم على لسان سليمان عليه السلام: «وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ».
إن ما شهدته وعايشته بلقيس فور دخولها مملكة نبي الله سليمان عليه السلام، جعلها تصارح نفسها وقومها وشعبها بأعظم حقيقة، وهي تردد شهادتها التي خلدها القرآن الكريم حتى تقوم الساعة: «قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».
إن تأمل حياة الملكة بلقيس يضعنا أمام دروس عظيمة متجددة في مختلف مجالات الحياة لمن أراد إعلاء راية الحق، والانتصار للحقيقة.



أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
TT

أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)

سادت أجواء البهجة منذ الساعات الأولى من صباح أول أيام عيد الفطر في مصر، حيث احتشد المصلون من مختلف الأعمار في ساحات المساجد، وسط تكبيرات العيد التي ترددت أصداؤها في المحافظات المختلفة.
وشهدت ساحات المساجد زحاماً لافتاً، مما أدى إلى تكدس المرور في كثير من الميادين، والمناطق المحيطة بالمساجد الكبرى بالقاهرة مثل مسجد الإمام الحسين، ومسجد عمرو بن العاص، ومسجد السيدة نفيسة، ومسجد السيدة زينب، وكذلك شهدت ميادين عدد من المحافظات الأخرى زحاماً لافتاً مع صباح يوم العيد مثل ساحة مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية.
وتبدأ مع صلاة العيد أولى مباهج الاحتفالات عبر «إسعاد الأطفال»، وفق ما تقول ياسمين مدحت (32 عاماً) من سكان محافظة الجيزة (غرب القاهرة). مضيفةً أن «صلاة العيد في حد ذاتها تعد احتفالاً يشارك الأهالي في صناعة بهجته، وفي كل عام تزداد مساحة مشاركة المصلين بشكل تطوعي في توزيع البالونات على الأطفال، وكذلك توزيع أكياس صغيرة تضم قطع حلوى أو عيدية رمزية تعادل خمسة جنيهات، وهي تفاصيل كانت منتشرة في صلاة العيد هذا العام بشكل لافت»، كما تقول في حديثها مع «الشرق الأوسط».

بالونات ومشاهد احتفالية في صباح عيد الفطر (وزارة الأوقاف المصرية) 
ويتحدث أحمد عبد المحسن (36 عاماً) من محافظة القاهرة، عن تمرير الميكروفون في صلاة العيد بين المُصلين والأطفال لترديد تكبيرات العيد، في طقس يصفه بـ«المبهج»، ويقول في حديثه مع «الشرق الأوسط» إن «الزحام والأعداد الغفيرة من المصلين امتدت إلى الشوارع الجانبية حول مسجد أبو بكر الصديق بمنطقة (مصر الجديدة)، ورغم أن الزحام الشديد أعاق البعض عند مغادرة الساحة بعد الصلاة بشكل كبير، فإن أجواء العيد لها بهجتها الخاصة التي افتقدناها في السنوات الأخيرة لا سيما في سنوات (كورونا)».
ولم تغب المزارات المعتادة عن قائمة اهتمام المصريين خلال العيد، إذ استقطبت الحدائق العامة، ولعل أبرزها حديقة الحيوان بالجيزة (الأكبر في البلاد)، التي وصل عدد الزائرين بها خلال الساعات الأولى من صباح أول أيام العيد إلى ما يتجاوز 20 ألف زائر، حسبما أفاد، محمد رجائي رئيس الإدارة المركزية لحدائق الحيوان، في تصريحات صحافية.
ويبلغ سعر تذكرة حديقة الحيوان خمسة جنيهات، وهو مبلغ رمزي يجعل منها نزهة ميسورة لعدد كبير من العائلات في مصر. ومن المنتظر أن ترتفع قيمة التذكرة مع الانتهاء من عملية التطوير التي ستشهدها الحديقة خلال الفترة المقبلة، التي يعود تأسيسها إلى عام 1891، وتعد من بين أكبر حدائق الحيوان في منطقة الشرق الأوسط من حيث المساحة، حيث تقع على نحو 80 فداناً.