المسحراتي في بغداد يتنازل عن طبلته للشباب

تجواله دليل استقرار أمني.. وأجوره يتقاضاها أول أيام العيد

معظم المسحراتية في بغداد أخذوا مهنتهم عن آبائهم وأجدادهم
معظم المسحراتية في بغداد أخذوا مهنتهم عن آبائهم وأجدادهم
TT

المسحراتي في بغداد يتنازل عن طبلته للشباب

معظم المسحراتية في بغداد أخذوا مهنتهم عن آبائهم وأجدادهم
معظم المسحراتية في بغداد أخذوا مهنتهم عن آبائهم وأجدادهم

المسحراتي، لم تزل طبلته الشهيرة تدوي في الأزقة البغدادية، مع بدايات ساعات الليل وحتى وقت الإمساك، لكن هذا التقليد بدأ يجذب إليه الشباب هذه الأيام، إذ يحاول شباب عراقيون تقليد مهنة آبائهم والاستعانة بالأصدقاء لأداء مهمة المسحراتي، وهم يجوبون المناطق السكنية الآمنة يرافقهم أطفال المحلة طمعا بفرصة لدق الطبول بأنفسهم. هذا العام تجول بحرية أكبر تماشيا مع أول رمضان لا يخضع لقرارات حظر التجوال كما في الأعوام الماضية، وحافظ على وجوده كموروث شعبي محبب درجت معظم المناطق والأحياء البغدادية على الاستعانة بخدماته طيلة ليالي شهر رمضان ليتولى مهمة إيقاظ الصائمين بالضرب على طبلة كبيرة وحثهم على السحور، على الرغم من كل وسائل التنبيه الحديثة الأخرى، وترافق معه هذا العام حلقات لعبة المحيبس في معظم الأحياء الشعبية البغدادية.
لعل أبرز ما تغير في مهنة المسحراتي البغدادي أن الشباب تولوا زمام المبادرة فيها وتطوعوا لأداء المهمة وسط ترحيب الأهالي وتشجعيهم، وعادة ما يكون هذا التشجيع عبارة عن مأكولات أو حلويات توزع بينهم حالما يقتربون من البيوت.
ياسر حسن (21 عامًا) طالب جامعي، قال: «قررت مع أصدقائي منذ نحو سنتين أن نتولى مهمة المسحراتي، لما لها من أجر كبير، كما أننا نسعى لكي لا ينقطع هذا التقليد البغدادي مهما تعددت وسائل التنبيه، أو حتى صعبت الظروف الأمنية إذ نسعى وقتها إلى الاستعانة بالقوات الأمنية لأداء مهمتنا». أما صديقه أحمد، الذي رافقه بصحبة اثنين من زملائه قال: «الأهالي يرحبون بوجودنا وخصوصا الأطفال، ونحن نؤدي عملا تطوعيا ربما نجني ثماره في أول أيام العيد بحسب ما يجود به كرم العوائل».
فيما يرى الحاج أبو شعلان (54 عامًا) أن مهمة المسحراتي ليست وظيفة أو حاجة رمضانية، إنما هي موروث تراثي عريق نحاول أن لا ينقطع لما يحمله من تواصل وصلة ربانية واجتماعية، ومعظم المسحراتية في بغداد اخذوا مهنتهم من آبائهم وأجدادهم، وتواصلوا معها.
وأضاف: «كثير من الطقوس لا تزال كما هي، ولعل أبرزها لعبة المحيبس التي عادة ما تدور بين أبناء الأحياء المجاورة، وتكون المنافسة حامية، وتنتهي بتوزيع الفريق الخاسر الحلويات (البقلاوة والزلابية) بين الحاضرين».
وتتنافس مناطق عدة في بغداد من أبرزها شارع الكفاح والبتاويين (وسط بغداد) لأداء اللعبة، وهناك أسماء برزت في هذه اللعبة كونها البطاقة الرابحة لأي فريق. يقول الإعلامي والتراثي مجيد ناجي: «المسحراتي شخصية تراثية، لها طقوسها ورنتها واسمها في كل بلد عربي لكنها تحمل بعضا من عادات تلك الشعوب، وحتى تسميته تختلف من بلد لآخر، في العراق يسمى أيضا (المطبلجي) الذي يحمل (دمامه) ويمر على البيوت في الساعات التي تسبق موعد السحور».



المدن والقرى السعودية ترسم «فرائحية العيد»... بالحديث والقديم

من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
TT

المدن والقرى السعودية ترسم «فرائحية العيد»... بالحديث والقديم

من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)

حافظ السعوديون على مظاهر عيد الفطر السعيد التي كانت سائدة في الماضي، كما حرص المقيمون في البلاد من المسلمين على الاحتفال بهذه المناسبة السنوية وفق عاداتهم وتقاليدهم في بلدانهم، أو مشاركة السكان في احتفالاتهم بهذه المناسبة السنوية، علماً بأن السعودية تحتضن مقيمين من نحو 100 جنسية مختلفة.
ويستعد السكان لهذه المناسبة قبل أيام من حلول عيد الفطر، من خلال تجهيز «زكاة الفطر»، وهي شعيرة يستحب استخراجها قبل حلول العيد بيوم أو يومين، ويتم ذلك بشرائها مباشرة من محال بيع المواد الغذائية أو الباعة الجائلين، الذين ينتشرون في الأسواق أو على الطرقات ويفترشون الأرض أمام أكياس معبئة من الحبوب من قوت البلد بمقياس الصاع النبوي، والذي كان لا يتعدى القمح والزبيب، ولكن في العصر الحالي دخل الأرز كقوت وحيد لاستخراج الزكاة.
وفي كل عام يتكرر المشهد السائد ذاته منذ عقود في الاحتفال بعيد الفطر السعيد ومع حلوله اليوم في السعودية تستعيد ذاكرة السكان، وخصوصاً من كبار السن ذكريات عن هذه الفرائحية السنوية أيام زمان، وفق استعدادات ومتطلبات خاصة وبعض المظاهر الاحتفالية التي تسبق المناسبة.

السعوديون يحرصون على الإفطار الجماعي يوم العيد (أرشيفية - واس)

وحافظت بعض المدن والمحافظات والقرى والهجر في السعودية على مظاهر العيد التي كانت سائدة في الماضي؛ إذ حرص السكان على إبقاء هذه المظاهر ومحاولة توريثها للأبناء. ولوحظ خلال الأعوام الماضية حرص السكان على إحياء المظاهر الاحتفالية بعيد الفطر من خلال موائد العيد بمشاركة جميع سكان الحي، وتمثلت هذه المظاهر في تخصيص أماكن بالقرب من المساجد أو الأراضي الفضاء ونصب الخيام داخلها وفرشها بالسجاد ليبدأ سكان الأحياء بُعيد الصلاة بالتجمع في هذه الأماكن وتبادل التهنئة بالعيد، ثم تناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، بعدها يتم إحضار موائد العيد من المنازل أو المطابخ، التي لا تتعدى الكبسة السعودية والأكلات الشعبية الأخرى المصنوعة من القمح المحلي، وأبرزها الجريش والمرقوق والمطازيز، علماً بأن ربات البيوت يحرصن على التنسيق فيما يتعلق بهذه الأطباق لتحقيق التنوع في مائدة العيد وعدم طغيان طبق على آخر.
ويحرص السكان على المشاركة في احتفالية العيد التي تبدأ بتناول إفطار العيد في ساعة مبكرة بعد أن يؤدي سكان الحي صلاة العيد في المسجد يتوجه السكان إلى المكان المخصص للإفطار، الذي يفرش عادة بالسجاد (الزوالي) مع وضع بعض المقاعد لكبار السن ليتسنى لهم المشاركة في هذه الاحتفالات وفي المكان يتم تبادل التهاني بالعيد وتناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، وبعدها يبدأ إخراج موائد العيد من المنازل وتوزيعها على السفرة التي تفرش عادة في الساحات القريبة من المسجد أو في الأراضي الفضاء داخل الحي أو حتى في الشوارع الفرعية، كما تقيم إمارات المناطق والمحافظات إفطاراً في مقراتها في ساعة مبكرة من الصباح يشارك بها السكان من مواطنين ومقيمين.

الأطفال أكثر فرحاً بحلول العيد (أرشيفية - واس)

وبعد انتهاء إفطار العيد يتوجه أرباب الأسر مع عائلاتهم إلى الأقارب للتهنئة بالعيد ضمن اعتبارات تتعلق بأعمار المزارين ودرجة القرابة، حيث الأولوية لعمداء الأسر وكبار السن منهم، ولأن الساعة البيولوجية للسكان يصيبها الخلل خلال شهر الصوم، فإن البعض يحرص على أخذ قسط من الراحة قبيل صلاة الظهر أو بعدها، ثم يبدأ بعد العصر بزيارة الأقارب والأصدقاء حتى المساء، حيث يخيّم الهدوء على المنازل، ويحرص المشاركون في الإفطار على تذوق جميع الأطباق التي غالباً ما يتم إعدادها داخل المنازل، التي لا تتعدى أطباق الكبسة والجريش وأحياناً القرصان أو المرقوق أو المطازيز، خصوصاً في أيام الصيف، حيث كانت موائد العيد خلال الشتاء تزين بالأكلات الشعبية مثل الحنيني والفريك.
وفي الوقت الذي اختفت فيه بعض مظاهر العيد القديمة عادت هذه الأجواء التي تسبق يوم عيد الفطر المبارك بيوم أو يومين للظهور مجدداً في بعض المدن والقرى بعد أن اختفت منذ خمسة عقود والمتمثلة في المناسبة الفرحية المعروفة باسم العيدية، التي تحمل مسميات مختلفة في مناطق السعودية، منها «الحوامة» أو «الخبازة» أو «الحقاقة» أو «القرقيعان» في المنطقة الشرقية ودول الخليج، كما تم إحياء هذا التراث الذي اندثر منذ سنوات الطفرة وانتقال السكان من منازلهم الطينية إلى منازل حديثة، وقد ساهمت الحضارة الحديثة وانتقال السكان من الأحياء والأزقة الطينية في القرى والمدن في اختفاء هذا المظهر الفرحي للصغار في شهر رمضان ومع حلول العيد. يشار إلى أن المظاهر الاحتفالية لعيدية رمضان قبل عقود عدة تتمثل في قيام الأطفال بطرق الأبواب صباح آخر يوم من أيام رمضان وطلب العيدية التي كانت لا تتعدى البيض المسلوق أو القمح المشوي مع سنابله والمعروف باسم «السهو»، ثم تطور الأمر إلى تقديم المكسرات والحلوى، خصوصاً القريض والفصفص وحب القرع وحب الشمام والحبحب، وحلّت محلها هدايا كألعاب الأطفال أو أجهزة الهاتف المحمول أو النقود.