أعلنت السلطات في تونس أن 8.8 بالمئة فقط من الناخبين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية، بعد أن قاطعت معظم الأحزاب السياسية الاقتراع ووصفته بأنه مهزلة تهدف لتدعيم سلطات الرئيس.
وفتح أكثر من 11 ألف مكتب اقتراع داخل تونس، صباح أمس، أبوابه أمام أزيد من تسعة ملايين ناخب؛ لاختيار أعضاء البرلمان التونسي الجديد، الذي سيحل محل البرلمان المنحل الذي كانت تتزعمه حركة «النهضة»، وسيتم في هذه الانتخابات التصويت على الأفراد، عوض التصويت على القائمات الانتخابية، كما كان الوضع في المحطات الانتخابية السابقة، وذلك لأول مرة في تاريخ البلاد.
وخلال الساعات الأولى التي تلت فتح مراكز الاقتراع، أجمع معظم التقارير الإعلامية وتصريحات بعض رؤساء الهيئات الفرعية للانتخابات على «الإقبال الضعيف للناخبين، وغياب الحماس الفردي والتنافس السياسي»، على مقاعد البرلمان الذي يستوفي خريطة الطريق، التي أعلنها الرئيس قيس سعيد نهاية السنة الماضية، رغم كل ما رافق المسار الذي أطلقه منذ 25 يوليو (تموز) 2021 من تشكيك ومعارضة ودعوات للتراجع عنه.
ومن خلال جولة أجرتها «الشرق الأوسط» وسط العاصمة، وزيارة عدد من مكاتب الاقتراع المنتشرة في الأحياء المحيطة بها، بدت حركة الناخبين متثاقلة، ولم تظهر الصفوف الطويلة نفسها، التي ميزت المحطات الانتخابية السابقة، ومثال على ذلك، فقد شهد مكتب الاقتراع بشارع مرسيليا، وسط العاصمة، نسبة إقبال لم تتجاوز 0.66 في المائة حتى حدود العاشرة صباحاً، وفق تصريح عبد العزيز البهري، رئيس مكتب الاقتراع بهذه المنطقة.
وبحسب بعض الأرقام المسجلة، فقد كانت نسبة الإقبال على مكاتب الاقتراع في منطقة الكاف (شمالي غرب) في حدود 2.6 في المائة حتى الساعة العاشرة، وذلك من إجمالي 204963 ناخباً مسجلاً، يتنافس فيها 36 مرشحاً تقدموا للانتخابات في 3 دوائر انتخابية من أجل الفوز بثلاثة مقاعد بالبرلمان التونسي الجديد.
أما نسبة المشاركة في ولاية (محافظة) القصرين، فلم تتجاوز إلى حدود العاشرة صباحاً نسبة 0.6 في المائة، حيث بلغ عدد المقترعين 2052 مقترعاً، بحسب تصريح أدلى به أمير الميزاوي، رئيس الهيئة الفرعية للانتخابات بالقصرين.
في السياق ذاته، بلغت النسبة الإجمالية للإقبال على مكاتب التصويت بالدوائر الانتخابية الثلاث في ولاية (محافظة) زغوان، لانتخاب 3 أعضاء بمجلس النواب الجديد، حدود 2.42 في المائة إلى حدود العاشرة صباحاً.
وبينما غاب الناخبون عن مراكز الاقتراع، حافظت المقاهي الشعبية على الإقبال نفسه من قبل التونسيين، غير مبالين بالموعد الانتخابي، كما غابت نقاشاتهم الحادة التي ميزت انتخابات 2011 و2014 و2019، بينما شهدت شوارع بعض الأحياء الشعبية حركة ملحوظة، لكن في اتجاه الأسواق والمحلات التجارية بدل مراكز الاقتراع، في يوم احتفالهم بعيد انطلاق الثورة في تونس.
وأفادت المعطيات الأولية، التي أعلنتها هيئة الانتخابات، بارتفاع عدد المقترعين من نحو 270 ألف مقترع عند العاشرة صباحاً (ما يعني أن نسبة المشاركة لم تتجاوز 3 في المائة) إلى نحو 400 ألف مقترع بعد نحو ساعة من ذلك. لكن هيئة الانتخابات تأمل في مشاركة نحو 2.8 مليون ناخب في هذه المحطة الانتخابية، وهو تقريباً عدد المشاركين نفسه في استفتاء الصيف الماضي. غير أن الأطراف السياسية المعارضة توقعت مشاركة ضعيفة؛ نتيجة غياب الثقل الانتخابي، الذي تمثله عدة أحزاب قوية، مثل حركة «النهضة»، وتحول العملية الانتخابية إلى ما يشبه «المنافسة بين التوجه السياسي نفسه الداعم للرئيس سعيد».
وبسبب تشكيك البعض في الأرقام التي قدمها أعضاء هيئة الانتخابات حول نسبة المشاركة الصباحية، أكدت الهيئة أنها تعتمد على تطبيق إلكتروني لاحتساب عدد الناخبين المشاركين في الانتخابات بصفة محينة، مبرزة أن رؤساء مكاتب الاقتراع كلهم لديهم هذا التطبيق الإلكتروني الذي يرسلون عبره أرقاماً محينة إلى القاعة المركزية لهيئة الانتخابات، وتخص عدد المشاركين في عملية الاقتراع، وهي أرقام لا يمكن التشكيك في صحتها، حسب تعبيرهم.
لكن بسام معطر، رئيس «الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات» (عتيد)، أكد في المقابل أن الإقبال على الانتخابات التشريعية في ساعاتها الأولى «كان ضعيفاً جداً»، موضحاً أن المقبلين على مراكز ومكاتب الاقتراع «كانوا من فئة الكهول فقط، في حين يكاد يكون الإقبال منعدماً تماماً في بعض مراكز الاقتراع».
وسجلت الجمعية عدداً من «الإخلالات والتجاوزات» عند انطلاق العملية الانتخابية، صباح أمس، ارتقت في جانب منها إلى مستوى «جريمة انتخابية»، حيث تم رصد عمليات نقل جماعي للناخبين من أمام مقر معتمدية الشابة (ولاية المهدية) لفائدة أحد المرشحين. كما تم رصد ممثلي أحد المرشحين وهم يتصلون بالناخبين، علاوة على رصد قيام ممثلي المرشحين بمدرسة شارع بورقيبة بقفصة بإيصال الناخبين، وإرشادهم إلى مكاتب الاقتراع المعينة.
وبالنسبة للمرشحين للبرلمان التونسي بالخارج، فقد أعلن محمد التليلي المنصري، المتحدث باسم هيئة الانتخابات التونسية، أنها ستعلن فوز ثلاثة مرشحين في الدوائر الانتخابية في فرنسا وإيطاليا، البالغ عددهم ثلاثة، مهما كان عدد الأصوات التي سيحصلون عليها، وهو أمر قانوني مرتبط أساساً بالقانون الانتخابي الجديد، مشيراً إلى وجود ثلاث دوائر انتخابية فتحت أبوابها منذ 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي للتونسيين بالخارج، وأنه لم يسجل في كل دائرة سوى مرشح واحد، وهو ما يعني فوزهم الآلي بمقعد في البرلمان التونسي الجديد.
والفائزون بالمقاعد الثلاثة هم عمر البرهومي عن دائرة فرنسا، ورياض جعيدان عن دائرة فرنسا أيضاً، وسامي بن عبد العالي عن دائرة إيطاليا.
وإلى حدود الساعة السابعة من مساء أمس، صوت 927 مواطناً في الخارج، وفي هذا السياق ذكر المنصري أن النائب ياسين العياري عن دائرة ألمانيا في الانتخابات البرلمانية التي جرت سنة 2019 فاز بـ286 صوتاً. وقال المنصري إن هذه النتائج عادية في الدوائر الانتخابية خارج تونس، مؤكداً أن نسبة التصويت عادة ما تتراوح بين 3 و12 في المائة.
ووفق تقارير إعلامية محلية، فقد تخلّف عدد من التونسيين بالخارج عن هذه المحطة الانتخابية، وغاب المرشحون عن أكثر من نصف الدوائر الانتخابية في الخارج، إذ سجلت العملية الانتخابية ترشح ثلاثة أفراد فقط في ثلاث دوائر، بينما غابت الترشحات عن سبع دوائر انتخابية، وهذا يحصل لأول منذ البدء في المسار الديمقراطي التعددي سنة 2011.
وتدور هذه العملية الانتخابية في ظل مقاطعة معظم الأحزاب السياسية ذات الثقل الانتخابي، على غرار حركة «النهضة»، وعدد كبير من الأحزاب اليسارية، علاوة على الانتقادات الكثيرة التي وُجِّهت لهيئة الانتخابات من ناحية، وللنظام السياسي الذي أقصى أكبر الأحزاب من الترشح من ناحية ثانية. وبينما وافقت هيئة الانتخابات على خمسة آلاف طلب اعتماد ملاحظين وإعلاميين محليين ودوليين، أعلن البرلمان الأوروبي مقاطعة عملية المراقبة للانتخابات. وسيختار الناخبون من خلال التصويت نواباً في برلمان قلص الدستور الجديد كثيراً من صلاحياته.
ووفق الدستور التونسي الجديد يعين الرئيس التونسي بنفسه رئيس وزراء، وذلك في مخالفة تامة للنظام السابق، الذي منح البرلمان دوراً محورياً في اختيار رئيس الحكومة.
ومن المتوقع اللجوء إلى دور ثانٍ في هذه الانتخابات، في حال عدم حصول مرشح على الأغلبية المطلقة من إجمالي الناخبين، الذين شاركوا في الدائرة الانتخابية. وتتجه الأنظار نحو الدوائر الانتخابية التي ترشح بها أكثر من ثلاثة مرشحين.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد أدلى بصوته في الانتخابات التشريعية بمركز الاقتراع بحي النصر بالعاصمة صباح أمس، حيث دعا التونسيين إلى «الإقبال على التصويت لصنع تاريخ جديد» قائلاً: «اصنعوا تاريخكم بأنفسهم يا أبناء الشعب التونسي. فلتكن السيادة للشعب لتحقيق الحرية والكرامة، وتركيز سيادة تونس حتى تصدر القوانين من المجلس النيابي القادم، مُعبرة عن رغبات وتطلعات شعبنا في العزة والحرية والكرامة... توكلوا على الله... اعملوا من أجل أن نقطع مع هؤلاء الذين نهبوا البلاد وخربوها، ونصبوا أنفسهم أوصياء على الشعب التونسي بطريقة اقتراع بائدة، كما أثبتت التجربة»، على حد تعبيره.
وأضاف الرئيس سعيد، موضحاً أن النواب الجدد في البرلمان «ستسحب منهم الوكالة في حال لم يلتزموا بمطالب الشعب».
وعلى عكس دستور 2014، حصر دستور 2022 صلاحيات البرلمان الجديد في الاختصاص التشريعي، ولم يشر إلى أي إجراء لمراقبة أداء الحكومة ورئيس الجمهورية أو إمكانية سحب الوكالة منهما. ولذلك وصفت المعارضة، التي أعلنت مقاطعة الانتخابات، البرلمان الجديد بـ«ديكور بلا صلاحيات حقيقية»، كما اتهمت الرئيس سعيد بتقويض الديمقراطية.
ويمنح الدستور الجديد صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، ويجعل منه محور النظام السياسي، حيث يتولى تعيين رئيس الحكومة وأعضائها باقتراح من رئيس الحكومة، وله سلطة عزلها تلقائياً، كما يمكنه حل البرلمان، ويملك أولوية النظر في مشاريع القوانين التي يعرضها على البرلمان، وهو من يحدد السياسات العامة للدولة، ويحق له الترشح لولاية ثانية.
وخصص الدستور مجلساً وطنياً للجهات والأقاليم (غرفة ثانية إلى جانب البرلمان)، سيُنتخب أعضاؤها في انتخابات ثانية في فبراير (شباط) المقبل.
التونسيون يقبلون بـ«فتور شديد» على مراكز الاقتراع لاختيار برلمانهم الجديد
سعيد عدّ الانتخابات خطوة لـ«صنع تاريخ البلاد وتحقيق الكرامة والسيادة للشعب»
التونسيون يقبلون بـ«فتور شديد» على مراكز الاقتراع لاختيار برلمانهم الجديد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة