أمسية حوارية عن سيرة شاعر الحداثة السعودي محمد العلي

على هامش معرض جدة للكتاب

جانب من الحضور في معرض الكتاب بجدة (واس)  -  شاعر الحداثة السعودية محمد العلي
جانب من الحضور في معرض الكتاب بجدة (واس) - شاعر الحداثة السعودية محمد العلي
TT

أمسية حوارية عن سيرة شاعر الحداثة السعودي محمد العلي

جانب من الحضور في معرض الكتاب بجدة (واس)  -  شاعر الحداثة السعودية محمد العلي
جانب من الحضور في معرض الكتاب بجدة (واس) - شاعر الحداثة السعودية محمد العلي

ضمن الفعاليات الثقافية لمعرض جدة للكتاب، أُقيمت مساء أمس (الجمعة)، أمسية حوارية عن التجربة الشعرية للشاعر السعودي محمد العلي، شارك فيها الدكتور حسن مدن (البحرين)، والباحث السعودي حسين بافقيه، والدكتور أحمد الهلالي الأستاذ بجامعة الطائف، والناقد والشاعر محمد الحرز، وأدارتها الدكتورة ريم الفواز.
الندوة شهدت حضوراً مميزاً، وقدمت قراءة للسيرة الفكرية والشعرية لشاعر الحداثة السعودية محمد العلي الذي تمّ تكريمه مساء الأربعاء لحصوله على جائزة الأمير عبد الله الفيصل للشعر العربي، حيث فاز بجائزة التجربة الشعرية.
ويمثل الشاعر محمد العلي رمزاً للحداثة الشعرية في السعودية، وأحد أهم الرواد للتجربة الشعرية الحديثة التي شقّت طريقها ببطء في المشهد الأدبي السعودي. وقد وُلد محمد العلي في قرية العمران بالأحساء في عام 1932، وبدأ حياته العلمية والأدبية في النجف بالعراق حيث درس فيها علوم القرآن وتعلم في المعاهد الدينية، وأسهم في تأسيس الكثير من الجماعات والرابطات الأدبية في بغداد والنجف، قبل أن يقترن بتجربة الأدب الحديث في العراق، فقد عاصر تجربة بدر شاكر السياب في العراق، وحفظ عن ظهر قلب ديوانه «شناشيل بنت الشلبي»، وصدر له الكثير من المؤلفات، من أبرزها ديوان «لا ماء في الماء»، وكتاب «حلقات أولمبية: مقالات في قضايا التنوير والحداثة».
في حفل تكريمه بجائزة الأمير عبد الله الفيصل وجّه الشاعر محمد العلي كلمة، ألقاها نجله هادي محمد العلي، قال فيها: «إن مجهودي الفكري والشعري المتواضع صارع من أجل الوحدة الوطنية التي نعتز جميعاً بإنجازاتها، إلى جانب محاولاتي أن أقدم أنموذجاً شعرياً حداثياً، لإثراء الوعي والمسؤولية لدى الفرد والمجتمع».
وأضاف: «ربما من نافلة القول أن نذكر في هذه المناسبة، الشعر الحر، وقصيدة النثر التي أصبحت أكثر نضجاً، وأكثر عطاء وتقبلاً في الساحة الثقافية، ذلك لأنها توفر مساحة إضافية لتعميق المفاهيم الحداثية والعلمية وثورة التغيير التي تبقى المحرك الأساسي للحياة».
وقال: «إن الشعر لا يزال ينبض في جميع بلداننا، ويحاول أن يجد له مكاناً لترسيخ المفاهيم الجمالية والإبداعية والثقافية، فالشعر الجميل واللغة الشعرية لا تموت. إن التجربة الشعرية تجربة تنويرية حداثية، لها أن تضيء الطريق لهذا المجتمع، ليكون أكثر عطاءً وإنتاجاً وحباً لهذه الأرض».
وخلال ندوة التجربة الشعرية لمحمد العلي، تناول الباحث البحريني الدكتور حسن مدن، المساهمات الفكرية لمحمد العلي، انطلاقاً من قراءات لبعض مقالاته التي وقفت عند محاور مهمة في الفكر العربي الراهن، وتتوقف عند تجربة العلي في توظيف فن المقال، الذي «جاء عنده في صورة زاوية صحافية قصيرة، تتناول قضايا فكرية راهنة تشكل هماً وهاجساً عند المشتغلين بالفكر في عالمنا العربي، ومنطلقاً من الواقع الملموس في بلده، المملكة العربية السعودية، وفي منطقة الخليج عامة».
كما أشار الدكتور مدن في المداخلة إلى مكانة محمد العلي، ليس كأديب وشاعر مرموق وأحد أبرز رواد الحركة الأدبية والشعرية في السعودية فقط، وإنما أيضاً عند كونه واحداً من أهم كتّاب المقالة في بلده والمنطقة.
الدكتور مدن تناول أيضاً جانباً من الاشتغال بالقضايا الفكرية لدى محمد العلي سواء في مقالاته، أو في أوراق عمل أو محاضرات قدّمها في منتديات وملتقيات ثقافية في السعودية، حيث «بدا العلي في هذا التناول مساجلاً عنيداً للآراء والأفكار المتداولة في المشهد الثقافي والفكري العربي، من أسماء بارزة فيه، وحتى لأطروحات راجت عالمياً مثل نهاية الآيديولوجيا أو نهاية التاريخ التي طرحها فوكوياما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي».
وعدَّد الدكتور جانباً من تلك القضايا والتي كان العلي قد تناولها، من بينها: دور المثقف، ومفهوم التاريخ، والموقف من الحداثة، ومسألة الأمن الفكري.
ويضيف: «في موضوع دور المثقف يساجل محمد العلي مع ما طرحه علي حرب حول أن المهمة الأولى للمثقف الآن ليست الانخراط في مشاريع التغيير الاجتماعي، لأن العالم يتغير على نحو سريع بخلاف نماذج المثقفين ومثالاتهم، بل هو يتغير على نحو يفاجئهم بمعنى أن المجتمع الذي يريدون تغييره متقدم عليهم، ولذا فإن المهمة الآن أن يتحولوا عما هم عليه، بتحويل عقولهم لكي يلحقوا بسواهم بحيث يغيّروا أولاً شبكاتهم المفهومية التي باتت قاصرة عن قراءة وقائع العصر».
وهنا يتساءل محمد العلي: «لكن ما الذي ألغيه من ذاكرتي؟ هل ألغي مفهوم التغيير الذي يعني صعود المجتمع في سلم التطور درجة بعد أخرى وبلا نهاية؟ (...) هل ألغي مفهوم المثقف نفسه؟»... ولا يضطر العلي لتقديم، أو حتى محاولة تقديم أجوبة عن هذا السؤال، أو الأسئلة التي يطرحها، ذلك أن الوعاء الذي حوى هذا السجال هو مقال قصير، ولكنه يُشعر القارئ بأن الصيغة التي يمكن وصفها بـ«الاستنكارية» التي صاغ بها أسئلته تحمل أو تنطوي على إجابة تفنيدية لما يطرحه حرب، كأن العلي هنا يؤكد أن للمثقف دوراً في الحياة والمجتمع يجب ألا يتخلى عنه.
كما توقف الدكتور حسن مدن عند مفهوم محمد العلي للحداثة، حيث تحاشى المنزلق الذي وقع فيه آخرون حين حصروا حديثهم عن هذه الحداثة في الجانب الأدبي، بالتركيز على التجارب الشعرية والسردية والدراسات النقدية، لينظر إلى هذه الحداثة بوصفها مشروعاً فكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً اشتمل في حركته على قيم التنوير كالعقلانية وحرية الفكر والضمير والتفكير والإبداع والتقدم وقيم العدالة الاجتماعية، والمساواة، والرفع من مكانة المرأة.

- «لا ماء في الماء»
الدكتور أحمد الهلالي الأستاذ بجامعة الطائف، قدم قراءة في ديوان محمد العلي «لا ماء في الماء»، قال فيها إن الشاعر محمد العلي مُقلٌّ في الشعر، واعترف بذلك في لقاء تلفزيوني، متحدثاً عن حضوره في الكتابة أكثر من حضوره في الشعر، قائلاً: «يبدو لي أن سبب إقلالي من الشعر هو لأني لا أستطيع أن أكتب إلا بالانفعال، وشعري ليس ذهنياً، بل انفعالي، وتمتنع الكتابة الشعرية إذا لم أنفعل. الشعر هو اندهاش، فإذا لم تصل الدهشة إليك فهذا ليس شعراً».
لمحمد العلي ديوانان: الأول «لا ماء في الماء»، الصادر عن أدبي المنطقة الشرقية 2009، ويضم قصائد الشاعر منذ 1945 - 2009 بأشكالها الشعرية المختلفة من الشعر العمودي والتفعيلة وقصيدة النثر.
والآخر ديوان «لا أحد في البيت»، الذي صدر في احتفاء جمعية الثقافة والفنون في الدمام بمحمد العلي 2015، ويضم عدداً من قصائد الشاعر.
ويرى الدكتور الهلالي أن الديوان الثاني الذي جمعه أحمد العلي (محرّف) وقد صرح جامعه أحمد العلي في افتتاحية الديوان: «مزّقتُ أكثر النصوص كالأقمشة... كسرتُ أسطراً ويتّمتُ أبياتاً، وأبكيتُ الخليل، ليس لأني عاندته، أنا لا أكرهه، أبداً، بل تجاهلته...»، ويقول الهلالي: «ولأن ديوان (لا أحد في البيت) محرَّف، وبعض نصوصه منشورة في ديوان (لا ماء في الماء)، والثمانية عشر نصاً التي اختلفت عمّا في الديوان الأول أوردها أحمد العلي مجتزأة أو محرَّرة (كما يقول)... فهو لا يفيد ما أنا بصدده من تأمل ومحاولة تحليل تجربة الشاعر، ما دام جامعه سوّغ لنفسه أن يعبث بمحتواه الأصلي، لذلك اقتصرت مطالعتي على الديوان الأول فقط».
ويضيف الدكتور الهلالي: «قارئ ديوان (لا ماء في الماء) يجد ذاته أمام تجربتين، فالشكل الشعري للنصوص أصبح ثيمة تمثل مرحلة مخصوصة للذات الشعرية:
الأولى للشاعر محمد العلي المنغمس في النسق التقليدي العام... والأخرى مرحلة اليقظة، ومحمد العلي يرتدي عباءته الجديدة، عباءة عصرية، تقدم الصورة الجديدة للشاعر الحداثي، الصورة التي اختلفت رؤيتها للعالم، وللواقع، فكان تغير الشكل الشعري من القصيدة البيتية إلى قصيدة التفعيلة وبعض قصائد النثر، يرسم ثيمة دالة على ذلك التغيير».
وحول الشكل الشعري يرصد الدكتور الهلالي ثلاثة تواريخ مهمة في تجربة العلي: سنة 1954 حيث أنتج أول قصيدة بيتية مدونة في ديوانه، وكانت بعنوان «طرقة»، وسنة 1967 مع أول قصيدة من التفعيلة، وكان عنوانها «العيد والخليج»، وسنة 1976 مع أول قصيدة نثر مثبتة في الديوان بعنوان «سراب».
ويكمل الهلالي: «في مفارقات الشكل فإن الشاعر بعد هجرانه للقصيدة البيتية، عاد إليها عام 1992م، وكتب قصيدة بعنوان (جد يقظان) إلى روح صديقه مصطفى جمال الدين، ورثاه أيضاً بقصيدة بيتية بعنوان (نافذة سوداء) عام 1998م، وهذا هو العَوْد الوحيد إلى القصيدة البيتية في تجربة العلي المثبتة في ديوانه».
يمضي الدكتور الهلالي للقول: «محمد العلي وفيٌّ لأصدقائه المقربين، فكما رأينا وفاءه لصديقه مصطفى جمال الدين، أيضاً كان وفياً لأصدقائه الذين يقاسمونه الهم، فقد كتب قصيدة إلى صديقيه الشاعر الراحل علي الدميني، والأديب جبير المليحان بعنوان (تذكر) وسماهما الضفتين في إهدائه».
وأهدى نصاً بعنوان (الحديقة) إلى الناقد الدكتور سعيد السريحي، وأهدى نص «إليه» إلى الشاعر العربي الكبير، أدونيس.
وهو مغرم بالغناء، فقد أهدى نصاً إلى حسين شاهين، وظَّف فيه مقاطع لأم كلثوم، وللغناء المصري «يا ليل يا عين»، وذكر صديقه محمد القشعمي في النص أيضاً. وفي ذات السياق ذكر في نصوص أخرى اسم الفنانة فيروز، بل اشتق منه «متفيرز»، وصفاً للقمر.
ويصيف الهلالي: «انشغل محمد العلي بالفكر والوعي عن الوجدان البعيد عن قضيته المركزية (الوعي) في شعره الحديث، إلى درجة أنك لا تجد الغزل في ديوانه، سوى في قصيدة (كاشيرة)... وقد عبَّر العلي عن عدم اكتراثه بنشر غزله في مقابلته مع قناة (العربية) حين سأله تركي الدخيل: هل لديك أعمال شعرية ليست منشورة؟
فأجاب: «نعم، ولم ينشر، لأنه شعر غزلي». ونستشف من ذلك رغبة العلي في أن يظل مشروعه الفكري التنويري مدار التعبير، ومركز الاشتغال، واعتباره الذاتي أمراً خاصاً لا يدخل في حيز اهتماماته، ولا حاجة لنشره، ما يؤكد أن شعره رسالة، هدفها الوعي، ويمكننا أن نقول إن شعره الحديث مرآة صادقة لفكره.


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

سمير نخلة لـ«الشرق الأوسط»: ولادة الأغاني الوطنية صعبة

مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)
مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)
TT

سمير نخلة لـ«الشرق الأوسط»: ولادة الأغاني الوطنية صعبة

مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)
مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)

يسجّل الشاعر سمير نخلة حالة خاصة بكلام الأغاني التي يكتبها. يتعرّف سامعها بسرعة على أنه هو موقّعها. تعاون مع أهم النجوم في لبنان والعالم العربي. حقق نجاحات متتالية مع فنانين مشهورين أمثال عاصي الحلاني، ونانسي عجرم، ووائل كفوري، ونجوى كرم، وراغب علامة وغيرهم.

كتب «بزعل منّك» لديانا حداد و«أنا هيفا» لهيفاء وهبي و«كلما غابت شمس» لملحم زين، فشكّلت مجموعة أغنيات من فئة العمر المديد. وفي «لون عيونك غرامي» لنانسي عجرم حقق نجاحاً هائلاً. فهو لا يزال يحصد صدى أعماله تلك حتى اليوم.

مع الفنان الراحل وديع الصافي (سمير نخلة)

وكما في الأغنية الرومانسية كذلك في الأعمال الوطنية استطاع سمير نخلة أن يحفر في ذاكرة اللبنانيين، ولعلّ أغنية جوزيف عطيّة «الحق ما بموت» من أشهر ما قدّمه في هذا الإطار.

فقلّة من الأغاني الوطنية التي تستطيع أن تحقق الانتشار الواسع على مدى سنوات طويلة. عمرها الذي ناهز الـ15 عاماً لم يقهره الزمن، وتُعدّ اليوم بمثابة نشيد وطني يتفاعل معه اللبنانيون في كلّ مرّة يستمعون إليها.

يقول الشاعر سمير نخلة في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن للأغنية الوطنية صفات خاصة كي تنجح. وإن كلاماً كثيراً اختصرته أغنيات وطنية لم تحقق هدفها.

ويتابع: «لا بدّ أن تنبع من الروح فلا تكون مجرّد صفّ كلام»، وهذا ما يفعله في كلمات أغنياته الوطنية وغيرها. وتابع: «لذا تصل إلى قلوب الناس بسرعة. فما ينبع من القلب لا يمكن أن يخطئ. كما أن التركيبة الثلاثية للأغنية من شاعر وملحن ومغنٍّ، تلعب دوراً مهماً».

يتشارك نخلة ملاحظات العمل مع الملحن والمغني، يقول: «أحياناً تُعدّل عبارة أو نوتة موسيقية أو أسلوب أداء. فالأمر يتطلّب اجتماع الركائز الثلاث على قاعدة الانسجام».

أغنية «الحق ما بموت» التي لحّنها هشام بولس وكتبها سمير نخلة وغناها جوزيف عطية نجحت في الامتحان. وهي اليوم تعدّ من ريبرتوار الأغاني الوطنية الأشهر في لبنان. ونسأل الشاعر نخلة عن سبب الوقت الطويل الذي يفصل بين أغنية وطنية ناجحة وأخرى مثلها، يوضح: «الأغنية الوطنية صعبة الولادة وعندما كتبت (الحق ما بموت) استلهمتها من حلم يراودني. كنت حينها أحلم بلبنان ينتفض من كبوته ويستعيد دوره الريادي في العالم العربي. كل هذا الحب والشغف تجاه وطني فرّغته في كلمات هذه الأغنية. وهذه الأحاسيس الدفينة والعميقة لا يمكن أن تحضر بسهولة».

الشاعر سمير نخلة يرى أن ولادة الأغنية الوطنية صعبة (سمير نخلة)

وإذا ما تصفّحنا مشهدية الأغنيات الوطنية في لبنان، لاحظنا أن الرحابنة كانوا الأشهر فيها. وقد استطاعوا أن يُنتجوا كثيراً منها بصوت فيروز. ويعلّق نخلة: «كانت مسرحيات الرحابنة لا تخلو من الأغاني الوطنية. ويعدّونها أساسية بحيث تؤلّف مساحة لا يستهان بها من باقي الأعمال الغنائية المغناة بصوت فيروز. وأنا شخصياً معجب بعدد كبير من تلك الأغنيات. ومن بينها (رُدّني إلى بلادي) و(بحبك يا لبنان) و(وطني) وغيرها».

ولكن، ما ينقص الساحة اليوم لتوليد أغنيات بهذا المستوى؟ يقول: «زمن اليوم تبدّل عن الماضي، وأصبح العمل الرديء يطغى. ولكن لا شيء يمكن أن يمحو الأصالة. وعلى هذا الأساس نلحظ موت تلك الأغنيات بسرعة. ولكن ولحسن الحظ لا يزال لبنان ولّاداً لشعراء أصحاب أقلام جيدة. فإضافة إلى مخضرمين مثلي تلوح على الساحة أسماء جيل شاب يمكن التّعويل على الكلام الذي يكتبونه».

حالياً يعيش لبنان حالة حرب قاسية، فهل ألهمته كتابة أغنية وطنية؟ يردّ في سياق حديثه: «ما نعيشه اليوم مليء بالمآسي. ولا أستطيع شخصياً أن أكتب في هذه الأجواء. أميل أكثر إلى كتابة الكلام المفعم بالأمل وقيامة لبنان».

عادة ما يحصد المغني شهرة أغنية معينة، ويغيّب - إلى حدّ ما - اسم كلّ من ملحنها وكاتبها. يعلّق الشاعر سمير نخلة: «الكلمة في الأغنية هي الأساس، وهناك ألحان جميلة لم تلفت النظر بسبب ضعف الكلمة المغناة. وبشكل عام الملحن والشاعر لا يُسلّط الضوء عليهما. بعض الأحيان، نلاحظ أن الملحن يحاول الترويج لعمله من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك بالكاد تبقى مكانته محفوظة في الأغنية».

يعتب نخلة على المطرب الذي لا يذكر اسم ملحن وشاعر أغنية يقدّمها، «لا أتوانى عن التدخل مباشرة إذا ما لاحظت هذا الأمر. أتصل بالمغني وأصارحه بأنه نسي ذكر اسمي شاعراً، فأنا متابع جيد لعملي. وأحياناً، عندما يُكتب اسم شاعر آخر بدل اسمي على قناة تلفزيونية ألفت نظرهم إلى ضرورة تصحيح الخطأ».

يعاني الشعراء في لبنان من عدم حصولهم على حقوق الملكية لمؤلفاتهم، «هل تعرفين أنه على المغني دفع نسبة 8 في المائة من أرباح حفلاته للملحّن والشاعر. وهذا بند مدرج ضمن نص حقوق الملكية الفكرية في لبنان، ولكنه لا يُطبّق. في الدول الأجنبية الأمر طبيعي. وأركان العمل الغنائي تصلهم حقوقهم بلا أي معاناة. ولكن مع الأسف حقوقنا في لبنان مهدورة ولا أحد يهتمّ بها».