تتقلد بريطانيا أعلى قيم الإيجارات في أوروبا وفقا لأحدث أبحاث هيئات الإسكان الأوروبية. ويصل متوسط الإيجار البريطاني إلى نحو الألف يورو شهريا، بينما يقل المتوسط إلى 900 يورو شهريا في سويسرا ومثلها في لوكسمبورغ، ثم إلى 850 يورو شهريا في أيسلندا، و800 يورو شهريا في هولندا والدانمرك.
هذه المعدلات العالية، خصوصا في بريطانيا، تشجع المزيد من مستثمري العقار على دخول سوق التملك العقاري من أجل تحقيق عوائد إيجارية. ويعد هذا النوع من الاستثمار هو أفضل أنواع الاستثمار المتاحة في الأسواق حاليا حيث عوائد حسابات التوفير في البنوك متدنية كما أن أسواق المال والبورصات تعاني من مرحلة عدم استقرار بسبب الأزمة اليونانية.
ويقول سام ميتشل مدير قطاع الإيجارات في شركة «رايتموف» بأن الطلب الإيجاري في لندن وضواحيها يبلغ الآن معدلات قياسية، وأن هذا الطلب بدأ الآن يخرج من لندن إلى ضواحيها الأرخص مثل ايسكس وسيتفنج حيث يبلغ فيها معدل الإيجار الشهري نحو ألف جنيه إسترليني (1500 دولار) بدلا من ضعف ذلك داخل لندن.
ولا يقتصر الطلب الإيجاري على لندن وضواحيها بل ينتشر أيضا إلى أنحاء المدن البريطانية الأخرى مثل مانشستر وبريستول. ويعود السر في هذا الطلب المرتفع على تأجير العقارات إلى عدم قدرة الجيل البريطاني الجديد على تدبير التمويل اللازم لشراء العقارات بسبب ارتفاع الأسعار بالمقارنة مع مستوى الأجور.
من الأسباب الأخرى أن متوسط الأعمار في بريطانيا الآن يقترب من الشيخوخة وهي فئة من مالكي العقار الذين لا يغيرون عقاراتهم لفترات طويلة، مما يتسبب في نقص إمدادات سوق العقار. وتقول شركات عقار لندنية بأن ما لديها من عقارات متاحة للبيع يقل عما كان عليه خلال الأربع عقود الماضية ولا يزيد عن 52 عقارا فقط لكل شركة في المتوسط.
وتملك فئة المتقاعدين فوق سن 65 عاما نسبة 45 في المائة من جملة العقارات البريطانية، وقيمتها نحو 31.2 تريليون إسترليني (46.8 تريليون دولار)، بينما لا يملك هؤلاء الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما إلا على نسبة خمسة في المائة فقط من العقارات البريطانية.
أيضا هناك نقص في عمليات بناء عقارات جديدة. ويقدر هذا النقص بنحو مليون وحدة عقارية في إنجلترا وحدها. وأدت كافة العوامل مجتمعة إلى ارتفاع حاد في أسعار العقار البريطانية والإيجارات، الأمر الذي يشجع على دخول هذا المجال بحساب من أجل تحقيق العوائد الإيجارية المجزية.
النصائح التي يوجهها الخبراء إلى الجدد في هذا المجال تشمل النقاط التالية:
* أبحاث السوق: لا بد من بذل بعض الجهد في أبحاث السوق للتعرف على كافة جوانب هذا النوع من الاستثمار وعما إذا كان الكم الكبير من الأموال المطلوبة في شراء عقار بالإضافة إلى القرض يمكن استغلالها استثماريا أفضل في مجال آخر. وبالإضافة إلى العوائد المتوقعة من الإيجارات بالإضافة إلى ارتفاع أسعار العقار، هناك أيضا الكثير من المخاطر منها تراجع أسعار العقار وارتفاع تكاليف الاقتراض ومشاكل التعامل مع بعض المستأجرين. ويجب أيضا حساب التكاليف بدقة بما في ذلك تكاليف حصص شركات العقارات المشرفة على تأجير العقار وحسابات الضرائب على الدخل. ويمكن سؤال بعض من لهم تجربة في مجال تأجير العقارات لاستعراض إيجابيات وسلبيات تجاربهم.
* اختيار المنطقة المناسبة: حتى داخل المدن الواحدة هناك مناطق مرغوبة للإيجار وأخرى لا يوجد طلب عليها. البحث عن المنطقة المناسبة لتأجير العقارات له أهمية قصوى وقد يكون الفارق بين النجاح والفشل. وهناك الكثير من العوامل التي تشجع على الإيجار في مناطق معينة منها وجود وسائل المواصلات الجيدة. أيضا يفيد تواجد نوعية جيدة من المدارس في تأجير العقارات للأسر، بينما القرب من معاهد دراسية وجامعية قد يشجع على تأجير العقارات للطلبة. ويلجأ الكثير من المستثمرين إلى اختيار عقارات في الحي الذي يعيشون فيه على أساس أنهم يعرفون المنطقة جيدا بالإضافة إلى وجودهم بالقرب من العقار لحل أي مشكلات يعاني منها الساكن. ولكن هذا التمركز في موقع واحد قد يزيد من مخاطر السوق خصوصا إذا تعرضت المنطقة التي تقع فيها العقارات إلى مشاكل اقتصادية قد تؤثر على قيمة العقارات فيها.
* مراجعة الحساب الاستثماري: لا بد من إجراء عدة عمليات حسابية قبل الإقبال على هذا النوع من الاستثمار تكون نقطة البداية فيها هي ثمن العقار المخصص للإيجار وحجم الإيجار المتوقع. وفي حالة التقدم لطلب قرض عقاري لهذا الاستثمار تشترط البنوك أن يغطي العائد الإيجاري نسبة 125 في المائة من قيمة القرض. وفي بعض الحالات يكون حجم المقدم المطلوب لشراء العقار كبيرا ويصل إلى نسبة 30 في المائة من قيمة العقار. ويدخل ضمن حسابات الاستثمار أيضا تكاليف الصيانة والفترات الشاغرة التي يكون فيها العقار بلا مستأجر، والتي يتحول العقار فيها من أصل استثماري إلى عبء استثماري لوجود تكاليف ثابتة لا بد من دفعها في كل الأحوال مثل رسوم المجلس المحلي وأقساط القرض العقاري وأي تكاليف صيانة أخرى.
* اختيار القرض العقاري: هناك الكثير من الخيارات التي يجب استعراضها والاختيار منها لتمويل مشروع شراء العقار لتأجيره. ولا توفر البنوك التجارية الكثير من الخيارات لهذا النوع من القروض ولذلك يتعين الذهاب إلى وسيط مالي محترف يستعرض المتاح من شركات التمويل والبنوك المتخصصة. ويختار المستثمر من بين عدة قروض بأسعار فائدة ثابتة أو متغيرة وبقروض تغطي أقساطها أجزاء من القرض أو نسبة الفائدة وحدها. ويستطيع الوسيط المالي إسداء النصيحة حول أفضل القروض المتاحة قياسا بوضع المستثمر المالي وحجم القرض المتوقع. وتطلب بعض البنوك أحيانا مبلغا كبيرا من المال لتدبير قرض عقاري بشروط محسنة، وكلما كان حجم القرض العقاري كبيرا كلما كان دفع هذا المبلغ مجديا لخفض تكاليف الاقتراض.
* المستأجر المثالي: لا يجب أن يسأل المستثمر نفسه عما إذا كان يرغب في السكن في العقار المعد للإيجار، وإنما عليه أن يتخيل ما يريده الساكن المتوقع سواء كان من الطلبة أو فئة العائلات صغيرة السن أو حتى المتقاعدين. وفي حال مساكن معدة للطلبة يجب الاعتناء بجوانب عملية والابتعاد عن الفخامة، مثل سهولة تنظيف المكان والاعتماد على المفروشات البسيطة وتوجيه بعض العناية إلى التقنيات الحديثة مثل وجود الإنترنت. وإذا كان المستأجر من فئة صغار المحترفين يجب أن يكون تجهيز العقار جيدا وحديثا بينما لا تفضل العائلات الكثير من التجهيزات حيث تفضل استئجار عقارات شاغرة من الموبيليات. ويمكن السماح للمستأجرين إجراء بعض التغييرات التي تريدها على العقار مثل لون الطلاء أو تركيب أدوات مطبخ جديدة لأن هذا يشجع المستأجرين على البقاء في العقار لفترات أطول.
* العوائد وليس رأس المال: لا بد من الاستثمار من أجل العوائد الإيجارية وليس طمعا في زيادة قيمة العقار. وتقاس القيمة الإيجارية كنسبة مئوية من ثمن العقار. فالعقار الذي يوفر عشرة آلاف دولار سنويا من العائد الإيجاري ويكون ثمنه 200 ألف دولار يوفر نسبة خمسة في المائة من العوائد. وتعقد معظم القروض العقارية على أساس دفع الفوائد فقط طوال فترة القرض لأن هذه الفوائد تخصم من الإيرادات عند حساب الضرائب وكذلك رسوم شركات العقار وتكاليف الصيانة. ومع مرور الوقت يمكن استخدام الإيرادات الإيجارية من أجل استثمارات جديدة أو من أجل سداد أصل القرض العقاري.
* العقار المناسب: توفر العقارات المناسبة للإيجار أفضل قيمة عوائد ممكنة لأسباب كثيرة من بينها الموقع المثالي قرب نقاط المواصلات أو بالقرب من الخدمات سواء كانت مدارس أو جامعات أو مواقع عمل. أيضا لا بد من اختيار العقار المناسب من حيث الحجم بالعلاقة إلى الفئة التي تستأجر في المنطقة. فالعقار كبير الحجم غير مناسب لسكن الطلبة أو الأفراد الذين يفضلون شققا صغيرة الحجم. كذلك فالعقارات الجديدة تكون غالية الثمن ولا توفر نسبة العوائد الإيجارية المغرية. ويمكن التفاوض بشأن عقارات قديمة أو تلك التي تحتاج إلى إصلاحات لأنا توفر قيمة أفضل عند مقارنة أسعارها بالإيراد الإيجاري.
* التفاوض على السعر: المشتري بغرض التأجير يتمتع بالمزايا نفسها التي يتمتع بها المشتري الجديد في السوق، حيث لا يرتبط ببيع عقار من أجل شراء عقار آخر. ويعني ذلك أن عملية البيع سوف تتم بسرعة وسلاسة وبلا تعقيدات انتظار بيع عقار آخر. ولذلك يمكن للمشتري التفاوض للحصول على أفضل سعر. ولا بد من معرفة السوق جيدا في المنطقة التي يقع فيها العقار من حيث نوعية العقارات المتاحة وأسباب البيع وكم هي طول المدة التي عرض فيها العقار للبيع لأنها جميعا من العوامل المساعدة في عملية التفاوض.
* معرفة المخاطر: كما هو الحال في كل أنواع الاستثمار لا بد من حساب المخاطر قبل حساب الأرباح. وفي المجال العقاري ارتفعت في الآونة الأخيرة أسعار العقار، ولكن هذا الارتفاع تباطأ وقد يتراجع لعدد من الأسباب. والمخاطر هنا متعددة فأسعار العقار الباهظة تعني عوائد إيجارية أقل، وبعد الشراء يعني تراجع الأسعار خسارة في رأس المال. ومن ناحية التمويل تتوفر في الأسواق الآن أدنى معدلات الفوائد على الإطلاق مما يعني أن العوائد الإيجارية يمكنها تغطية هذه العوائد بسهولة. ولكن في حالة ارتفاع معدلات الفوائد، أي تكلفة القرض العقاري، قد لا تغطي الإيجارات هذه التكلفة. هناك أيضا مخاطر الإصلاحات الجذرية أو أعمال الصيانة التي قد تحتاجها بعض العقارات وتكون التكلفة باهظة مثل تغيير السخان المنزلي. وإذا لم يكن لدى المستثمر القدرة على تغطية مثل هذه التكاليف والتعامل مع المخاطر من هذا النوع فالأفضل له عدم الاستثمار في العقار.
* العناية المزدوجة: بعد الاستثمار العقاري لا بد من توجيه بعض العناية المزدوجة للعقار وللسكان معا. وينصح الخبراء بزيارة العقار مرة كل ستة أشهر لتفقد أحوال السكان والتعامل مع أي قضايا تتعلق بالعقار أو بما يحتاجه السكان فيه. وأسوأ ما يمكن أن يعاني منه المستثمر العقاري هو بقاء العقار شاغرا بانتظار السكان، ويمكن تجنب ذلك بتوفير المناخ الجيد الذي يجذب السكان إلى البقاء في العقار لأطول فترة ممكنة. وفي حالة رضاء السكان يمكنهم أيضا ترشيح سكان آخرين لتأجير العقار عند انتقالهم منه. ولا بد من العناية بأعمال الصيانة وبناء علاقة ثقة وصداقة مع السكان، وهي علاقة تخدم الطرفين للمدى البعيد. ولا يجب التسرع بزيادة قيمة الإيجار، الأمر الذي قد يدفع المستأجر للرحيل. وقد يكتشف المستثمر أن تكاليف العثور على مستأجر آخر بالإضافة إلى الفترة الشاغرة سوف تكلفه أكثر من الزيادة التي طلبها على قيمة الإيجار. ولذلك لا بد من التأكد من ضرورة رفع الإيجار قبل اتخاذ مثل هذا القرار لأنه قد يأتي بنتيجة عكسية.
استمرار الارتفاع القياسي لقطاع الإيجارات السكنية في بريطانيا
يسجل أعلى القيم في أوروبا مع تزايد الطلب
الاثنين - 26 شهر رمضان 1436 هـ - 13 يوليو 2015 مـ


لندن: «الشرق الأوسط»