مونديال 2022 بعيون روسية وأوكرانية... غاب المنتخبان وحضرت الحرب

TT

مونديال 2022 بعيون روسية وأوكرانية... غاب المنتخبان وحضرت الحرب

قد يكون تكون مجريات مونديال قطر الحدث الأهم، الذي لفت أنظار العالم قليلاً عن الحرب الدائرة في أوروبا منذ عشرة أشهر. منح المونديال فرصة للكثيرين لالتقاط أنفاسهم، والتحول عن مراقبة أخبار التقدم الميداني حيناً، أو التقهقر أحياناً، في ساحات المعارك، وصور تدمير البنى التحتية وسجالات الحرب الإعلامية، وتداعيات الحصار الاقتصادي وأزمة الغذاء. لم يمنح المونديال هذه الفرصة للدول «الآمنة» فقط؛ إذ تابع الروس والأوكرانيون أيضاً مجريات التنافس الكروي، بشيء من الحماسة أحياناً، رغم كل المصائب التي حلت على رؤوس الشعبين. خصوصاً عندما وجد كل طرف فرصاً سانحة لاستحضار الانقسام العالمي، ومحاولة توظيف الحدث سياسياً.
غاب منتخبا روسيا وأوكرانيا عن مونديال قطر لأسباب مختلفة. وفي مقابل خروج المنتخب الأوكراني خلال التصفيات، فقد تم «تغييب» روسيا بقرار وُصف بأنه «تعسفي» و«مسيس».
سخرت الأقدار من المنتخب الروسي الذي خاض تصفيات المنتخبات الأوروبية، واحتل المركز الثاني في مجموعته، بخسارة وحيدة أمام كرواتيا؛ ما يعني أن فرصه كانت جيدة للتأهل، قبل أن يأتي قرار «فيفا» في نهاية فبراير (شباط)، أي بعد أسبوع واحد على اندلاع الحرب، ليحرمه من المشاركة المنافسات التأهيلية؛ ونتيجة لذلك حلت بولندا المنافس الرياضي القوي و«الخصم السياسي» في الوقت ذاته، محل الروس.
ولم يقتصر التغييب على المنتخب؛ إذ تم استبعاد الحكام الروس من أي دور في بطولة العالم لكرة القدم في قطر. وعلى الرغم من قرار روسيا اللجوء إلى القضاء، عبر محكمة التحكيم الرياضية العالمية، لإلغاء «العقوبات» لكن الأوان كان قد فات لحضور المنافسة العالمية.
مع غياب الطرفين، تابع الروس والأوكرانيون بشيء من الاهتمام مجريات المونديال. رغم غبار الحرب والمخاوف الأمنية ومشاكل انقطاع الكهرباء في أوكرانيا بسبب تدمير البنى التحتية.
في العاصمة كييف ومدينتي أوديسا ولفوف، توافد مشجعون على المقاهي، التي عرضت مباريات المونديال لمشاهدتها، كان حضور المباريات أشبه باستراحة قصيرة بين غارتين، وفي حالات عدة قطعت صفارات الإنذار متعة الحاضرين الذين كان عليهم أن ينتقلوا سريعاً إلى الملاجئ.
وفي روسيا، رغم الحملات الإعلامية الكبرى على «تسييس» الرياضة، تابع ملايين الروس أحداث المونديال، تحت تأثير قوي للحرب الجارية، ولم تتوقف التعليقات في وسائل الإعلام الكبرى عن عقد مقارنات بين «الفرق الاستعمارية» والمنتخبات «التي «تحررت من الاستعمار الغربي». تلك التعليقات نشرتها وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية وهي تشير إلى انتصارات منتخب المغرب على إسبانيا والبرتغال، وتعرب عن أمل في أن «يتوج الانتصار على الاستعمار» في المباراة مع منتخب فرنسا.
الأبرز من ذلك، أن النخب السياسية وخصوصاً في معسكر «الصقور» الذين أفرزتهم الحرب الجارية، دخلوا على خط التعليقات المماثلة بقوة. وقبل مباراة المغرب مع فرنسا، أعرب نائب رئيس مجلس الأمن دميتري مدفيديف، عن أمل في أن يتأهل منتخبا الأرجنتين والمغرب إلى نهائي المونديال.
كتب مدفيديف «تدوينة» عبر صفحته على قناة «تليغرام»، قال فيها «سيكون من الرائع أن تغيب منتخبات الأعداء، وأن تكون المباراة النهائية بين منتخبي بلدين صديقين، أي الأرجنتين والمغرب».
في جانب آخر، من أصداء المونديال، غاب المنتخبان، لكن حضرت الحرب بقوة.
إذ كان الاتحاد الأوكراني لكرة القدم قد طلب من الاتحاد الدولي (فيفا) استبعاد منتخب إيران من كأس العالم بسبب «انخراط إيران» في الحرب الروسية - الأوكرانية.
ولم يتجاهل الاتحاد الكروي الإشارة في طلبه الرسمي إلى ضرورة «الأخذ في الاعتبار المعطيات حول انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، والتي تتناقض مع مبادئ ومعايير النظام الأساسي للـفيفا، وكذلك لا بد من الأخذ في الاعتبار قرار مجلس الأمن الدولي بشأن فرض عقوبات على إيران واحتمال تورط إيران في الحرب الحالية». أيضاً، لم ينس حلفاء أوكرانيا البولنديون استخدام الزخم الرياضي الكبير في المونديال، للتعبير عن التضامن مع البلد الجار. ولجأ روبرت ليفاندوفسكي، اللاعب المخضرم، وقائد المنتخب البولندي، إلى ارتداء شارة تحمل ألوان العلم الأوكراني خلال مشاركته في مونديال قطر.
هذا الاستعراض كان منسقاً سلفاً. إذ جرت مراسم لافتة لتسليم ليفاندوفسكي نجم برشلونة الإسباني الشارة الخاصة بالأسطورة الأوكراني أندري شيفتشينكو، القائد السابق لمنتخب بلاده.
التقى ليفاندوفسكي مع شيفتشينكو في استاد وارسو الوطني للحصول على الشارة ذات اللونين الأصفر والأزرق وارتداها خلال بطولة كأس العالم. وقال ليفاندوفسكي «حملت ألوان أوكرانيا في كأس العالم، كلاعب وإنسان، أدعم السلام، وأؤمن بأن هذه الإيماءات الرمزية مهمة».
اللافت، أنه خلال المباراة التي جمعت منتخبي إيران والولايات المتحدة، ضمن الجولة الثالثة لمجموعات كأس العالم، تم رفع العلم الأوكراني من قِبل أحد المشجعين. لكن أحد المسؤولين عن تنظيم المباراة طلب من المشجع إزالة العلم سريعاً، ومر الحادث بهدوء.
ومع اقتراب الحدث الرياضي الكبير من نهايته، لا يبدو أن تأثير الحرب على الرياضة سوف ينحسر، كما أن قرارات الاستبعاد بحق المنتخب الروسي لن تمر كما يبدو من دون أن تكون له نتائج. إذ بدأ الاتحاد الروسي لكرة القدم الذي بات معزولاً أوروبياً، يناقش فكرة الانتقال إلى كرة القدم الآسيوية، معتبراً أن الأندية الروسية ستكون هي الأغنى هناك.
وفي مايو (أيار) الماضي، أعلن رئيس الاتحاد الروسي لكرة القدم، ألكسندر ديوكوف، أنه لا يجب أن يكون هناك أي شك في ضرورة انتقالنا إلى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم. وقال «آسيا هي الفرصة التي نحتاج إلى أخذها في الاعتبار. أعتقد أننا سننظر في الأمر في اللجنة التنفيذية. لست متأكداً من أنه سيتم اتخاذ قرار، لكن الوضع يحتاج إلى مناقشة».
كما يبدو، لا يرغب الروس فقط في الانتقام من الأوروبيين الذين سعوا إلى عزل رياضيي بلادهم، واستبعادهم عن ساحات التنافس. فقد برز على الخط عنصر آخر لافت، يقوم على «التباعد الحضاري» بين منطلقات روسيا وجاراتها الأوروبيات، بعدما «تم تلطيخ الرياضة بالنزعات السياسية ومنطلقات أحادية الجانب في التعامل مع القيم الاجتماعية والحضارية»، كما كتبت «إكسبريس سبورت» أبرز صحف روسيا الرياضية.
أشارت الصحيفة في تعليق إلى الحملات التي تعرضت لها دولة قطر، ورأت أنها كانت تضمر «دوافع سياسية مغرضة، تشكل امتداداً للسياسات الغربية التي تسعى للهيمنة على قرارات وثقافات الشعوب تحت حجج الديمقراطية وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد».
كتبت الصحيفة «تعرضت قطر لانتقادات جائرة على صعيد ملف حقوق الإنسان (...) وفوق ذلك، حاولت بعض الفرق الغربية عند وصولها إلى قطر، عن عمد، التأكيد على استياء بلدانهم من سياسة قطر». وتساءلت «لماذا يشتري الأوروبيون الغاز من قطر، إذا كانت هذه الدولة مثيرة للاشمئزاز لدرجة أنهم لا يستطيعون مشاهدة كرة القدم هناك»؟ بينما دافعت صحيفة «ارغومينتي إي فاكتي» عن القيود التي فرضت خلال المونديال، مثل حظر أزياء الحملات الصليبية؛ لأن ذلك قد يسيء لمشاعر المسلمين، وكذلك منع بيع المشروبات الكحولية في الملاعب. ورأت، أن «الشيء الرئيسي الذي أثار الغضب في الدول الغربية هو حظر استخدام رموز المثليين»، مذكرة بأن روسيا تشاطر العرب والمسلمين النفور من هذه الرموز.
في مقابل ذلك، برز الارتياح الروسي واضحاً بسبب غياب مظاهر العداء لروسيا خلال المونديال، خلافاً للمواقف الغربية. وقال صحافي رياضي روسي لقناة «ماتش» التي نقلت جميع مباريات المونديال «من أكثر الأسئلة انتشاراً: هل هناك رهاب من روسيا في بطولة قطر، أو رفض للروس على المستوى الرسمي أو الشعبي؟ ملاحظاتنا تعطي إجابة لا لبس فيها على هذا السؤال: لا توجد رائحة رهاب ضد روسيا هنا».


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا جنود أوكرانيون يستعدون لتحميل قذيفة في مدفع هاوتزر ذاتي الحركة عيار 122 ملم في دونيتسك أول من أمس (إ.ب.أ)

مسيّرات أوكرانية تهاجم منشأة لتخزين الوقود في وسط روسيا

هاجمت طائرات مسيرة أوكرانية منشأة للبنية التحتية لتخزين الوقود في منطقة أوريول بوسط روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يدعو إلى  تحرك غربي ضد روسيا بعد الهجمات الأخيرة

دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الغرب إلى التحرك في أعقاب هجوم صاروخي جديد وهجوم بالمسيرات شنتهما روسيا على بلاده

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.