محلل أميركي: هل سيُظهر بوتين الذكاء الاستراتيجي أخيراً بشأن أوكرانيا؟

صورة من تفاعل جماهير مع أحد خطابات بوتين في روسيا
صورة من تفاعل جماهير مع أحد خطابات بوتين في روسيا
TT

محلل أميركي: هل سيُظهر بوتين الذكاء الاستراتيجي أخيراً بشأن أوكرانيا؟

صورة من تفاعل جماهير مع أحد خطابات بوتين في روسيا
صورة من تفاعل جماهير مع أحد خطابات بوتين في روسيا

مع اقتراب دخول الحرب الروسية في أوكرانيا أشهر الشتاء البارد، ربما تتغير الحسابات بعض الشيء في ظل وقائع ستفرض نفسها على سير الحرب هناك. ويقول المحلل الاستراتيجي الأميركي هال براندز، وهو أستاذ كرسي هنري كيسنجر للشؤون العامة في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز الأميركية في مقال رأي نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء، إن الشتاء الأوكراني سيكون قاسياً، لكنه لن يؤدي إلى توقف الحرب تماماً.
وتواجه كل من أوكرانيا وروسيا قرارات رئيسية يمكن أن تعيد تشكيل الصراع دبلوماسياً وعسكرياً. ولعل الاحتمال الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لأوكرانيا، وبالنسبة للولايات المتحدة، هو أن يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أخيراً في إظهار الذكاء الاستراتيجي الذي أظهره في الماضي.
ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن يدرك بوتين متأخراً شيئاً كان واضحاً تماماً لأولئك الذين هم خارج شرنقة التملق في الكرملين، ألا وهو أن روسيا تفتقر إلى الوسائل العسكرية لتحقيق أهدافها السياسية في أوكرانيا. وتُطلق روسيا الصواريخ والذخائر بشكل أسرع من قدرة صناعتها الدفاعية الخاضعة لعقوبات شديدة على تجديدها. وتكافح قواتها من أجل التمسك بمكاسبها المبكرة، ناهيك بالاستيلاء على جميع الأراضي التي طالب بها بوتين بشكل غير قانوني وهزلي إلى حد ما لصالح روسيا، حسب هؤلاء المسؤولين.
ويقول براندز، كما جاء في تقرير الوكالة الألمانية من واشنطن، إن تهديدات بوتين بالتصعيد النووي فشلت في ردع أوكرانيا عن تجاوز خط أحمر روسي تلو الآخر، وآخره عبر هجمات الطائرات من دون طيار على القواعد الجوية في عمق روسيا. وعلى الرغم من كل القوى البشرية الروسية التي يفترض أنها لا نهاية لها، لا يستطيع بوتين حشد قوات إضافية تتجاوز ما يقرب من 300 ألف جندي استدعاهم في وقت سابق، دون استعداء السكان غير المبالين حتى الآن.
هذه المشكلات ليست جديدة، لكنّ استعداد بوتين للاعتراف بها (حتى بشكل غير مباشر) جاء في إطار اعترافه علناً الأسبوع الماضي بأن النصر ما زال بعيداً. لذا فإن أفضل استراتيجية يتبناها بوتين الآن هي استراتيجية قاسية بشكل مميّز، ألا وهي استخدام الشتاء سلاحاً. وتستخدم روسيا الصواريخ والطائرات من دون طيار والمدفعية ضد الشبكة الكهربائية الأوكرانية وغيرها من منشآت البنية التحتية الرئيسية لجعل السكان يعانون.
وبعد انسحابها من خيرسون، تولت القوات الروسية في الغالب الدفاع، في محاولة لدعم خطوطها، ودمج الأفراد الذين تم حشدهم مؤخراً، وكسب الوقت حتى الربيع. وإذا تمكنت روسيا من إطالة أمد الصراع خلال فصل الشتاء، مع جعل الأمور غير سارة قدر الإمكان لأوكرانيا المنهَكَة وأوروبا الفقيرة في مجال الطاقة، وواشنطن المشتتة بشكل متزايد، فربما تتصدع كييف والغرب.
وسيكون من الصعب تنفيذ الاستراتيجية بالنسبة للروس. فالبلد الذي يشتهر بالازدهار في الشتاء يفتقر إلى الملابس الدافئة وحتى الطعام الذي ستحتاج إليه بعض قواته للصمود في الأشهر المقبلة. لكنَّ هذا ليس جنوناً، نظراً لافتقار بوتين إلى خيارات أفضل وبعض العلامات المتفرقة على شعور الغرب بالإرهاق بالنسبة للمساعدات.
وأحد الأسباب التي تجعل الرئيس الأميركي جو بايدن يسعى للحصول على حزمة مساعدات كبيرة لأوكرانيا الآن، هو عدم اليقين بشأن مقدار المساعدات التي سيكون مجلس النواب ذو الأغلبية الجمهورية على استعداد لتقديمها في عام 2023، ومن هنا جاءت تقارير يوم الأربعاء بأن الإدارة ستزوِّد كييف ببطاريات الدفاع الصاروخي «باتريوت».
ويجلب الشتاء خيارات صعبة لأوكرانيا أيضاً. فقواتها منهكة من القتال العنيف. ومن منظور عسكري بحت، فإن التوقف العملياتي أمر منطقي. ولكن من وجهة نظر سياسية ودبلوماسية قد يكون الانتظار أكثر خطورة. ومن المؤكد أن الرئيس فولوديمير زيلينسكي يشعر بالقلق من أنّ ظهور مأزق الشتاء قد يضخّم التناقض الغربي. والإشارات من واشنطن ليست مطمئنة تماماً، ففي الأسبوع الماضي، أشار وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى أن الأولوية الأميركية هي مساعدة أوكرانيا على استعادة الأراضي التي كانت تحت سيطرتها في 24 فبراير (شباط)، يوم الغزو، مع تأجيل القرارات المتعلقة بشبه جزيرة القرم والأراضي الأخرى المفقودة منذ عام 2014 إلى تاريخ لاحق.
وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، الجنرال مارك ميلي، إن أوكرانيا لا بد أن تبدأ المفاوضات قبل أن ينتهي بها المطاف في مستنقع على غرار الحرب العالمية الأولى. وقد يخشى زيلينسكي من خطر سياسي داخلي أيضاً، إذا استراحت القوات الأوكرانية بينما يشعر السكان بمعاقبتهم بشكل أكبر.
ويرى المحلل الاستراتيجي هال براندز أن الشتاء هو في الواقع وقت مناسب لتنفيذ الضربات. فعندما تتجمد الأرض، يمكن للدبابات والشاحنات السفر على الطرق الوعرة، وقد يحاول زيلينسكي القيام بهجوم آخر. ويتلخص أحد الخيارات في الاندفاع إلى منطقة زابوريجيا في الجنوب الشرقي لقطع الجسر البري الروسي إلى شبه جزيرة القرم، ومحاصرة جيب آخر من قوات بوتين، وإثبات أن المزيد من المساعدات الغربية ستمكّن المزيد من الانتصارات الأوكرانية.
ويرى أن هذا القرار صعب اتخاذه، لأن كييف يجب أن توازن بين مخاطر التقاعس عن العمل ومخاطر الهجوم الفاشل. وسوف تصبح معضلة أوكرانيا أكثر حدة إذا اغتنم بوتين المبادرة الدبلوماسية من خلال اقتراح وقف إطلاق النار قبل الربيع.
ويقول براندز إنه لا شيء صادقاً عن بوتين. ومن شأن وقف إطلاق النار ببساطة أن يخفف الضغط على الجيش الروسي، ويسمح لصناعة الأسلحة في البلاد باللحاق بمطالب الحرب، ويضع موسكو في وضع يسمح لها بتجديد الأعمال العدائية عندما يكون ذلك مناسباً. وسوف ترفض أوكرانيا عن حق عرضاً يُجمّد المكاسب الروسية القائمة.
لكنَّ المسؤولين الأميركيين يخشون من أن تؤدي مثل هذه المناورة إلى تغيير اللعبة الدبلوماسية، من خلال إشعال معركة علاقات عامة عالمية حول من المسؤول عن إطالة أمد القتال. كما يمكن أن يعطي ذلك المنادين من حين لآخر بالتوصل إلى تسوية دبلوماسية مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، شيئاً كانوا يفتقرون إليه في السابق، وهو أي مظهر من مظاهر التعاون مع الكرملين.
ويضيف براندز أنه على الرغم من أن الأمر قد يبدو غريباً، فقد كانت أوكرانيا والولايات المتحدة محظوظتين في خصمهما بوتين المخدوع والبعيد عن التواصل الذي لم يفهم الفجوة بين أهدافه وموارده، أو أنه قام بالتحركات الدبلوماسية التي من شأنها أن تضع منافسيه في الموقف الخطأ. وإذا تغيرت هذه الديناميكية، فستكون حرباً مختلفة تماماً.


مقالات ذات صلة

بوتين: روسيا ستحقق أهدافها في أوكرانيا «بكل تأكيد»

أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستمع إلى سكرتير المجلس العام لحزب «روسيا الموحدة» فلاديمير ياكوشيف خلال اجتماعهما في الكرملين بموسكو يوم 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)

بوتين: روسيا ستحقق أهدافها في أوكرانيا «بكل تأكيد»

شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، على أن موسكو ستحقق أهدافها من عملية أوكرانيا العسكرية «بكل تأكيد».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد أكبر مقر في أوروبا لتخزين الغاز بمدينة ريدين الألمانية (رويترز)

البرلمان الأوروبي يوافق على التخلص التدريجي من واردات الغاز الروسي بنهاية 2027

وافق البرلمان الأوروبي، الأربعاء، على خطة الاتحاد الأوروبي للتخلص التدريجي من واردات الغاز الروسي بحلول أواخر عام 2027.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب وفلاديمير بوتين يتصافحان خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماعهما للتفاوض على إنهاء الحرب في أوكرانيا أغسطس الماضي (رويترز) play-circle

تقرير: أميركا تستعد لعقوبات جديدة على روسيا إذا رفضت إبرام اتفاقية سلام

تستعد الولايات المتحدة لفرض جولة جديدة من العقوبات على قطاع الطاقة الروسي لزيادة الضغط على موسكو في حال رفض الرئيس بوتين إبرام اتفاقية سلام مع أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أورسولا فون دير لاين (إ.ب.أ) play-circle 00:59

فون دير لاين: على أوروبا الاضطلاع بمسؤولية أمنها

قالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، اليوم الأربعاء، إنه يجب على أوروبا الاضطلاع بمسؤولية أمنها.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا تظهر صورة التقطها قمر اصطناعي ميناء نوفوروسيسك بعد ما وصفته أوكرانيا بهجوم وقع في نوفوروسيسك كراسنودار كراي روسيا (رويترز)

حطام مسيَّرة أوكرانية يتسبب في حريق بمصفاة سلافيانسك الروسية

قالت السلطات في منطقة كراسنودار في جنوب روسيا إن حطام طائرة مسيَّرة أوكرانية تسبب لفترة وجيزة في اندلاع حريق بمعدات المعالجة وخط أنابيب داخل مصفاة نفط.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

«البنتاغون» بين إعادة هيكلة القوة العسكرية وتحولات الاستراتيجية الأميركية

ترمب ووزير الدفاع بيت هيغسيث في قاعدة كوانتيكيو يوم 30 سبتمبر 2025 (أ.ب)
ترمب ووزير الدفاع بيت هيغسيث في قاعدة كوانتيكيو يوم 30 سبتمبر 2025 (أ.ب)
TT

«البنتاغون» بين إعادة هيكلة القوة العسكرية وتحولات الاستراتيجية الأميركية

ترمب ووزير الدفاع بيت هيغسيث في قاعدة كوانتيكيو يوم 30 سبتمبر 2025 (أ.ب)
ترمب ووزير الدفاع بيت هيغسيث في قاعدة كوانتيكيو يوم 30 سبتمبر 2025 (أ.ب)

بينما كانت استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة لا تزال تثير أصداءها في العواصم العالمية، كشفت صحيفة «واشنطن بوست» في تقرير خاص عن أن وزارة الحرب الأميركية (البنتاغون) تعمل على إعداد خطة طموحة ومثيرة للجدل تستهدف هدم الهياكل التقليدية العسكرية العليا، وإحداث تغييرات جذرية في موازين القوى داخل الجيش الأميركي.

وإذا ما أُقرت هذه الخطة، فإنها ستُعد من أعمق التحولات في بنية القيادة العسكرية منذ عقود، وستنسجم ليس فقط مع التوجهات العامة لإدارة الرئيس دونالد ترمب الرامية إلى تقليص الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط وأوروبا، بل وإلى تقليص النفقات وإعادة صياغة موازين القوى العسكرية بما يتماشى مع عقيدة «أميركا أولاً» وتحويل الموارد والاهتمام الاستراتيجي نحو نصف الكرة الغربي.

قيادات عسكرية في قاعدة كوانتيكو يوم 30 سبتمبر 2025 (أ.ب)

تقليص وتوحيد القيادات

حسب مصادر مطلعة تحدثت للصحيفة، يقترح كبار مسؤولي «البنتاغون» خفض عدد القيادات القتالية من 11 إلى 8، مع تقليص عدد الجنرالات والأدميرالات من رتبة أربع نجوم الذين يرفعون تقاريرهم مباشرة إلى وزير الدفاع بيت هيغسيث. جوهر الخطة يتمثل في تقليص مكانة قيادات مركزية لطالما كانت محورية في السياسة العسكرية الأميركية، وعلى رأسها القيادة الوسطى (سنتكوم)، والقيادة الأوروبية (يوركوم)، والقيادة الأفريقية (أفريكوم)، عبر وضعها تحت مظلة قيادة جديدة يُقترح أن تُسمّى «القيادة الدولية الأميركية».

في المقابل، تتضمن الخطة دمج القيادة الشمالية (نورثكوم) والقيادة الجنوبية (ساوثكوم)، المسؤولتين عن العمليات العسكرية في الأميركيتين، ضمن قيادة موحدة جديدة تحت اسم «القيادة الأميركية» (أميركوم). ويعكس هذا التوجه أولوية واضحة لتعزيز الوجود والجاهزية العسكرية في نصف الكرة الغربي، على حساب مسارح عمليات اعتُبرت لعقود مركز الثقل الاستراتيجي الأميركي.

انسجام مع استراتيجية الأمن القومي الجديدة

تتلاقى هذه المقترحات مع ما ورد في استراتيجية الأمن القومي التي أعلنتها إدارة ترمب مؤخراً، والتي نصت بوضوح على أن «أيام تحمّل الولايات المتحدة عبء النظام العالمي بأكمله قد انتهت». هذه العبارة تختصر فلسفة سياسية - عسكرية تسعى إلى تقليص الالتزامات الخارجية، وإعادة تعريف دور الولايات المتحدة من «شرطي العالم» إلى قوة تركز مواردها حيث ترى مصالحها المباشرة مهددة.

ومن هذا المنظور، تبدو إعادة هيكلة القيادات العسكرية أداة تنفيذية لترجمة هذا التوجه السياسي. فخفض مستوى القيادات المعنية بالشرق الأوسط وأوروبا لا يعني انسحاباً فورياً، لكنه يحدّ من استقلاليتها ونفوذ قادتها، ويمنح القيادة السياسية قدرة أكبر على التحكم بتوزيع الموارد والقرارات العملياتية.

يبرر مسؤولو «البنتاغون» هذه الخطة بالحاجة إلى تسريع عملية اتخاذ القرار وتحسين آليات القيادة والسيطرة. ويقول أحد كبار المسؤولين إن «تآكلاً» أصاب قدرة المنظومة الحالية على التكيف السريع مع التهديدات المتغيرة، مضيفاً أن «الوقت ليس في صالحنا». ويأتي ذلك في سياق أوسع من سياسات وزير الحرب هيغسيث، الذي تعهد بكسر «الوضع القائم» وتقليص عدد كبار الضباط، وقد باشر فعلياً بإقالة أو دفع أكثر من 20 ضابطاً رفيع المستوى إلى مغادرة مناصبهم.

مبنى «البنتاغون» (أ.ب)

تحفظات الكونغرس

غير أن هذه التحركات لم تمر من دون اعتراضات. فقد أبدى أعضاء بارزون في لجان القوات المسلحة في مجلسي «الشيوخ» و«النواب»، وكلاهما بقيادة جمهورية، امتعاضهم من محدودية المعلومات التي شاركها «البنتاغون» مع «الكونغرس». وذهب المشرِّعون إلى حد اشتراط تقديم مخطط تفصيلي يوضح الكلفة المحتملة لإعادة الهيكلة وتأثيرها على التحالفات الأميركية، مع تجميد التمويل اللازم لتنفيذ الخطة لمدة لا تقل عن 60 يوماً بعد تسليم هذا المخطط.

وتعكس هذه الخطوة قلقاً عميقاً من أن يؤدي تقليص القيادات الإقليمية إلى إضعاف العلاقات العسكرية مع الحلفاء، ولا سيما في أوروبا والشرق الأوسط، حيث تقوم الشراكات الأمنية الأميركية على وجود قيادات ميدانية ذات خبرة إقليمية وعلاقات متشعبة.

تحذيرات من التداعيات العميقة

من خارج الإدارة، عبّر مسؤولون سابقون عن تشككهم في جدوى هذا التوجه. فقد حذّر وزير الدفاع الأسبق تشاك هيغل من أن العالم «لا يصبح أقل تعقيداً»، وأن توحيد أو دمج القيادات قد يقلل من القدرة على استشراف الأزمات قبل تفاقمها. ويرى منتقدو الخطة أن فقدان «الحس الميداني» والخبرة الإقليمية قد يضعف فعالية الرد الأميركي في مناطق مضطربة.

وللوقوف على حجم «الثورة» التي تعتزم إدارة ترمب إحداثها، ينبغي الإشارة إلى أن العقيدة العسكرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية بنيت على مبدأ «الوجود الأمامي»، أي نشر القوات والقيادات في قلب الأقاليم الساخنة لمنع نشوب الصراعات قبل وصولها للأراضي الأميركية.

في الإدارات السابقة، كانت القيادة المركزية (سينتكوم) تُعامل بوصفها دولة داخل دولة نظراً لأهمية النفط ومكافحة الإرهاب. في الخطة الجديدة، يتم خفض رتبة هذه القيادة ووضعها تحت إشراف «القيادة الدولية»، مما يعني سياسياً أن الشرق الأوسط لم يعد أولوية استراتيجية عليا، بل مجرد ملف إداري ضمن ملفات أخرى.

وفي حين ان الاستراتيجيات السابقة ركزت على «التحول نحو آسيا» لمحاصرة الصين مع البقاء في أوروبا لردع روسيا، تركز خطة ترمب، من خلال إنشاء «أميركوم»، على نقل الثقل العسكري للتعامل مع قضايا الهجرة، وتجارة المخدرات، والنفوذ الصيني في أميركا اللاتينية، وهو تحول من «الدفاع الهجومي» في الخارج إلى «الدفاع عن العمق».

وبينما كانت الإدارات السابقة تقدس «رأي القادة الميدانيين»، تعكس خطة هيغسيث الحالية عدم ثقة في «النخبة العسكرية»، حيث ترى الإدارة أن كثرة القيادات تؤدي إلى «ترهل» في اتخاذ القرار. لذا، يتم استبدال الخبرة الإقليمية المتراكمة بهيكل مركزي ينفذ أوامر البيت الأبيض بسرعة أكبر.

وهو ما قد يؤدي إلى تداعيات من إحداث فراغ أمني، عبر الانسحاب من الهياكل القيادية في أوروبا وأفريقياـ الأمر الذي قد يغري روسيا والصين لملء هذا الفراغ بسرعة أكبر مما حدث في الفترات السابقة. كما قد يؤدي إلى صدام مع «الكونغرس»، الذي كان تاريخياً يفضل «تعدد القيادات» لضمان الرقابة، فيما المركزية التي يسعى إليها ترمب قد تؤدي إلى مواجهة دستورية حول مَن يسيطر على قرار الحرب. كما أن تغيير وجه الحلف الأطلسي عبر تحويل «يوروكوم» إلى مجرد فرع تحت قيادة دولية، يرسل رسالة واضحة بأن «الناتو» لم يعد محور الارتكاز العسكري الأميركي.

في المحصلة، تمثل خطة «البنتاغون» المقترحة أكثر من مجرد تعديل إداري؛ فهي تعكس تحولاً عميقاً في نظرة الولايات المتحدة إلى دورها العالمي، وتعيد تعريف العلاقة بين السياسة والقيادة العسكرية. وبينما تسعى الإدارة إلى جيش «أكثر رشاقة وأقل كلفة»، يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كان هذا الترشيد سيعزز فعلاً القدرة الأميركية على الردع، أم أنه سيترك فراغات استراتيجية في عالم يزداد اضطراباً.


تقرير: أميركا تستعد لعقوبات جديدة على روسيا إذا رفضت إبرام اتفاقية سلام

دونالد ترمب وفلاديمير بوتين يتصافحان خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماعهما للتفاوض على إنهاء الحرب في أوكرانيا أغسطس الماضي (رويترز)
دونالد ترمب وفلاديمير بوتين يتصافحان خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماعهما للتفاوض على إنهاء الحرب في أوكرانيا أغسطس الماضي (رويترز)
TT

تقرير: أميركا تستعد لعقوبات جديدة على روسيا إذا رفضت إبرام اتفاقية سلام

دونالد ترمب وفلاديمير بوتين يتصافحان خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماعهما للتفاوض على إنهاء الحرب في أوكرانيا أغسطس الماضي (رويترز)
دونالد ترمب وفلاديمير بوتين يتصافحان خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماعهما للتفاوض على إنهاء الحرب في أوكرانيا أغسطس الماضي (رويترز)

تستعد الولايات المتحدة لفرض جولة جديدة من العقوبات على قطاع الطاقة الروسي لزيادة الضغط على موسكو في حال رفض الرئيس فلاديمير بوتين إبرام اتفاقية سلام مع أوكرانيا، حسبما ذكرت وكالة «بلومبرغ» في تقرير، الأربعاء، نقلاً عن أشخاص مطلعين.

وقال التقرير إن الولايات المتحدة تدرس خيارات مثل استهداف سفن ما يُسمى أسطول الظل الروسي المكون من ناقلات تستخدم لنقل نفط موسكو، والمتعاملين الذين يسهلون المعاملات.

وذكر التقرير أن الإجراءات الجديدة ربما يعلن عنها هذا الأسبوع. وأضاف أن وزير الخزانة سكوت بيسنت ناقش هذه الخطوة عندما التقى مجموعة من السفراء الأوروبيين في وقت سابق من هذا الأسبوع.


ترمب مازحاً: ميريام أديلسون عرضت عليّ «250 مليون دولار» للترشح لولاية ثالثة

دونالد ترمب وميريام أديلسون (إ.ب.أ)
دونالد ترمب وميريام أديلسون (إ.ب.أ)
TT

ترمب مازحاً: ميريام أديلسون عرضت عليّ «250 مليون دولار» للترشح لولاية ثالثة

دونالد ترمب وميريام أديلسون (إ.ب.أ)
دونالد ترمب وميريام أديلسون (إ.ب.أ)

قالت مجلة فوربس الأميركية إن الرئيس دونالد ترمب قال مازحاً إن المليارديرة ميريام أديلسون عرضت عليه 250 مليون دولار للترشح لولاية ثالثة.

وأضافت المجلة أن التصريح جاء خلال حفل استقبال عيد الأنوار اليهودي (حانوكا) في البيت الأبيض، مساء الثلاثاء، بعد أن قالت المتبرعة الجمهورية الكبيرة عبارة «أربع سنوات أخرى» لترمب؛ في إشارة للولاية الثالثة، وهو أمرٌ طالما لمّح إليه ترمب وحلفاؤه رغم أن التعديل الثاني والعشرين للدستور الأميركي يمنع الترشح لولاية رئاسية ثالثة.

وكانت أديلسون قد ذكرت أنها ناقشت مع المحامي آلان ديرشوفيتز «الجانب القانوني المتعلق بأربع سنوات أخرى»، وقالت: «آلان، أنا أتفق معك»، ثم التفتت إلى الرئيس الأميركي الذي كان يقف بجانبها، وأضافت: «إذن، يمكننا فعل ذلك، فكِّر في الأمر».

دونالد ترمب وميريام أديلسون (أ.ب)

وقد أثار هذا هتافاً قصيراً من بعض الحاضرين «أربع سنوات أخرى»، بينما ابتسم ترمب وأشار إليهم، ثم همست أديلسون بشيء لترمب، فمازح قائلاً: «قالت: فكّر في الأمر، سأمنحك 250 مليون دولار أخرى»، مما أثار ضحك الحضور، ثم أجابت المليارديرة، على الفور: «سأفعل».

وأشاد الرئيس الأميركي بزوج المليارديرة الراحل، شيلدون أديلسون، الذي كان أيضاً من كبار المتبرعين للحزب الجمهوري، قائلاً: «كان شيلدون رجلاً رائعاً، وكان يأتي إلى المكتب، ولم يكن هناك أحد أكثر حماساً منه».

وتحدّث ترمب كيف كان أديلسون يلحّ على عقد اجتماعات معه في البيت الأبيض، وأضاف: «كان دائماً يقول 10 دقائق، لكنها كانت تمتد إلى ساعة ونصف الساعة تقريباً، وما فعله هو أنه دافع عن إسرائيل... كان يريد فقط رعاية إسرائيل».

وقال ترمب: «إذا عدنا عشر سنوات أو اثنتي عشرة أو خمس عشرة سنة على الأكثر، لوجدنا أن أقوى جماعات الضغط في واشنطن كانت جماعات الضغط اليهودية؛ أي إسرائيل. هذا لم يعد صحيحاً»، ثم أردف أن الكونغرس «يتجه نحو معاداة السامية».

ولفتت «فوربس» إلى أن ترمب منذ تولّيه منصبه في يناير (كانون الثاني) الماضي، روّج وبعض مؤيديه البارزين لفكرة ترشحه لولاية ثالثة، على الرغم من القيود الدستورية على عدد الولايات الرئاسية.

ويبيع متجر مؤسسة ترمب الإلكتروني قبعات تحمل شعار «ترمب 2028» منذ أبريل (نيسان) من هذا العام.

ومع ذلك، ادعى بعض قادة الحزب الجمهوري، مثل رئيس مجلس النواب مايك جونسون، أن ترمب «يستفزّ» الديمقراطيين، وأنه يدرك أنه لا يستطيع الترشح مرة أخرى.

وفي أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أقر الرئيس الأميركي نفسه بأن الدستور «واضح تماماً». وأضاف: «لا يُسمح لي بالترشح، هذا مؤسف... أعني، إنه مؤسف حقاً»، ثم أشار إلى أن الحزب الجمهوري يضم «كثيراً من الأشخاص المميزين»، الذين يمكنهم الترشح بدلاً منه في عام 2028.

دونالد ترمب وميريام أديلسون (أ.ب)

ووفقاً لتقديرات «فوربس»، تبلغ ثروة أديلسون الإجمالية 41.6 مليار دولار، وهذا يجعلها في المرتبة 42 ضمن قائمة أغنى أغنياء العالم على موقع «ريل تايم بليونير».

وكانت قد تبرعت بـ111 مليون دولار للجان العمل السياسي الداعمة لترمب، خلال الحملة الرئاسية لعام 2024، مما يجعلها ثاني أكبر داعم مالي لحملته في تلك الانتخابات.