حرب أوكرانيا تحوّل مرتزقة «فاغنر» إلى مدافعين عن الوطن

مركز مجموعة «فاغنر» التي يديرها يفغيني بريغوجين في سان بطرسبرغ (رويترز)
مركز مجموعة «فاغنر» التي يديرها يفغيني بريغوجين في سان بطرسبرغ (رويترز)
TT

حرب أوكرانيا تحوّل مرتزقة «فاغنر» إلى مدافعين عن الوطن

مركز مجموعة «فاغنر» التي يديرها يفغيني بريغوجين في سان بطرسبرغ (رويترز)
مركز مجموعة «فاغنر» التي يديرها يفغيني بريغوجين في سان بطرسبرغ (رويترز)

لم تكن الضربة القاسية التي تلقتها قوات «فاغنر» في لوغانسك قبل يومين، الوحيدة التي تمر سريعاً من دون أن تثير كثيراً من النقاشات، باستثناء بعض التغطيات المحدودة في وسائل إعلام. كالعادة، لم يصدر تعليق رسمي على الحادث، ولا تفاصيل عن عدد الضحايا وحجم الخسائر.
تجاهلت وسائل الإعلام الحكومية الكبرى خبر تفجير فندق كان يستخدم مقراً رئيسياً لتحركات قوات «فاغنر» في دونباس، بينما اكتفت وسائل إعلام تابعة للقوات بنقل خبر مقتضب عن الحادث. وفي اليوم التالي، ترددت معطيات عن إسقاط طائرة مقاتلة تابعة أيضاً لقوات «فاغنر» كانت تقوم بمهمة في المنطقة، قُتل طاقمها المكون من شخصين؛ لكن الأهم في الخبر -وفقاً لمعطيات وسائل إعلام- أنه كشف امتلاك المجموعة التي أحيط نشاطها العسكري دائماً بهالة من السرية والتكتم، أسلحة ثقيلة، بينها مقاتلات من طراز «سوخوي».
هذا الكشف لم يكن الوحيد الذي فاجأ كثيرين في روسيا وخارجها؛ إذ سبق ذلك انتقال نشاط قوات «فاغنر» إلى العلن، بعدما ظل لسنوات محاطاً بكثير من الغموض والكتمان، وكان تناول المعطيات المتعلقة بالعمليات العسكرية للمجموعة يعد من المحظورات.
وكشفت وسائل إعلام حكومية روسية النقاب للمرة الأولى قبل أسابيع، عن نشاط مجموعات «فاغنر» العسكري في الحرب الأوكرانية، وتحدثت عن دور أساسي تقوم به في معارك دونباس. وكانت مسألة مشاركة الوحدات العسكرية الخاصة التابعة لهذه المجموعة، في «العملية العسكرية الروسية الخاصة» معروفة منذ وقت طويل؛ لكن هذا النشاط أحيط دائماً بتكتم شديد، أثير حوله كثير من التساؤلات، وهو الأمر الذي بدا تكراراً لتجارب سابقة في تغطية النشاط الخفي للمجموعة في سوريا وليبيا وبعض البلدان الأفريقية.
وبدا أن موسكو اتخذت قراراً بكشف جوانب من هذا النشاط، على خلفية التطورات الميدانية الأخيرة في أوكرانيا، وفي إطار التعاطي الجديد الذي وضعه قائد الوحدات المشتركة، سيرغي سوروفيكين، لإدارة المعارك.
وحملت التغطيات التي قدمتها وكالة أنباء «نوفوستي» الرسمية إشارات واضحة إلى هذا التعاطي المختلف، فقد باتت تنشر بيانات عن تحركات أفراد المجموعة العسكرية، وتصريحات لمؤسسها يفغيني بريغوجين، المقرب من الكرملين، وهو الذي كان مجرد ذكر اسمه إلى جانب «فاغنر» يسفر عن فتح قضايا جنائية، كما حدث في وقت سابق مع حزب معارض صغير، تعرض لملاحقة وخسر قضية في المحاكم، وتم تغريمه بدفع تعويضات ضخمة. ونشرت شبكة «روسيا سيغودنيا» أخيراً، للمرة الأولى، معطيات عن مشاركة عناصر «فاغنر» في معارك ضارية في دونيتسك، وتحدثت عن تقدم طفيف أحرزته المجموعة عبر نجاحها في الاستيلاء على مناطق تقع على خطوط التماس. وفي الوقت ذاته، أشارت إلى مشاركة فاعلة لقوات «فاغنر» في الاشتباكات المتواصلة على تخوم مدينة باخموت، جنوب غربي دونيتسك، مع اقتراب القوات منها، بعد «تحرير» بلدة كديما جنوب المدينة.
اللافت أن المحطة التلفزيونية الحكومية الروسية، دخلت للمرة الأولى في تاريخ تغطية نشاطات هذه المجموعة إلى مواقع القتال، ونشرت مقاطع فيديو تم تصويرها خلال تغطية المعارك.
كان اسم «مجموعة فاغنر» قد ظهر إلى العلن للمرة الأولى مباشرة بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا، وتحدثت تقارير عن أن مشاركة مقاتلي المجموعات في بعض العمليات العسكرية سبق إرسال الوحدات العسكرية الروسية النظامية. وشاركت قوات «فاغنر» التي يديرها رجل الأعمال المقرب من الكرملين يفغيني بريغوجين، في معارك ضارية في تدمر وحلب ومناطق أخرى في سوريا. كما تحدثت تقارير عن مشاركة المجموعة في عمليات قتال جرت في ليبيا، وعن دور أساسي قامت به في بعض بلدان القارة الأفريقية، خلال السنوات السابقة.
لكن الجديد في المعطيات التي تناقلتها وسائل الإعلام لم يقتصر على الكشف عن علاقة بريغوجين بـ«فاغنر»؛ بل تعدى ذلك، إلى الكشف عن تفاصيل كانت تعد دائماً من المحرمات، مثل الإشارات إلى أن المنتسبين إلى هذه المجموعات في جزء كبير منهم هم من أرباب السوابق، وتم إطلاق سراح بعضهم من السجون بشكل مشروط بتوقيع عقود للقتال في أوكرانيا، مقابل رواتب شهرية مجزية.
تتحدث الأوساط الأوكرانية عن مشاركة 23 ألف سجين سابق في روسيا في الحرب الحالية ضمن وحدات «فاغنر»؛ لكن هذا الرقم لا تؤكده المصادر الروسية التي تتجنب دائماً الخوض في التفاصيل.
في الوقت ذاته، كشفت حوادث وقعت أخيراً عن معطيات تؤكد الرواية الأوكرانية؛ إذ حملت حادثة قيام مسلح ينتمي للمجموعة بإطلاق النار في بلدة حدودية داخل الأراضي الروسية على بعض عناصر الشرطة، تفاصيل مثيرة للغاية؛ خصوصاً بعدما انبرى بريغوجين علناً للدفاع عن مطلق النار، وتعهد بإطلاق سراحه و«إعادته إلى الجبهة سريعاً».
وقال بريغوجين لوكالة «نوفوستي»، إن «قيادة مجموعة (فاغنر) لا تتنصل من مسؤوليتها عن تصرفات بافيل نيكولين الذي أطلق النار على ثكنة لرجال الشرطة في بلدة نوفوشاختينسك بمنطقة روستوف»، وزاد أنه كتب إلى المدعي العام تعهداً شخصياً بضمان نقل المتهم إلى دونباس، في مقابل الإفراج عنه.
وقعت الحادثة بعد ظهر يوم 6 ديسمبر (كانون الأول)، وبات معلوماً أن رجلاً يرتدي ملابس مموهة فتح النار من مدفع رشاش خفيف على الشرطة، ما أدى إلى وقوع بعض الإصابات، ثم فر بعد ذلك. في اليوم التالي تم اعتقاله في قرية كيسيليفو. وحسب لجنة التحقيق فإن لديه سوابق جنائية تتعلق بالسرقة. وتم فتح قضية جنائية بموجب بنود التعدي على حياة ضباط إنفاذ القانون وحمل الأسلحة. وسرعان ما أعلن نيكولين أنه خدم في مجموعة «فاغنر». وقال مطلق النار إنه ظن خطأ «أن رجال الشرطة أوكرانيون». وأوضح بافيل نيكولين: «لم أكن أعرف حتى أنني عبرت (الحدود)، تخلفت وراء المجموعة». وعندما سئل: لماذا بدأ إطلاق النار على الشرطة؟ قال المشتبه به إنه «اعتقد أن هذا كمين أوكراني». وأضاف نيكولين: «لأنهم لم يكونوا يرتدون الزي العسكري (في الملابس) ولم يبرزوا وثائق».
كشفت الحادثة جانباً خطيراً في الموضوع، فرجال «فاغنر» الذين أُطلقوا من السجون وتخلصوا من أحكام جنائية ليقاتلوا في أوكرانيا، لا يحملون السلاح فقط في ساحات القتال؛ بل وفي الداخل الروسي أيضاً. لكن هناك قصة أخرى، كان بريغوجين بطلها أيضاً. وهي تظهر جانباً من التفاصيل المتعلقة بمقاتلي «فاغنر».
قبل أسابيع، رفضت سلطات سان بطرسبورغ دفن مقاتل في مجموعة «فاغنر» لقي مصرعه أخيراً، في «ممشى الأبطال» التابع للمقبرة التاريخية في المدينة. هناك يرقد كثيرون من العسكريين النظاميين الذين لقوا مصرعهم في ساحات القتال في حروب مختلفة سابقاً، وسبب الرفض أن لهذا الرجل «تاريخاً إجرامياً».
أثار الرفض غضب بريغوجين، ووصف الحادثة بأنها فضيحة. وقال لوكالات رسمية: «يمكننا أن نقول إن هذا جزء من التخريب والاستهزاء بذكرى إخواننا الموتى. لن نصمت على هذه الفضيحة، وسنقاتل من أجل كل مقاتل، سواء كان أسيراً أم قتيلاً». وزاد في حديث صحافي: «يقاتل السجناء السابقون وضباط إنفاذ القانون جنباً إلى جنب، ويموتون معاً، باسم وطنهم الأم المشترك». وتعهد بأن يظهر لسلطات مدينة سان بطرسبورغ: «من هو على صواب ومن على خطأ». وحذَّر رجل الأعمال من أنه «سوف يسحب كل نذل من آذانه»، ويقدمه إلى العدالة، داعياً من اتخذ قرار عدم دفن «المدافع عن الوطن» في «ممشى الأبطال» إلى أن «ينظر في عيون هذا الجندي الميت الذي مع رفاقه في السلاح، يفي بالعقد مع الوطن حتى النهاية، حياً أو ميتاً».


مقالات ذات صلة

موسكو تعلن إحباط هجوم «ضخم» بمسيّرات في غرب روسيا

أوروبا صورة نشرها حساب حاكم منطقة ساراتوف لمبنى تضرر إثر هجوم بمسيرات أوكرانية الاثنين الماضي (إ.ب.أ)

موسكو تعلن إحباط هجوم «ضخم» بمسيّرات في غرب روسيا

أعلنت روسيا، صباح اليوم، أنها أحبطت هجمات ليلية جديدة بطائرات من دون طيار، بينها هجوم «ضخم» في منطقة بريانسك المتاخمة للحدود مع أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا القائد العسكري الشيشاني أبتي علاء دينوف (لقطة من فيديو)

«أبتي علاء دينوف» أبرز المعلقين العسكريين على هجوم كورسك

بات القائد العسكري الشيشاني أبتي علاء الدينوف وجهاً مألوفاً للروس على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يطل عليهم معتمراً خوذة أو قبعة عسكرية ليقدم أخباراً إيجابية.

«الشرق الأوسط» (وارسو)
أوروبا روسيا تواصل هجومها على خاركيف (إ.ب.أ)

مقتل اثنين في هجوم روسي بالقنابل على منطقة خاركيف الأوكرانية

قال حاكم منطقة خاركيف الأوكرانية إن مدنيين قتلا وأصيب 8 آخرون، اليوم (السبت)، في هجوم روسي بالقنابل على إحدى قرى المنطقة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا مجندون روسيون جرى استدعاؤهم للخدمة العسكرية وسط الصراع المستمر مع أوكرانيا (رويترز)

موقع مستقل يُحدد هويات أكثر من 66 ألف جندي روسي قُتلوا في أوكرانيا

أعلن موقع روسي مستقل، السبت، أنه تمكّن من تحديد هويات أكثر من 66 ألف جندي روسي قُتلوا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022.

«الشرق الأوسط» (وارسو)
أوروبا لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية تظهر مروحية عسكرية من طراز «مي - 35» قرب الحدود مع أوكرانيا

روسيا: مقتل نحو 400 عسكري أوكراني في كورسك خلال 24 ساعة

أعلنت وزارة الدفاع الروسية مقتل 400 عسكري أوكراني خلال الـ24 ساعة الماضية، ليرتفع إجمالي قتلى القوات الأوكرانية إلى 8200 عسكري.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

مرتزقة روس يغادرون بوركينا فاسو للدفاع عن كورسك

شاحنات عسكرية روسية متضررة بسبب قصف القوات الأوكرانية لمنطقة كورسك (أ.ب)
شاحنات عسكرية روسية متضررة بسبب قصف القوات الأوكرانية لمنطقة كورسك (أ.ب)
TT

مرتزقة روس يغادرون بوركينا فاسو للدفاع عن كورسك

شاحنات عسكرية روسية متضررة بسبب قصف القوات الأوكرانية لمنطقة كورسك (أ.ب)
شاحنات عسكرية روسية متضررة بسبب قصف القوات الأوكرانية لمنطقة كورسك (أ.ب)

غادر مرتزقة روس بوركينا فاسو التي كانوا قد تمركزوا فيها مؤخراً، وعادوا للدفاع عن مدينة كورسك الروسية التي تتعرض لهجوم تشنه القوات الأوكرانية، حسبما قال قائد مجموعتهم لوكالة الصحافة الفرنسية.

وأكد قائد لواء «الدببة» فيكتور يرمولاييف في مقابلة عبر تطبيق «تلغرام»، الجمعة، تقريراً أوردته صحيفة «لوموند الفرنسية» أفاد بأن بعضاً من عناصره عادوا للقتال في روسيا.

وقال القائد الملقب «جيداي»: «رأينا أن الأوكرانيين اختاروا الحرب. الحرب مهنتنا (...) لا يوجد شرف للمقاتل الروسي أعظم من الدفاع عن الوطن الأم».

وقبل أيام، أشار لواء «الدببة» على تطبيق «تلغرام» إلى أنه «بسبب الأحداث الأخيرة، يعود اللواء إلى شبه جزيرة القرم» التي ضمتها روسيا عام 2014.

وبعد أشهر من التراجع في مواجهة تقدم القوات الروسية في شرق أراضيها، نقلت أوكرانيا القتال إلى الأراضي الروسية عندما شنت في السادس من أغسطس (آب) هجوماً غير مسبوق على نطاق واسع في منطقة كورسك الحدودية.

وهذا الهجوم الذي لا يزال جارياً، فاجأ روسيا التي لم تشهد هذا العدد الكبير من القوات المعادية على أراضيها منذ الحرب العالمية الثانية.

ووفقاً لتقديرات مختلفة أكدها مصدر أمني غربي لوكالة الصحافة الفرنسية، فقد غادر بوركينا فاسو نحو 100 من أصل حوالي 300 مرتزق، وهو رقم أكده أيضاً «جيداي».

وأوضح «سيبقى البعض، بالطبع. لدينا قواعد وممتلكات ومعدات وذخيرة. لن نعيد كل شيء إلى روسيا».