جاذبية سري... من الصخب والتمرد إلى روح الشعر

متحف «المتروبوليتان» اقتنى إحدى لوحاتها واعتبرها هدية ثمينة

جاذبية سري... من الصخب والتمرد إلى روح الشعر
TT

جاذبية سري... من الصخب والتمرد إلى روح الشعر

جاذبية سري... من الصخب والتمرد إلى روح الشعر

في 6 مايو 2009 تلقّت الفنانة المصرية جاذبية سري (11 أكتوبر 1925 - 10 نوفمبر 2021) خطاباً من توماس كامبل، مدير متحف متروبوليتان بنيويورك، يقول فيه: «عزيزتي السيدة سري، إنه لمن دواعي سروري أن أشكرك على هديتك لمتحف المتروبوليتان للفن، حيث إن إسهامك بلوحتك الفنية الأخيرة يعدّ إضافة متفردة لمقتنيات قسم القرن 19 والفن الحديث والمعاصر بالمتحف، خصوصاً أنها تُعدّ مثالاً غير عادي للفن المصري الحديث، وإنّ كرمك هذا يساعدنا في أن نظل مؤسسة تتميز بأعلى مستوى من الأستاذية والمعرفة والإلهام».
من هذا الخطاب الذي أرسله مدير أحد أكبر متاحف الفن في العالم انتقالاً للفنان إلى مصافّ العالمية، ومنه ينطلق الناقد والفنان التشكيلي عز الدين نجيب في كتابه «جاذبية سري» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن سلسلة «ذاكرة الفنون»؛ ليرصد واحدة من أهم التجارب النسائية في تاريخ الفن التشكيلي المصري.
يلفت المؤلف إلى أن المتحف رغم أنه لم يدفع ثمناً للوحة جاذبية، فإن قبوله إياها هديةً وبمثل هذه الحفاوة التي تضمّنها الخطاب، لا يُقدَّر بمال، فمن المعروف أن المتاحف العالمية تعتمد في تنمية ثرواتها من الأعمال الفنية على مثل هذه الإهداءات، سواء من قِبل الفنان مباشرة، أو من قِبل بعض الأثرياء ورُعاة الفن. وبهذا تُعدّ جاذبية ثالث فنانة وفنان مصري يحظى بهذه المكانة بعد محمد ناجي حين اقتنى أحد مجالس العموم البريطاني عملاً من مجموعات لوحاته التي أنجزها في الحبشة عام 1930، ثم قام بإهدائها إلى متحف «تيت جاليري» بلندن 1936. وكانت الفنانة الراحلة تحية حليم هي الثانية حين فازت في مسابقة دولية للفن نظّمها متحف «جوجنهايم» بأمريكا عام 1957 عن لوحة «الأمومة» فضمّها المتحف إلى مقتنياته.
جاء التكريم الثالث لجاذبية سري وهي في الخامسة والثمانين من عمرها ولم يحظ به بعدها فنان مصري آخر. المثير للدهشة آنذاك أنها في تلك السن، وفقاً للمؤلف، كانت لا تزال ممسكة الفرشاة في ثقة وشجاعة لتتحف جمهورها بأعمال فنية جديدة تتمتع بدفء المشاعر وبراءة الطفولة وجسارة الشباب المتمرد وحماسة الإقبال على الحياة، حتى إنها أقامت في ذلك العام (2009)، معرضاً جديداً لإنتاجها، وكان يحمل رقم 70 في مسيرتها الممتدة منذ تخرجها عام 1948 في كلية الفنون الجميلة. ولعلّها بذلك قد صححت معلومة شائعة عن أن هذه الكلية لم تسمح بالتحاق الفتيات بها إلا عام 1954.
ويؤكد المؤلف أن جاذبية سري في جوهرها فنانة واقعية تعبيرية على امتداد مراحلها الفنية، مهما بدا من شططها نحو التجريد وما يبدو أنه تعبير عن نزعة شكلانية، فرحلتها الطويلة بكل أساليبها لم تفارق الإنسان لحظة، تتراوح ما بين داخله وخارجه، بين الكلي والجزئي في حياته ومصيره الإنساني. إنها غالباً تنزع عنه القشرة الخارجية أو الحائط الرابع لتبدو لنا حياته الداخلية وكأننا في مسرح تتصاعد فيه الأحداث. من هنا يبدو لنا عالمها ممزقاً متصارعاً وعنيفاً، حتى لو كان الموضوع عن الطبيعة أو البحر أو الصحراء، فما نراه ليس إلا إسقاطاً ذاتياً لعالم الفنانة الداخلي؛ وهو عالم شديد الانتماء للبيئة والواقع وللدراما الإنسانية أيضاً.
تَشكَّل كل هذا في التمرد الذي كان سمة لازمتها منذ طفولتها، كانت حينذاك تتقمص شخصية الولد كي تفعل ما لا تستطيع البنت أن تفعله. وفي صباها خاضت معركة التحدي لتقاليد أسرتها البرجوازية المحافظة كي تختار طريق الفن. وفي سنوات الدراسة وهي لا تزال طالبة، انضمّت إلى جماعة فنية ثورية متمردة على الجمود الأكاديمي تنادي بالارتباط بين الفن والمجتمع والثورة على الواقع الاجتماعي المتخلف المحكوم بالظلم والاستعمار البريطاني قبل ثورة يوليو 1952. كانت تلك هي جماعة «الفن الحديث»، حيث أصبحت زميلة لكل من الفنانين: عز الدين حمودة وزينب عبد الحميد وجمال السجيني وداود عزيز ووليم إسحق ويوسف سيده وحامد عويس، في الوقت نفسه تفاعلت مع جماعات يسارية ثورية ضد الاستعمار والرجعية وشاركت في المظاهرات الوطنية حتى أخذت نصيبها من العقاب حين جرى احتجازها في قسم الشرطة عدة أيام. ويحتفظ الأرشيف الفني المصري بصورة رسم خطي رسمته لنفسها عن هذه المحنة وهي داخل الزنزانة مع عدد من زميلاتها، وإن كانت تلك الحادثة قد تكفلت باقتناعها بالابتعاد نهائياً بعد ذلك عن العمل السياسي وفضّلت أن تمارس دورها؛ وهو الفن مع ربطه بالقضية الوطنية والاجتماعية ليكون سلاحاً لا يقل عن سلاح النضال السياسي دفاعاً عن القضية.
ويذكر عز الدين نجيب أن أثر هذا التفاعل بين الفن وقضايا المجتمع واضح في أعمالها الأولى، أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، حيث كانت المرأة هي البطل الرئيسي في كل لوحاتها وتظهر محفوفة بالعناصر المنزلية والأنثوية، خصوصاً وسط الأحياء الشعبية. وتبرز من أعمال هذه المرحلة لوحاتها التأسيسية المهمة لشخصياتها الفنية مثل: حُسن، أم رتيبة، نشر الغسيل، المعلمة والتلميذات، حيث الخطوط الخارجية الصريحة للجسم، وألوان ناصعة لزخارف الملابس، مع تأكيد لون البشرة السمراء التي تشع فيها نظرات العيون الشاخصة بقوة التباين بين الأبيض والأسود. وتبدو النسوة مزهوّات بخصوبتهن المتمثلة في كثرة الإنجاب، مع إحساس بمسؤوليتهن عن استقرار الأسرة وتربية الأبناء باعتبار الزوجة هي العمود الفقري لها. وتلجأ الفنانة في أعمال تلك المرحلة إلى نوع من تسطيح الظلال على الوجوه والأجسام في مساحات غير متدرجة تتجاور وتتقاطع وتتعانق وتتناقض بما يجعلها تلامس حدود المدرسة «التكعيبية» وما يساعد على تحقيق التماسك والحركة داخل التكوين.
وتأتي لوحة «الاستغماية» 1958، لتكتمل أبعاد البلاغة الجمالية لكل المرحلة، وإن بدرجة أكبر من التأثر بأسلوب بيكاسو في تحليل ملامح الوجوه وحركة الأجسام متخذة من طابع السذاجة الطفولية مظهراً لإضفاء التلقائية والبراءة على التكوين الذي يقوم على محاور رأسية مائلة للأطفال الثلاثة الذين يندفعون ليدركوا زميلهم، في حين تمثل المساحات اللونية المسطحة خلفية هادئة للألوان كي تتيح للألوان الساخنة مع حركة الأجسام البشرية الفرصة لحضور أكبر. ومع حلول عام 1967 غادرت عالمها الطولي وارتدت قناع المدينة حتى صارت جزءاً عضوياً من مبانيها الخرسانية ونوافذها التي تبدو أشبه بعيون مفقودة أو خزائن للأسرار. وكان كل ذلك عبارة عن انعكاس حزين لما حدث في نكسة يونيو وتداعياتها النفسية عربياً ومصرياً.
في السبعينيات، اتجهت إلى الصحراء تبحث فيها عن معنى ما، حيث أسفرت التجربة البحثية عن صيغة جديدة تتوافق مع مزاج آنذاك عندما بدأت سلسلة لوحاتها عن «الأهرامات»، بدءاً من عام 1976. كان شكل الهرم أكثر الأشكال الهندسية توازناً واكتمالاً، فضلاً عن قوته بوصفه رمزاً لمصر.
وفي التسعينيات، تألقت لوحاتها المستوحاة من البحر أو من زحام المدينة، إنها تتجاوز ثنائية المشخص والمجرد أو الشكل والمضمون إلى حالة من التوحد الصوفي مع الكون والإدراك الحدسي المباغت للكائنات بحيث لا يتبقى في اللوحة سوى روح الشعر.


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.