الجزائر: بدء محاكمة عسكريين منشقين بعد تسلمهما من إسبانيا

متهمان بـ«تهديد أمن الدولة» مع معارضين في الخارج

محمد بن حليمة
محمد بن حليمة
TT

الجزائر: بدء محاكمة عسكريين منشقين بعد تسلمهما من إسبانيا

محمد بن حليمة
محمد بن حليمة

بدأ القضاء الجزائري، اليوم، محاكمة عسكريين سابقين، سلمتهما إسبانيا للسلطات الجزائرية، وذلك لاتهامهما بالإرهاب و«التآمر على الدولة، وتهديد أمنها بالتعاون مع معارضين في الخارج»، أبرزهم المدون الشهير أمير بوخرص، المعروف بـ«أمير دي زاد»، اللاجئ بفرنسا، والدبلوماسي المنشق محمد العربي زيتوت، اللاجئ في بريطانيا، اللذان يحاكمان غيابياً.
وحسب وثيقة «قرار إحالة الملف على محكمة الجنايات» بالدار البيضاء في الضاحية الشرقية للعاصمة، فقد وجَّهت النيابة إلى الأربعة تهمة «المس بأمن الدولة». وتتمثل الوقائع وفق نفس الوثيقة، في قيام الأشخاص الأربعة بـ«مساعٍ لزعزعة استقرار البلاد، من خلال توجيه ناشطين معارضين في الداخل، وتحريضهم على تنظيم مظاهرات لاستهداف الأمن». والعسكريان هما الدركي سابقاً محمد عبد الله، والعسكري سابقاً محمد بن حليمة. وقد سلمت إسبانيا الأول العام الماضي لسلطات الجزائر، فيما رحّلت الثاني في مارس (آذار) الماضي، غير مكترثة بمناشدة تنظيمات حقوقية دولية عدم تسليمهما للجزائر، بذريعة أنهما «لن يمكَّنا من محاكمة عادلة في حال تقديمهما للقضاء».
وكان العسكريان في وضعية مهاجرين غير نظاميين، عندما تم القبض عليهما وتسليمهما، ولم يتّبعا إجراءات طلب اللجوء السياسي في إسبانيا التي تربطها بالجزائر اتفاقات قضائية، تخص تسليم المطلوبين لدى القضاء في البلدين. وقال محامون في بداية المحاكمة إنها ستمتد إلى ساعات متأخرة من نفس اليوم. فيما بدا على دفاع بن حليمة وعبد الله تشاؤماً بخصوص مآل المحاكمة، بالنظر إلى خطورة التهم.
ويشمل الملف 18 متهماً (بينهم ست نساء) يعتقد المحققون أنهم كان لهم «دور في التخطيط لمؤامرة تهدد الأمن العام في البلاد». علماً بأن بوخرص (36 سنة) وزيتوت (61 سنة) محل مذكرتي اعتقال دوليتين، أصدرهما القضاء الجزائري ضدهما، لاتهامهما بالإرهاب في قضايا أخرى كثيرة. وانتسب بن حليمة إلى الجيش قبل عشر سنوات، وكان برتبة عريف عندما فرّ إلى إسبانيا في سبتمبر (أيلول) 2019، إثر إبلاغه بأن اسمه مدرج على قائمة العسكريين المطلوبين، بسبب مشاركته في مظاهرات الحراك الشعبي المعارض. ولما تأكد من أن مدريد ستقدمه لسلطات بلاده فرَّ إلى فرنسا، حيث التقى المدون أمير دي زاد، الذي وعده بمساعدته للحصول على اللجوء السياسي. لكن سرعان ما طلبته مدريد من باريس، وهو ما تم بعد فترة وجيزة، رغم محاولات محامين وحقوقيين بأوروبا الحؤول دون إبعاده.
وخلال العامين الماضيين، كثف بن حليمة نشاطه في شبكة التواصل الاجتماعي، وعدَّه معارضون «ناشطاً في مجال الكشف عن الفساد»، بعد أن استهدف الجيش بشكل خاص، وهو ما جلب له متاعب كثيرة، إذ حُكم عليه غيابياً في السابع من يناير (كانون الثاني) 2021 بالسجن لعشر سنوات، كما اتُّهم لاحقاً بالانتماء إلى تنظيم «رشاد»، المدرج على لائحة التنظيمات الإرهابية، والذي يرأسه زيتوت. أما محمد عبد الله الذي سلمته إسبانيا في 20 أغسطس (آب) 2021، فقد انشق عن الجيش في سنة 2018، بعد أن اتهم مسؤولين فيه بـ«الفساد»، وأدانه القضاء المدني بالسجن خمس سنوات وست سنوات في ملفين منفصلين، كما أنه متابَع في عدة قضايا أخرى بنحو 12 تهمة، حسب محاميه، منها «الإساءة إلى الجيش» و«إهانة هيئات نظامية».
إلى ذلك، قالت وزارة الدفاع على موقعها الإلكتروني، اليوم، إن الجيش قضى على ثلاثة إرهابيين واعتقل رابعاً، فيما سلَّم خامس نفسه لقوات الأمن بجنوب البلاد، وكان معه مسدس «كلاشينكوف» وذخيرة. وخلال الفترة ذاتها، تم توقيف 10 أشخاص بشبهة «دعم الجماعات الإرهابية» في عمليات منفصلة عبر التراب الوطني. كما اعتقلت مصالح الأمن 5 رعايا أجانب بحوزتهم مسدس رشاش وبندقية صيد وكمية من الذخيرة، في حين تم كشف وتدمير 5 قنابل تقليدية بمنطقة جيجل شرق البلاد. وأكدت الوزارة أن هذه العمليات «تعكس مدى الاحترافية العالية، واليقظة والاستعداد الدائمين لقواتنا المسلحة في كامل التراب الوطني».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.