بحث: حركات العين تحمل أدلة على كيفية اتخاذ القرارات

بحث: حركات العين تحمل أدلة على كيفية اتخاذ القرارات
TT

بحث: حركات العين تحمل أدلة على كيفية اتخاذ القرارات

بحث: حركات العين تحمل أدلة على كيفية اتخاذ القرارات

يقترح بحث جديد قاده علماء بجامعة كولورادو بولدر، أن العيون قد تكون حقًا نافذة على الروح، أو على الأقل تكشف عن معلومات قيّمة حول كيفية اتخاذ البشر لقراراتهم.
وتقدم النتائج الجديدة للباحثين فرصة نادرة في علم الأعصاب لمراقبة الأعمال الداخلية للدماغ البشري من الخارج. ويمكن للأطباء أيضًا استخدام النتائج يومًا ما لفحص مرضاهم بحثًا عن أمراض مثل الاكتئاب أو مرض باركنسون.
وفي ذلك يقول كولين كوربيش طالب الدكتوراه بقسم «بول إم رادي» للهندسة الميكانيكية بجامعة «سي يو بولدر» المؤلف الرئيسي للدراسة «ان حركات العين مثيرة للاهتمام بشكل لا يصدق. وعلى عكس ذراعيك أو ساقيك، فإن سرعة حركات العين لا إرادية تمامًا تقريبًا. إنه قياس مباشر أكثر بكثير لهذه العمليات اللاواعية التي تحدث في عقلك» وقد نشر هو وزملاؤه، بمن فيهم باحثون بجامعة «جونز هوبكنز» ببالتيمور، النتائج التي توصلوا إليها في نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي بمجلة «Current Biology»، وذلك وفق ما ذكر موقع «ميديكال إكسبريس» الطبي المتخصص.
وفي الدراسة، طلب الفريق من 22 شخصًا أن يسيروا على جهاز المشي ثم الاختيار بين الإعدادات المختلفة المعروضة على شاشة الكمبيوتر؛ المشي لفترة وجيزة على درجة شديدة الانحدار أو المشي لفترة أطول على أرض مستوية.
واكتشف الباحثون أن أعين الأشخاص تخلت عنهم؛ فحتى قبل أن يتخذوا خياراتهم كان مستخدمو جهاز المشي يميلون إلى تحريك أعينهم بشكل أسرع عندما ينظرون نحو الخيارات التي انتهى بهم الأمر باختيارها. فكلما تحركت أعينهم بقوة بدا أنهم يفضلون اختيارهم.
ولمزيد من التوضيح، قال علاء أحمد كبير مؤلفي الدراسة الأستاذ المساعد بالهندسة الميكانيكية بجامعة «سي يو بولدر» «اكتشفنا قياسًا يمكن الوصول إليه يخبرك في بضع ثوانٍ فقط ليس فقط بما تفضله ولكن إلى أي مدى تفضله».
وأضاف أحمد أن «كيف ولماذا يتخذ البشر خيارات (شاي أم قهوة؟ كلاب أم قطط؟) من الصعب دراستها. إذ لا يمتلك الباحثون العديد من الأدوات التي تسمح لهم بسهولة بالنظر داخل الدماغ». ومع ذلك، يعتقد أحمد أن أعيننا يمكن أن تقدم لمحة عن بعض عمليات التفكير لدينا. إنها مهتمة بشكل خاص بنوع من الحركة يعرف باسم «المرمى». وتابع «الطريقة الأساسية لتحرك أعيننا هي من خلال الرماية... هذا عندما تقفز عيناك بسرعة من نقطة تثبيت إلى أخرى. بسرعة؛ فعادة ما يستغرق إكمال Saccades بضع عشرات من الألف من الثانية، ما يجعلها أسرع من وميض متوسط».
ولمعرفة ما إذا كانت هذه الحركات المندفعة تعطي أدلة حول كيفية اتخاذ البشر للقرارات، قرر أحمد وزملاؤه الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية.
وفي الدراسة الجديدة، أنشأ الفريق جهاز مشي في حرم الجامعة. وقد تمرن أفراد الدراسة على منحدرات مختلفة لفترة من الوقت ثم جلسوا أمام شاشة وجهاز عالي السرعة قائم على الكاميرا يتتبع حركات أعينهم. وأثناء وجودهم على الشاشة، فكروا في سلسلة من الخيارات، وحصلوا على 4 ثوانٍ للاختيار من بين خيارين تمثلهما الرموز: هل أرادوا المشي لمدة دقيقتين بدرجة 10 % أم لمدة 6 دقائق بدرجة 4 %؟ وبمجرد الانتهاء، عادوا إلى جهاز المشي ليستكشفوا بناء على ما اختاروه.
ووجد الفريق أن عيون المشاركين خضعت لماراثون من النشاط في فترة زمنية قصيرة فقط. وعندما نظروا في خياراتهم، رفع الأفراد أعينهم بين الأيقونات، ببطء أولاً ثم بشكل أسرع.
وبيّن أحمد «في البداية، كانت رشاقة أي من الخيارين قوية بالمثل. ثم، مع مرور الوقت، ازدادت هذه القوة وزادت بشكل أسرع بالنسبة للخيار الذي اختاروه في النهاية».
كما اكتشف الباحثون أيضًا أن الأشخاص الذين اتخذوا أسرع القرارات (ربما أكثر أعضاء المجموعة اندفاعًا) يميلون أيضًا إلى تحريك أعينهم بقوة أكبر. وبمجرد أن يقرر الأشخاص اختيارهم، تباطأت عيونهم مرة أخرى.
من جانبه، يقول كوربيش «ان قراءات الوقت الفعلي لعملية اتخاذ القرار هذه تتطلب عادةً وضع أقطاب كهربائية اجتياحية في الدماغ. كما ان الحصول على هذا المتغير الذي يسهل قياسه يفتح الكثير من الاحتمالات».
وفي هذا الاطار، يمكن أن تهم نقرات العين أكثر بكثير من فهم كيفية اتخاذ البشر للقرارات. فقد اقترحت الدراسات التي أُجريت على القردة، على سبيل المثال، أن بعض المسارات نفسها في الدماغ التي تساعد الرئيسيات على الاختيار بين هذا أو ذاك قد تتفكك أيضًا في الأشخاص المصابين بمرض باركنسون؛ وهو مرض عصبي يعاني فيه الأفراد من رعشة وصعوبة في الحركة وأعراض أخرى.
ويتابع أحمد «ان الحركات البطيئة ليست مجرد أعراض لمرض باركنسون ولكنها تظهر أيضًا في الكثير من اضطرابات الصحة العقلية مثل الاكتئاب والفصام. نعتقد أن حركات العين هذه يمكن أن تكون شيئًا يتتبعه المهنيون الطبيون كأداة تشخيصية، وطريقة لتحديد تقدم بعض الأمراض. وبعبارة أخرى، يمكن أن تكون العيون نافذة لأكثر من مجرد روح».


مقالات ذات صلة

بعد الخامسة والثلاثين... الجسد يبدأ العدّ التنازلي

صحتك العمر يتقدّم لكنّ الحركة لا تفقد معناها (شاترستوك)

بعد الخامسة والثلاثين... الجسد يبدأ العدّ التنازلي

تصل القدرة البدنية للإنسان إلى ذروتها في سنّ الـ35 عاماً، وتبدأ في التدهور بعد ذلك بوقت قصير، وفق دراسة استمرَّت عقوداً...

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك يُعد التهاب البروستاتا من أكثر مشكلات الجهاز البولي شيوعاً لدى الرجال (رويترز)

تأثير الجو البارد على التهاب البروستاتا

تُعد البروستاتا غدة حساسة جداً للتغيرات المفاجئة في درجات الحرارة. وحتى تغير بسيط بدرجة حرارة الجسم أو تكييف الهواء يمكن أن يحفز عملية التهابية فيها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك الاختبار يقيس مستويات بروتينات معينة في الدم تتنبأ بخطر الوفاة (رويترز)

اختبار دم بسيط قد يكشف عن احتمالية الوفاة خلال العقد القادم

توصلت مجموعة من الباحثين إلى اختبار دم بسيط يقيس مستويات بروتينات معينة يمكن أن يكشف لك عن احتمالية وفاتك خلال العقد القادم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك كل أنواع الشاي (الأسود والأخضر والماتشا) تحتوي على مضادات أكسدة (رويترز)

8 مشروبات تمنحك المزيد من مضادات الأكسدة

تساعد مضادات الأكسدة على حماية الخلايا من الأضرار اليومية الناتجة عن عوامل مثل الإجهاد والتلوث وعمليات التمثيل الغذائي الطبيعية، فما المشروبات الغنية بها؟

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك أقلام دواء أوزمبيك لعلاج السكري موضوعة على خط إنتاج لتعبئتها في موقع شركة نوفو نورديسك الدنماركية للأدوية بهيليرود (رويترز)

دراسة تُظهر تفوُّق جراحات السمنة على أوزمبيك في خسارة الوزن

جراحات السمنة تؤدي لفقدان وزن أكبر بكثير (25.7%) مقارنة بأدوية سيماغلوتايد (5.3%) على مدى عامين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

اكتشاف آلاف آثار أقدام الديناصورات في شمال إيطاليا

آثارٌ لم تمحها الأزمنة (أ.ب)
آثارٌ لم تمحها الأزمنة (أ.ب)
TT

اكتشاف آلاف آثار أقدام الديناصورات في شمال إيطاليا

آثارٌ لم تمحها الأزمنة (أ.ب)
آثارٌ لم تمحها الأزمنة (أ.ب)

عُثر على آلاف من آثار أقدام الديناصورات، العائد تاريخها إلى 210 ملايين عام، في محمية وطنية شمال إيطاليا.

وتنتظم آثار الأقدام، التي يصل قُطر بعضها إلى 40 سنتيمتراً، في صفوف متوازية، ويُظهر كثير منها آثاراً واضحة للأصابع والمخالب.

ووفق «بي بي سي»، يُعتقد أنّ هذه الديناصورات كانت من نوع «بروساوروبود»، وهي ديناصورات عاشبة تتميَّز بأعناق طويلة ورؤوس صغيرة ومخالب حادّة.

وقال عالم الحفريات المقيم في ميلانو، كريستيانو دال ساسو: «لم أكن أتخيّل أبداً أنني سأعثر على مثل هذا الاكتشاف المذهل في المنطقة التي أعيش فيها».

كان مصوّر فوتوغرافي قد رصد في سبتمبر (أيلول) الماضي آثار الأقدام، وهي تمتد لمئات الأمتار على جدار جبلي رأسي في محمية «ستيلفيو» الوطنية، شمال شرقي ميلانو.

وفي العصر الترياسي، قبل ما يتراوح بين 250 و201 مليون سنة تقريباً، كان هذا الجدار مسطّحاً طينياً ساحلياً (منطقة مد وجزر)، وأصبح لاحقاً جزءاً من سلسلة جبال الألب.

وقال دال ساسو: «كان هذا المكان يعجّ بالديناصورات في الماضي. إنه كنز علمي هائل».

وأضاف أنّ القطعان كانت تتحرّك في تناغم، «وهناك أيضاً آثار لسلوكيات أكثر تعقيداً، مثل تجمُّع مجموعات من الحيوانات في دائرة، ربما لأغراض الدفاع».

كانت ديناصورات «البروساوروبود»، التي قد يصل طولها إلى 10 أمتار، تمشي على ساقين، ولكن في بعض الحالات عُثر على آثار أيدٍ أمام آثار الأقدام، ممّا يشير إلى أنها ربما توقّفت وأراحت أطرافها الأمامية على الأرض.

وقال المصوّر الذي اكتشف الموقع إيليو ديلا فيريرا، إنه يأمل أن يثير هذا الاكتشاف «تأمّلاً فينا جميعاً، ويسلّط الضوء على مدى ضآلة ما نعرفه عن الأماكن التي نعيش فيها: وطننا، كوكبنا».

ووفق بيان صحافي صادر عن وزارة الثقافة الإيطالية، فإنّ المنطقة نائية ولا يمكن الوصول إليها عبر الممرات، لذا ستُستخدم الطائرات المُسيّرة وتقنيات الاستشعار من بُعد بدلاً من ذلك.

وتقع محمية «ستيلفيو» الوطنية في وادي «فرايلي» عند حدود إيطاليا مع سويسرا، بالقرب من المكان الذي ستُقام فيه الألعاب الأولمبية الشتوية العام المقبل.

وقالت وزارة الثقافة الإيطالية: «الأمر يبدو كأنّ التاريخ نفسه أراد أن يُقدّم تحية لأكبر حدث رياضي عالمي، جامعاً بين الماضي والحاضر في تسليم رمزي للشعلة بين الطبيعة والرياضة».


وفاة الفنانة المصرية نيفين مندور إثر حريق شبّ في منزلها

 نيفين مندور (صفحتها الرسمية في «فيسبوك»)
نيفين مندور (صفحتها الرسمية في «فيسبوك»)
TT

وفاة الفنانة المصرية نيفين مندور إثر حريق شبّ في منزلها

 نيفين مندور (صفحتها الرسمية في «فيسبوك»)
نيفين مندور (صفحتها الرسمية في «فيسبوك»)

تُوفيت الفنانة المصرية نيفين مندور صباح اليوم (الأربعاء)، عن عمر يناهز 53 عاماً، وذلك إثر حريق مفاجئ شبّ في منزلها.

وأُعلن الخبر على صفحتها الرسمية بموقع «فيسبوك»، اليوم (الأربعاء).

وكان الفنان شريف إدريس قد كتب، عبر صفحته الرسمية في «فيسبوك»: «لا إله إلا الله... الصديقة الطيبة الجميلة نيفين مندور في ذمة الله، الله يرحمك ويحسن إليكِ».

لقطة من دور قدمته نيفين مندور في فيلم «اللي بالي بالك» (صفحتها الرسمية في «فيسبوك»)

واشتهرت نيفين مندور بشخصية «فيحاء» التي جسّدتها ضمن أحداث فيلم «اللي بالي بالك» أمام الفنان محمد سعد، الذي صدر عام 2003. وكان آخر أعمالها المسلسل الكوميدي «المطعم» الذي عُرض عام 2006.


«ويلة عيد»... نيّة صادقة ونتيجة خفيفة

النية واضحة لكنّ الخشبة تطلب أكثر من صدق الشعور (الشرق الأوسط)
النية واضحة لكنّ الخشبة تطلب أكثر من صدق الشعور (الشرق الأوسط)
TT

«ويلة عيد»... نيّة صادقة ونتيجة خفيفة

النية واضحة لكنّ الخشبة تطلب أكثر من صدق الشعور (الشرق الأوسط)
النية واضحة لكنّ الخشبة تطلب أكثر من صدق الشعور (الشرق الأوسط)

تكثُر الأعمال المسرحية التي تُراهن على موسم الأعياد بوصفه مدخلاً مضموناً إلى عاطفة الجمهور. غير أنّ الانتماء إلى أجواء الميلاد لا يكفي وحده لمنح العمل قيمة فنّية أو ثقلاً مسرحياً. فبين الزينة والضوء والموسيقى، لا بدّ من سؤال عمّا يقول العرض وكيف يقوله، وإلى أيّ حدّ ينجح في تحويل النيّة إلى تجربة مُكتملة؟

مسرحية «ويلة عيد»، المعروضة على خشبة مسرح «ديستركت 7» في منطقة الصيفي البيروتية، تنتمي إلى هذه الفئة من الأعمال التي تطلّ على المُتلقّي بنيّة طيّبة، لكن من دون أن تمتلك الأدوات الكافية لحَمْلها فنياً. الكاتبة والمخرجة مايا سعيد أرادت تقديم عمل رمزي يُحيّي الطاقم الطبّي الذي يعمل في ليالي الأعياد، أولئك الذين لا يعرفون معنى الإجازة حين يحتفل الآخرون. تنبع الفكرة من تجربة شخصية، فوالدها مارس مهنة الطبّ، ويبدو العمل أقرب إلى تحية خاصة له، أو إلى محاولة عزاء ذاتي واعتراف مؤجَّل بالفقد. عند هذا المستوى، تبدو النوايا نبيلة ومفهومة. لكنّ المسرح لا يُقاس بصفاء النيّات وحدها، وإنما بقدرة هذه النيّات على التحوّل إلى بناء درامي مُتماسك.

ليلة ميلاد وأسئلة معلّقة لا تجد طريقها إلى العمق (الشرق الأوسط)

العمل من بطولة وسام صباغ وأندريه ناكوزي، ويمكن التقاط لحظات أو أفكار مُتناثرة داخله، لكن يصعب استخلاص عرض مُتكامل. فالنصّ عادي في حبكته، والإخراج متواضع في مقاربته البصرية. والصراخ، مهما علا، لا يُفضي بالضرورة إلى وجع أعمق، والإفراط في الزينة لا يعوّض خفّة البناء الدرامي ولا يضمن استحضار روح الميلاد.

تتناول المسرحية موضوعات مألوفة ومهمّة، من الوحدة والانتماء إلى الذاكرة والطفولة والبحث عن الذات، وهي موضوعات تزداد حدّتها في مواسم الفرح الجماعي، حين يشتدّ الضوء في الخارج، وتتكثَّف العتمة الداخلية. وإنما الطرح يذهب إلى بساطة مُفرطة تكاد تُفرغه من أثره. تقوم الحبكة على شابة تائهة في عالمها تختلق حادث سير للتهرُّب من تمضية سهرة عيد الميلاد مع عائلتها. فكرة تجمع بين الطرافة والألم، لكنها تبقى أسيرة معالجة لا تتطوَّر، فتُراوح مكانها من دون أن تُحدِث فارقاً حقيقياً.

رداء أبيض يحمل أكثر مما تحتمله الشخصية وأقل مما يحتمله المسرح (الشرق الأوسط)

تحمل مايا سعيد ذاكرة نازفة تحاول في موسم الميلاد أن تمنحها معنى أقل قسوة. نصوصها لا تخلو من حسّ إنساني واضح، لكنّ تنفيذ «ويلة عيد» أضعفَ التركيبة بأكملها. فقدان والدها يبدو جرحاً مفتوحاً لا يزال يقيم في داخلها، فتسعى إلى مداواته عبر أعمال مسرحية تريد لها أن تُهدّئ الألم. كتبت لوسام صباغ شخصية طبيب لا يعرف الفرق بين الليل والنهار، ولا بين أيام العمل وأيام العيد، ورأت فيها انعكاساً مباشراً لصورة والدها، إلى حدّ إلباسه رداءه الأبيض نفسه. هنا تحديداً، تتجلّى المُفارقة المسرحية. فحين نُلاحظ أنّ الاسم المُطرَّز على الرداء لا يخصّ شخصية الطبيب في العرض، يتبيَّن أنّ الرداء هو لوالد الكاتبة والمخرجة نفسها، في لفتة شخصية أرادت من خلالها تكريمه. لكنّ المسرح ليس إسقاطاً مباشراً للشأن العائلي. هو إعادة صياغة للوجع وتحويله إلى مادة فنّية قابلة للمُشاركة. عرض الألم كما هو، من دون مسافة فنّية، يُضعف الأثر بدل أن يُعمّقه.

على مستوى الأداء، يحتمل العمل مزيداً من التكثيف والحياة. أندريه ناكوزي تذهب إلى الانفعال أكثر مما تُمسك باللحظة الدرامية، فتتبدَّد ملامح الشخصية المتألّمة والوحيدة من دون أن تترسَّخ. أما وسام صباغ فيبدو طبيباً لأنه يرتدي الرداء الأبيض لا أكثر، من دون طبقات داخلية أو مسار نفسي واضح يمنح الشخصية عمقها، وتزيد من ذلك ضآلة الكيمياء بين البطلَيْن، ممّا جعل الأداء يبدو غير قادر على الحفر في الداخل.

مسرح يتعثَّر وهو يحاول أن يقول شيئاً عن الفقد (الشرق الأوسط)

جميلٌ طرح أسئلة الميلاد في زمن الصورة ووسائل التواصل، وجميل التوقّف عند الضحكة الزائفة والانشغال بالقشور على حساب الجوهر. لكنّ هذه الأفكار، حين لا تتّكئ على بناء متين وكيمياء حيّة بين الممثلين، تبقى عناوين أكثر منها تجربة مسرحية. «ويلة عيد» حاولت أن تقول شيئاً حقيقياً، لكنها قالته بأدوات محدودة. فالنصّ يحتاج إلى مزيد من التكثيف، والإخراج إلى رؤية أكثر وضوحاً، والتمثيل إلى إدارة أعمق تتيح للوجع أن يتجاوز اللحظة الخاطفة.

«ويلة عيد» مسرحية خفيفة ومتقشّفة فنياً، تحكمها نوايا إنسانية واضحة، لكنها تفتقر إلى العمق الذي يجعلها تُحسَب تجربةً مسرحيةً مُكتملة. وهي، وإن كانت تُقدَّر لجهتَي الفكرة واللفتة، فإنها تؤكّد أنّ المسرح يعيش بما يُنجَز على الخشبة فعلاً وليس بالنيّة وحدها.