بينما أفرجت الميليشيات الحوثية عن صحافي مكث لديها في الاختطاف أكثر من حوالي 16 شهراً، واصلت الجماعة المدعومة من إيران أعمال الاختطاف والإخفاء بحق صحافيين وناشطين وشخصيات اجتماعية بحجج مختلفة، حيث تشير مصادر ومعلومات إلى مخاوف الميليشيات من حدوث انتفاضة شعبية بسبب تردي الأوضاع المعيشية وممارسات الفساد، وأسوة بما يحدث في إيران؛ الداعم الرئيسي للحوثيين.
واستدعت أقسام الشرطة التي تديرها جماعة الحوثي في العاصمة صنعاء، أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عدداً من الشباب الذين كانت قد اختطفتهم إثر مشاركتهم في الاحتفالات الشعبية بذكرى ثورتيْ سبتمبر (أيلول)، وأكتوبر (تشرين الأول)، لتحذيرهم من المشاركة في أي احتفال بذكرى الاستقلال موجه من الخارج، كما زعمت، وطلبت منهم الاكتفاء بالاحتفالات التي تنظمها هي فقط. وجرى الإفراج قبل أيام عن الصحافي يونس عبد السلام الذي اختُطف من إحدى نقاط التفتيش التي نصبتها الميليشيات الحوثية داخل العاصمة صنعاء، وظل محتجَزاً لديها منذ منتصف العام الماضي، إلا أنها اختطفت، قبل أيام، صحافياً آخر بسبب نشره معلومات عن وقائع فساد ونهب مارسها قادة حوثيون في محافظة تعز.
- تنافس على موارد الفساد
تحدثت مصادر محلية في ضاحية الحوبان، شرق مدينة تعز، عن اختطاف الصحافي عادل الكمالي بسبب كتابات له على مواقع التواصل الاجتماعي تنتقد الفساد الذي يمارسه القيادي في الميليشيات صلاح بجاش، والمعيَّن محافظاً لتعز في حكومة الميليشيات غير المعترَف بها، ويأتي هذا الإجراء ضمن تنافس بين قيادات الميليشيات على غنائم الفساد، وفقاً للمصادر.
واختطفت ميليشيات الحوثي عشرات من أعيان ومواطني مديرية بني مطر غرب العاصمة صنعاء، بعد رفضهم تقسيم مشروع المديرية الذي تنوي الجماعة تنفيذه، وتنظيم فعاليات احتجاجية ضد ممارسات الميليشيات.
ويرى أبناء وأعيان بني مطر أن مشروع تقسيم مديريتهم إلى مديريتين يهدف إلى تفكيك قبائلها وتفريقهم؛ لتسهيل عمليات نهب الأراضي، التي تمارسها قيادات في الميليشيات منذ أشهر.
ويقود رئيس ما يُعرف بـ«اللجنة العسكرية» أبو حيدر جحاف أعمال السطو المسلَّح على الأراضي، وتزوير الوثائق الخاصة بملكيتها، إضافة إلى اختطاف مواطني المديرية والضغط عليهم لإجبارهم على التنازل عن ممتلكاتهم.
وفي مديرية بني سعد، التابعة لمحافظة المحويت شمال غربي العاصمة صنعاء؛ تظاهر عشرات المواطنين للمطالبة بالإفراج عن الشيخ خالد المزلمي الذي اختطفته الميليشيات بتهمة التخطيط للانقلاب عليها، وهو ما نفته مصادر محلية في المحافظة، مشيرة إلى ارتباط الاختطاف بالتنافس على موارد الفساد والجبابات، ورفض الشيخ المزلمي هذه الممارسات.
- حظر الاحتفالات الوطنية
مخاوف الميليشيات من حدوث انتفاضة شعبية؛ أسوة بما يجري في إيران منذ حوالي 3 أشهر باتت تخيِّم على الجماعة. تلك المخاوف تصاعدت مع تصاعد حدة الغضب الشعبي بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة وازدياد أعمال القمع والتنكيل من جهة، واستغلال المواطنين ذكرى ثورتي سبتمبر وأكتوبر للاحتفال والتعبير عن رفضها هيمنة الميليشيات.
وقال بعض الشباب الذين شاركوا في الاحتفال الشعبي بذكرى الثورتين في العاصمة صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، إن الميليشيات استدعتهم عبر الاتصال الهاتفي إلى أقسام الشرطة القريبة من ميدان السبعين، حيث جرت الاحتفالات بذكرى الثورتين، وحذرتهم من تنظيم أية احتفالات بذكرى الـ30 من نوفمبر (عيد الاستقلال) دون العودة إليها وأخذ الإذن منها.
إلا أنه لم تحدث احتفالات تُذكَر بمناسبة ذكرى الاستقلال، خصوصاً بعد أن أجبرت الميليشيات عشرات المحتفلين بذكرى ثورتي سبتمبر وأكتوبر على التعهد بعدم المشاركة في تنظيم أي احتفالات غير مرخَّصة، كما سمّتها؛ وحثّتهم على دعم الاحتفالات التي تنظمها جهات تابعة لها. والشباب الذين استدعتهم الميليشيات للحضور والتعهد بعدم الاحتفال هم الذين اختطفتهم ليلتي الاحتفال الشعبي بذكرى الثورتين في ميدان السبعين، واقتادتهم إلى أقسام الشرطة القريبة من الميدان، ولم تفرج عنهم إلا بعد إجراء تحقيقات معهم حول شكوكها بدوافعهم ومن يقف خلفهم لتنظيم الاحتفالات والمشاركة فيها، وأجبرتهم على التعهد بعدم تكرار التجمعات غير المرخصة منها.
واحتفل مئات الشباب في ميدان السبعين وسط العاصمة صنعاء، بذكرى الثورتين؛ كل على حِدة، ليلتي الـ26 من سبتمبر (أيلول)، والـ14 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضيين في فعاليتين منفصلتين بشكل تلقائي ودون تنظيم مسبق، إلا أن أغلب أولئك المحتفلين فقدوا حماسهم في ذكرى الاستقلال بعد شهر ونصف الشهر من ذكرى ثورة أكتوبر.
- حصر الفعاليات
يقول أحد الشبان إنه حاول توجيه الدعوة إلى عدد من أصدقائه وزملائه لمباغتة الميليشيات الحوثية، وإقامة احتفال شعبي في مكان مختلف، بدلاً عن ميدان السبعين، لتكون فرصة جديدة لرفع شعارات الجمهورية والثورة، إلا أنه لم يلقَ تجاوباً كبيراً، خصوصاً أن أغلبهم يخشى من رد فعل الميليشيات بعد التعهدات التي التزموا بها؛ إضافة إلى انشغالهم بمتابعة كأس العالم. وساعد انشغال الشباب اليمني بمتابعة مباريات كأس العالم المقامة حالياً في قطر، على منع وقوع فعاليات شعبية احتفالية بذكرى الاستقلال في الشوارع والميادين العامة، خصوصاً أن أغلب المباريات تُقام في الليل؛ وهو التوقيت المفضل للاحتفالات الشعبية بهذه المناسبات. ونقلاً عن مصادر تربوية، فإن الميليشيات وجّهت المدارس بعدم إقامة أي احتفال دون العودة إليها وأخذ الإذن والموافقة على إقامة هذه الاحتفالات، وألزمتها بأخذ الإذن المسبق لإقامة أية فعالية احتفالية بأية مناسبة، وإشراك مكاتب التربية التي يديرها قياديون حوثيون في اختيار مضمون ومحتوى أي احتفال، مع تحذير من أية مخالفة لهذا التعميم.
وبينما بالغت الميليشيات في الاحتفال بذكرى انقلابها في الـ21 سبتمبر، فإنها ألغت الاحتفالات الرسمية بذكرى ثورة 26 سبتمبر التي قامت ضد نظام حكم الأئمة الثيوقراطي الذي يتهم اليمنيون الميليشيات الحوثية بمحاولة استعادته، وإعادة اليمن إلى عهود الاستبداد والاضطهاد اللذين عاشت في ظلهما خلال مئات السنين من سيادة ذلك النظام.
وحاولت الميليشيات قصر احتفالات المدارس على ذكرى انقلابها فقط، ومنع الاحتفال بذكرى ثورتي سبتمبر وأكتوبر، هذا العام؛ إلا أنها فوجئت بتنظيم عدد من المدارس احتفالات بذكرى الثورتين في غفلة منها، ليكون رد فعلها إيقاع العقوبات على مديري المدارس. وإثر احتفالات مدارس محافظة إب بذكرى الثورتين، أحالت الميليشيات الحوثية إلى التحقيق التربوية فائزة البعداني مديرة مجمع السعيد التربوي، والتربوية فاطمة حاتم مديرة مجمع حميد دراس التربوي، بعد إيقافهما، وأجبرت مديري ومديرات المدارس على كتابة تعهدات بعدم الاحتفالات بأية مناسبة دون العودة إليها.