عبر ليبيون عن غضبهم الشديد من الأنباء المتداولة حول تسليم المواطن أبو عجيلة مسعود، المشتبه بتورطه في تفجير طائرة «بان إم 103» التي تحطمت فوق بلدة لوكربي الاسكوتلندية عام 1988، إلى الولايات المتحدة، على الرغم من تحذيرات مجلس النواب وعائلته لحكومة عبد الحميد الدبيبة، من الإقدام على هذه الخطوة، لكون القضية «أُغلقت بعدما دفع معمر القذافي الرئيس الراحل التعويضات المالية المطلوبة آنذاك».
وقال الدكتور مصطفى الفيتوري، الكاتب والأكاديمي الليبي والمختص في «قضية لوكربي»: «كما كان متوقعاً، أقدمت حكومة الدبيبة (التي وصفها بـ«العمالة») على جريمة تسليم المواطن الليبي أبو عجيلة مسعود إلى الولايات المتحدة».
وخطف مجهولون العميد أبو عجيلة، ضابط جهاز الأمن الخارجي سابقاً (الاستخبارات)، من منزله، منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن ذلك حتى الآن؛ بينما حمَّلت عائلته حكومة الدبيبة، المسؤولية عن سلامته، وحذَّرتها من تسليمه إلى أي دولة أجنبية. وقال متحدث باسم وزارة العدل الاسكوتلندية في بيان أرسل إلى وكالة "فرانس برس" إن أبو عجيلة محمد مسعود موقوف و"سيمثل" أمام قاض في العاصمة واشنطن، من دون تحديد تاريخ لذلك.
وقال الفيتوري، في حديثه إلى «الشرق الأوسط»: «يبدو أن الشائعات قد تحققت، وثبت أن حكومة طرابلس قد سلمت أبو عجيلة إلى واشنطن، وهذا ما كنا نحذر منه»، ورأى أن «فتح ملف (لوكربي) بعد قرابة 34 عاماً من وقوع التفجير بعد تسويته سياسياً ومالياً بين الولايات المتحدة وليبيا، في اتفاق سياسي معروف وقُعّ في أغسطس (آب) 2008، ليس في مصلحة ليبيا أو حكومة طرابلس، إذا كانت تعتقد -أو يروج البعض- بأن تسليم أبو عجيلة يطيل أمد بقائها في السلطة».
وسبق أن حذَّر إبراهيم بوشناف، مستشار الأمن القومي الليبي، من أن «تعمّد البعض إثارة قضية (لوكربي) سيُدخل ليبيا في عقود من الاستباحة، لا يعلم إلا الله منتهاها». وقال بوشناف: «لأننا على علم بتفاصيل الاتفاق الذي أنهى النزاع مع الولايات المتحدة، شكَّلنا حينها فريقاً قانونياً سياسياً يتبع مكتب وزير الداخلية الليبي حينها، لمتابعة مستجدّات الطلب»، موضحاً أن «جوهر عمل هذا الفريق هو أن الدولة الليبية تمسكت زمن النظام السابق بأن أساس التسوية ينحصر فقط في مسؤوليتها المدنية عن أفعال تابعيها، دون المسؤولية الجنائية».
ورأى أن عملية تسليم أبو عجيلة تعد «القشة التي قصمت ظهر بعير حكومة طرابلس، وعليه، ليس أمام الليبيين إلا الانتفاضة بشكل جماعي في جميع أنحاء البلاد، وإسقاطها في أقرب وقت»، لافتاً إلى أن أبو عجيلة «رجل مُسن في عقده الثامن، وأنا على تواصل مع أسرته، وتحدثت معهم اليوم، بعدما سمعت هذا الخبر الحزين».
وروى الفيتوري عن كواليس ليلة خطف أبو عجيلة، في 16 نوفمبر الماضي، وقال: «داهمت ميليشيا مأجورة منزله في حي أبو سليم؛ حيث يقطن. كانت تستقل 4 سيارات معتمة الزجاج ومن دون أرقام، هبط منها بعض المسلحين، واقتحموا غرفة نومه ليلاً، واقتادوه معهم»، لافتاً إلى أنه كان يعالج في أحد المستشفيات قبل خطفه بأسبوعين، كما أنه لم يمضِ على خروجه من سجن «الهضبة» بالعاصمة طرابلس سوى عام وبضعة أشهر.
وأضاف الفيتوري: «ظلت أسرته منذ هذا الوقت لا تعلم أين هو، وإن كانت تلقت تطمينات قبل قرابة أسبوع من جهة ما، لا أريد ذكرها، بأنه بخير ويتمتع بصحة جيدة، ولكن لم يتمكنوا من زيارته»، منوهاً إلى أنه منذ خطفه لم يقدم له أحد أي إجابة شافية عن خطفه، ولم يستطع أحد أن يؤكد لهم إن كان ما زال موجود في ليبيا، أو غادرها.
ولفت الفيتوري إلى ما سبق أن ذكرته نجلاء المنقوش، وزيرة خارجية الدبيبة، في تصرح سابق في ديسمبر من العام الماضي، أكدت فيه أن حكومتها لديها استعداد للتعاون مع الولايات المتحدة في تسليم أبو عجيلة.
وكانت المنقوش قد عدلت عن هذا التصريح فيما بعد؛ لكن عديداً من الليبيين لاموا حكومتها التي التزمت الصمت منذ إعلان أسرة أبو عجيلة خطفه من منزله، حتى الآن. وأمام إعلان القضاء الاسكوتلندي عن وجود الرجل في الولايات المتحدة، تجددت الانتقادات الموجهة للحكومة، وسط دعوات لمطالبتها بتقديم استقالتها، إذا لم تعلن عكس ذلك.
وكان مجلس النواب الليبي قد توعَّد بأنه سيطلب محاكمة كل من يثبت تورطه في محاولة إعادة فتح ملف «قضية لوكربي»، بتهمة «الخيانة العظمى»، معلناً رفضه القاطع لتسليم أبو عجيلة للولايات المتحدة.
وطالب فوزي النويري، النائب الأول لرئيس مجلس النواب، في تلك الأثناء «بضرورة ملاحقة كل المتورطين في القبض على أبو عجيلة، قضائياً وسياسياً، بكل الوسائل المتاحة والممكنة».
غير أن الفيتوري، يقول: «يبدو الآن أن حديث نجلاء المنقوش حول رغبة حكومتها في تسليم أبو عجيلة، قد تحقق»، وأضاف: «بصفتي متابعاً لهذه القضية -على تعدد خلفياتها وتعقدها- تبقى هناك جزئية مهمة، تتمثل في فشل الاستئناف الذي كانت هيئة الدفاع عن الراحل المقرحي قد تقدمت به، بعدما رفضته المحكمة العليا في اسكوتلندا، والمحكمة العليا في بريطانيا، على الرغم من أن الجهة المسؤولة عن مراجعة الأحكام في اسكوتلندا قالت: ربما يكون هناك إجهاض للعدالة في الحكم على المقرحي في عام 1991، والآن هناك عشرات الأدلة التي تبرئ المقرحي».
ورأى الفيتوري أنه «إذا تم تقديم أبو عجيلة إلى المحكمة في اسكوتلندا، فإنه لن تكون هناك قضية تتعلق به، لعدم وجود إثبات لأي شيء ضده، فالمدان الوحيد من المحكمة آنذاك هو المقرحي، وبالتالي ستفشل أي قضية في هذا الصدد»؛ لكنه استدرك: «دولة مثل الولايات المتحدة متهمة بممارسة البلطجة، يمكن أن تلفق كثيراً من الاتهامات، وتدين الراجل البالغ من العمر الآن نحو 82 عاماً، ويعاني أمراضاً عدة».
وأعلنت الولايات المتحدة، في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، أنها «ترغب في تسلُّم أبو عجيلة، بدعوى اعترافه بتورطه في (قضية لوكربي) لأحد المسؤولين في ليبيا عام 2012، حينما كان محتجزاً في سجن (الهضبة)، وكذلك بناء على معلومات عن سجلات سفره التي تربطه بالجريمة، تلقتها السلطات الاسكوتلندية عام 2017».
الإعلان عن تسليم أبو عجيلة يجدد دعوات إسقاط حكومة الدبيبة
القضاء الاسكوتلندي يؤكد توقيفه في الولايات المتحدة
الإعلان عن تسليم أبو عجيلة يجدد دعوات إسقاط حكومة الدبيبة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة