خطة لمدة 10 سنوات لتكثيف التعاون التجاري بين السعودية ونيوزيلندا

وزير التجارة النيوزيلندي لـ «الشرق الأوسط»: تشمل اتفاقية التجارة الحرة والإعفاء الضريبي والأمن الغذائي

في الإطار تيم جروسر وزير التجارة النيوزيلندي (تصوير: إقبال حسين)
في الإطار تيم جروسر وزير التجارة النيوزيلندي (تصوير: إقبال حسين)
TT

خطة لمدة 10 سنوات لتكثيف التعاون التجاري بين السعودية ونيوزيلندا

في الإطار تيم جروسر وزير التجارة النيوزيلندي (تصوير: إقبال حسين)
في الإطار تيم جروسر وزير التجارة النيوزيلندي (تصوير: إقبال حسين)

قال لـ«الشرق الأوسط» تيم جروسر وزير التجارة النيوزيلندي، إن بلاده تنظر إلى السعودية بصفتها بلدا مهما جدا، ويمثل مركز ثقل في منطقة الشرق الأوسط، ورائدا على مستوى منطقة الخليج، مشيرا إلى خطة عشرية لتعميق العلاقات الاقتصادية والدفاعية بين الرياض وويلينغتون.
وأوضح جروسر أن السعودية تعتبر أهم سوق للمنتجات النيوزيلندية من المواد الغذائية وبعض الصناعات الأخرى، مبينا أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يتجاوز 1.5 مليار دولار سنويا، منوها بأنه يتزايد عاما بعد عام بنسبة 10 في المائة.
ونوه بأن السعودية ثرية جدا من حيث الموارد الطبيعية والصناعية، سواء كان في مجال النفط أو البتروكيماويات أو غيرهما من الصناعات، مشيرا إلى أن بلاده تستورد من السعودية، المنتجات الهيدروكربونية، في حين أنها تصدر لها المواد الغذائية كمشتقات الحليب واللحوم.
ولفت جروسر إلى أن السعودية تتمتع باقتصاد قوي جدا ونام بشكل متصاعد، وبها فرصة واعدة للاستثمار المشترك، مشيرا إلى أن بلاده أطلقت ثلاث مناطق حرة للتجارة مع السعودية وبقية دول الخليج، متطلعا لمعالجة الفروق بين كل دولة خليجية وأخرى تجاه اتفاقية التجارة الحرة.
وقال جروسر: «بلغت المباحثات في إطار اتفاقية التجارة الحرة نهايات سعيدة، وهناك أمل جني ثمار إطلاق المناطق الحرة قريبا مع دول الخليج بقيادة السعودية ونتطلع لإنهاء الإجراءات المتبقية مع إطلاق التسهيلات وبعض الخطوات الإجرائية ذات الصلة».
ونوه بأن الزيارة التي وصفها بالتاريخية لرئيس الوزراء النيوزيلندي للسعودية أخيرا، عمقت العلاقة الثنائية مع السعودية، مبينا أنه تخللتها مباحثات مهمة للغاية، ستكثف التعاون بين البلدين في المجالات كافة في غضون ثلاثة أشهر مقبلة.
ولفت إلى أن المباحثات التي أجراها رئيس وزراء بلاده مع القيادة السعودية إبان زيارته الأخيرة للرياض، عمقت التعاون الثنائي على الصعد السياسية والاقتصادية كافة، مشيرا إلى أنه وعد بأنه سيدفع باتفاقية التجارة الحرة بين بلاده والسعودية إلى الأمام.
ولفت جروسر إلى أن السعودية تمثل محور ارتكاز مهما للغاية وبوابة للانفتاح على دول منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والمنطقة العربية والخليجية بشكل خاص.
وأوضح أن بلاده حريصة على تعزيز علاقاتها مع السعودية بشكل فعال، كونها تمثل قيادة البلاد في منطقة الخليج، مبينا أنها تمثل أنموذجا للاستقرار الاقتصادي والسياسي في المنطقة في ظل ما يحدث من صراعات في منطقة الشرق الأوسط وأنحاء أخرى متفرقة من العالم.
وأضاف: «قررنا العمل على بناء العلاقات الدفاعية والاقتصادية مع دول الخليج ومع السعودية تحديدا كأهم البلاد في المنطقة، ونحن كدولة صغيرة استطعنا أن نجود صناعاتنا ونقوي اقتصادنا، ونمتلك أفضل التكنولوجيا وأرفع مستويات التعليم على مستوى العالم».
وأوضح أن بلاده برعت في الصناعات الغذائية، وتكنولوجيا الزراعة، مما جعلها قادرة على تأمين غذائها وبمقدورها أن تتعاون مع السعودية في هذا المجال تحديدا، خاصة أن السعودية تستورد 90 في المائة من المنتجات الاستهلاكية الغذائية و«نحن قادرون على تأمين الغذاء لبقية دول الخليج».
وقال جروسر: «هناك فرص كبيرة لتعزيز التعاون بين السعودية ونيوزيلندا من خلال إقامة شراكات استثمارية لتوفير حاجتها من المنتجات الزراعية والغذائية بمستوى عال من الجودة، فضلا عن توفير الأكل الحلال واللحوم والألبان ومشتقاتها».
وزاد: «السعودية تعتبر قلب العالم ونحن حريصون على تعزيز تجارتنا مع العالم الإسلامي من خلال الخليج، خاصة عبر السعودية، من خلال خلق نوع من التكامل والثقة في تبادل التجارة في الأغذية الحلال»، مشيرا إلى أن بلاده أكبر مصدري المواد الغذائية إلى السعودية، ويمكن التوسع في تصدير الماشية واللحوم والحبوب والمحصولات الأخرى المهمة.
وأكد وزير التجارة النيوزيلندي أن كل النقاشات والحوارات واللقاءات المستفيضة التي أجراها جون كي رئيس وزراء بلاده في السعودية والخليج، تركزت حول سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري وسبل تعظيم الشراكات الاستثمارية بين الطرفين.
ونوه جروسر بأن رئيس وزراء نيوزيلندا بحث في وقت سابق مع الأمير الوليد بن طلال تعزيز الاستثمار في مجال الزراعة بشكل خاص في بلاده لإنتاج مختلف المنتجات الحيوية الضرورية لتأمين الغذاء وسد حاجة السعودية منها، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن السعودية تعتبر أرض الفرص الممتازة في أكثر من حقل.
وتوقع أن تثمر المباحثات الأخيرة بين البلدين، نقل التقنية بشكل عام والتكنولوجيا الزراعية الحديثة للاستخدامات في الزراعة الحديثة وزراعة الأنسجة واستخدام الري الاقتصادي، فضلا عن الاستثمار في مجال الرعاية الصحية والطبية وقطاع السياحة، منوها بعدد الفرص الاستثمارية في الاستثمار الاستراتيجي في التكنولوجيا وفي مجال قطاع الخدمات.
وتطلع جروسر إلى أن يسد التعاون في الاستثمار الزراعي 90 في المائة من حاجة السعودية التي تستوردها من المواد الغذائية من الخارج، مبينا أن بلاده من أكثر بلاد العالم لتأمين أجود المنتجات سواء من خلال الاستثمار المباشر في مجال الزراعة في البلاد أو من خلال إطلاق شراكات بصيغة أخرى، أو من نقل التكنولوجيا المستخدمة في الزراعة للسعودية.
وأكد جروسر أن هناك فرصة كبيرة للتكامل بين البلدين وتحقيق الأمن الغذائي في وقت يشح فيه الغذاء على مستوى العالم وتزداد أسعاره يوما بعد يوم، لافتا إلى سعي حكومة بلاده لتطوير الصادر والوارد وإجراء تسهيلات لحركة التجارة والإعفاءات الجمركية.
وتوفر نيوزيلندا منحا دراسية كبيرة للطلاب السعوديين، من خلال الفوز بواحدة من المنح الدراسية الثماني في بلاده لمدة تصل إلى أربعة أشهر مع تذاكر الذهاب والعودة من وإلى نيوزيلندا، حيث يعتبر نظام التعليم في نيوزيلندا أحد أفضل الأنظمة التعليمية في العالم.
وارتفع عدد الطلاب السعوديين الدارسين في نيوزيلندا، بنسبة 17 في المائة في عام 2014، مع وجود ما يقرب من 4 آلاف طالب سعودي، يدرسون حاليا في نيوزيلندا في مختلف التخصصات بشكل واسع، منها مجالات الهندسة، وإدارة الأعمال وتقنية المعلومات، ومراقبة حركة الطيران وغيرها من المجالات.
وتتمتع نيوزيلندا بملف قوي في مجال حماية البيئة وحقوق الإنسان والتجارة الحرة ولا سيما في مجال الزراعة، فهي عضو في رابطة الكومنولث ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية والترتيبات الدفاعية للقوى الخمس وإبيك وقمة شرق آسيا والأمم المتحدة.
وتمثل نيوزيلندا طرفا في عدد من اتفاقات التجارة الحرة، ومن أهمها اتفاقية التجارة الحرة مع الصين وتوثيق العلاقات الاقتصادية مع أستراليا.
ويعتبر قطاع الخدمات أكبر قطاع اقتصادي، ويمثل 68.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بنيوزيلندا، يليه الصناعات التحويلية والبناء بنسبة 26.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ومن ثم الزراعة واستخراج المواد الخام بنسبة 4.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».