زوجات الأنبياء الحلقة (24) : «صفية» رضي الله عنها.. زوجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم (2)

زوجات الأنبياء الحلقة (24) : «صفية» رضي الله عنها.. زوجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم (2)
TT

زوجات الأنبياء الحلقة (24) : «صفية» رضي الله عنها.. زوجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم (2)

زوجات الأنبياء الحلقة (24) : «صفية» رضي الله عنها.. زوجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم (2)

في خمس وعشرين آية قرآنية كريمة، حكت «سورة النمل» قصة نبي الله سليمان عليه السلام مع «الملكة بلقيس» ملكة سبأ.
بدأت بدعوته إياها - وشعبها - إلى عبادة الله تعالى وحده، والتوقف عن عبادة الشمس، وانتهت بإعلانها إسلامها لله رب العالمين، وزواج سليمان عليه السلام منها.
حاولت استخدام دهائها في إثناء سليمان عن دعوته ببعض الهدايا التي رفضها، وسخر منها، وخاطب موفد بلقيس بما حكاه القرآن الكريم: «... قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِي اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ».
أدركت «بلقيس» حقيقة أنها أمام «نبي» يدعو إلى عبادة الله تعالى وحده، ولا تغريه الهدايا، ولا يؤثر فيه المال، فلعبت بذكائها وفطنتها وقدرتها على التمييز بين الحق والباطل دورا كبيرا في تحوّل شعبها من السجود للشمس إلى عبادة الله تعالى وحده.
تقول الدكتورة بلقيس إبراهيم الحضراني في كتابها «الملكة بلقيس.. التاريخ والأسطورة والرمز»: جاءت في القرآن الكريم في سورة النمل قصة زيارة ملكة سبأ للنبي سليمان، وقصة إسلامها، وقد صورها القرآن حكيمة مقتدرة، ووصف شعبها بالبأس والقوة، وعرشها بالعظمة، كما أحاط سليمان بالكرامات.
استهل القرآن قصة نبي الله سليمان عليه السلام مع الملكة «بلقيس» بمشهد مهم خارج مملكتها «سبأ».. بحديث القرآن الكريم عن واحدة من أهم خصائص «مُلْكِ سليمان» عليه السلام.
سخّر الله تعالى له الطير، وعلمه لغته، ضمن مزايا أخرى كثيرة فريدة، استجابة لدعائه عليه السلام: «رَبِّ هَبْ لي مُلْكًا لا ينبغي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِى».
تصدّر نبي الله سليمان عليه السلام المشهد متفقدا الطير، متسائلا - كما حكى القرآن الكريم على لسانه : «... مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ».
احتمالان طرحهما سليمان عليه السلام في تساؤله، الأول يتعلق به «لا أَرَى الْهُدْهُدَ».. والثاني يتصل مباشرة بالهدهد «كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ».
السياق القرآني يوضح أن الهدهد «كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ» ساعة تفقد النبي سليمان الطير، الأمر الذي جعله يتوعد الهدهد قائلا: «لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أو لَأَذْبَحَنَّهُ أو لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ».
ثلاثة احتمالات وضعها سليمان عليه السلام لمصير الهدهد:
- لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا.
- أو لَأَذْبَحَنّهُ.
- أو لَيَأْتِيَنّى بِسُلْطَان مُبِين.
أفلح الهدهد في النجاة من الاحتمالين الأول والثاني، محتميا بالاحتمال الثالث مقدما «سلطانا مبينا» يعتذر به عن غيابه.
اعتذار الهدهد حمل مفاجأة «غير سارة».. قال مخاطبا نبي الله سليمان: «.. أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَأ بِنَبَأ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أعمالهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ».
هذا هو السلطان المبين الذي أكره الهدهد على الغياب عن موعد نبي الله سليمان، أما المرأة التي وصفها الهدهد بأنها «.. تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ» فهي الملكة «بلقيس» التي أسرع الهدهد عائدا إلى مملكتها «سبأ» حاملا رسالة من النبي سليمان يدعوها وقومها إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة الشمس.
يقول الكاتب والإعلامي جابر الشال في كتابه «قصص النساء»: أخذ الهدهد الكتاب وحمله بمنقاره وطار من الشام إلى اليمن، ومضى إلى مأرب، وكانت بلقيس في قصرها، وقد استلقت في فراشها تستريح من عناء يوم حاشد قضته في معبد الشمس الكبير.
ويضيف أن الهدهد دخل عليها حجرتها من النافذة التي تركتها مفتوحة ونسائم رقيقة تهب عليها منها، وألقى الكتاب عليها، فهبت مذعورة.. مَنْ هذا الذي دخل عليها ولم تشعر به؟
رأت الهدهد يقف بالقرب من النافذة، ونظرت إلى خاتم الكتاب الذي ختم به فعرفت أنه من سليمان.
ويسجل الدكتور شعيب الغباشي الأستاذ بجامعة الأزهر في كتابه «أعلام النساء في القرآن الكريم» قول ابن عباس رضي الله عنهما: إن عرشها كان طوله ثمانين ذراعا، وعرضه أربعين ذراعا، وارتفاعه في السماء ثلاثين ذراعا، مكلل بالدر والياقوت الأحمر، والزبرجد الأخضر، وقوائمه لؤلؤ وجوهر، وكان مسترا بالديباج والحرير عليه سبعة مغاليق، وكان يخدمها النساء، وكان معها لخدمتها ستمائة امرأة، وكانت كافرة من قوم كافرين.
وأضاف الغباشي أن هذه الأمة كانت من الزنادقة، ممن يعبدون الشمس من دون الله، وزين لهم الشيطان كفرهم، وأبعدهم عن طريق الله وتوحيده، وكان الأولى بهم أن يعبدوا الله الواحد الأحد، ويسجدوا لله الذي ينزل الماء من السماء، ويخرج الكنوز والنبات من الأرض، ويعلم ما يخفيه العباد وما يعلنونه من الأقوال والأفعال.
ويشير الغباشي إلى أن سليمان عليه السلام عندما سمع مقالة الهدهد قال: «سننظر في مقالتك ونتأملها لنرى هل كنت صادقا في إخبارك هذا أم كنت من الكاذبين». ثم كتب سليمان عليه السلام كتابا إلى بلقيس وقومها وأعطاه للهدهد وأمره أن يحمله إلى بلقيس.
ويقول الكاتب محمد علي قطب في كتابه «زوجات الأنبياء وأمهات المؤمنين»: وجدت «بلقيس» الكتاب فوق سريرها فارتاعت، ثم دعت كبراء دولتها إلى الاجتماع العاجل، وعرضت عليهم الأمر للتشاور.

* ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة



«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.