الخلاف الفرنسي ـ الإيطالي يلقي بظلاله على القمة الأوروبية ـ المتوسطية

باريس ومدريد ولشبونة تطلق خط أنابيب الهيدروجين الأخضر عام 2030

مؤتمر صحافي مشترك على هامش القمة الأوروبية المتوسطية أمس (د.ب.أ)
مؤتمر صحافي مشترك على هامش القمة الأوروبية المتوسطية أمس (د.ب.أ)
TT

الخلاف الفرنسي ـ الإيطالي يلقي بظلاله على القمة الأوروبية ـ المتوسطية

مؤتمر صحافي مشترك على هامش القمة الأوروبية المتوسطية أمس (د.ب.أ)
مؤتمر صحافي مشترك على هامش القمة الأوروبية المتوسطية أمس (د.ب.أ)

كان من المفترض أن تنكبّ القمة الأوروبية المصغّرة التي تشارك فيها الدول الـ9 الأعضاء في الاتحاد، والمُطلة على البحر المتوسط، على توحيد المواقف؛ من تدابير معالجة أزمة الطاقة وتداعياتها المعيشية والاقتصادية، إلى الحرب الدائرة في أوكرانيا بعد 10 أشهر على اندلاعها والتوقعات المتزايدة بأن نهايتها ليست في القريب المنظور. لكن منذ الساعات الأولى التي سبقت انعقادها في مدينة آليكانتي، الواقعة على الساحل الشرقي الإسباني، بدا واضحاً أن الاهتمامات غير المعلنة في هذه القمة كانت منصبّة على محاولات تخفيف التوتر وتصفية الأجواء بين بعض الدول الأعضاء وإيطاليا بعد الأزمة التي نشبت بين باريس وروما حول ملفّ الهجرة غير الشرعية، والتي ما زالت تراوح في مكانها وتهدد بعرقلة معالجة عدد من الملفات الأوروبية الكبرى.
ورغم المساعي الحثيثة التي بذلتها أطراف عدة، بمن فيها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانتشيز، من أجل ترتيب لقاء ثنائي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، بقيت المواقف متباعدة بسبب إصرار باريس على أن تكون بداية ذوبان الجليد بين الطرفين زيارة ميلوني إلى العاصمة الفرنسية، وإعلان روما أن انشغالات ميلوني تحول دون تحديد موعد لمثل هذه الزيارة في القريب المنظور. ولتأكيد هذا التباعد الذي بدأ يرخي ظلاله على المشهد الأوروبي العام، جاء إعلان رئاسة الحكومة الإيطالية عن عدم تمكّن ميلوني من حضور القمة الأوروبية المتوسطية بسبب الإنفلونزا، وأن وزير الخارجية أنطونيو تاجاني هو الذي سيرأس الوفد الإيطالي.
في غضون ذلك، حملت القمة رسالة بعيدة المدى إلى الحكومة الإيطالية الجديدة عندما أعلن ماكرون، قبيل بداية أعمال القمة، أنه اتفق مع رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا، ومضيفهما رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانتشيز، على الطلب من الاتحاد الأوروبي تمويل مشروع أنبوب ضخم لنقل الهيدروجين الأخضر عبر شبه الجزيرة الأيبيرية إلى أوروبا الوسطى والشمالية، بتكلفة قدرها 2.5 مليار دولار. وتجدر الإشارة إلى أن سانتشيز كان قد انتظر 11 يوماً قبل الاتصال بميلوني؛ لتهنئتها بعد فوزها في الانتخابات وتكليفها بتشكيل الحكومة، وأن كوستا علّق على فوزها بقوله إنه بصفته رئيساً لحكومة بلاده يسعى إلى أفضل العلاقات مع إيطاليا، لكن بصفته اشتراكياً، من واجبه أن يحارب اليمين المتطرف.
وبدا واضحاً أن الإعلان عن هذا الاتفاق من آليكانتي قبل انطلاق القمة الأوروبية المتوسطية، يستهدف إيطاليا التي تجهد منذ أشهر لتكون نقطة العبور الرئيسية لإمدادات الطاقة إلى بلدان الاتحاد، حيث إن الخط الذي يحمل اسم «برمر» نسبة إلى مدينتي برشلونة ومرسيليا، لن ينقل الغاز الطبيعي، كما كان مقرراً في السابق، ولن يكون جاهزاً قبل عام 2030، ومن ثم لن تكون له أية فائدة للتخفيف من أزمة الطاقة الحالية في أوروبا.
وتجدر الإشارة إلى أن المشروع انطلق بوصفه فكرة إسبانية برتغالية مشتركة منذ أشهر، وكانت فرنسا من أشدّ المعترضين عليه، لكنها عدّلت موقفها في الأسابيع الأخيرة بعد أن توافقت الأطراف المعنية على تغيير مسار الأنبوب من منطقة جبال البرانس إلى الساحل المتوسطي، وأيضاً بعد تنامي الرغبة الفرنسية في توجيه رسالة إلى الحكومة اليمينية المتطرفة الجديدة في إيطاليا لتحذيرها من عواقب الخروج عن الإطار التأسيسي للمشروع الأوروبي . ومن المنتظر أن يُعرض هذا المشروع، الذي يحظى بدعم مبدئي من المفوضية التي كانت رئيستها حاضرة إلى جانب ماكرون وسانتشيز وكوستا عند الإعلان عنه، على القمة الأوروبية المقررة يوم الخميس المقبل.
ويهدف هذا المشروع إلى نقل 10% من الهيدروجين الأخضر الذي تحتاج إليه بلدان الاتحاد الأوروبي، مع احتمال توسعته لنقل الغاز إلى ألمانيا ودول الشمال التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، عبر إسبانيا التي تملك قدرة عالية على إعادة تحويل الغاز. وقال سانتشيز، معلّقاً على المشروع، إنه «خطوة مهمة للرد على ابتزاز بوتين وحربه ضد أوكرانيا»، وإن إسبانيا تطمح إلى أن تكون مرجعاً عالمياً بالنسبة للهيدروجين بوصفه مصدراً أساسياً ونظيفاً للطاقة.
من جهتها، قالت رئيسة المفوضية إن «الهيدروجين سيغيّر تاريخ أوروبا عندما يصبح جزءاً أساسياً من منظومة الطاقة، وهذا المشروع سيكون أحد المعابر التي ستتيح إيصال الهيدروجين حيث إن هناك حاجة له». وقالت فون دير لاين إنه خطوة في الاتجاه الصحيح، وبداية واعدة جداً نحو تنويع مصادر الطاقة الأوروبية والحد من الاعتماد على الخارج.
ورغم لأن استخدام الهيدروجين الأخضر، قياساً بالهيدروجين الرمادي الذي يُستخرج من الوقود الأحفوري، ما زالت تدور حوله تساؤلات تقنية واقتصادية عديدة، شهدت مشروعات إنتاجه موجة كثيفة من الاستثمارات لتطوير إنتاجه وتسويقه للاستخدام في وسائل الشحن الكبرى والصناعة. ويتوقع الخبراء أن يصبح الهيدروجين الأخضر قادراً على منافسة الهيدروجين الرمادي بحلول نهاية العقد الحالي، وأقل كلفة منه في عام 2050.


مقالات ذات صلة

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن الدول واستقرارها». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

قال الاتحاد الأوروبي إنه «يدين بشدة» قرار القضاء الإيراني فرض عقوبة الإعدام بحق المواطن الألماني - الإيراني السجين جمشيد شارمهد، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وأيدت المحكمة العليا الإيرانية يوم الأربعاء حكم الإعدام الصادر بحق شارمهد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد «النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

«النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

قال مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة أوروبا اليوم (الجمعة)، إنه يتعين على البنوك المركزية الأوروبية أن تقضي على التضخم، وعدم «التوقف» عن رفع أسعار الفائدة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». وأوضح ألفريد كامر، خلال إفادة صحافية حول الاقتصاد الأوروبي في استوكهولم، «يجب قتل هذا الوحش (التضخم).

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
العالم تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

شجّع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، (الأحد) أساطيل الاتحاد الأوروبي على «القيام بدوريات» في المضيق الذي يفصل تايوان عن الصين. في أوروبا، تغامر فقط البحرية الفرنسية والبحرية الملكية بعبور المضيق بانتظام، بينما تحجم الدول الأوروبية الأخرى عن ذلك، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. ففي مقال له نُشر في صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، حث رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا على أن تكون أكثر «حضوراً في هذا الملف الذي يهمنا على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم أوروبا تسجّل في 2022 أعلى إنفاق عسكري منذ الحرب الباردة

أوروبا تسجّل في 2022 أعلى إنفاق عسكري منذ الحرب الباردة

سجّل الإنفاق العسكري في أوروبا عام 2022 ارتفاعاً بوتيرة سريعة غير مسبوقة، حيث وصل بعد الغزو الروسي لأوكرانيا إلى مستويات لم تشهدها القارة منذ الحرب الباردة، وفق ما أفاد باحثون في مجال الأمن العالمي. وأوردت دراسة لـ«معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» أن ارتفاع الإنفاق الأوروبي على الجيوش ساهم بتسجيل الإنفاق العسكري العالمي رقماً قياسياً للمرة الثامنة توالياً حيث بلغ 2.24 تريليون دولار، أو 2.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وعززت أوروبا انفاقها على جيوشها عام 2022 بنسبة 13 في المائة أكثر مقارنة بالأشهر الـ12 السابقة، في عام طغى عليه الغزو الروسي لأوكرانيا. وهذه الزيادة هي الأكبر م

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».