كان من المفترض أن تنكبّ القمة الأوروبية المصغّرة التي تشارك فيها الدول الـ9 الأعضاء في الاتحاد، والمُطلة على البحر المتوسط، على توحيد المواقف؛ من تدابير معالجة أزمة الطاقة وتداعياتها المعيشية والاقتصادية، إلى الحرب الدائرة في أوكرانيا بعد 10 أشهر على اندلاعها والتوقعات المتزايدة بأن نهايتها ليست في القريب المنظور. لكن منذ الساعات الأولى التي سبقت انعقادها في مدينة آليكانتي، الواقعة على الساحل الشرقي الإسباني، بدا واضحاً أن الاهتمامات غير المعلنة في هذه القمة كانت منصبّة على محاولات تخفيف التوتر وتصفية الأجواء بين بعض الدول الأعضاء وإيطاليا بعد الأزمة التي نشبت بين باريس وروما حول ملفّ الهجرة غير الشرعية، والتي ما زالت تراوح في مكانها وتهدد بعرقلة معالجة عدد من الملفات الأوروبية الكبرى.
ورغم المساعي الحثيثة التي بذلتها أطراف عدة، بمن فيها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانتشيز، من أجل ترتيب لقاء ثنائي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، بقيت المواقف متباعدة بسبب إصرار باريس على أن تكون بداية ذوبان الجليد بين الطرفين زيارة ميلوني إلى العاصمة الفرنسية، وإعلان روما أن انشغالات ميلوني تحول دون تحديد موعد لمثل هذه الزيارة في القريب المنظور. ولتأكيد هذا التباعد الذي بدأ يرخي ظلاله على المشهد الأوروبي العام، جاء إعلان رئاسة الحكومة الإيطالية عن عدم تمكّن ميلوني من حضور القمة الأوروبية المتوسطية بسبب الإنفلونزا، وأن وزير الخارجية أنطونيو تاجاني هو الذي سيرأس الوفد الإيطالي.
في غضون ذلك، حملت القمة رسالة بعيدة المدى إلى الحكومة الإيطالية الجديدة عندما أعلن ماكرون، قبيل بداية أعمال القمة، أنه اتفق مع رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا، ومضيفهما رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانتشيز، على الطلب من الاتحاد الأوروبي تمويل مشروع أنبوب ضخم لنقل الهيدروجين الأخضر عبر شبه الجزيرة الأيبيرية إلى أوروبا الوسطى والشمالية، بتكلفة قدرها 2.5 مليار دولار. وتجدر الإشارة إلى أن سانتشيز كان قد انتظر 11 يوماً قبل الاتصال بميلوني؛ لتهنئتها بعد فوزها في الانتخابات وتكليفها بتشكيل الحكومة، وأن كوستا علّق على فوزها بقوله إنه بصفته رئيساً لحكومة بلاده يسعى إلى أفضل العلاقات مع إيطاليا، لكن بصفته اشتراكياً، من واجبه أن يحارب اليمين المتطرف.
وبدا واضحاً أن الإعلان عن هذا الاتفاق من آليكانتي قبل انطلاق القمة الأوروبية المتوسطية، يستهدف إيطاليا التي تجهد منذ أشهر لتكون نقطة العبور الرئيسية لإمدادات الطاقة إلى بلدان الاتحاد، حيث إن الخط الذي يحمل اسم «برمر» نسبة إلى مدينتي برشلونة ومرسيليا، لن ينقل الغاز الطبيعي، كما كان مقرراً في السابق، ولن يكون جاهزاً قبل عام 2030، ومن ثم لن تكون له أية فائدة للتخفيف من أزمة الطاقة الحالية في أوروبا.
وتجدر الإشارة إلى أن المشروع انطلق بوصفه فكرة إسبانية برتغالية مشتركة منذ أشهر، وكانت فرنسا من أشدّ المعترضين عليه، لكنها عدّلت موقفها في الأسابيع الأخيرة بعد أن توافقت الأطراف المعنية على تغيير مسار الأنبوب من منطقة جبال البرانس إلى الساحل المتوسطي، وأيضاً بعد تنامي الرغبة الفرنسية في توجيه رسالة إلى الحكومة اليمينية المتطرفة الجديدة في إيطاليا لتحذيرها من عواقب الخروج عن الإطار التأسيسي للمشروع الأوروبي . ومن المنتظر أن يُعرض هذا المشروع، الذي يحظى بدعم مبدئي من المفوضية التي كانت رئيستها حاضرة إلى جانب ماكرون وسانتشيز وكوستا عند الإعلان عنه، على القمة الأوروبية المقررة يوم الخميس المقبل.
ويهدف هذا المشروع إلى نقل 10% من الهيدروجين الأخضر الذي تحتاج إليه بلدان الاتحاد الأوروبي، مع احتمال توسعته لنقل الغاز إلى ألمانيا ودول الشمال التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، عبر إسبانيا التي تملك قدرة عالية على إعادة تحويل الغاز. وقال سانتشيز، معلّقاً على المشروع، إنه «خطوة مهمة للرد على ابتزاز بوتين وحربه ضد أوكرانيا»، وإن إسبانيا تطمح إلى أن تكون مرجعاً عالمياً بالنسبة للهيدروجين بوصفه مصدراً أساسياً ونظيفاً للطاقة.
من جهتها، قالت رئيسة المفوضية إن «الهيدروجين سيغيّر تاريخ أوروبا عندما يصبح جزءاً أساسياً من منظومة الطاقة، وهذا المشروع سيكون أحد المعابر التي ستتيح إيصال الهيدروجين حيث إن هناك حاجة له». وقالت فون دير لاين إنه خطوة في الاتجاه الصحيح، وبداية واعدة جداً نحو تنويع مصادر الطاقة الأوروبية والحد من الاعتماد على الخارج.
ورغم لأن استخدام الهيدروجين الأخضر، قياساً بالهيدروجين الرمادي الذي يُستخرج من الوقود الأحفوري، ما زالت تدور حوله تساؤلات تقنية واقتصادية عديدة، شهدت مشروعات إنتاجه موجة كثيفة من الاستثمارات لتطوير إنتاجه وتسويقه للاستخدام في وسائل الشحن الكبرى والصناعة. ويتوقع الخبراء أن يصبح الهيدروجين الأخضر قادراً على منافسة الهيدروجين الرمادي بحلول نهاية العقد الحالي، وأقل كلفة منه في عام 2050.
الخلاف الفرنسي ـ الإيطالي يلقي بظلاله على القمة الأوروبية ـ المتوسطية
باريس ومدريد ولشبونة تطلق خط أنابيب الهيدروجين الأخضر عام 2030
الخلاف الفرنسي ـ الإيطالي يلقي بظلاله على القمة الأوروبية ـ المتوسطية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة