حياة اليمنيين في مدينة الحديدة مهددة بوباء الألغام الحوثية

رغم الدعم الأممي ومزاعم الميليشيات بأعمال التطهير

سيارة أممية مدرعة تعرضت لانفجار لغم حوثي في مدينة الحديدة (تويتر)
سيارة أممية مدرعة تعرضت لانفجار لغم حوثي في مدينة الحديدة (تويتر)
TT

حياة اليمنيين في مدينة الحديدة مهددة بوباء الألغام الحوثية

سيارة أممية مدرعة تعرضت لانفجار لغم حوثي في مدينة الحديدة (تويتر)
سيارة أممية مدرعة تعرضت لانفجار لغم حوثي في مدينة الحديدة (تويتر)

فيما كانت إيلين كوهين مديرة دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، في طريقها لحضور اجتماع لتدمير أول كمية من الألغام الأرضية التي تم استخراجها في مدينة الحديدة اليمنية، انفجر لغم في الموكب الذي كانت تستقله عند مروره في منطقة أعلن تنظيفها، لتعيد الحادثة إلى الأذهان حجم التحديات التي يواجهها المدنيون، بسبب العشوائية التي اتبعتها الميليشيات الحوثية في زرع الألغام وتنوعها بين المضادة للأفراد والأخرى للآليات.
الحادثة التي أدت إلى تدمير إحدى العربات المدرعة لبعثة الأمم المتحدة التي كانت تعبر طريقاً تم الانتهاء من تطهيره من الألغام، وفق ما قاله لـ«الشرق الأوسط» مصدران يعملان في مجال نزع الألغام، كشفت عن حجم الكارثة التي خلفها الحوثيون والتحديات الكبيرة التي تواجه الفرق العاملة في مجال تطهير المدينة من حقول الألغام الكثيفة والمتنوعة الأحجام المزروعة في كل أحياء وشوارع مدينة الحديدة.
- طرق عشوائية
المصدران اللذان تحدثا إلى «الشرق الأوسط»، وطلبا عدم الإفصاح عن هويتهما، أكدا أن الحوثيين زرعوا الألغام بطريقة عشوائية وبكثافة غير متخيلة في كل الأحياء والشوارع القريبة من خطوط التماس مع القوات الحكومية عندما كانت تتمركز في جزء من المدينة، وذكرا أن الميليشيات استخدمت ألغاماً مختلفة الأحجام، إذ إن ثلاث عربات في موكب المسؤولة الأممية عبرت المكان الذي حدث فيه الانفجار بسلام، ولكن الانفجار أصاب السيارة المدرعة الرابعة ما يشير إلى أنه لغم دبابة، وأن الأمر تطلب وزناً ثقيلاً جداً كي ينفجر.
ووفق هذه الإفادة، فإن الميليشيات زرعت الألغام بطريقة بدائية وبدون خرائط في مناطق كورنيش المدينة، حيث اعتادت الأسر على التنزه، ومحيط كليات جامعة المحافظة وبالقرب من ساحة العروض وفي الموانئ الثلاثة ومحيطها خشية اقتحامها من القوات الحكومية التي كانت وصلت إلى منطقة تبعد أربعة كيلومترات عن الميناء الرئيسي.
وبينت هذه المصادر أن العاملين في مجال نزع الألغام تفاجأوا بأن هناك أوراقاً عادية مكتوب فيه ما يقال إنها مواقع زراعة الألغام، وقالوا إن ذلك يصعّب من عملهم بشكل كبير.
وطبقاً لما جاء في كلام المصدرين، فإن كثافة الألغام المزروعة وأنواعها، التي يصنع أغلبها محلياً، تجعل من الصعوبة في كثير من الأوقات اكتشافها بسهولة، كما أن اكتشافها لا يعني القدرة على إبطالها، لأنها تصنع بطريقة تقليدية وعلى طريقة عمل العصابات، حيث انفجر بعضها أثناء عملية انتزاعها، وتوقع المصدران أن تستمر عملية تطهير الحديدة لوحدها ثلاث سنوات على الأقل.
- القاتل الأبرز
أكدت مديرة دائرة الأمم المتحدة للأعمال في ختام زيارة استغرقت أسبوعاً إلى اليمن زارت خلالها محافظة الحُديدة، التي توصف بأنها واحدة من أكثر المحافظات المتضررة من الألغام والمتفجرات من مخلفات الحرب، أن الألغام والمتفجرات مسؤولة عن عدد كبير من الضحايا المدنيين، ولا تزال تقتل وتجرح اليمنيين الأبرياء وتحرم العديد من العائلات اليمنية من الوصول إلى منازلهم ومزارعهم ومصادر رزقهم الأخرى، ما يؤدي إلى تفاقم الآثار المدمرة للنزاع.
وشددت كوهين على الحاجة الملحة إلى التعجيل بجهود إجراءات نزع الألغام، كما شددت أيضاً على مسؤولية السلطات عن حماية السكان المدنيين. وكررت دعوات الأمم لاتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لحماية السكان المدنيين من الذخائر المتفجرة، بما في ذلك تحديد المناطق الخطرة ووضع العلامات عليها وتطهيرها.
وأثنت المسؤولة الأممية على الجهود التي يبذلها شركاء الأمم المتحدة في اليمن لدعم الأعمال المتعلقة بالألغام، بما في ذلك بعثة دعم اتفاق الحُديدة (أونمها) كجزء من ولايتها في الإشراف على الأعمال المتعلقة بالألغام في المحافظة. وقالت إن البعثة سجلت خلال الأشهر الستة الماضية، 159 ضحية جراء الألغام الأرضية والحوادث المتعلقة بالمتفجرات من مخلفات الحرب في المحافظة، وكان أكثر من 50 في المائة من المصابين أو القتلى من النساء والأطفال.
وسبق لمجلس الأمن الدولي أن حذر في آخر جلسة له عن اليمن من استمرار مقتل وإصابة المدنيين جراء الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب، وأعرب أعضاؤه عن قلقهم العميق إزاء تأثير الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة، والمسؤولة حالياً عن أكبر عدد من الضحايا المدنيين، مؤكدين أن الحُديدة لا تزال واحدة من أكثر المحافظات تضرراً.
وشدد الأعضاء على أهمية التصدي بشكل عاجل للعواقب المأساوية للمخلفات غير المنفجرة، ودعوا أطراف الصراع إلى التعاون الكامل مع جهود إزالة الألغام وتيسير الحصول على تأشيرات الدخول للموظفين المتخصصين. كما دعوا الدول الأعضاء والجهات المانحة إلى توسيع نطاق الدعم لزيادة إجراءات إزالة الألغام، بما في ذلك استيراد معدات التطهير الميداني، والتوعية بمخاطر الألغام، ودعم الضحايا.
- ألف قتيل ومصاب
ذكر المرصد اليمني للألغام، أنه وثق ومنذ منتصف 2019 وحتى مطلع أغسطس (آب) الماضي، سقوط 426 قتيلاً مدنياً، بينهم 101 طفل و22 امرأة، إلى جانب 568 جريحاً، منهم 216 طفلاً و48 امرأة، نتيجة الألغام والعبوات الناسفة والقذائف غير المنفجرة من مخلفات الحرب في عدد من المحافظات.
كما وثق التحالف اليمني لرصد الانتهاكات ضد حقوق الإنسان (تحالف رصد)، خلال السنوات الست الماضية، سقوط أكثر من 1929 قتيلاً مدنياً، وتدمير وتضرر أكثر من 2872 منشأة عامة وخاصة في عدد من المحافظات اليمنية نتيجة استخدام الألغام المضادة للأفراد أو المضادة للمركبات.
وحسب فريق الخبراء الدوليين التابع لمجلس الأمن الدولي، فإن الاستخدام العشوائي للألغام الأرضية والأجهزة المتفجرة اليدوية الصنع من قبل الحوثيين هو استخدام متوطن ومنهجي.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

العالم العربي قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

تواصل الجماعة الحوثية إجراء تغييرات في المناهج التعليمية، بإضافة مواد تُمجِّد زعيمها ومؤسسها، بالتزامن مع اتهامات للغرب والمنظمات الدولية بالتآمر لتدمير التعليم

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي استعراض الجماعة الحوثية لقدراتها العسكرية في العاصمة صنعاء والتي تتضمن أسلحة نوعية (رويترز)

تقرير أُممي يتّهم الحوثيين بالتنسيق مع إرهابيين وجني عشرات الملايين بالقرصنة

تقرير جديد لفريق الخبراء الأُمميّين المعنيّ باليمن يكشف عن تعاون الحوثيين مع تنظيم «القاعدة»، و«حركة الشباب» الصومالية، وابتزاز وكالات الشحن الدولية.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي توقعات بإقصاء من يرفضون المشاركة في فعاليات الجماعة الحوثية من وظائفهم (رويترز)

انقلابيو اليمن يستكملون «حوثنة» المؤسسات بهياكل إدارية جديدة

بدأت الجماعة الحوثية بإعداد آلية لدمج عدد من مؤسسات الدولة وتقليص الهيكل الإداري لها وتغيير مهامها في سبيل المزيد من السيطرة والنفوذ عليها وأدلجتها.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي جانب من لقاء وزير التخطيط اليمني مع مسؤولي البنك الدولي على هامش زيارته لواشنطن (سبأ)

اليمن يقدم رؤية شاملة للبنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات التنموية

قدمت الحكومة اليمنية إلى البنك الدولي رؤية شاملة لإعادة هيكلة المشروعات، في مسعى لزيادة المخصصات المالية للبلاد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي بمعية محافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان في زيارة سابقة للخطوط الأمامية بمأرب (سبأ)

الجيش اليمني يحذر من محاولة حوثية للعودة للحرب وإجهاض جهود السلام

تتصاعد حدة التوترات في عدة جبهات يمنية في ظل استمرار جماعة الحوثي في تحشيد عناصرها وحفر الخنادق، خصوصاً بمحافظة الحديدة على ساحل البحر الأحمر.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

إشهار تكتل واسع للقوى اليمنية لمواجهة الانقلاب الحوثي

جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)
جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)
TT

إشهار تكتل واسع للقوى اليمنية لمواجهة الانقلاب الحوثي

جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)
جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)

بهدف توحيد الصف اليمني ومساندة الشرعية في بسط نفوذها على التراب الوطني كله، أعلن 22 حزباً ومكوناً سياسياً يمنياً تشكيل تكتل سياسي جديد في البلاد، هدفه استعادة الدولة وتوحيد القوى ضد التمرد، وإنهاء الانقلاب، وحل القضية الجنوبية بوصفها قضيةً رئيسيةً، ووضع إطار خاص لها في الحل النهائي، والحفاظ على النظام الجمهوري في إطار دولة اتحادية.

إعلان التكتل واختيار نائب رئيس حزب «المؤتمر الشعبي» ورئيس مجلس الشورى أحمد عبيد بن دغر رئيساً له، كان حصيلة لقاءات عدة لمختلف الأحزاب والقوى السياسية - قبل مقاطعة المجلس الانتقالي الجنوبي - برعاية «المعهد الوطني الديمقراطي الأميركي»، حيث نصَّ الإعلان على قيام تكتل سياسي وطني طوعي للأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، يسعى إلى تحقيق أهدافه الوطنية.

القوى السياسية الموقعة على التكتل اليمني الجديد الداعم للشرعية (إعلام محلي)

ووفق اللائحة التنظيمية للتكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية، ستكون للمجلس قيادة عليا تُسمى «المجلس الأعلى للتكتل» تتبعه الهيئة التنفيذية وسكرتارية المجلس، على أن يكون المقر الرئيسي له في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، وتكون له فروع في بقية المحافظات.

وبحسب اللائحة التنظيمية للتكتل، فإن الأسس والمبادئ التي سيقوم عليها هي الدستور والقوانين النافذة والمرجعيات المتفق عليها وطنياً وإقليمياً ودولياً، والتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، والعدالة، والمواطنة المتساوية، والتوافق والشراكة، والشفافية، والتسامح.

ونصَّ الباب الثالث من اللائحة التنظيمية على أن «يسعى التكتل إلى الحفاظ على سيادة الجمهورية واستقلالها وسلامة أراضيها، والتوافق على رؤية مشتركة لعملية السلام، ودعم سلطات الدولة لتوحيد قرارها وبسط نفوذها على كافة التراب الوطني، وتعزيز علاقة اليمن بدول الجوار، ومحيطه العربي والمجتمع الدولي».

وكان المجلس الانتقالي الجنوبي، الشريك في السلطة الشرعية، شارك في اللقاء التأسيسي للتكتل الجديد، لكنه عاد وقاطعه. وأكد المتحدث الرسمي باسمه، سالم ثابت العولقي، أن المجلس الانتقالي الجنوبي يتابع نشاط التكتل الذي تعمل عليه مجموعة من الأطراف لإعلانه، ويؤكد عدم مشاركته في هذا التكتل أو الأنشطة الخاصة به، وأنه سيوضح لاحقاً موقفه من مخرجات هذا التكتل.

ومن المقرر أن يحل التكتل الجديد محل «تحالف الأحزاب الداعمة للشرعية»، الذي تأسس منذ سنوات عدة؛ بهدف دعم الحكومة الشرعية في المعركة مع جماعة الحوثي الانقلابية.

ويختلف التكتل الجديد عن سابقه في عدد القوى والأطراف المكونة له، حيث انضم إليه «المكتب السياسي للمقاومة الوطنية» بقيادة العميد طارق صالح عضو مجلس القيادة الرئاسي، و«مؤتمر حضرموت الجامع»، وغيرهما من القوى التي لم تكن في إطار التحالف السابق.

ووقَّع على الإعلان كل من حزب «المؤتمر الشعبي العام»، وحزب «التجمع اليمني للإصلاح»، و«الحزب الاشتراكي اليمني»، و«التنظيم الناصري»، و«المكتب السياسي للمقاومة الوطنية»، و«الحراك الجنوبي السلمي»، وحزب «الرشاد اليمني»، وحزب «العدالة والبناء».

كما وقَّع عليه «الائتلاف الوطني الجنوبي»، و«حركة النهضة للتغيير السلمي»، وحزب «التضامن الوطني»، و«الحراك الثوري الجنوبي»، وحزب «التجمع الوحدوي»، و«اتحاد القوى الشعبية»، و«مؤتمر حضرموت الجامع»، وحزب «السلم والتنمية»، وحزب «البعث الاشتراكي»، وحزب «البعث القومي»، وحزب «الشعب الديمقراطي»، و«مجلس شبوة الوطني»، و«الحزب الجمهوري»، وحزب «جبهة التحرير».

وذكرت مصادر قيادية في التكتل اليمني الجديد أن قيادته ستكون بالتناوب بين ممثلي القوى السياسية المُشكِّلة للتكتل، كما ستُشكَّل هيئة تنفيذية من مختلف هذه القوى إلى جانب سكرتارية عامة؛ لمتابعة النشاط اليومي في المقر الرئيسي وفي بقية فروعه في المحافظات، على أن يتم تلافي القصور الذي صاحب عمل «تحالف الأحزاب الداعمة للشرعية»، الذي تحوَّل إلى إطار لا يؤثر في أي قرار، ويكتفي بإعلان مواقف في المناسبات فقط.

بن دغر مُطالَب بتقديم نموذج مختلف بعد إخفاق التحالفات اليمنية السابقة (إعلام حكومي)

ووفق مراقبين، فإن نجاح التكتل الجديد سيكون مرهوناً بقدرته على تجاوز مرحلة البيانات وإعلان المواقف، والعمل الفعلي على توحيد مواقف القوى السياسية اليمنية والانفتاح على المعارضين له، وتعزيز سلطة الحكومة الشرعية، ومكافحة الفساد، وتصحيح التقاسم الحزبي للمواقع والوظائف على حساب الكفاءات، والتوصل إلى رؤية موحدة بشأن عملية السلام مع الجماعة الحوثية.