بـ«عيون بولندية»... إعادة اكتشاف الإسكندرية أثناء الحرب العالمية الثانية تشكيلياً

معرض يستخرج لوحات من «مخازن متحفية» بعد سنوات على رسمها

معرض صور فوتوغرافية على هامش المعرض تبرز مراحل الترميم
معرض صور فوتوغرافية على هامش المعرض تبرز مراحل الترميم
TT

بـ«عيون بولندية»... إعادة اكتشاف الإسكندرية أثناء الحرب العالمية الثانية تشكيلياً

معرض صور فوتوغرافية على هامش المعرض تبرز مراحل الترميم
معرض صور فوتوغرافية على هامش المعرض تبرز مراحل الترميم

بعض المعارض تكتسب أهميتها من القيمة الفنية لمحتوياتها، وبعضها الآخر تُسلط الأضواء عليها بسبب تميز المشوار الإبداعي وشهرة الفنانين المشاركين بها، لكن دوماً تكون للمعارض ذات المقتنيات النادرة والأبعاد التاريخية والقصص الإنسانية خصوصية تجتذب الجمهور وتستحوذ على اهتمام النقاد والخبراء.
وتتحقق تلك الخصوصية في معرض «فنانو بولندا في مصر ما بين 1941 – 1946» المقام راهناً في متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية؛ إذ تم إبداع هذه اللوحات أثناء الحرب العالمية الثانية، وبرغم أوجاعها وويلاتها، فقد ألهمت الإسكندرية هؤلاء الفنانين البولنديين أعمالهم التي بقيت في مخازن المتحف إلى أن تم اكتشافها بعد نحو 81 عاماً على اندلاع الحرب.

أثناء الترميم

ويُعد المعرض نتاجاً لجهد استمر على مدى 3 سنوات؛ حيث أجريت العديد من الأبحاث للتأكد من أصالة اللوحات التي تُعرض لأول مرة منذ اقتنائها في أربعينات القرن الماضي، ومن ثم العمل على ترميمها وتقديمها للجمهور، وذلك في إطار مشروع ثقافي تم تنفيذه وتمويله من قبل وزارة الثقافة والتراث الوطني البولندية بالتعاون الوثيق مع وزارة الثقافة المصرية ممثلة في متحف الفنون الجميلة في الإسكندرية.
ويضم المعرض 9 أعمال فنية كانت مجهولة تماماً لأربعة فنانين بولنديين تم تجنديهم في الحرب العالمية الثانية، وهم الفنانون المعروفون جوزيف جاريما، إدوارد ماتوشزاك، جيرزي مولودنيكي، وكونراد جوزيف زامورسكي، الذين خدموا في لواء بندقية الكاربات التابع للجنرال ستانيسلاف كوباتسكي، وفي الفيلق الثاني للجنرال فاديسو أندرس في الإسكندرية في الفترة من 1940 - 1943، حيث قاموا بإبداع مجموعة أعمال فنية تم عرضها حينئذ في مدينتي القاهرة والإسكندرية.
وتؤكد اللوحات حقيقة تناقلها النقاد على مدى التاريخ، وهي أن الفن يستطيع التعايش مع تناقضات الحياة، وآلامها ومفارقاتها، وكذلك أيضاً مع التحولات التي تطال الفكر والوجدان، وأن يطرح الأحلام بتجاوز كل الظروف؛ ليعيد تكوين العالم بصياغات جديدة ملهمة، حتى في أوقات الحروب، بل تثبت ما ذهب إليه بعض المؤرخين من أنه على عكس ما قد تظن، فإن الفن يزدهر أثناء، وبعد الحروب والثورات الكبرى؛ ربما لأنه يمثل ملاذاً آمناً وتوثيقاً أميناً للأحداث والمشاعر التي تتخللها. يقول الفنان على سعيد، مدير متحف الفـنـون الجميلة بالإسكندريـة، إن «تاريخ الفن الحديث دحض ذلك الاعتقاد الشائع بأن أزمنة الحروب تشهد تراجعاً للفنون».

لوحات تعكس سحر  مدينة الإسكندرية 

اللافت أن الأعمال لا تعكس أجواء الحرب وحدها، إذ يمثل ذلك أحد الموضوعات التي تناولتها بعض اللوحات، بينما تأثرت أعمال أخرى بمدينة الإسكندرية التي لطالما ألهمت المبدعين حول العالم، فنجدها تتسم بطاقة وجدانية وتعبيرية تتأجج فيها المشاعر والانطباعات، ويتميز بعضها بطابع توثيقي لبعض أحياء الإسكندرية في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي. كما تعكس تمتع المدينة بالطبيعة الخلابة والتنسيق العمراني، والطراز الأوروبي الكلاسيكي في العمارة والحدائق.
ويسد المعرض فراغاً في معرفة المصريين للفن التشكيلي البولندي، لا سيما خلال هذه الحقبة الزمنية البعيدة، وهي نفسها الفترة التي تمتع فيها الفن البولندي بالاتجاهات الإبداعية والأفكار الجديدة، إضافة إلى المذهب الرمزي الذي أتاح لهؤلاء الفنانين الحفاظ على أصالتهم، وفي هذا المعرض المقام حتى 27 ديسمبر (كانون الأول) الحالي تتمتع اللوحات بمعانٍ عميقة وطيف واسع للأساليب الفنية.
وتعود بداية قصة المعرض الاستثنائي إلى عام 2019، وفق الفنان علي سعيد، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، «كانت وزارة الثقافة والتراث الوطني البولندية تهتم بالتوثيق لأعمال فنانينها في العالم، حينما تواصلت مع المتحف عبر سفاراتها في مصر؛ باعتبار أن بعض جنودها الذين خدموا في مدينة الإسكندرية هم فنانون، بل أصبحوا فيما بعد من أشهر التشكيليين في بلادهم؛ فأرادت أن تصل إلى إنتاجهم الفني في المدينة التي كانت تمثل قاعدة للأسطول البريطاني في البحر المتوسط وقت اندلاع الحرب».

لوحات تعكس سحر  مدينة الإسكندرية  

وتوقع الجانب البولندي أن تمتلك الإسكندرية هذه الأعمال في متحف الفنون الجميلة؛ لأنه يشتهر باقتناء أعمال الفنانين الأجانب الذين احتضنتهم المدينة الكوزموبوليتانية على مدى تاريخها، وكانت السفارة البولندية في مصر هي الجهة التي قامت بالتواصل الأول مع الفنان علي سعيد، وسؤاله عن وجود أعمال لفنانين بولنديين.
وهو ما تم بالفعل التأكد من صحته بعد البحث في مخازن المتحف. ويضيف سعيد: «حضر السفير البولندي للمتحف، وكان حينئذ ميهاو وابيندا، وعقدنا اجتماعات مكثفة، وتم وضع خطة عمل، لتحديد الأعمال الموجودة في المخزن، وترتيب ترميمها وعرضها»، مشيراً إلى أن هؤلاء الفنانين يحظون بأهمية كبيرة في بلادهم. وعلى هامش المعرض أقيمت مجموعة من الفعاليات تبرز ثنائية «الفن والحرب»، ومعرض صور فوتوغرافية يبرز مراحل الترميم.


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

«خلّصتوا فلوسي»... كيف تحوّلت العبارة الدرامية إلى «تريند» كوميدي؟

هند محمد في شخصية جواهر بمسلسل خريف القلب (الشرق الأوسط)
هند محمد في شخصية جواهر بمسلسل خريف القلب (الشرق الأوسط)
TT

«خلّصتوا فلوسي»... كيف تحوّلت العبارة الدرامية إلى «تريند» كوميدي؟

هند محمد في شخصية جواهر بمسلسل خريف القلب (الشرق الأوسط)
هند محمد في شخصية جواهر بمسلسل خريف القلب (الشرق الأوسط)

لطالما علقت العبارات التي تُقال في سياقات درامية أو كوميدية في أذهان الجمهور، لتصبح جزءاً من أحاديثهم اليومية، وهو أمر لا يحدث كثيراً في الدراما السعودية، بيد أن مسلسل «خريف القلب»، تمكن من كسر حدة الصراع الدرامي بشخصية كوميدية حملت الكثير من خفة الظل، وهي جواهر (هند محمد) التي أصبحت تردد في الدور الذي تلعبه جملة «خلصتوا فلوسي»، كلما شعرت باستغلال من حولها لها.

ولم تكن هذه الجملة مجرد لزمة عابرة، بل تحولت بسرعة إلى أيقونة كوميدية، تُرددها الألسن، وتُستعاد في الميمز والفيديوهات الطريفة على شبكات التواصل الاجتماعي، في محاكاة للحالة التي تجسدها جواهر، المرأة المنانة والمهووسة بجمع المال، والتي تتهم كل من حولها بأنهم تسببوا بإضعاف وضعها المادي، مما يجعلها تبرر لنفسها السرقة، والرغبة بالانتقام، وحبك المكائد.

جشع جواهر يدفعها للسرقة لتجد نفسها حبيسة القضبان (الشرق الأوسط)

بين الجشع والفكاهة

قدمت الممثلة السعودية هند محمد شخصية «جواهر» بمزيج ذكي ما بين الجشع والفكاهة، وتتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن ذلك قائلة: «جواهر كانت تجربة ممتعة وتحدياً مختلفاً بالنسبة لي، فهي تحمل بُعداً كوميدياً لكن بروح واقعية، وهذا ما جعل الدور مميزاً... أنا دائماً أبحث عن شخصيات تضيف لي بصفتي ممثلة وتتيح لي استكشاف مناطق جديدة في الأداء، وجواهر كانت فرصة رائعة للخروج من الأدوار والشخصيات التي قدمتها سابقاً... أؤمن بأن التنوع هو سر الاستمرارية، وأحب أن أترك بصمة مختلفة مع كل شخصية أقدمها».

جملة ترددها الألسن

اللزمة الكوميدية «خلصتوا فلوسي»، التي أصبحت علامة فارقة في المسلسل، لم تكن مجرد عبارة في النص، بل تحولت إلى ظاهرة اجتماعية يستخدمها الجمهور في حياتهم اليومية. تعلّق هند على ذلك قائلة: «سعيدة جداً بأن جملة (خلصتوا فلوسي) وصلت إلى الجمهور وأصبحت متداولة، وهذا دليل على مدى تفاعل المشاهدين مع الشخصية. في رأيي أن نجاح أي لزمة يعتمد على بساطتها وقربها من الناس، وجواهر كانت شخصية عفوية وتعبر عن مواقف نعيشها جميعاً».

وتتابع: «التمثيل هو محاكاة للحياة، وعندما يجد الجمهور نفسه في جملة أو مشهد، فهذا يعني أن العمل نجح في لمس واقعهم بطريقة خفيفة ومحببة». وعن أصداء (خريف القلب) الذي ما زال يتصدر قائمة الأعمال الأعلى مشاهدة في السعودية على منصة (شاهد)، تقول: «هذا النجاح يعكس مدى ارتباط الجمهور بالقصة والشخصيات، وهو شيء نفتخر به جميعاً... الأعمال الفنية تقاس بمدى تأثيرها في الجمهور، والحفاظ على المركز الأول هو مسؤولية كبيرة».

ما زال حضور الممثلة السعودية في الأدوار الكوميدية محدوداً في حين تراهن هند محمد على ذلك (الشرق الأوسط)

الممثلة السعودية والكوميديا

هند التي أثبتت أن الكوميديا لا تحتاج إلى تعقيد، بل إلى بساطة تمس الواقع، وعبارة عفوية مثل «خلصتوا فلوسي» كفيلة بأن تصبح جزءاً من الأحاديث الساخرة المتداولة في كل بيت؛ لديها رؤية مختلفة حول حضور الممثلة السعودية في الكوميديا، حيث ترى أن هذا الحضور في مرحلة تطور طبيعي مع ازدهار صناعة الترفيه في المملكة، مضيفة: «الكوميديا فن حساس يتطلب حساً عالياً وتفاصيل دقيقة، وأنا أؤمن بأن الأهم ليس تكريس وجودي في نوع معين، بل تقديم شخصيات تعلق في أذهان الجمهور، سواء كانت كوميدية أو درامية. في النهاية، ما يهمني هو أن أترك أثراً، وأن أقدم أدواراً تلامس الناس، وتعكس تطور المشهد الفني في السعودية».

الهوس بجمع المال يدفع جواهر للوقوع بعدد كبير من المتاعب (الشرق الأوسط)

ما القادم؟

وبسؤالها عن مشاريعها الجديدة، كشفت أنها ستغيب عن شاشة رمضان لهذا العام، وأردفت: «رمضان موسم مميز يحمل أعمالاً رائعة دائماً، وأنا أحرص على اختيار أدواري بعناية بما يضيف لمسيرتي ويقدم شيئاً جديداً للجمهور. هذا العام، ليس لدي مشاركة رمضانية، لكن هناك مشاريع قادمة أعمل عليها وسأكشف عنها في الوقت المناسب... الأهم بالنسبة لي هو الوجود في أعمال تستحق الانتظار وتقدم شيئاً مختلفاً للمشاهد».

جدير بالذكر أن مسلسل «خريف القلب» الذي يُعرض حالياً على قناة MBC1، مستلهم من قصة العمل التركي Autumn in my heart، وكتب السيناريو والحوار علاء حمزة، وتدور النسخة السعودية من العمل في قلب مدينة الرياض، حيث يتضح التباين ما بين العائلتين، الثرية ومحدودة الدخل، وهو مسلسل يشارك في بطولته كلٌ من عبد المحسن النمر، وإلهام علي، وفيصل الدوخي، وجود السفياني، ولبنى عبد العزيز، وإبراهيم الحربي، وهند محمد، بالإضافة لنجوم آخرين.