ممثلون وممثلات برزوا في 2022 يترقبون الجوائز

احتدام المنافسة بين الرجال... والإناث في المقدّمة

تيلدا سوينتون في «الابنة الخالدة»
تيلدا سوينتون في «الابنة الخالدة»
TT

ممثلون وممثلات برزوا في 2022 يترقبون الجوائز

تيلدا سوينتون في «الابنة الخالدة»
تيلدا سوينتون في «الابنة الخالدة»

يتكرر المشهد نفسه مع نهاية كل عام ويستمر حتى آخر حفلات موسم الجوائز.
تتسارع الأفلام التي تتوسم الحصول على جوائز السنة ومعها نخبة الممثلين والممثلات ومديرو التصوير وكاتبو السيناريو وباقي العناصر المؤلّفة للفيلم. كل واحد يأخذ مكانه في صف الاحتمالات والتوقعات. بعضهم في المقدّمة وبعضهم الآخر في الصف الثاني أو الثالث.
الجوائز، في أي حقل إبداعي، هي مكسب شخصي أولاً واحتمال ارتفاع شهرته وحضوره، وبالتالي أجره عن كل عمل يقوم به ثانياً.
تفرّد
بالنسبة للممثلين فإن حجمهم العددي يفرض حضوراً مهمّاً، خصوصاً وأنهم يتعاملون مباشرة مع الجمهور العريض الذي يتابع يومياتهم وأفلامهم و- لاحقاً - احتمالات فوزهم بأوسكار أو بغولدن غلوب أو ببافتا (الجائزة البريطانية الموازية للأوسكار الأميركي) وسواها.
هي احتمالات مبنية، في الأساس، على تلك الفرص التي استحوذوا عليها خلال العام لتقديم شخصيات مختلفة أو معقّدة بنجاح.
تستطيع أن تعتبر الممثلة كَيت بلانشيت نموذجاً لهذا الوضع. ليس فقط لأنها ممثلة جيدة كما برهنت على ذلك في معظم ما قامت بتمثيله خلال السنوات الماضية، بل أيضاً لأنها تفهم تماماً ما تستطيع توفيره من تفرّد عندما تؤم دوراً تلقي فيه خبراتها وتلغي شخصيّتها لتؤدي شخصية أخرى.
نرى ذلك في فيلمها الجديد Tár لتود فيلد. حيث تؤدي دور قائدة الأوركسترا التي تغمر نفسها بالأداء الدقيق لفريقتها والتي عليها القيام ببعض الخيارات الحياتية الخاصة.

كولن فارل في «جنيات إنيشرين»

الأمر ذاته نطالعه في أداء تيلدا سوينتن في The Eternal Daughter لجوانا هوغ. بل من الأفضل أن نقول دوريها في هذا الفيلم إذ تلعب دور الأم ودور ابنتها أيضاً.
هذا التفرّد والتميّز وجودة الأداء لا يقود بالضرورة إلى الفوز. كم مرّة، في الواقع، فاز بالجوائز الأولى من لم يكن يستحقها أو من لم يكن يستحقها مثلما استحقها ممثل آخر؟ الأمثلة كثيرة ونستقي بعضها في السنوات الثلاث الأخيرة.
في عام 2020 اعتلت رنيه زلفيغر المنصّة لتسلم أوسكار أفضل ممثلة في فيلم Judy. بين منافساتها سينثيا إريفو عن دورها الرائع في Harriet التي لعبت دوراً أفضل بكثير من ذلك الذي قامت به زلفيغر. ثم هل كانت فرنسيس مكدونالد. سنة 2021. أفضل أداءً عندما فازت بأوسكار أفضل ممثلة عن Nomadland من فينيسيا كيربي عن Pieces of a Woman أو فيولا ديفيز عن دورها في Ma Rainey‪›‬s Black Bottom؟ ‬‬‬
‫ول سميث كان جيداً في King Richards حيث نال أوسكار أفضل ممثل سنة 2022 لكن ماذا عن دنزل واشنطن في The Tragedy of Macbeth؟ ثم ماذا عن فوز أريانا دابوس بأوسكار أفضل ممثلة مساندة عن West Side Story بينما أدت كيرستن دنست دوراً أصعب درامياً في The Power of the Dog؟‬‬‬‬
سير حياة
ليست المسألة هنا مسألة أذواق، بل علم بالشيء لكن من حسن الحظ أن الأذواق والمعرفة تتآخيان جيداً في الكثير من الحالات أيضاً، خصوصاً في المنافسات بين الممثلين الذكور. كل من فاز بأوسكار أفضل ممثل في السنوات المذكورة ذاتها، استحق، غالباً، هذا الفور: براد بت عن Once Upon a Time in Hollywood وأنطوني هوبكنز عن The Father ودانيال كالييويا (Kaluuya) عن Judas and the Black Messiah.
هذا كله قابل للتكرار في العام المقبل عندما يبدأ توزيع الجوائز على الممثلين والممثلات. وعلى نحو مؤكد هناك دوماً ذلك التوجه صوب الممثلين ذوي الشهرة أو المقبلين عليها أكثر من الرغبة الفعلية في اكتشاف المواهب الجديدة.

كيت بلانشيت

استيحاء من هذا الوضع من المتوقع أن يتم ترشيح تيموثي شالامات عن دوره في Bone and All علماً بأن التمثيل الأفضل آت من آخرين. كذلك سيجد أدام درايفر مؤيدين له عن دوره في White Noise لكن كل من «عظام وكل شيء» و«ضجة بيضاء» قد لا يجد طريقه إلى ترشيحات أوسكار أفضل فيلم إلا عبرهما. المؤكد أن هناك من الممثلين من لعب شخصيات أفضل في أفلام أفضل.
ما يثير الاهتمام حقيقة أن الممثلات اللواتي لعبن أدواراً صعبة ومعقّدة على نحو جيد، هم أكثر من الممثلين الذين وجدوا أدواراً من هذا النوع. إنه عام نسائي في مجال التمثيل أكثر مما هو نسائي في مجال الإخراج، ولو أنه من المتوقع وصول بعض الأسماء الأنثوية إلى مسابقات السيناريو والإخراج على وجه محدد.
وكالعادة، فإن الممثلين والممثلات الذين يخوضون أدواراً قائمة على السير الشخصية، مثل Blonde وElvis وArmagaddon Time كما Belfast وThe Fabelmans
هذه الأفلام الخمسة تستحق وقفة لأن تشخيص الممثلة آنا دي أرماس لاعبة شخصية مارلين مونرو هو الأفضل بين كل الممثلين الذين أدوا أدوار شخصياتهم الرجالية: أوستن بتلر في «ألفيس» وبانكس ريبيتا في «زمن القيامة» وجودي هِل في Belfast وغبريال لابيل في «ذا فابلمنز».
الحركة الجادة
آنا دي أرماس لديها حظوة كبيرة لكن ليست مؤكدة. على أن واحدة من الممثلات اللواتي يتوقع المقيّمون وصولها إلى خط النهاية هي ميشيل يوه، التي عبر سنوات عديدة من المثابرة على تقديم أدوار نوعية، تجد هذه الممثلة الآسيوية الأصل، الدور الذي عليه أن يوصلها إلى الخط الأول من اهتمام المقترعين ولجان التحكيم. هذا لأن الدور الذي تقوم به في فيلم Everthying Everywhere All at Once يمنحها ما صبت إليه طويلاً. هي شخصيتان في شخصية واحدة في هذا الفيلم: الأولى من امرأة عادية من اللواتي يعملن بجهد ومن دون خطّة مستقبلية تبعاً لضغط الحياة الحاضرة وأخرى عاطفية على النقيض التام من الأولى.
بالنسبة للبعض، فإن ميشيل يوه أجادت دوراً تطلب الحركة البدنية أكثر من الدرامية في فيلمها البعيد Crouching Tiger‪، ‬ Hidden Dragon. لكن الممثلة سعت دوماً للتأكيد على أن الدراما لا تعرف التفرقة بين فيلم أكشن وفيلم مبني على الشخصيات وليس على الحكايات.‬‬‬
هذا الدور الصعب في جوهره يعيدنا إلى خصائص ما قامت بتأديته كل من كَيت بلانشيت وتيلدا سوينتون. في «تار» حيث هي قائدة الأوركسترا التي تمر برحلة من الشكوك حول كيف شقّت طريقها في الحياتين العاطفية والاجتماعية. تفكر كثيراً بعلاقاتها، مما يجعلها مهددة بأن تخسر قيمتها وإجادة عملها، وبالتالي موقعها في مهنتها وحبها وتفانيها الفني.
تقدم بلانشيت على هذا الدور بكل جوارحها ومن يرقب الفيلم ينفذ من خلال شخصيتها داخل الفيلم إلى شخصيّتها كامرأة وممثلة. ينتابه الشعور بأن الشخصية التي تؤديها هي نسخة من شخصيتها الخاصّة ودورها كقائدة أوركسترا هو متماثل مع دورها كممثلة.
أما تيلدا سوينتون فتمنح نفسها مجالاً للعب شخصيّتين متقاربتين فهي الأم وهي الابنة. الأولى خبرت الحياة والتزمت بأفكارها ونظراتها للعمل، والابنة تحاول - حتى بعد أن أصبحت راشدة ومالكة قرارها - الابتعاد عن هيمنة الأم. ليس سهلاً تمثيل هذا التباين في فيلم واحد، لكن سوينتون تجيد أداء الأدوار الصعبة، والحل الذي توفره هنا قائم على أن الابنة لا بد أن تختزن بعض طبائع وسلوكيات أمها (كأي شخص آخر). هذا يعني أنه كان عليها اختيار ما يبقى وما يمكن التخلي عنه في تأديتها لدور الابنة.
وجه جديد
رجالياً، لدينا كولِن فارل تبعاً لدوره الذي أداه بتميّز واضح في The Banshees of Inisherin.
فارل لم يكن دوماً الممثل الذي يؤدي ما يكسبه هذه التوقعات. في أفلام كثيرة سابقة كان مجرد حضور مناسب في أفلام ليست ذات حظوة مثل The Lobster وS‪.‬W‪.‬A‪.‬T وThe Beguiled m وIt‪›‬s Not Yet Dark. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
لكن «جنيات إنيشرين» تحت إدارة مارتن مكدوناف يمنحه الدور المناسب والمعني به، ككتابة ما يجعله جاهزاً لكي يدهش المشاهدين. يشارك الممثل الجيد برندان غليسون بطولة كوميديا عن الحياة والصداقة والأزمات. دور فارل موزّع بجدارة بين رجل يريد قطع الصداقة القائمة بينه وبين تلك التي يؤديها غريسون وبين الحفاظ عليها. لديه دوافعه التي تبدو مقنعة أكثر بسبب من أدائه وواقعيّته‪.‬‬‬‬
ممثل آخر قد يشد الرحال بعدما أدّى دوراً مميّزاً هذا العام اسمه جيريمي بوب. ليس معروفاً ولا فيلمه من ذلك الذي تهافت عليه جمع كبير. الفيلم هو The Inspection حول مجند مارينز أفرو - أميركي يعود من الخدمة لا ليبحث عن مكانه الاجتماعي العام فقط، بل عن مكانه على صعيد اختياراته العاطفية. هل يريد التواصل مع ماضيه أو يريد بناء علاقات جديدة.
جيريمي بوب له خلفية مسرحية كبيرة تساعده هنا في الابتعاد عن التمثيل التلقائي وتدفعه لكي يدخل حياة الآخر الذي يقوم بتأديته. حظوظه قد تكون محدودة، لكننا نتحدّث هنا عن أفضل الممثلين والممثلات بصرف النظر عما إذا كانوا سيدخلون حلبة المنافسة أو لا.


مقالات ذات صلة

فيلم «الحريفة 2» يراهن على نجاح الجزء الأول بشباك التذاكر

يوميات الشرق جانب من العرض الخاص للفيلم بالقاهرة (الشركة المنتجة)

فيلم «الحريفة 2» يراهن على نجاح الجزء الأول بشباك التذاكر

احتفل صناع فيلم «الحريفة 2» بالعرض الخاص للفيلم في القاهرة مساء الثلاثاء، قبل أن يغادروا لمشاهدة الفيلم مع الجمهور السعودي في جدة مساء الأربعاء.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق فيصل الأحمري يرى أن التمثيل في السينما أكثر صعوبة من المنصات (الشرق الأوسط)

فيصل الأحمري لـ«الشرق الأوسط»: لا أضع لنفسي قيوداً

أكد الممثل السعودي فيصل الأحمري أنه لا يضع لنفسه قيوداً في الأدوار التي يسعى لتقديمها.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق يتيح الفرصة لتبادل الأفكار وإجراء حواراتٍ مُلهمة تتناول حاضر ومستقبل صناعة السينما العربية والأفريقية والآسيوية والعالمية (واس)

«البحر الأحمر السينمائي» يربط 142 عارضاً بصناع الأفلام حول العالم

يربط مهرجان البحر الأحمر 142 عارضاً من 32 دولة هذا العام بصناع الأفلام حول العالم عبر برنامج «سوق البحر الأحمر» مقدماً مجموعة استثنائية من الأنشطة.

لقطة من فيلم «عيد الميلاد» (أ.ب)

فيلم «لاف أكتشلي» من أجواء عيد الميلاد أول عمل لريتشارد كيرتس

بعد عقدين على النجاح العالمي الذي حققه الفيلم الكوميدي الرومانسي «لاف أكتشلي» المتمحور حول عيد الميلاد، يحاول المخرج البريطاني ريتشارد كورتس تكرار هذا الإنجاز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

عد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك.

محمد رُضا (نيويورك)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
TT

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

أرزة ★★☆

دراجة ضائعة بين الطوائف

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة. هي تصنع الفطائر وابنها الشاب يوزّعها. تفكّر في زيادة الدخل لكن هذا يتطلّب درّاجة نارية لتلبية طلبات الزبائن. تطلب من أختها التي لا تزال تعتقد أن زوجها سيعود إليها بعد 30 سنة من الغياب، بيع سوار لها. عندما ترفض تسرق أرزة السوار وتدفع 400 دولار وتقسّط الباقي. تُسرق الدرّاجة لأن كينان كان قد تركها أمام بيت الفتاة التي يحب. لا حلّ لتلك المشكلة إلا في البحث عن الدراجة المسروقة. لكن من سرقها؟ وإلى أي طائفة ينتمي؟ سؤالان تحاول أحداث الفيلم الإجابة عليهما ليُكتشف في النهاية أن السارق يعيش في «جراجه» المليء بالمسروقات تمهيداً لبيعها خردة، في مخيّم صبرا!

قبل ذلك، تنتقل أرزة وابنها والخلافات بينهما بين المشتبه بهم: سُنة وشيعة ومارونيين وكاثوليك ودروز. كلّ فئة تقترح أن واحدة أخرى هي التي سرقت وتشتمها. حتى تتجاوز أرزة المعضلة تدخل محلاً للقلائد وتشتري العُقد الذي ستدّعي أنها من الطائفة التي يرمز إليها: هي أم عمر هنا وأم علي هناك وأم جان- بول هنالك.

إنها فكرة طريفة منفّذة بسذاجة للأسف. لا تقوى على تفعيل الرّمز الذي تحاول تجسيده وهو أن البلد منقسم على نفسه وطوائفه منغلقة كل على هويّتها. شيء كهذا كان يمكن أن يكون أجدى لو وقع في زمن الحرب الأهلية ليس لأنه غير موجود اليوم، لكن لأن الحرب كانت ستسجل خلفية مبهرة أكثر تأثيراً. بما أن ذلك لم يحدث، كان من الأجدى للسيناريو أن يميل للدراما أكثر من ميله للكوميديا، خصوصاً أن عناصر الدراما موجودة كاملة.

كذلك هناك لعبٌ أكثر من ضروري على الخلاف بين الأم وابنها، وحقيقة أنه لم يعترف بذنبه باكراً مزعجة لأن الفيلم لا يقدّم تبريراً كافياً لذلك، بل ارتاح لسجالٍ حواري متكرر. لكن لا يهم كثيراً أن الفكرة شبيهة بفيلم «سارق الدّراجة» لأن الحبكة نفسها مختلفة.

إخراج ميرا شعيب أفضل من الكتابة والممثلون جيدون خاصة ديامان بوعبّود. هي «ماسة» فعلاً.

• عروض مهرجان القاهرة و«آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

سيلَما ★★★☆

تاريخ السينما في صالاتها

لابن بيروت (منطقة الزيدانية) لم تكن كلمة «سيلَما» غريبة عن كبار السن في هذه المدينة. فيلم هادي زكاك الوثائقي يُعيدها إلى أهل طرابلس، لكن سواء كانت الكلمة بيروتية أو طرابلسية الأصل، فإن معناها واحد وهو «سينما».

ليست السينما بوصفها فناً أو صناعة أو أيّ من تلك التي تؤلف الفن السابع، بل السينما بوصفها صالة. نريد أن نذهب إلى السينما، أي إلى مكان العرض. عقداً بعد عقد صار لصالات السينما، حول العالم، تاريخها الخاص. وفي لبنان، عرفت هذه الصالات من الأربعينات، ولعبت دوراً رئيسياً في جمع فئات الشعب وطوائف. لا عجب أن الحرب الأهلية بدأت بها فدمّرتها كنقطة على سطر التلاحم.

هادي زكّاك خلال التصوير (مهرجان الجونا)

فيلم هادي زكّاك مهم بحد ذاته، ومتخصّص بسينمات مدينة طرابلس، ولديه الكثير مما يريد تصويره وتقديمه. يُمعن في التاريخ وفي المجتمع ويجلب للواجهة أفلاماً ولقطات وبعض المقابلات والحكايات. استقاه من كتابٍ من نحو 600 صفحة من النّص والصور. الكتاب وحده يعدُّ مرجعاً شاملاً، وحسب الزميل جيمي الزاخم في صحيفة «نداء الوطن» الذي وضع عن الكتاب مقالاً جيداً، تسكن التفاصيل «روحية المدينة» وتلمّ بتاريخها ومجتمعها بدقة.

ما شُوهد على الشاشة هو، وهذا الناقد لم يقرأ الكتاب بعد، يبدو ترجمة أمينة لكلّ تلك التفاصيل والذكريات. يلمّ بها تباعاً كما لو كان، بدُورها، صفحات تتوالى. فيلمٌ أرشيفي دؤوب على الإحاطة بكل ما هو طرابلسي وسينمائي في فترات ترحل من زمن لآخر مع متاعها من المشكلات السياسية والأمنية وتمرّ عبر كلّ هذه الحِقب الصّعبة من تاريخ المدينة ولبنان ككل.

يستخدم زكّاك شريط الصوت من دون وجوه المتكلّمين ويستخدمه بوصفه مؤثرات (أصوات الخيول، صوت النارجيلة... إلخ). وبينما تتدافع النوستالجيا من الباب العريض الذي يفتحه هذا الفيلم، يُصاحب الشغف الشعور بالحزن المتأتي من غياب عالمٍ كان جميلاً. حين تتراءى للمشاهد كراسي السينما (بعضها ممزق وأخرى يعلوها الغبار) يتبلور شعورٌ خفي بأن هذا الماضي ما زال يتنفّس. السينما أوجدته والفيلم الحالي يُعيده للحياة.

* عروض مهرجان الجونة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز