غضب صامت في أوساط «مؤتمر صنعاء» من مدونة الحوثيين

الميليشيات خيّرت الموظفين بين التوقيع على بنودها أو الفصل

انقلابيو اليمن يعلنون في صنعاء عن مدونة السلوك الطائفية للموظفين (إعلام حوثي)
انقلابيو اليمن يعلنون في صنعاء عن مدونة السلوك الطائفية للموظفين (إعلام حوثي)
TT

غضب صامت في أوساط «مؤتمر صنعاء» من مدونة الحوثيين

انقلابيو اليمن يعلنون في صنعاء عن مدونة السلوك الطائفية للموظفين (إعلام حوثي)
انقلابيو اليمن يعلنون في صنعاء عن مدونة السلوك الطائفية للموظفين (إعلام حوثي)

في الوقت الذي يسعى فيه قادة الميليشيات الحوثية إلى إرغام موظفي الدولة بمناطق سيطرتها على التوقيع على المدونة العنصرية الطائفية المعروفة بـ«مدونة السلوك الوظيفي»، كشفت مصادر سياسية مطلعة في صنعاء عن قيام الميليشيات بالضغط على قيادة جناح حزب «المؤتمر الشعبي» الخاضعين لها في صنعاء لسحب اعتراضهم على المدونة التي وصفت بأنها «وثيقة عبودية».
وكانت الوثيقة الحوثية أشعلت غضباً واسعاً في مختلف الأوساط اليمنية في مناطق سيطرتها بمن في ذلك عناصر حزب «المؤتمر» الذين اتهموا الميليشيات بالسعي إلى فرض «الوصاية الطائفية» على السكان.
وذكرت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن الميليشيات تمارس ضغوطاً كبيرة على كبار قادة جناح الحزب (المؤتمر) بمن فيهم رئيسه صادق أمين أبو راس ونائبه يحيى الراعي وعضو لجنته العامة عبد العزيز بن حبتور وغيرهم، حيث طالبتهم بالضغط على كوادرهم وناشطيهم وإلزامهم بغض الطرف وعدم توجيه أي انتقادات للمدونة.
ومع بدء الميليشيات في إلزام الموظفين الحكوميين بالتوقيع على بنود المدونة والالتزام بها أو الفصل، تحدثت مصادر في جناح حزب «المؤتمر» لـ«الشرق الأوسط»، عن أن عناصر الحزب تفاجأوا كغيرهم بإعلان المدونة الرامية إلى تطييف الوظيفة العامة. وأفادت المصادر بأن قيادة جناح الحزب المشارك في نصف حكومة الانقلابيين غير الشرعية لم تكن على علم مسبق بتلك المدونة الحوثية، ولم تشارك إطلاقاً في إعداد وصياغة نصوصها المجحفة بحق الموظف اليمني.
وقال قيادي في جناح الحزب في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» طالباً عدم ذكر اسمه، إن تدشين الميليشيات لمدونتها بتلك الطريقة التي وصفها بـ«الهزلية» ودون إشعار أي من الأحزاب والتنظيمات السياسية يؤكد نوايا الجماعة للمضي في مخطط إخضاع المجتمع بالقوة لأفكارها الطائفية.
وأوضح القيادي في الحزب أن مدونة السلوك الوظيفي الحوثية أعدتها وصاغتها لجان من معممي الجماعة تحت إشراف ومتابعة القيادي أحمد حامد المكنى «أبو محفوظ» المعين مديراً لرئيس مجلس الحكم الانقلابي.
وطالب القيادي «المؤتمري» رفاقه في الحزب الخاضعين للانقلاب بضرورة اتخاذ موقف واضح وصريح حيال تلك المدونة الحوثية التي تحمل نصوصاً مخالفة لنصوص الدستور والقوانين اليمنية المنظمة للوظيفة العامة.
وكشف عن أن قادة جناح الحزب في صنعاء أصدروا تعليمات لكل الأعضاء والناشطين ووسائل إعلام الحزب في صنعاء تحض على عدم التطرق للحديث عما تسمى «مدونة السلوك الحوثية»، بسبب ضغوط كبيرة مارسها المدعو أحمد حامد وقيادات حوثية أخرى على كبار قادة الحزب.
وأشار إلى وجود حالة من الغليان والرفض المطلق داخل أروقة «مؤتمر صنعاء»، لكنها غير معلنة بسبب سلسلة الضغوطات والتهديدات التي مورست ولا تزال تمارس ضد كبار قيادات الحزب من قبل الجماعة.
على وقع ذلك، انقسم عناصر الحزب في جناح صنعاء بين مؤيد ورافض لصمت قيادة حزبهم حيال تجاوزات الميليشيات الحوثية وانتهاكاتها الأخيرة بحق الوظيفة العامة.
وأكدت ناشطة مؤتمرية بصنعاء، فضلت عدم الكشف عن اسمها، لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادة الحزب تعمدت عدم التدخل أو إبداء أي رفض للمدونة بسبب خوفهم من التعرض للبطش.
وتوقع موالون في الحزب أن تؤدي المدونة الحوثية إلى إقصاء وفصل ما نسبته 50 في المائة من موظفي الدولة من وظائفهم، وغالبيتهم ينتسبون إلى حزب «المؤتمر الشعبي».
وخاطب أحد أعضاء الحزب قادته على مواقع التواصل الاجتماعي بالقول: «أنتم شركاء مع الانقلابيين فما الذي يجبركم على السكوت أو الموافقة على خطوات ميليشياوية من شأنها أن تعزز الانقسام في المجتمع وتزيد من حدة الكراهية وتفاقم من سوء الوضع المعيشي».
وتستند المدونة التي فرضتها الميليشيات الحوثية إلى أفكار مؤسس الجماعة حسين الحوثي، وخطابات ومحاضرات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي؛ حيث تصادر الحرية الشخصية للموظف الحكومي وتحظر عليه التواصل مع وسائل الإعلام، ونشر البيانات والمواد على شبكات التواصل الاجتماعي.
كما تلزم المدونة الموظفين بالإيمان بأحقية السلالة الحوثية في حكم اليمن تحت مبدأ «نظام الولاية» الإيراني، كما تمنعهم من الإدلاء بأي معلومات أو تقديم أي وثائق أو مستندات أو التعليق، أو التصريح أو المداخلة في أي موضوعات خاصة ذات علاقة بوحدات الخدمة العامة.
وتمنع المدونة الحوثية الموظفين الحكوميين من إصدار بيانات أو معلومات تناهض وتنتقد الجماعة والسياسة العامة للسلطة التي تديرها، كما تحظر نشر أي إشكاليات إدارية وعملية أو حتى التعاطي معها في وسائل التواصل الاجتماعي.
وقبل كل ذلك تلزم تعليمات المدونة جميع الموظفين بحضور الفعاليات الطائفية والدورات الفكرية وبالقيام بأعمال الحشد والتعبئة والترويج لأفكار زعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي.


مقالات ذات صلة

الحوثيون: هجماتنا على إسرائيل ستستمر ولن تردعها الغارات الجوية

العالم العربي دخان يتصاعد من موقع الغارات الجوية الإسرائيلية بمدينة الحديدة الساحلية باليمن في هذه الصورة المنشورة 20 يوليو 2024 (رويترز)

الحوثيون: هجماتنا على إسرائيل ستستمر ولن تردعها الغارات الجوية

قال عبد الملك الحوثي زعيم الحوثيين، الخميس، إن هجمات الجماعة على إسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين في قطاع غزة ستستمر ولن تردعها الغارات الجوية الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج السعودية أكدت استمرار وقوفها مع اليمن وحكومته وشعبه (الشرق الأوسط)

ترحيب سعودي وخليجي باتفاق الحكومة اليمنية والحوثيين الاقتصادي

رحبت السعودية باتفاق الحكومة اليمنية والحوثيين على إجراءات خفض التصعيد فيما يتعلق بالقطاع المصرفي والخطوط الجوية اليمنية.

العالم العربي بفضل الدعم المقدم من مركز الملك سلمان للإغاثة حققت الصحة العالمية نجاحات كبيرة في اليمن (الأمم المتحدة)

​«الكوليرا» يتفشّى بشكل «مخيف» في مناطق سيطرة الحوثيين

كشفت منظمة الصحة العالمية عن انتشار مخيف لوباء الكوليرا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بشمال اليمن وقالت إن عدد الإصابات المسجلة تقترب من 100 ألف حالة.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي من اجتماع سابق لمجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)

حوار غروندبرغ الاقتصادي... غضب يمني ومرونة رئاسية ورفض حوثي

أظهر مجلس القيادة الرئاسي اليمني مرونة إزاء طلب المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، وقف تدابير البنك المركزي في عدن والانخراط في حوار اقتصادي، بينما رفض الحوثيون.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي جانب من استعراض حوثي مسلح في صنعاء (أ.ف.ب)

مقتل وإصابة 8 مدنيين بينهم أطفال جنوب تعز بقصف حوثي

قُتل وأصيب 8 مدنيين، بينهم أطفال جراء قصف للميليشيات الحوثية الإرهابية استهدف منطقة الشقب في مديرية الموادم جنوب محافظة تعز اليمنية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

​اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا... وتكتم حوثي على الإصابات

تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
TT

​اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا... وتكتم حوثي على الإصابات

تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)

كان الصياد اليمني محمد يحصل بسهولة على رزقه اليومي، وتوفير احتياجات أسرته الغذائية، حيث يذهب إلى البحر في سواحل محافظة شبوة الواقعة إلى الشرق من مدينة عدن، لكن هذا الأمر أصبح صعباً بعد أن اضطر للجلوس بجوار طفله الذي أصيب بالكوليرا.

تعلّم محمد الصيد في سن مبكرة، وورث معرفة البحر من أسلافه، ويُكافح لتوفير احتياجات أسرته المكونة من تسعة أفراد، حيث تقع قرية حورة التي يسكنها على بُعد 50 كيلومتراً من أقرب مركز طبي، وكانت هذه الرحلة تمثل سفراً مرعباً لمعظم القرويين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف التنقل أو العلاج. ويقول الرجل إنه عندما يمرض أحد من السكان، يصبح توفير الرعاية الصحية اللازمة له عبئاً ثقيلاً.

اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا بعد تسجيل أكثر من 100 ألف إصابة (الأمم المتحدة)

وتؤكد الأمم المتحدة أن عودة انتشار الكوليرا تسبب في تسجيل عشرات الآلاف من حالات الاشتباه، منها أكثر من 30 ألف حالة منذ بداية العام، ورصدت ازدياد عدد الحالات في محافظة شبوة بشكل مُلاحظ ضمن أكثر الفئات ضعفاً ممن لديهم وصول محدود للخدمات الصحية الأساسية أو ليس لهم القدرة على الوصول إلى هذه الخدمات أصلاً.

وفي حين أن الأمطار الغزيرة والفيضانات زادت من انتشار الكوليرا، يذكر الصياد أنه شهد وفاة امرأة في الطريق إلى أقرب مركز صحي بسبب توقف الحركة بفعل الفيضانات الأخيرة، ولهذا ذكرت المنظمة الدولية للهجرة أنها استجابت لهذه الأزمة وقامت بإعادة فتح مركز «حورة» الطبي الذي صُمم لمعالجة مجموعة واسعة من المشكلات الصحية، مع التركيز بشكل رئيسي على الكوليرا.

تطوع مجتمعي

بينت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير حديث أنه وفي سبيل تمكين المجتمعات أسهمت جهودها في مكافحة الكوليرا بأكثر من مجرد تقديم الخدمات الطبية، حيث حشدت فريقها من متطوعي المجتمع المحلي لرفع الوعي بمكافحة الوباء، والالتزام بمساعدة المجتمعات في إدارة مواجهة تفشيه.

وتقول المتطوعة جميلة إنها تأثرت بشدة بمعاناة المجتمع، لذا قررت أن تصبح عاملة صحية لمساعدتهم. وذكرت أنه وطوال فترة تفشي الكوليرا تضمنت الأهداف الرئيسية تقديم الخدمات الصحية الأساسية، وتحسين الثقافة الصحية للمجتمع، والترويج لممارسات الصحة العامة، من خلال المتطوعين الذين ساعدوا بشكل كبير في تقديم الإرشادات الصحية العامة.

متطوعون يمنيون يتولون توعية السكان بطرق الوقاية من الكوليرا (الأمم المتحدة)

ووفق التقرير الأممي، فإن تغيير ممارسات المجتمع والتأسيس لعادات جديدة كانت مهمة مليئة بالتحديات، ولكن هِمّة المتطوعين كانت عالية، وإنه ومن خلال الزيارات المنزلية، شجعوا العائلات على تنفيذ أنشطة تحمي صِحتهم وسلامتهم، ابتداء من الترويج للوعي بنظافة اليدين وانتهاء بالدعوة لتطبيق ممارسات المياه النظيفة، وتعزيز الشعور بالمسؤولية الجماعية.

وبحسب الهجرة الدولية بدأت فرق التطوع أنشطتها في مركز «حورة» الطبي، ولكن تفشي الكوليرا تعدى سكان القرية، حيث أثر أيضاً على المهاجرين من القرن الأفريقي الذين يواجهون تحديات كبيرة في الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية، وللتعامل مع هذه الاحتياجات طلبت المنظمة مساعدة فرقها الطبية المتنقلة الموجودة على طرق الهجرة الرئيسية.

تعاون وثيق

طبقاً لما ذكرته منظمة الهجرة الدولية، فإنها وبالتعاون الوثيق مع وزارة الصحة العامة والسكان في اليمن والمكاتب الصحية المحلية، وسّعت جهودها بشكل مستمر لتقديم المساعدات الفورية للمناطق المتأثرة بالكوليرا والإسهال المائي الحاد.

وتضمنت استراتيجية المنظمة إيجاد خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة داخل المراكز لمنع انتقال العدوى بين المرضى والطاقم الطبي. وتقديم أجهزة الكلورة ذاتية العمل، ومواد معالجة المياه، وحقائب النظافة والتعامل مع الكوليرا للمجتمعات الضعيفة.

وزير الصحة اليمني يتفقد مركز عزل الكوليرا في محافظة أبين (إعلام حكومي)

وتبين «الهجرة الدولية» أن المتطوعين في مركز «حورة» الطبي تعاملوا مع المشاكل الصحية الفورية بخاصة الكوليرا، ولم يقتصر دورهم على إحداث تغيرات إيجابية لتعزيز الرعاية الصحية للجماعات الضعيفة فحسب، ولكن ومنذ بدء التفشي، كان المتطوعون يقدمون خدمات الرعاية الصحية والجلسات التثقيفية للنساء والأطفال والرجال الذين لطالما حُرموا من هذه الخدمات في السابق.

وتواصل الحكومة اليمنية الكفاح بالتعاون مع المنظمات الدولية لمواجهة هذا الوباء، خاصة مع بدء موسم الأمطار الحالي، إذ سارعت إلى افتتاح مراكز لعلاج حالات الإصابة بالكوليرا في جميع المحافظات الخاضعة لسيطرتها، إلا أن الحوثيين يواصلون التكتم على أرقام الإصابات ويرفضون تخصيص مراكز لعلاج هذا الوباء.

وتظهر أحدث بيانات منظمة الصحة العالمية أن عدد الإصابات في مناطق سيطرة الحوثيين بلغت أكثر من 93 ألف حالة، حتى مطلع شهر يوليو (تموز) الحالي، فيما تم تسجيل بقية الحالات وتمثل نسبة 17 في المائة في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.