شبح الطاقة يلاحق «ماكينات ألمانيا»

«القاطرة الأوروبية» تواجه تحدي تغيير نموذج الأعمال مجدداً

عامل  في خط تجميع «فولكس فاغن» بفولفسبورغ بألمانيا (رويترز)
عامل في خط تجميع «فولكس فاغن» بفولفسبورغ بألمانيا (رويترز)
TT

شبح الطاقة يلاحق «ماكينات ألمانيا»

عامل  في خط تجميع «فولكس فاغن» بفولفسبورغ بألمانيا (رويترز)
عامل في خط تجميع «فولكس فاغن» بفولفسبورغ بألمانيا (رويترز)

يلاحق شبح أسعار الطاقة المرتفع الاقتصاد الألماني، خاصة بعد قرار الاتحاد الأوروبي بالالتزام بسقف 60 دولاراً لبرميل النفط الروسي.
ويعتمد اقتصاد «الماكينات الألمانية» على الطاقة والمواد الخام المستوردة لعقود من الزمن، لدرجة أصبحت تخيف المصنعين الألمان. حيث أظهر استطلاع رأي أجراه اتحاد الصناعات الألمانية خلال الصيف، أن ما يقرب من واحد من كل 4 شركات صغيرة إلى متوسطة - وهي التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الألماني - تفكر في نقل الإنتاج إلى الخارج، نتيجة لتحول تكاليف الطاقة إلى خانة الأرقام المزدوجة.
في الوقت ذاته، يذهب البعض إلى التكهن أن ألمانيا ستُجرد من قاعدتها الصناعية، حيث تنبأت مذكرة حديثة لمحلل دويتشة بنك إيريك هيمان أن حصة التصنيع في إجمالي القيمة المضافة لألمانيا بلغت 20 في المائة في عام 2021. وأنها ستنخفض في السنوات المقبلة. وقال: «إذا نظرنا إلى أزمة الطاقة الحالية مقارنة بالوضع خلال السنوات العشر الأخيرة، يمكننا أن نرى هذه المرة نقطة الخطر لإلغاء التصنيع المتسارع في ألمانيا».
وتمتلك ألمانيا أكبر صناعة كيماويات في أوروبا حتى الآن، وهي الصناعة التي تعتمد على الغاز كأحد أهم مدخلات الإنتاج، ومن بينها مصنع «باسف» BASF أكبر مجمع كيمائي في العالم، حيث تضررت الشركة لأول مرة مع ارتفاع أسعار الغاز بإغلاق مصنع الأمونيا في يوليو (تموز) الماضي.
وتضررت أيضاً شركة «كيه بي إم» KPM أحد أقدم منتجي البورسلين في أوروبا، بخفض استهلاكها للطاقة بنسبة بين 10 إلى 15 في المائة، وفي حين أنها لم تخفض إنتاجها فقد ارتفعت التكلفة ليس فقط للطاقة، ولكن لجميع المواد الخام والمدخلات، وصرح الرئيس التنفيذي يورغ ولتمان في تصريحات صحافية أن أسعار منتجات شركته سترتفع بحلول منتصف العام المقبل.
وقالت الإحصاءات الحكومية الصادرة الشهر الماضي، إن الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، والتي تمثل 23 في المائة من جميع الوظائف في ألمانيا، خفضت نحو 10 في المائة من إجمالي الوظائف منذ بداية العام، حيث تلقت صناعات المعادن والزجاج والسيراميك والورق والمنسوجات الضربة الأكبر، مما يعني أن 1.5 مليون عامل في ألمانيا تتعرض صناعاتهم حالياً لضغوط.
وصرحت شركة «هينز غلاس» لصناعة الزجاج، وهي شركة عمرها أكثر من 400 عام، أنها دفعت ما يقرب من 11 مليون يورو للطاقة في عام 2019. بينما تقدر مدفوعاتها هذا العام بنحو 23 مليون يورو.
ومن المتوقع أن الشركات الكبيرة الأسيرة داخل صراعاتها للحصول على الطاقة، خاصة في الصناعات كثيفة الطاقة، ستجد وسط الأزمة دافعاً باحتمالات التكيف مع الطاقة الجديدة، فيما ستفشل بعضها في القيام بذلك.
وعلى عكس الشركات، كانت الحكومة الألمانية أقل تشاؤماً، حيث قال وزير الاقتصاد روبرت هابيك في مؤتمر في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إن «البعض كان يشعر بالنشوة من توقعات انهيار الاقتصاد الألماني»... مستنكراً عدم وضع خطط الحكومة الألمانية ووزارته في الحسبان، قائلاً: «لن يحدث ذلك» قاصداً انهيار الاقتصاد الألماني.
وشاركه بعض الاقتصادين البارزين في تفاؤله، وأشار الاقتصادي ينس سوديكوم أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة هاينرش هاينه في دسلدروف في تصريحات صحافية، إلى أن الإجراءات الحكومية لكبح أسعار الطاقة «ستقضي على خطر تراجع التصنيع إلى حد ما».
وشدد سوديكوم على نقاط القوة على المدى الطويل للصناعات الألمانية وجودة الإنتاجية. قائلاً: «إن النجاح الصناعي لألمانيا هو نتيجة استثمارات طويلة الأجل، ومعرفة عميقة، ودرجة عالية من الأتمتة»، وهذه مزايا تراكمت على مدى عقود ولن تختفي فجأة.
وأظهرت ألمانيا أيضاً في الماضي أنها تستطيع تغيير نموذج أعمالها بنجاح عندما توضع في خانة ضيقة، وخير مثال على ذلك «خطة 2010»، التي استهدفت بها ألمانيا إصلاح النظام الاجتماعي وسوق العمل، وطرح المستشار الألماني الأسبق جيرهارد شرودر آنذاك بداية الإصلاحات في عام 2003. مما نتج عنه تشجيع عشرات الآلاف على العودة إلى العمل وتقليل البطالة طويلة الأمد.
ومع ذلك، يتفق الوزراء ورؤساء الشركات والاقتصاديون جميعاً على أن مستقبل الصناعة الألمانية قد يتوقف على السرعة التي يمكن أن تجد بها طرقاً جديدة لتزويد نفسها بالطاقة. وخلال الأشهر الماضية بذلت الدولة جهوداً جبارة لإيجاد بدائل لواردات الطاقة الروسية، وبناء محطات استيراد للغاز الطبيعي المسال، وإعادة تشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وإطالة عمر مفاعلاتها النووية.


مقالات ذات صلة

روسيا تنظم «أكبر احتفال» بالذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية

أوروبا روسيا تعتزم تنظيم أكبر احتفال في تاريخها بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية (رويترز)

روسيا تنظم «أكبر احتفال» بالذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية

أعلنت روسيا اليوم (الثلاثاء) أنها تعتزم تنظيم «أكبر احتفال في تاريخها» بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، في سياق تمجيد القيم الوطنية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية «لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

«لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

مطلع العقد السادس من القرن الماضي شهدت أميركا اللاتينية، بالتزامن مع انتشار حركات التحرر التي توّجها انتصار الثورة الكوبية.

شوقي الريّس (هافانا)
أوروبا رجل يلتقط صورة تذكارية مع ملصق يحمل صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقول: «لماذا نريد مثل هذا العالم إذا لم تكن روسيا موجودة فيه؟» (رويترز)

«فليحفظ الرب القيصر»... مؤيدون يهنئون بوتين بعيد ميلاده الثاني والسبعين

وصف بعض المؤيدين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ«القيصر»، في عيد ميلاده الثاني والسبعين، الاثنين، وقالوا إنه أعاد لروسيا وضعها، وسينتصر على الغرب بحرب أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم جندي أوكراني يجلس داخل دبابة ألمانية الصنع من نوع «ليوبارد 2 إيه 5» بالقرب من خط المواجهة (أ.ف.ب)

هل انتهى عصر الدبابات «ملكة المعارك» لصالح الطائرات المسيّرة؟

رغم أن الدبابات ساعدت أوكرانيا في التقدم داخل روسيا، تعيد الجيوش التفكير في كيفية صنع ونشر هذه الآليات القوية بعد أدائها المتواضع خلال الفترة الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا بوتين يتحدث مع طلاب مدرسة في جمهورية توفا الروسية الاثنين (إ.ب.أ) play-circle 00:45

بوتين يتوعد الأوكرانيين في كورسك ويشدد على استمرار الحرب حتى تحقيق أهدافها

شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن الهجوم الأوكراني في كورسك لن يوقف تقدم جيشه في منطقة دونباس، متعهداً بمواصلة العمليات الحربية حتى تحقيق أهداف بلاده.

رائد جبر (موسكو)

مصادر: «أوبك بلس» تعقد اجتماع «سياسة إنتاج النفط» في أوائل ديسمبر

نموذج لحفار نفط وفي الخلفية شعار «أوبك»... (رويترز)
نموذج لحفار نفط وفي الخلفية شعار «أوبك»... (رويترز)
TT

مصادر: «أوبك بلس» تعقد اجتماع «سياسة إنتاج النفط» في أوائل ديسمبر

نموذج لحفار نفط وفي الخلفية شعار «أوبك»... (رويترز)
نموذج لحفار نفط وفي الخلفية شعار «أوبك»... (رويترز)

قال مصدران في «أوبك بلس»، اليوم الاثنين، إن التحالف سيعقد اجتماعه بشأن السياسة النفطية المقرر في أوائل ديسمبر (كانون الأول) المقبل عبر الإنترنت؛ إذ من المنتظر أن تناقش مجموعة المنتجين تأجيلاً جديداً لخطط زيادة الإنتاج.

وقالت مصادر في «أوبك بلس» وفق «رويترز»، إن التحالف، الذي يضم «منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)» وحلفاء مثل روسيا، قد يؤجل مجدداً زيادات الإنتاج وسط ضعف الطلب العالمي على النفط.

وعندما عقدت مجموعة «أوبك بلس» أحدث اجتماع لها بكامل الأعضاء حول السياسة النفطية في يونيو (حزيران) الماضي، حضر معظم الوزراء عبر الإنترنت. ومع ذلك، عقدت مجموعة أصغر، مكونة من 8 دول تنفذ أحدث جولة من تخفيضات الإنتاج الطوعية، اجتماعاً بالحضور الشخصي في اللحظة الأخيرة بالعاصمة السعودية الرياض.

وقال مصدر في «أوبك بلس» إن هناك احتمالية لعقد اجتماع مماثل هذه المرة في إحدى دول الخليج، لكن لم يحدث تعميم بشأن خطة لمثل هذا التجمع.