جذبت «مجموعة السلطان الغوري»، باعتبارها أحد أهم الأماكن الأثرية الإسلامية في القاهرة، نظر الرسامين المستشرقين، الذين زاروا مصر في القرن الـ19، حيث فتنتهم بروعة تصميمها المعماري، وهو ما ترجموه في لوحاتهم، وأبرزها لوحة شارع ومسجد الغورية (1875م) للرسام جون فردريك لويس، والموجودة بمتحف اللوفر بباريس.
ولا تزال المجموعة تقف شامخة على جانبي شارع المعز لدين الله الفاطمي، أكبر متحف مفتوح بالعالم، يتوافد عليها السائحون من مختلف الثقافات والجنسيات، للاستمتاع بمعمارها وزخارفها نهاراً، ووجباتها الثقافية والفنية مساءً.
تم إنشاء مجموعة الغوري خلال الفترة من 909هـ - 1503م إلى 910هـ - 1504م، بأمر السلطان الأشرف قنصوه الغوري، أحد حكام الدولة المملوكية، وتضم المجموعة «قبة ووكالة ومسجداً» إلى جانب ملحقاتهم «حمام ومقعد وسبيل وكتاب وخانقاه»، لكل منها وظيفة تؤديها عن غيرها، إلا أنها مجتمعة تمثل تحفة معمارية مميزة للعصر المملوكي.
كيفية الوصول
تقع مكونات المجموعة في منطقة الأزهر والغورية في القاهرة الإسلامية، وهي مكان يسهل الوصول إليه في قلب القاهرة، حيث يمكن للزائر الوصول إليها بأكثر من طريقة، منها سلك كوبري الأزهر والوصول إلى نهايته لتجد نفسك أمامها، كما يمكن استقلال مترو الأنفاق حتى محطة العتبة، ومنها استقلال تاكسي أو خطوط المواصلات العامة إلى منطقة الغورية في دقائق قليلة.
تتسم المنطقة بالزحام خاصة خلال ساعات النهار، إلا أن الزحام نفسه هو جزء من متعة الرحلة في هذه المنطقة، حيث تجتمع فيها الروح المصرية مع عبق التاريخ وأصالة الماضي، الذي يطل من بنايات المجموعة، إلى جانب العديد من المساجد الأثرية، وأسبلة المياه، والتكايا، بالإضافة إلى المدارس والمتاجر القديمة، كما تبرز من بينها المقاهي الشعبية وعشرات الباعة الجائلين في تلك البقعة، التي تجعل الزائرين داخل متحف مفتوح على التاريخ والجغرافيا.
استكشف مجموعة الغوري
تفتح مكونات مجموعة الغوري أبوابها للزائرين لكي يتعرفوا على ما تضمه من جماليات، تعكس روعة الفن الإسلامي والهندسة الإسلامية، حيث الزخارف البديعة، وأبرزها الممر بين مباني المجموعة المغطى بسقيفة خشبية، وهو أول ما يجذب أنظار الزائرين.
ويمكن لزائر المنطقة أن يتضمن برنامج زيارته الأماكن التالية:
قبة الغوري
شيّدها السلطان الغوري لتكون مدفناً له، وكان للقبة قيمة تاريخية؛ فهي من أعظم القباب المعمارية، بحسب المؤرخين، إلا أنها لم يكتب للسلطان الدفن أسفلها بعد أن قُتل بمعركة مرج دابق أمام العثمانيين، في حين دفن بالقبة وفي مكان غير معلوم منها السلطان طومانباي، آخر سلاطين المماليك، بعد أن شنق على باب زويلة.
والمكان مزين من الداخل بزخارف بديعة، وتزدهر بها ألواح الرخام المعشق، وتتميز القبة الضريحية بمحرابها البديع.
تُستغل حالياً القبة كمنارة دولية لإحياء الفن التراثي المصري عن طريق «مركز الإبداع الفني بقبة الغوري»، التابع لصندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة المصرية، حيث تحتضن الأشكال التراثية كافة من (موسيقى - مسرح - فن تشكيلي)، بهدف إحياء التراث الفني المصري بشكل جديد ومتطور يواكب لغة العصر الحديث.
ويمكن للسائحين زيارة القبة والتعرف على هذه الفنون، والتعرف عن قرب على المبدعين المصريين، في سهرات وأمسيات مستمرة ننظمها وزارة الثقافة المصرية، ممثلة في صندوق التنمية الثقافية، بالتعاون مع بعض المؤسسات الثقافية والفنية، حيث تلاقي رواجاً كبيراً.
ويشارك في إحياء هذه السهرات والحفلات مجموعة من المنشدين والفرق الموسيقية والإيقاعية والاستعراضية المصرية، التي تعبر عن أقاليم وثقافات مصر المختلفة، من أبرزها «فرقة سماع للإنشاد الديني»، التي تحافظ على التراث عبر إحياء القوالب القديمة مثل فن أداء التواشيح والمقامات النادرة برؤية معاصرة.
وكذلك تستضيف القبة عروض فرق الموسيقى الروحية والرقص الصوفي، والفرق الشعبية مثل فريق الآلات الشعبية المصرية، التي تضم الفرقة أمهر عازفي مصر في العزف على الآلات الموسيقية الشعبية، ويوجد أيضاً حفلات لفرق الطبول النوبية، التي تقدم التراث النوبي القديم للحفاظ على التراث الغنائي والإيقاعي الذي نبع من نهر النيل، إلى جانب عروض تراثية وتابلوهات راقصة تقدمها الفرقة القومية للفنون الشعبية.
تستضيف قبة الغوري أيضاً بعض عروض المهرجانات الفنية المصرية، ومنها للمهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية، الذي يقام سنوياً تحت شعار «حوار الطبول من أجل السلام».
يضم «مركز الإبداع الفني بقبة الغوري» كذلك مدرسة الغوري لدراسة فن الخط العربي، الذي تهدف إلى إحياء هذا الفن الأصيل.
قبل نحو عام انتقلت إلى القبة عروض فرقة التنورة التراثية، التي تقدم عروضها الشهيرة كل سبت وأربعاء من كل أسبوع، وهي العروض التي تجتذب عشرات السائحين العرب والأجانب إليها طوال العام بأعداد كبيرة، للاستمتاع بالعروض الفنية التي تعتمد على إظهار مهارات الراقص في استخدام وتشكيل التنانير ولياقته البدنية مع استخدام الجمل الموسيقية والإيقاع السريع المتنوع عبر الآلات الموسيقية الشعبية (الربابة المزمار - الصاجات – الطبلة).
تبدأ عروض فرقة التنورة في تمام الساعة 7.30 مساءً بتوقيت القاهرة، ويتم دخول الجمهور قبل العرض بساعة، وتبلغ أسعار التذاكر للزوار الأجانب 94 جنيهاً مصرياً، (نحو 4 دولارات).
وكالة الغوري
على بعد خطوات قليلة من القبة وبالقرب من الجامع الأزهر، توجد وكالة الغوري، أنشأها السلطان الأشرف قنصوه الغوري سنة 909هـ - 1503م، والتي كانت تستخدم مركزاً تجارياً، حيث يتلاقى التجار المصريون والزائرون من الدول الأخرى.
تتكون الوكالة من خمسة طوابق، يتوسطها فناء مكشوف مستطيل، حيث تلتف الطوابق الخمسة حول الفناء، وكان كلٌ من الطابقين الأول والثاني يستخدم كحواصل لبيع وتخزين البضائع، أما الطوابق العليا فتضم مساكن مستقلة لمبيت التجار. وتعد الواجهة الجنوبية هي واجهة الوكالة الرئيسية وبها المدخل الرئيسي.
تعدّ وكالة الغوري نموذجاً لما كانت عليه الوكالات التجارية في ذلك العصر، وتحتفظ الوكالة بالكثير من تفاصيلها المعمارية بفضل عناية لجنة حفظ الآثار العربية سنة 1357هـ - 1947م، ولحسن الحظ أنه بقي جزء كبير منها؛ مما ساعد على ترميمها وإصلاحها وإرجاعها لحالتها الأصلية.
ومنذ نهاية عام 2000 دخلت الوكالة مشروعاً لترميمها استغرق خمس سنوات، وفي عام 2005 فتحت وكالة الغوري أبوابها مرة أخرى كموقع أثري وكمركز ثقافي، هو مركز وكالة الغوري للفنون التراثية، الذي يعمل لأجل التنمية الثقافية والبشرية في منطقة القاهرة الإسلامية، عبر تقديم الخدمات الثقافية.
وتميز المركز باستضافة عروض فرقة التنورة التراثية، إلا أن ظروف جائحة كورونا أوقفت تلك العروض داخل الوكالة، لتنقل إلى جارتها قبة الغوري.
ومن الخدمات الثقافية داخل الوكالة احتضانها «مراسم» الفنانين التشكيليين، التي يقومون داخلها بإبداع لوحاتهم الفنية المُستلهمة من الأجواء التراثية التي تغلف المكان.
مسجد ومدرسة السلطان الغوري
أقيم المسجد والمدرسة على الضفة الغربية من شارع المعز، بالتخطيط السائد من القرن الخامس عشر، حيث يتميز بأربعة إيوانات معلقة تتوسطها قاعة مغطاة، أما المئذنة فلها طابع متميز، حيث تنفرد بأنها على شكل مبخرة تعلوها 5 رؤوس أعلاها.
يتميز المسجد بمدخل مرتفع عن الطريق، ويتم الصعود إليه بواسطة درجات سلم، ويطلق على هذا النمط من المساجد اسم «المساجد المعلقة».
ويمكن لزائر المكان أن يتعرف على نموذج فريد للعمارة الجركسية، لكثرة ما في المسجد من زخارف نباتية دقيقة.
وداخل صحن المسجد كانت توجد المدرسة التي ألحقت بالمسجد لتدريس مذاهب الفقه الأربعة، حيث كان الطلاب يتوافدون إليها للحصول على العلوم الدينية.