وفد روسي في تركيا لبحث العملية العسكرية والتقارب مع الأسد

في الوقت الذي انتقدت فيه موسكو عدم اعتراف تركيا بأخطائها في سوريا، يقوم وفد روسي بزيارة لأنقرة لإجراء مباحثات حول الوضع في سوريا والعملية العسكرية التي هددت تركيا بالقيام بها ضد مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) والتي جددت الولايات المتحدة معارضتها لها.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن وفداً روسياً سيزور تركيا، الخميس والجمعة، برئاسة نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، لبحث كل القضايا موضع الاهتمام المشترك بين أنقرة وموسكو، ضمن لقاءات استشارية، مشيراً إلى أن التواصل مع الجانب الروسي قائم بشكل دائم وعلى مستويات مختلفة، وليس فقط بشأن الملف الأوكراني، وإنما بخصوص ملفات أخرى، مثل سوريا وليبيا وغيرهما.
وأضاف جاويش أوغلو، خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية المولدوفي نيكو بوبيسكو عقب مباحثاتهما في إسطنبول الأربعاء، أن تركيا قد لا تتفق مع روسيا في جميع الملفات، وهناك ملفات خلافية بكل تأكيد، «لكننا نبحثها فيما بيننا».
وعن اجتماعات مسار أستانة التي تعقد بضمانة تركيا وروسيا وإيران، قال جاويش أوغلو: «لم نتخذ قراراً بعد بشأن الاجتماع التاسع للجنة الدستورية. ونعلم أيضاً أن روسيا لا تريد الذهاب إلى جنيف بسبب مشكلة التأشيرات، ونعمل على بدائل، لكن العملية السياسية بحاجة إلى التعجيل بها، ونؤكد دائماً على أهمية تحقيق الاستقرار في سوريا».
وأعلنت وزارة الخارجية التركية، في بيان الأربعاء، أن الوفد الروسي الذي سيشارك في المشاورات سيكون برئاسة سيرغي فيرشينين نائب وزير الخارجية، وأن الوفد التركي سيترأسه نائب وزير الخارجية سادات أونال. وقالت إن من المنتظر أن يناقش الوفدان ملفات إقليمية مثل سوريا وليبيا وفلسطين، إلى جانب تطبيق اتفاقية شحن الحبوب من أوكرانيا عبر البحر الأسود، دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
وكانت صحيفة «صباح» المقربة من الحكومة التركية، استبقت تصريحات جاويش أوغلو وبيان الخارجية التركية بالإعلان عن زيارة وفد روسي رفيع المستوى إلى أنقرة، لكنها ذكرت أنه سيكون برئاسة المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف. وقالت الصحيفة، في تقرير الأربعاء، إن لافرنتييف سيجري «زيارة حرجة» إلى أنقرة يومي الخميس والجمعة لمناقشة ملف العملية العسكرية البرية التي تعتزم تركيا القيام بها ضد مواقع «قسد» في شمال سوريا. كما توقعت تقارير أخرى أن لافرنتييف سيبحث مع المسؤولين الأتراك ملف المصالحة بين أنقرة ودمشق، وإمكان عقد لقاء يجمع الرئيس رجب طيب إردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد، قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقرر إجراؤها منتصف العام المقبل.
- مطالب روسية
وعشية زيارة الوفد الروسي إلى أنقرة، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن «مصالحنا مع عودة العلاقات التركية ـ السورية بما في ذلك ضمان أمن الحدود».
وأضاف أنه «يجب على سوريا وتركيا توطيد العلاقات وتأمين الحدود وإعادتها مثلما كانت أيام حافظ الأسد، وبناء على اتفاقية أضنة بين تركيا وسوريا (وقعت عام 1998)، التي لا تزال سارية، يمكن استئناف الحوار لأن المتطلبات الأساسية قد نضجت الآن لهذا الغرض».
وتابع لافروف، في كلمة ألقاها في فعاليات منتدى دولي بموسكو، أن على الجانبين التركي والسوري حل مسائل محددة تتعلق بضمان أمن الحدود، مع مراعاة مخاوف تركيا المشروعة التي تعترف بها حكومة دمشق. وشدد على أن روسيا تسعى، بشكل جاد، لضمان عدم وجود تعديات على وحدة أراضي سوريا، معتبراً أنه يجب على من يؤثر في الوضع على الأرض بسوريا أن يتحاور مع الرئيس الأسد ونظامه.
ولفت وزير الخارجية الروسي إلى أن موسكو وأنقرة اتفقتا على فرز فصائل المعارضة المسلحة على أساس قبولها الحوار مع النظام السوري، مضيفاً أن تركيا حتى اليوم لا تعترف بأخطائها التي ارتكبتها في سوريا، في إشارة إلى عدم تنفيذ التزاماتها بموجب التفاهمات بشأن إدلب التي تقضي بفصل فصائل المعارضة المسلحة عن المجموعات المتشددة.
في الوقت ذاته، دعا لافروف «قسد» إلى إجراء حوار مع النظام السوري، وعدم الإنصات إلى الغرب والولايات المتحدة، مشيراً إلى أن مَن وصفهم بـ«الإرهابيين» يشعرون بالأمان في المناطق التي تسيطر عليها القوات الأميركية في سوريا.
- تحذير أميركي
بالتوازي، حذرت واشنطن مجدداً من عواقب أي هجوم تركي على مواقع «قسد» في سوريا. وشدد المبعوث الأميركي لشؤون شمال شرقي سوريا، نيكولاس غرينجر، على أن أي هجوم عسكري تركي على المنطقة ستكون له عواقب وخيمة، قائلاً إن «واشنطن لم تمنح أنقرة الضوء الأخضر» للقيام بذلك. وقال غرينجر، في تصريحات لوسائل إعلام كردية، إن الولايات المتحدة تعارض النشاطات العسكرية التركية وترفض زعزعة الاستقرار في شمال شرقي سوريا، وإن أي هجوم عسكري تركي من شأنه أن يزعزع استقرار المنطقة وينعكس سلباً على جهود مكافحة تنظيم داعش الإرهابي، وإنه ينبغي أن يقرر سكان شمال شرقي سوريا مصيرهم بأنفسهم.
في غضون ذلك، كشفت مصادر أمنية تركية عن أن من وصفتها بـ«الإرهابية التي حيدتها المخابرات التركية» في يوليو (تموز) الماضي في شمال سوريا، والتي نشرت القيادة المركزية للقوات الأميركية برقية تعزية من أجلها، في 22 يوليو، هي «سيفانا هيسو»، التي كانت تحمل الاسم الحركي «روج هابور»، وأنها تلقت تدريباتها العسكرية الخاصة على يد القوات الأميركية الموجودة في سوريا. ونقلت وكالة الأناضول التركية عن المصادر، الأربعاء، أن هيسو عملت فيما يعرف بأكاديمية «ديلوفان» التابعة لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية (أكبر مكونات «قسد»)، المختصة بتعليم «العناصر الإرهابية عمليات الاغتيال». وتابعت أنه «تم التحقق من أن العناصر الإرهابية التي أشرفت هيسو على تدريبهم، قاموا بالاعتداء على قوات الأمن التركية» في منطقة عملية «نبع السلام»، شمال شرقي سوريا، وولايتي ماردين وشرناق التركيتين.
وكانت القيادة المركزية للقوات الأميركية نشرت، في 22 يوليو الماضي، رسالة تعزية بمقتل قيادية في «الوحدات» الكردية، أكدت فيها مقتلها، وقالت إن نائبة قائد «قسد» قرب مدينة القامشلي شمال سوريا قتلت مع أخريين.
وتسببت التعزية في رد فعل غاضب من جانب تركيا التي تتهم الولايات المتحدة بدعم «قسد» بدعوى أنها حليف في الحرب على «داعش»، متجاهلة علاقات التحالف مع تركيا في إطار حلف شمال الأطلسي (ناتو).
- استمرار الاشتباكات
إلى ذلك، قصفت القوات التركية المتمركزة في مناطق «نبع السلام»، الأربعاء، بلدة أبو راسين (شمال غربي الحسكة) بالمدفعية الثقيلة، وسط حركة نزوح للسكان من منازلهم باتجاه الريف الشرقي. ولفت «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إلى أن الهجوم التركي جاء بعد مقتل عنصر من فصيل «فرقة الحمزات» الموالية لأنقرة وإصابة آخرين بجروح، جراء استهداف «قسد» بالمدفعية الثقيلة والصواريخ، مواقع تمركز الفصائل الموالية لتركيا في قريتي عنيق الهوى وداودية ملا سلمان، ضمن منطقة «نبع السلام».
من ناحية أخرى، اندلعت اشتباكات متقطعة بالأسلحة الرشاشة الثقيلة والمتوسطة بين قوات «قسد» والنظام السوري من جانب، وفصائل «الجيش الوطني السوري» (الموالي لتركيا) من جانب آخر، على محوري أناب في ناحية شيراوا بريف عفرين ومارع بريف حلب الشمالي، بعد منتصف ليل الثلاثاء - الأربعاء، وسط قصف متبادل بقذائف الهاون بين الطرفين.
جاء ذلك غداة اشتباكات عنيفة بين الجانبين على محور قرية حزوان بريف الباب شرقي حلب، الثلاثاء، وتزامن مع قصف مكثف متبادل بالمدفعية الثقيلة وقذائف الهاون؛ حيث سقطت قذائف هاون عدة على منازل المواطنين في قرية حزوان الخاضعة لسيطرة الفصائل الموالية لتركيا.