«البحر الأحمر» يكشف عن المزيد من الإبداعات العربية

عروض لأفلام لافتة

من فيلم «نزوح» للسورية سؤدد كنعان
من فيلم «نزوح» للسورية سؤدد كنعان
TT

«البحر الأحمر» يكشف عن المزيد من الإبداعات العربية

من فيلم «نزوح» للسورية سؤدد كنعان
من فيلم «نزوح» للسورية سؤدد كنعان

مع استمرار أيام «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» يتكشّف للمتابع الجهد الكبير المبذول لإنجاح لا الدورة وحدها، بل ما تجسّده من أهمية على مدارات الثقافة والفن والمتغيّرات الاقتصادية والاجتماعية ككل.
هو مهرجان كان يجب أن يُقام لينقل الرؤية التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية في الوقت الحاضر، ليساهم في إرساء التوجه الجديد للسعودية والنهضة التي بدأت وتستمر من دون كلل. ولكي يمنح الزائر مذاق هذه المتغيرات وما يمكن أن تعكسه من دلالات وعي وتخطيط مدروس.
تلخيصاً لما سبق، يمكن الاستشهاد بكلمة رئيس لجنة التحكيم المخرج أوليفر ستون، الذي قال في حفل الافتتاح، إن على العالم أن يرى السعودية اليوم وليس كما كانت بالأمس.

فيلم «بين الرمال» علامة سعودية فارقة

حلقة ضعيفة
يتبلور هذا الجهد عبر الندوات ومن خلال السوق وسعي المتواجدين للبحث عن تمويل وعقود إنتاج تستقبلها السعودية بكل عناية في هذه المرحلة من نشاطها وحياتها. هناك جدّية العمل من جميع الأطراف: السعوديون الذين يدركون أن المهرجان فرصتهم للتعرّف ودعم التجارب المحلية، والآتون من الخارج باحثون عن فرص هذا التعاون والمستدعون توفير خبراتهم لقاء الدعم المادي الذي يبحثون عنه.
الأفلام بذاتها هي شأن مختلف. ما عُرض هنا، كحاله في أي مهرجان عالمي آخر، يحمل أعمالاً بديعة وجيدة وأخرى لا تصب ما هدفت إليه. لكن ما هو مُضاف حقيقة، أن الأفلام السعودية محاطة بعناية الراغبين في اكتشاف ما تطرحه وكيف.
الحلقة الضعيفة في هذا الوضع كون الخبرات الفنية ما زالت محدودة.
أكثر من فيلم شاهده هذا الناقد يكشف عن حقيقتين على المخرجين الحاليين والمقبلين الانتباه إليهما.
الأول، أن السيناريوهات يجب أن يُعاد كتابتها لكي تتطوّر وتتغلب على مشاكل متعددة. المخرج عادة ما يكتب ويكتفي بالنسخة الأولى مما كتب. يعد ما كتبه نهائياً فينتقل منه مباشرة لتحقيق الفيلم. الحقيقة هي أن الفيلم الماثل لا يعكس ما كان في البال. يأتي ببعضه ويترك - في أحيان - معظمه. هذا لأن كتابة السيناريو فن بحد ذاتها. هي التأسيس الذي إن لم يكن صحيحاً فإنه لن يمنح نتاجاً صحيحاً إلا في حالات محدودة جداً هي تلك التي يستند فيها المخرج إلى خبرة سنوات، وربما عقود، فيجد طرقاً وأساليب تطوّر النص على نحو أو آخر.
مشكلة أخرى عكستها أفلام مثل «الخلّاط» لفهد العمّاري، و«كيف» و«كينغ الحلبة» لمحمد سعيد حارب، و«سطّار» لعبد الله العراك من بين أخرى، وهي أنها تأخذ في اعتبارها أن تتوجه إلى الجمهور العريض.
للإيضاح، ليس هناك مشكلة في التوجه إلى الجمهور السائد، لكن المشكلة هي في النصوص نفسها وكيفية تنفيذها. أكثر من مرّة يخون السيناريو طموح المخرج، وعلى نحو متعدد يبدو التنفيذ كما لو كان متأثراً بالإنتاجات التلفزيونية عوض البحث عن لغة سينمائية منفردة (كما فعل «أغنية الغراب» لمحمد السلمان على الرغم من بعض المشاكل).
الوضع الماثل ليس نتيجة اختيارات محددة، بل أوضاع يعيشها الشباب السعودي الذي يريد الاستمرار في العمل وتكوين مكتبته الخاصة من أفلامه. هو يعلم أن الخروج عن قواعد السوق المعروفة يعني عكس هذه الرغبة. بالتالي؛ لديه احتمالان: هو إما أن يعمد إلى الفيلم التجاري لكي يستمر أو يجهد في سبيل فيلم فني وقد يتوقف بعده.
وهذه الناحية بدورها تتطلّب حلاً يقوم على تخصيص صالات للأفلام غير التجارية ليس فقط السعودية منها، بل العربية والعالمية. يقول بعض المنتجين، إن أحداً لن يأتي، لكن الأمر لا يمكن الحكم له أو عليه من دون تجربة تأخذ وقتها. المشاهد السعودي شخصية مثقّفة وطموحة ولا يجب أن تُحرم من أفلام جيدة لمجرد الاعتقاد أن الجودة الفنية تضر في احتمالات السوق.
سعودي - جزائري
مشكلة السيناريو ليست مشكلة أفلام معيّنة وحدها؛ فمعظم ما يُنتج من أفلام عربية تعاني، بدرجات ومستويات متفاوتة، من زاوية أن الفيلم يعاني من مسألتي السيناريو والتأثر بما توفره المنصّات والشاشات المختلفة (تلفزيون وسينما) على حد سواء من أفلام حديثة من الضروري عدم التماثل بها لاختلاف الثقافات ولكونها تتجاهل ذات المخرج وتمنحه ثقة غير مبررة بالنفس.
من حسن الحظ وجود أفلام عربية في هذه الدورة الثانية تخلّصت، إلى حد كبير، من طغيان الكوميديا بينها الفيلم السعودي «بين الرمال» لمحمد العطاوي و«أغنية الغراب» لمحمد السلمان. بينها أيضاً فيلم «نزوح» للسورية سؤدد كنعان الذي كان شوهد في «فينيسيا». كذلك «الأخيرة» لعديلة بن ديمراد وداميان ونوري (الجزائر مع منحة من صندوق مهرجان البحر الأحمر لدعم الأفلام، الذي شكّل مفاجأة كونه دراما تاريخية تعود لأحداث وقعت في القرن الـ17، ويشمل ما كانت شاشات السينما تعرضه في عقود سابقة من أفلام مشبعة بروح المكان وأجواء الزمان).
بين الأفلام التي لم تحقق المستوى المأمول في نهاية المطاف «جنائن معلّقة» لأحمد ياسين الدراجي (العراق) و«حديد، نحاس، بطاريات» لوسام شرف (لبنان). الأول لرغبة المخرج في حشد كل ما في باله من دون تصاعد درامي ما يفقد الفيلم وجهته ويضع فواصل بين اهتماماته ومفاداته، والآخر بسبب منهج متكلّف في عرض قصّة حب وقضية اجتماعية كانت تحتاج لعناية أفضل.


مقالات ذات صلة

أربعينات القرن الماضي تجذب صناع السينما في مصر

يوميات الشرق أحمد عز في لقطة من فيلم «فرقة الموت» (الشرق الأوسط)

أربعينات القرن الماضي تجذب صناع السينما في مصر

يبدو أن سحر الماضي دفع عدداً من صناع السينما المصرية إلى اللجوء لفترة الأربعينات من القرن الماضي بوصفها مسرحاً لأحداث أفلام جديدة.

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق مهرجان القاهرة السينمائي لتنظيم ورش على هامش دورته الـ45 (القاهرة السينمائي)

«القاهرة السينمائي» يدعم صناع الأفلام بالتدريبات

أعلن «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» عن تنظيم مجموعة متخصصة من الورش لصنّاع الأفلام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج معتز التوني يتوسط وأمينة خليل فريق العمل خلال العرض الخاص بالقاهرة (الشركة المنتجة)

«X مراتي» فيلم مصري جديد يراهن على «الضحك» فقط

يرفع الفيلم المصري «X مراتي» شعار «الضحك للضحك» عبر كوميديا المواقف الدرامية التي تفجرها قصة الفيلم وأداء أبطاله.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق  الحدث يهتم بالتنوّع البيولوجي والسينما (مهرجانات ريف)

انطلاق «مهرجانات ريف»... ومشكلات بيئة جنوب لبنان في الصدارة

تُعدّ «مهرجانات ريف» المُقامة في بلدة القبيات، الوحيدة لبنانياً التي تتناول موضوعات البيئة، فتضيء على مشكلاتها وتزوّد روّادها بحلول لمعالجتها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق حورية فرغلي (إنستغرام)

حديث حورية فرغلي عن حياتها الشخصية يلفت الانتباه في مصر

لفتت الفنانة المصرية، حورية فرغلي، الانتباه في مصر بعد حديثها عن تفاصيل في حياتها الشخصية، والسبب الذي لأجله قالت إنها «تمنت الموت».

محمد الكفراوي (القاهرة )

شاشة الناقد: فيلم خارج التصنيف

شاشة الناقد: فيلم خارج التصنيف
TT

شاشة الناقد: فيلم خارج التصنيف

شاشة الناقد: فيلم خارج التصنيف

فيلم خارج التصنيف

الصف الثاني (ممتاز)

فيلم خارج التصنيف لمخرج اعتاد التميّز والاختلاف

* إخراج: حميد بن عمره (فرنسا، 2024)

هذا الفيلم هو عن «مولان روج» والتدريبات التي تسبق حفلاته. لا. هو عن الممثل الهايتي جيمي جان - لوي وراقصة المسرح كوكو جو، كما عن المخرج الأميركي لاري كلارك. أيضاً لا. هو عن فن الموسيقى، وأدب بوشكين، والقارة الأفريقية، وعن العنصرية. وربما هو عن الأدب، والموسيقى، والسينما، والتاريخ، والحاضر.

«الصف الثاني» هو كل هذه الأمور مجتمعة في فيلم درس فيه المخرج بن عمره («هاجس الممثل المنفرد بنفسه»، «كيوكو، موسم حصاد الأحلام»... إلخ) إطار كل لقطة وكل مدلول ممكن طرحه على تعدد الشخصيات التي يعرضها ويستعرض لها. يختلف هذا الفيلم عن أفلام المخرج السابقة من حيث عدد الشخصيات وتوغلها في ثقافات متعددة: فرنسية، وروسية، وأفريقية، وأميركية. ما تتحدث فيه شخصياته يمزج التجارب الخاصة بالرؤى العامّة وينتقل ما بين جوانبها الذاتية وآرائها في الثقافة والفن والسياسة.

وسط ذلك، هناك مساحة لمشاهد شعرية، وكم هو جميل ذلك المنظر للممثلة الروسية أولغا كابو، وهي تنزل البحر برداء أحمر بروية. الكاميرا تقف بعيداً ولا تتدخل واللقطة تجمع بين البحر والأنوثة والفضاء العام الذي يختزل كلامها قبل المشهد وبعده. تقرأ بوشكين كما لو كانت تقرأ اسمها أو جزءاً عزيزاً من تاريخ حياتها.

كما الحال في أفلام بن عمره السابقة، ليس المبدأ هو تصوير فكرة حاضرة، تسبقها كتابة سيناريو ليكون الدليل الوحيد للعمل قبل تصويره. السيناريو الأخير، كما كتبت ذات مرّة، يُكتب في مرحلة توليف الفيلم من خلال ما يكوّنه المخرج من لقطاته ممتزجة برؤيته وشهادته لما يقوم به. الناتج ثراء في المعاني الفنية والفكرية وأبعاد تحتية مثيرة للاهتمام.

تذكر إحدى الشخصيات (الإثيوبي فيليب جوديث غوزلان)، أن الحكايات التي تحتوي على الفصول الثلاثة (بداية، وسط ونهاية) هي للأطفال. المهام الأصعب، يمكن للناقد أن يُضيف، هو كيف تسرد الفيلم الذي تريد لاغياً ذلك الاعتبار الذي سارت ولا تزال تسير عليه جل الأفلام السينمائية (غربية وعربية).

يتألف «الصف الثاني» من مئات الصور وكثير من الانتقالات بين الشخصيات، وبينها وبين مشاهد لأماكن أو لقطارات أو لبعض الوثائقيات (أحدها مقابلة سابقة مع المخرج يوضح فيها أنه ليس صحافياً ليؤسس فيلمه على طريقة سؤال الشخصيات وتلقّي الإجابات). هذه الانتقالات تحتاج إلى تركيز شديد، خصوصاً كونها أيضاً انتقالات بين آراء وأفكار ودلالات. لكن بن عمره لا يطلب من مُشاهد مدمن على أفلام مبوّبة أو نمطية سوى الجرأة على الخروج من العادي إلى المميّز. على ذلك، لا بدّ من تسجيل صعوبة قراءة الفيلم لمن لم يسبق له أن تعرّف على تنويعات المخرجين - المؤلفين وأساليبهم التي تتجاوز، كهذا الفيلم، كل نمط معروف.

* عروض: خاصّة.

«حب وقح» (يوميوري تليكاستينغ)

RUDE TO LOVE

(جيد)

حياة امرأة تحب زوجها وتكاد تخسر نفسها من أجله

* إخراج: يوكيرو موريغاكي (اليابان، 1962)

هناك دقّة في الوصف والمتابعة تتكامل والوضع الذي تجد فيه بطلة الفيلم نفسها فيه. تناوئ الدقة، في النصف الثاني منه، حقيقة أن الفيلم يدخل سرداباً مختلفاً عن معظم ما سبق يؤدي به إلى حافة خسارته حكايته إذا ما ذهبت في اتجاه جديد، لكن ذلك، من حسن الحظ، لا يحدث أن يترك بعض الأثر.

حكاية زوجة اسمها موموكو (تقوم بها ببلاغة نوريكو إيغوشي) متزوجة بلا أولاد، تعيش في منطقة سكنية متواضعة، ترعى زوجها جيداً وترعى كذلك والدته التي تعيش في البيت المجاور. من البداية تدرك أن هناك نقصاً ما في حياتها، هذا قبل أن نتعرّف على المشكلة التي واجهتها عندما حبلت من زوجها وأسقطت.

حين يعترف لها زوجها بأنه يحب امرأة أخرى وأن هذه المرأة حبلى تجد نفسها في وضع يكاد يفقدها رجاحة عقلها. يطلب الزوج موافقتها على الطلاق، تثور. لن تعدّد له ما قامت به من واجبات تجاهه وتجاه والدته، لكنها ترفض طلب الطلاق. المرأة الأخرى فتاة شابّة حبلى الآن

تشتري موموكو منشاراً آلياً وتحفر في غرفة الجلوس حفرة كبيرة لغرض لم يتوضّح تماماً سوى أنها حين تختبئ في تلك الحفرة تسمع حديث الابن وأمه ما يزيدها ثورة. الضعف العام يبدأ من تلك النقطة المتأخرة من الفيلم، لكن المثير هو أن الفيلم لا يخسر نقطة اهتمام واحدة. يواصل إثارة المُشاهد فيما تقوم به بطلة الفيلم وكيف. يوزّع المخرج بعض التفاصيل التي توهمنا بأن أشياء معينة ستحدث لكنها لا تقع. مثل الشاب الذي يرمقها بنظرات عندما تخرج من البيت، قطتها التي اختفت وتلك الحرائق التي يشعلها أشخاص في الزبالة. هي نواحي عامة بسيطة، لكنها ذات دلالات. الكاميرا محمولة (للأسف) لكنها لا تفرض نفسها دوماً (من حسن الحظ). يخص المخرج موريغاكي بطلته بكل أنواع وأحجام اللقطات، لكنه يبقى بعيداً عن سواها.

* عروض: مهرجان كارلوڤي ڤاري.