يبدو أن النجوم دلّت كيم جونز، المدير الإبداعي لدار الأزياء الفرنسية «كريستيان ديور»، على مصر لتكون محطة انطلاق تشكيلة الأزياء الرجالية لما قبل خريف 2023، والتي أطلق عليها «السماوية». اختار أن يخرج بها للعالم من أمام أهرامات الجيزة وتحت سمائها في ليل عميق تخللته الأضواء، وموسيقى «التكنو». مشهد يمزج الماضي بالمستقبل.
إنها المرة الأولى التي تقدم فيها دار الأزياء الفاخرة عرضاً من قلب مصر، غير أنها ليست المرة الأولى التي تعانق فيها الحضارة المصرية القديمة، ففي خريف عام 1997، قدّم المدير الإبداعي للدار وقتها، البريطاني جون غاليانو تشكيلة مستوحاة بالكامل من مصر القديمة، وبأسلوبه المسرحي وعشقه للاستعارات التاريخية، غير أن «جونز» عاد لحضارة مصر بنموذج مختلف.
خلفية المكان وشاعريته غطتا على الأزياء (أ.ف.ب)
وعلى مدار يومين قدمت الدار الفرنسية تشكيلة عصرية من الأزياء الرجالية، العرض الأول جاء بشكل جزئي كـ«كبسولة»، من داخل المتحف المصري الكبير، الذي يقع على بُعد أمتار من أهرامات الجيزة، ورغم أنه لم يفتح أبوابه رسمياً للزوار، فإنه احتضن زوار «ديور» في مناسبة استثنائية ضمّت نجوماً ومؤثرين من العالم، من بينهم عارضة الأزياء السمراء ناعومي كامبل، كما حضر السفير العالمي لـ«ديور» الممثل البريطاني روبرت باتينسون، والسير لويس هاملتون، بطل سباق السيارات فورميلا وان، والمطرب الكوري سيهون، والممثل العالمي مصري الأصل مينا مسعود، وعارضة الأزياء العالمية البريطانية ليلي موس، فضلًا عن مجموعة من المشاهير العرب مثل التونسية درة، وظافر عابدين، ومحمد حماقي، وغيرهم.
أما العرض الرئيسي لتشكيلة «جونز» فجاء أمام سفح الأهرامات، في مشهد رائع يحمل رسائل مبطّنة، كشف عنها المدير الإبداعي، في تصريحات صحافية، قائلاً: «نحن أمام مشهد يمزج الماضي والحاضر والمستقبل في مكان واحد». وذكر في حديثه أنه يسير على خطى السيد كريستيان ديور، مؤسس الدار، فهو كان رجلاً يؤمن كذلك بالروحانيات وعلوم الفلك، وقال: «في عام 1946 عثر السيد ديور على نجمة في شارع دو فوبورج سان أونوريه بباريس، قد يبدو شيئاً معتاداً للعامة، غير أن مؤسس الدار اعتبرها إشارة تحمل نوراً وتُوجهه إلى عالم الأزياء الراقية لتنطلق الدار العريقة من تلك الليلة على ضوء النجوم».
لمسات «سبور» واضحة
على خطاه، قدّم جونز تشكيلة مكونة من 75 تصميماً؛ احتفاءً بالذكرى 75 لـ«ديور»، مستوحاة من الانبهار بالعالم القديم وكيف يشكل الماضي المستقبل!
مزج في هذه التشكيلة بين ألوان البحر وألوان الصحراء الترابية، في تصميمات عصرية وجريئة، بحيث ظهرت سترات مستوحاة من الرمل والحجر مزدانة بأوشحة من التول بألوان مائية، وكأنها قاصدة أن تخترق الصحراء لتمُدّها بالحياة؛ في إشارة إلى المستقبل.
احتفل «جونز» أيضاً بالأجداد، من خلال اقتراحات ضمّت سترات بخياطة بسيطة ووظيفية، غير أنها مزدانة بقطع فنية، جاءت في توليفة عصرية غارقة في حرفية ودقة الحضارة المصرية. أما كيف نظر جونز إلى المستقبل، فمن خلال سترات وخوذات فضية تشير إلى الفضاء الذي قد يحتضن البشرية حال سئمت الأرض.
وعن الحدث الأول من نوعه، تقول سوزان ثابت، العضو المؤسس لمجلس الأزياء والتصميم المصري، والتي كانت ضمن المدعوّين، إن «هذه الالتحامات تخرج منها نجاحات أكبر من مجرد تشكيلة أزياء». وتردف، في حديثها، لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تشجع خطوة «ديور» علامات فاخرة أخرى للحضور إلى قلب مصر؛ لأن الحضارة المصرية لا تقتصر على الأهرامات».
بينما تشير ثابت إلى ثمة مكاسب مرتقبة تعود على مصر وعلى صغار المصممين المصريين، وتقول: «خروج علامة بشعبية (ديور) من قلب مصر، هو أفضل رسالة للعالم تعكس مدى جاهزيتنا لاحتضان مزيد من الإبداعات والفنون. فمصر لا تزخر بحضارتها فحسب، بل أيضاً بأبنائها من المبدعين الذين تلقّوا جرعة ثقة ودفعة للأمام بمجرد خروج العرض الفرنسي من أرضهم».
مصر استقبلت «ديور» بحفاوة كعادتها، هكذا تقول «ثابت»، وتزيد: «على هامش عرض الأزياء، كانت هناك جولات سياحية تعريفية بحضارة مصر، كذلك، دعوة على مائدة غداء مصرية خالصة، كل شيء كان رائعاً ولا يُصدَّق».