كيف تعامل الإعلام الرياضي العربي مع مونديال قطر؟

خبراء أكدوا أن الأداء اللافت للسعودية والمغرب زاد الزخم حول البطولة

فرحة جمهور المنتخب المغربي
فرحة جمهور المنتخب المغربي
TT

كيف تعامل الإعلام الرياضي العربي مع مونديال قطر؟

فرحة جمهور المنتخب المغربي
فرحة جمهور المنتخب المغربي

بينما تتواصل فعاليات بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر، يبرز التساؤل حول كيفية تعامل الإعلام الرياضي العربي مع «مونديال 2022»، ومدى تأثير مشاركة المنتخبات العربية على طبيعة التفاعل والتغطية لواحدة من الفعاليات «الأكثر» جماهيرية على مستوى العالم.
وفي حين لفت خبراء تحدثت معهم «الشرق الأوسط» إلى أن الأداء «اللافت» لمنتخبَي المملكة العربية السعودية والمغرب زاد من الزخم الإعلامي حول البطولة، فإنهم أشاروا أيضاً إلى أن حجم التفاعل والتغطية يختلف من دولة لأخرى؛ لا سيما إذا كان منتخب الدولة المعنية مشاركاً في البطولة.
في الحقيقة، الإعلام لاعب أساسي ومؤثر في الأحداث الرياضية. وحسب دراسة حديثة نشرها موقع «Enos Tech» في مايو (أيار) الماضي، فإن «الإعلام ساهم إيجابياً في تنمية وتطوير الرياضة عموماً، وزيادة عائداتها، وجودتها أيضاً». وذكرت -في رجعة تاريخية- أن «أول مقال حول حدث رياضي نُشر عام 1836، بينما جاء أول تقرير تلفزيوني رياضي عام 1939».

الجمهور السعودي في كأس العالم (رويترز)

وفي حين تحتل الرياضة جانباً مهماً من التغطيات الإعلامية عربياً وعالمياً، تحظى بطولات كرة القدم بالنصيب الأكبر من التغطية؛ لا سيما مع جماهيرية اللعبة الشعبية التي تلقَّب بـ«الساحرة المستديرة». وتعد نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم حدثاً عالمياً استثنائياً، ينتظره عشاق الكرة، والإعلام، كل 4 سنوات. ووفق مراقبين، فإن نهائيات قطر 2022 تستقطب اهتماماً إعلامياً خاصاً على المستوى العربي، كونها أول نهائيات تستضيفها دولة عربية؛ لكن ليس هذا هو السبب الوحيد؛ إذ إن المشاركة العربية أيضاً سلطت على هذه النهائيات مزيداً من الأضواء.
كان للمملكة العربية السعودية حضور مبكر لافت في البطولة، عقب انتصار المنتخب السعودي في أولى مبارياته في على منتخب الأرجنتين بقيادة النجم الكبير ليونيل ميسي، المصنف ضمن أفضل اللاعبين على مستوى العالم. وهنا علّق أسامة المدني، أستاذ الإعلام البديل في جامعة أم القرى السعودية، ومستشار الإعلام الرقمي وتطوير الأعمال، لـ«الشرق الأوسط» قائلاً إن «المملكة نجحت في توظيف كأس العالم، واستثماره لمصلحة صورتها إقليمياً وعالمياً كقوة ناعمة، لا سيما بعد الفوز التاريخي على المنتخب الأرجنتيني، أبرز المرشحين للفوز بالبطولة».
وعلى الصعيد الإعلامي، تابع المدني: «سخّر الإعلام السعودي كل إمكاناته لتسويق المملكة إقليمياً وعالمياً... وسط تفاعل الجماهير مع وسائل الإعلام، وإعادة مشاركة أخبار المنتخب السعودي؛ إذ أعادت الجماهير السعودية نشر تغريدات وكالة الأنباء السعودية حول نتائج المنتخب، ما أعطى زخماً إضافياً للبطولة... والبيانات الحديثة تشير إلى أن المجتمع السعودي هو الأكثر تفاعلاً، عالمياً، على منصة التغريدات (تويتر)».
من ناحية ثانية، تفاعلت وسائل الإعلام العربية بشكل متفاوت مع البطولة، بين محاولات التركيز على المنتخبات الوطنية -في حال كانت مشاركة- وتقديم الدعم والتشجيع الحذر أحياناً للفرق العربية، مع استمرار المتابعات اليومية للفعاليات، لا سيما المنتخبات ذات الشعبية الجماهيرية.
وهكذا خصصت الصحف الورقية صفحات لتحليل المباريات ونتائجها، ولم تخلُ المحطات التلفزيونية من استوديوهات التحليل الرياضي، في حين انتشرت مقاطع الفيديو التحليلية من منتجي المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي.
وهنا شرح أنس بنضريف، الصحافي والخبير الإعلامي المغربي، لـ«الشرق الأوسط» مراحل تفاعل الإعلام المغربي مع «مونديال 2022»، وقال إن «البداية بالنسبة للمغرب كانت حذرة، لا سيما أن المنتخب المغربي كان يلعب ضمن مجموعة قوية، وكانت أغلب التوقعات تشير إلى احتمال خروجه من الدور الأول... إلا أن التعادل مع منتخب كرواتيا صبغ التغطية الإعلامية بقدر من التفاؤل، ونقلها إلى مرحلة أكثر حماسة... ومن ثم فتح باب الأمل على مصراعيه بعد الفوز على بلجيكا».

استوديو نقل تلفزيوني

وتابع الصحافي المغربي: «إن هناك جيلاً كاملاً من المغاربة لم يعش أجواء التأهل لثُمن نهائي بطولة كأس العالم، إذ لم يحدث ذلك منذ عام 1986، الأمر الذي منح مونديال قطر زخماً في الشارع المغربي والعربي أيضاً».
بطبيعة الحال، تختلف درجة اهتمام وسائل الإعلام العربية بـ«مونديال 2022»، وتتأثر بمشاركة منتخب ما أو غيابه، وهو واقع رصده خبراء أكدوا تكثف التغطية حال وجود المنتخبات الوطنية في البطولة، وتراجعها أو فتورها حال خروج هذه المنتخبات أو تغيبها من الأساس. ولكن على مستوى الشارع العربي تبقى «الساحرة المستديرة» اللعبة الأكثر شعبية التي يحرص كثيرون على متابعتها في مختلف الأحوال، سواءً في المنازل أو المقاهي. وهذا ما رصده بنضريف بنفسه، حين سمحت له الظروف بمتابعة بداية «المونديال» في 3 دول عربية، هي: تونس والعراق ومصر، وقال: «هناك إجماع على تشجيع المنتخبات العربية، حتى بين الدول التي لم تتأهل للبطولة مثل العراق ومصر، وإن سمعت عبارات الحسرة على الغياب بين الحين والآخر؛ لكن هذا لم يؤثر على فعالية وقوة تشجيع المنتخبات العربية».
وحقاً، فإن جولة على المقاهي والأماكن العامة في فترة البطولة كفيلة بمنح المرء انطباعاً عن مدى جماهيرية هذه الرياضة في الشارع العربي؛ إذ لا يكاد يخلو مقهى من شاشة تلفزيون مثبّتة على القناة الناقلة للبطولة، في حين تزدحم المقاهي ويتسمّر روادها أمام الشاشات لمتابعة المباريات، سواء كان أطرافها منتخبات عربية أو غربية. ولئن كانت بعض المنتخبات تحظى بشعبية أكثر من غيرها، يلاحَظ أن لا خلاف على تشجيع المنتخبات العربية، أياً كان الطرف المنافس.
من جانب آخر، تعد كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية على مستوى العالم -ربما باستثناء الولايات المتحدة- ما يجعل التفاعل الإعلامي معها أكبر، وإن جاء ذلك على حساب الرياضات الأخرى. ونظراً لجماهيريتها فكرة القدم تُكسِب من يكتب عنها في الإعلام قدراً من الشهرة لا تمنحه الرياضات الأخرى. وهذا ما يفسر -مثلاً- اهتمام الإعلام المصري بـ«المونديال» على الرغم من غياب المنتخب الوطني عن المشاركة في البطولة، حسب الناقد الرياضي المصري أيمن بدرة.
بدرة تابع في حوار مع «الشرق الأوسط» قائلاً إن «الزخم الإعلامي الذي صاحب مونديال قطر هو الأكبر في تاريخ البطولة؛ لا سيما مع حالة الجدل التي أثارتها البطولة لاعتبارات دينية وقيمية، وتنظيمها في دولة عربية، إلى جانب مشاركة منتخبات لها جماهيرية كبيرة وذات تأثير في نسب المشاهدات، مثل السعودية». وأردف: «التفاعل الجماهيري على منصات التواصل الاجتماعي، وظهور محتوى متنوع؛ لا سيما بعد فوز المنتخب السعودي على منتخب الأرجنتين، دفع نحو مزيد من التغطية الإعلامية للمونديال عموماً».
وفعلاً، يتفق هذا ما أعلنه الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، من أن «المباراة الافتتاحية لمونديال قطر جذبت مشاهدات أكثر من نظيرتها عام 2018، بزيادة وصلت إلى 109 في المائة، لتتخطى النسب في نهائيات روسيا عام 2018، ونهائيات البرازيل عام 2014».
ولكن على الجانب الآخر، يقول بدرة إن «متابعة الإعلام المصري للمونديال كانت ستختلف في حال مشاركة المنتخب الوطني المصري». ويتابع: «في مونديال روسيا عام 2018، على سبيل المثال، سافر وفد إعلامي كبير مع المنتخب المصري لمتابعة مبارياته، وهو ما لم يحدث في مونديال قطر؛ حيث اقتصرت التغطية الحية على عدد قليل من المراسلين والصحافيين ممن تلقوا دعوات من الجانب القطري لتغطية البطولة». وهنا تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من انطلاق الصحافة الرياضية المصرية في أوائل القرن الماضي، بتغطية ألعاب فردية مثل الفروسية وسباقات الخيل، والملاكمة، فإن نقاداً ومؤرخين يرجعون بداياتها إلى 4 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1922، عندما خصّصت صحيفة «الأهرام» المصرية زاوية يومية بعنوان «الصحافة الرياضية»، هي التي يعتبرها النقاد أول باب متخصص للصحافة الرياضية في المنطقة العربية.
وهنا يقول بدرة إن «الألعاب الرياضية الأخرى، على الرغم من الإنجازات التي تحققت فيها عربياً، لا تحظى بدرجة الاهتمام الإعلامي نفسها التي تحظى بها كرة القدم»، ويشرح بأن «كرة القدم بمثابة الغذاء الرئيس على المائدة العربية، من حيث الإنفاق والمتابعة الجماهيرية، والعائدات الإعلامية على مستوى الوسيلة الإعلامية والصحافي أو الإعلامي»، ضارباً المثل باستوديوهات تحليل المباريات في التلفزيون التي يقوم عليها صحافيون وإعلاميون متخصصون في متابعة أخبار كرة القدم.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
TT

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية غير العادية» التي استضافتها الرياض مؤخراً.

وشددت القمة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم الراسخ للشعب لنيل حقوقه المشروعة، وإيجاد حل عادل وشامل مبني على قرارات الشرعية الدولية.

وقال الدوسري لدى ترؤسه الدورة العادية الـ20 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب في أبوظبي، أن الاجتماع يناقش 12 بنداً ضمن الجهود الرامية لتطوير العمل المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بمشاركة رؤساء الوفود والمؤسسات والاتحادات الممارسة لمهام إعلامية ذات صفة مراقب.

الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

وأضاف أن الاجتماعات ناقشت سبل الارتقاء بالمحتوى الإعلامي، وأهم القضايا المتعلقة بدور الإعلام في التصدي لظاهرة الإرهاب، وجهود الجامعة العربية في متابعة خطة التحرك الإعلامي بالخارج، فضلاً عن الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030.

وتطرق الدوسري إلى استضافة السعودية مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتصحر «كوب 16»، وقمة المياه الواحدة، وضرورة إبراز مخرجاتهما في الإعلام العربي، مؤكداً أهمية الخطة الموحدة للتفاعل الإعلامي مع قضايا البيئة.

وأشار إلى أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي، واستثمار دورها في تعزيز المحتوى وتحليل سلوك الجمهور، داعياً للاستفادة من خبرات «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي» في الرياض؛ لتطوير الأداء.