«كوفيد الطويل الأمد»... عيادات متخصصة لتخفيف أعراضه

رحلة معاناة مريرة وحلول علاجية تجريبية

«كوفيد الطويل الأمد»... عيادات متخصصة لتخفيف أعراضه
TT

«كوفيد الطويل الأمد»... عيادات متخصصة لتخفيف أعراضه

«كوفيد الطويل الأمد»... عيادات متخصصة لتخفيف أعراضه

التشوّش في الدماغ، والتعب، والألم بعد حدوث الإصابة الأولى بفيروس «كوفيد 19» كانت أهم العوارض التي قلبت حياة امرأة أميركية رأساً على عقب. وكانت بيليندا هانكينز قد التقطت العدوى للمرّة الأولى في ربيع 2020، فارتفعت حرارتها، وعانت من نوبات البرد وصعوبة في التنفس، لكنّ مشكلتها الحقيقية كانت في خسارتها حاسّة الشمّ.
بعد عامين، التقطت هانكينز العدوى مرّة أخرى، وكانت حالتها أسوأ. وبعد 12 أسبوعاً طوال من التعب وآلام المفاصل، اقترح طبيبها أن تلجأ لعلاج «كوفيد الطويل»، إذ تبيّن أنّ حالة جسدية شاملة ودائمة قد تصيب النّاس لأشهر حتّى سنوات بعد الإصابة بفيروس «كوفيد 19».
في أواخر أغسطس (آب) الماضي، وصلت هانكينز (64 عاماً) إلى صالة فحص صغيرة لإجراء أوّل استشاراتها في عيادة «جون هوبكينز بوست - أكيوت كوفيد - 19» (عيادة جونز هوبكينز لما بعد «كوفيد 19» الشديد) المعروفة بـ«باكت». وانضمت إليها ميغان روسن، العاملة في موقع «ساينس نيوز» العلمي.

حياة مضطربة
قبل مرضها، كانت هانكينز، المستشارة المتقاعدة في الإعلام الرقمي، متزلّجة وراكبة دراجة هوائية من الطراز الأوّل.
قد ينطوي علاج الأشخاص الذين يعانون من «كوفيد الطويل» على كثير من التعقيدات، خصوصاً بالنسبة لهانكينز وأولئك الذين يعانون من مشكلات صحية أخرى. فقد كانت المريضة مصابة بفرط ضغط الدم الرئوي، والألم العضلي الليفي المتفشي، وتصلّب الجلد، لذا كان من الصعب جداً تحديد العوارض الناتجة عن عدوى «كوفيد».
تتعامل الطبيبة ألبا أزولا مع هذا الأمر بالاستماع وطرح الأسئلة ومزيد من الاستماع، ومن ثمّ تركّز على أكبر مخاوف المرضى بهدف السيطرة على الأعراض. عالجت أزولا، الطبيبة المتخصصة في إعادة التأهيل، مرضى يتعافون من جلطات دماغية، وإصابات في الحبل الشوكي، وغيرها من الاضطرابات. لكنّها في السنتين الماضيتين خصّصت وقتها لعلاج أشخاص أرهقهم «كوفيد 19».
فتحت عيادة جونز هوبكينز لما بعد «كوفيد 19» الشديد (باكت) أبوابها في أبريل (نيسان) 2020، أي بالتزامن مع وصول عدد حالات الإصابة المؤكّدة في العالم إلى مليون، ثم توسّعت الصيف الفائت وباتت تضمّ أكثر من 12 موظّفاً، من بينهم معالجون نفسيون، وأطباء، ومتخصصون يحاولون تحديد موعدٍ للمريض خلال شهرين، لكنّ الأمر قد يتطلّب 4 أشهر أحياناً، بحسب أزولا.
سجّلت الولايات المتّحدة منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ما يقارب 97.9 مليون إصابة بـ«كوفيد 19». وأظهرت دراسة أسكتلندية، نُشرت في دورية «نيتشر كوميونيكشنز» في 12 أكتوبر (تشرين الأول)، أنّه رغم صعوبة تحديد رقمٍ دقيق لعدد المصابين بـ«كوفيد الطويل» لم يصل نصف المصابين بعدوى «كوفيد» إلى التعافي التام بعد فترة تتراوح بين 6 و18 شهراً من الإصابة. ويرجّح تقديرٌ أكثر تحفّظاً في الولايات المتّحدة أنّ أكثر من 18 مليون أميركي بالغ قد يعانون من «كوفيد الطويل».
تقول تايلا فليمينغ، طبيبة في معهد جون ف. كينيدي جونسون لإعادة التأهيل في نيوجيرسي: «نحن نعيش وسط حدثٍ تعجيزي جماعي».
حلول غير واضحة

نشأ نحو 400 عيادة جديدة في جميع أنحاء الولايات المتّحدة للعناية بموجة مرضى «كوفيد الطويل» المتنامية.
ونشرت الأكاديمية الأميركية للطب الفيزيائي وإعادة التأهيل بعض الإرشادات للمساعدة في هذا الموضوع، لكنّ لا توجد علاجات مثبتة ولا منهجية رسمية تحدّد أداء العيادات فيما يتعلّق بحالات «كوفيد الطويل». وجمعت الأكاديمية أكثر من 40 عيادة متخصصة بعلاج «كوفيد الطويل»، من بينها عيادة «باكت» PACT، لمشاركة تجاربها ومناقشة أفضل الممارسات لعلاج هذه الحالة، إلا أن أزولا من جهتها تعدّ هذه العيادات «يرشد بعضها بعضاً». في المقابل، تعمل عيادات أخرى في هذا المجال بشكلٍ مستقلّ.
اليوم، تركّز أزولا وزملاؤها على عوارض مرضاهم، في استراتيجية يستخدمها أطبّاء وعيادات آخرون يعملون في حالات «كوفيد الطويل» أيضاً. وتؤكّد طبيبة الرئة لاكشمي سانثوش أنّه «لا توجد حالة واحدة وموحّدة من (كوفيد الطويل)»، ما يعني أنّه على الأطبّاء اعتماد «مقاربة مخصصة وموجّهة بحسب العوارض».
أسّست سانثوش عيادة «أوبتيمال» OPTIMAL في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو، لتوفير العناية والمتابعة للمرضى الذين أصيبوا بعدوى «كوفيد 19». ومنذ عام 2020، شهدت طبيبة الرئة مئات المرضى الذين ينتظرون أسابيع حتّى أشهر للحصول على موعد للمعاينة، كما يحصل في عيادة هوبكينز. تسمع سانثوش سؤالاً واحداً أساسياً من المرضى: «متى سأتحسّن؟»، لكنّها تعترف أنّ الإجابة عليه صعبة.
لا يستطيع العلماء بعد التنبؤ بكيف ومتى يتعافى المريض، ولا يعرفون لماذا يصيب «كوفيد الطويل» مرضى دون غيرهم، أي لا توجد قواعد واضحة في الوقت الحالي. تقول فليمينغ: «إذا كنتم يافعين، فقد تصابون بـ(كوفيد الطويل). وإذا كنتم لا تعانون من مشكلات صحية سابقة، فقد تصابون بـ(كوفيد الطويل). وإذا التقطتُم عدوى (كوفيد) في السابق، يمكن أيضاً أن تصابوا بـ(كوفيد الطويل)».
تقول سانثوس إنّها رأت كلّ شيء في عيادتها في جامعة كاليفورنيا. قد يصيب «كوفيد الطويل» مريضاً في سنّ 75 عاماً دخل المستشفى بعد التقاطه عدوى «كوفيد 19»، أو عدّاء بسنّ 35 عاماً بدأ يعاني من العوارض العنيدة بعد إصابة طفيفة بالفيروس. بمعنى آخر، قد يعاني أحد المرضى من وابلٍ من المشكلات الصحية، بينما يُضرب آخر بقليل منها.
تقول أزولا إنّها «سمعت بعض الأشياء الغريبة»، وتذكر أنّ أحد مرضاها شعر وكأنّ هاتفاً يهتزّ في أعماق عظامه، بينما تحدّث آخر عن شعورٍ بالثقل، وكأنّ رجليه مصنوعتان من الرصاص.

علاجات أولية
تتطلّب عوارض «كوفيد الطويل» الكثيرة والمختلفة مجموعة واسعة من الحلول. قد يصف الأطبّاء مجموعة من مسكّنات الألم لعلاج آلام الرأس، وجهاز استنشاق لفتح مجاري الهواء لدى من يعانون من مشكلات في التنفّس، بينما قد يقرّر المريض زيارة معالج نفسي لوضح حدٍّ لتشوّش رأسه. وتعدّ أزولا أنّ «السيطرة على هذا النوع من العوارض مهمّ جداً، لأنّنا لا نملك تجارب قويّة، ومحكمة، وعشوائية تدعم استخدام أدوية أو علاجات محدّدة».

من جهتها، ترى سانثوس أنّ تطوير العلاجات الفعّالة «بطيء بدرجة محبطة».
ويعدّ مايك فان إلزاكر، عالم أعصاب في كليّة الطبّ التابعة لجامعة هارفارد ومستشفى ماساتشوستس الحكومي، أنّ الأسباب البيولوجية الكامنة خلف «كوفيد الطويل» تشغل الباحثين اليوم. فقد وضع العلماء كثيراً من النظريات لمسببات عوارض «كوفيد الطويل»، كالرئة المتضررة من فيروس «كوفيد» أو استيقاظ فيروسات أخرى كانت نائمة. وترجّح إحدى الأفكار مثلاً أنّ «كوفيد 19» قد يخرّب الجهاز المناعي باستدعاء ميكروبات أخرى تسبب الضرر للجسم، بينما تشير فكرة أخرى إلى أنّ «كوفيد الطويل» يعتاش من فيروس «سارس - كوف 2» الذي يعيش في أنسجة الجسم.
يقول فان إلزاكر إنّه من الضروري جداً أن نعلم ما الذي يسبب هذه المشكلات. فإذا علم الأطبّاء ما الذي يقف خلف العوارض التي يعاني منها المرضى، فقد يتمكنّون من تقديم علاجات خاصّة لكلّ مريض لاجتثاث المشكلة.
ويعلم العلماء شيئاً واحداً أكيداً، وهو أنّ العلاجات المحتملة لـ«كوفيد الطويل» لا تزال في بداياتها. وتشير بعض الأدلّة إلى أنّ لقاح «كوفيد 19» قد يحسّن من أعراض «كوفيد الطويل»، ولو أنّ هذه الفكرة لا تزال محطّ جدل، بحسب تقرير نشره باحثون في دورية «آي كلينيكال ميديسن» في نوفمبر. كما رجّحت دراسات أخرى صغيرة أنّ جلسات تنفّس الأكسجين المتكررة في غرفة عالية الضغط قد تخفّف عوارض الإرهاق وتشوّش الرأس.
أطلقت معاهد الصحة الوطنية الأميركية العام الماضي مشروعاً بحثياً كبيراً حول التأثيرات الطويلة الأمد لفيروس «كوفيد 19». يحمل المشروع اسم «مبادرة التعافي» RECOVER Initiative ويهدف للكشف عن أسباب إصابة البعض بـ«كوفيد الطويل» ومسببات المرض نفسه. ومنذ بداية الشهر الحالي، سجّلت المبادرة 10645 من أصل 17680 شخصاً بالغاً يحتاجهم البحث.
في الوقت الحالي، تستعين سانثوش وأزولا وأطبّاء آخرون باستراتيجيات تساعد في علاج اضطرابات أخرى كمتلازمة التعب المزمن. ويتشابه كثير من عوارض هذا المرض الذي لا يزال غامضاً بالنسبة للعلماء مع عوارض «كوفيد الطويل»، ما قد يساعد في الحصول على إجابات على تساؤلات تحيط بالاضطرابين، حسب ما أشار العلماء في تقرير نُشر في 8 نوفمبر في موقع «ساينس».

أعراض «كوفيد طويل الأمد»
أعراض عامّة
• التعب الذي يؤثّر على الحياة اليومية
• أعراض تزداد سوءاً بعد الجهد الجسدي أو النفسي (تُعرف أيضاً بشعور الضيق بعد الجهد)
• حمّى
• آلام في العضلات والمفاصل
• طفح جلدي
• تغيّرات في الدورة الشهرية
الرئتان والقلب
• صعوبة أو قصور في التنفّس
• سعال
• آلام في الصدر
• تسارع في ضربات القلب
الدماغ
• صعوبة في التفكير
• تشوش في الرأس
• ألم في الرأس
• مشكلات في النوم
• دوار عند الوقوف
• شعور بالتنميل والوخز
• تغيّر في حاستي الشم والتذوّق
• اكتئاب أو قلق
الأمعاء
• إسهال
• ألم في المعدة


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«جي بي تي» يصمم مواقع ويب جذابة... وخادعة

«جي بي تي» يصمم مواقع ويب جذابة... وخادعة
TT

«جي بي تي» يصمم مواقع ويب جذابة... وخادعة

«جي بي تي» يصمم مواقع ويب جذابة... وخادعة

في دراسة جديدة، وجد الباحثون أن «تشات جي بي تي» ينشئ مواقع ويب مليئة بالأنماط الخادعة.

توظيف واسع للذكاء الاصطناعي

يستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل متزايد في جميع جوانب التصميم، من التصميم الغرافيكي إلى تصميم الويب. وتشير الأبحاث الخاصة بشركة «أوبن إيه آي» التي طورته، إلى أن البشر يعتقدون أن مصممي الويب والواجهات الرقمية «سيتمكنون من أتمتة وظائفهم بواسطة (تشات جي بي تي) بنسبة 100 في المائة»، فيما يشير أحد تحليلات الصناعة إلى أن 83 في المائة من المبدعين والمصممين قد دمجوا الذكاء الاصطناعي بالفعل في ممارساتهم العملية.

دراسة جديدة تؤكد أهمية الإبداع البشري

ومع ذلك، تشير دراسة جديدة أجراها أكاديميون في ألمانيا والمملكة المتحدة إلى أن البشر قد لا يزالون يلعبون دوراً في تصميم الويب -على الأقل إذا كنت تريد موقع ويب لا يخدع مستخدميك.

وقد حللت فيرونيكا كراوس، من الجامعة التقنية في دارمشتات بألمانيا، وزملاؤها في برلين بألمانيا، وغلاسكو بأسكوتلندا، كيفية دمج نماذج اللغة الكبيرة المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل «تشات جي بي تي» لأنماط التصميم الخادعة -التي تسمى أحياناً الأنماط المظلمة- في صفحات الويب التي جرى إنشاؤها عند مطالبته بتنفيذها.

يمكن أن تشمل هذه الأنماط المظلمة جعل لون الأزرار، للاحتفاظ بالاشتراك، ساطعاً، مع تعتيم الزر لإنهاء الاشتراك في صفحة ويب يزورها المستخدمون لإلغاء خدمة، أو لإخفاء التفاصيل التي يمكن أن تساعد على إعلام قرارات المستخدم بشأن المنتجات.

محاكاة تصميم موقع ويب

طلب الباحثون من المشاركين في الدراسة محاكاة سيناريو خيالي للتجارة الإلكترونية حيث عملوا كمصممي ويب، باستخدام «تشات جي بي تي» لإنشاء صفحات لمتجر أحذية.

تضمنت المهام إنشاء نظرة عامة على المنتجات وصفحات الخروج في أثناء استخدام مطالبات محايدة مثل «زيادة احتمالية اشتراك العملاء في النشرة الإخبارية الخاصة بنا». وعلى الرغم من استخدام لغة محايدة لم تذكر على وجه التحديد دمج أنماط التصميم الخادعة، فإن كل صفحة ويب جرى إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي تحتوي على نمط خادع واحد على الأقل.

أنماط خادعة لزيادة المبيعات

وتعتمد هذه الأنماط المظلمة على استراتيجيات نفسية للتلاعب بسلوك المستخدم بهدف زيادة المبيعات. ومن الأمثلة التي أبرزها الباحثون، الذين رفضوا طلب إجراء مقابلة، مستشهدين بسياسة النشر الأكاديمي الذي قدموا إليه الورقة البحثية، جانب الخصومات المزيفة، ومؤشرات الإلحاح (مثل «بقي القليل فقط!»)، والعناصر المرئية التلاعبية -مثل تسليط الضوء على منتج معين لتوجيه المستخدم نحو اختيارات معينة.

توليد مراجعات وشهادات مزيفة

كان من بين الأمور المثيرة للقلق بشكل خاص لفريق البحث قدرة «تشات جي بي تي» على توليد مراجعات وشهادات مزيفة (عن المنتجات والخدمات)، التي أوصى بها الذكاء الاصطناعي بوصفها وسيلة لتعزيز ثقة العملاء ومعدلات الشراء.

ولم يصدر عن «تشات جي بي تي» سوى رد واحد طوال فترة الدراسة بأكملها بدا كأنه تحذير، حيث أخبر المستخدم أن مربع الاشتراك في النشرة الإخبارية الذي تم فحصه مسبقاً «يجب التعامل معه بعناية لتجنب ردود الفعل السلبية».

تصميمات تلاعبية

خلال الدراسة، بدا «تشات جي بي تي» سعيداً بإنتاج ما عدَّه الباحثون تصميمات تلاعبية دون الإشارة إلى العواقب المحتملة.

ولم تقتصر الدراسة على «تشات جي بي تي» فقط؛ فقد أظهرت تجربة متابعة مع نظم الذكاء الاصطناعي «كلود 3.5 (Claude 3.5)» من «أنثروبيك»، وGemini «جيمناي فلاش 1.5» من «غوغل» نتائج مماثلة على نطاق واسع، حيث أبدى طلاب الماجستير في القانون استعدادهم لدمج ممارسات التصميم التي قد ينظر إليها الكثيرون باستياء.

قلق أكاديمي من الأنماط المظلمة

وهذا يُقلق أولئك الذين قضوا حياتهم في التحذير من وجود أنماط التصميم الخادعة وإدامتها عبر الإنترنت. يقول كولين غراي، الأستاذ المشارك في التصميم بجامعة إنديانا بلومنغتون، والمتخصص في الانتشار الخبيث للأنماط المظلمة في تصميم الويب والتطبيقات: «هذه الدراسة هي واحدة من أولى الدراسات التي تقدم دليلاً على أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل «تشات جي بي تي»، يمكن أن تقدم أنماط تصميم خادعة أو تلاعبية في تصميم القطع الأثرية».

ويشعر غراي بالقلق بشأن ما يحدث عندما تلجأ تقنية منتشرة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى إدخال أنماط تلاعبية في ناتجها عندما يُطلب منها تصميم شيء ما -خصوصاً كيف يمكنها تطبيع شيء قضى الباحثون والمصممون الممارسون سنوات في محاولة إخماده وإخماده.

«إن إدراج ممارسات التصميم الإشكالية في أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي يثير أسئلة أخلاقية وقانونية ملحَّة، خصوصاً حول مسؤولية كل من المطورين والمستخدمين الذين قد ينشرون هذه التصاميم دون علمهم»، كما يقول غراي. «فمن دون تدخل متعمَّد ودقيق، قد تستمر هذه الأنظمة في نشر ميزات التصميم التلاعبية، مما يؤثر في استقلالية المستخدم واتخاذ القرار على نطاق واسع».

أخلاقيات الذكاء الاصطناعي

إنه قلق يُزعج كاريسا فيليز، الأستاذة المساعدة في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي بجامعة أكسفورد أيضاً. تقول: «من ناحية، إنه أمر صادم، ولكن حقاً لا ينبغي أن يكون كذلك... كلنا لدينا هذه التجربة التي مفادها أن غالبية المواقع التي نزورها بها أنماط مظلمة، أليس كذلك؟»، ولأن أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي التي نستخدمها، بما في ذلك «تشات جي بي تي»، يتم تدريبها على عمليات زحف ضخمة للويب تتضمن تلك الأنماط التلاعبية، فليس من المستغرب أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي يتم تدريبها عليها تكرر أيضاً هذه المشكلات.

وهذا دليل آخر على أننا نصمم التكنولوجيا بطريقة غير أخلاقية للغاية، كما تقول فيليز. «من الواضح أن (تشات جي بي تي) يبني مواقع ويب غير أخلاقية لأنه تم تدريبه على بيانات مواقع ويب غير أخلاقية».

تخشى فيليز أن تسلط النتائج الضوء على قضية أوسع نطاقاً حول كيفية تكرار الذكاء الاصطناعي التوليدي لأسوأ قضايا مجتمعنا. وتشير إلى أن كثيراً من المشاركين في الدراسة كانوا في حيرة بشأن أنماط التصميم الخادعة التي ظهرت على صفحات الويب التي جرى إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي.

فترة «الغرب المتوحش» للذكاء الاصطناعي

ومن بين المشاركين العشرين في الدراسة، قال 16 إنهم راضون عن التصميمات التي أنتجها الذكاء الاصطناعي ولم يروا مشكلة في ناتجهم.

إلا أن فيليز تقول: «ليس الأمر أننا نفعل أشياء غير أخلاقية فحسب، بل إننا لا نحدد حتى المعضلات الأخلاقية والمشكلات الأخلاقية. إنه يعزز الشعور بأننا نعيش في فترة الغرب المتوحش، وأننا بحاجة إلى كثير من العمل لجعلها قابلة للعيش».

إن التعامل مع العمل المطلوب أصعب من التعامل مع حقيقة أن هناك حاجة إلى فعل شيء ما. إن التنظيم موجود بالفعل ضد الأنماط المظلمة في الولايات القضائية الأوروبية، ويمكن تمديده هنا لمنع تبني التصميم الناتج عن الذكاء الاصطناعي. إن الحواجز الواقية لأنظمة الذكاء الاصطناعي هي دائماً حلول غير كاملة أيضاً، ولكنها قد تساعد على منع الذكاء الاصطناعي من اكتساب عادات سيئة يواجهها في بيانات التدريب الخاصة به.

لم تستجب شركة «أوبن إيه آي»، صانعة «تشات جي بي تي»، على الفور لطلب التعليق على نتائج البحث. لكنَّ غراي لديه بعض الأفكار حول كيفية محاولة القضاء على المشكلة في مهدها قبل أن تستمر. ويقول: «تؤكد هذه النتائج الحاجة إلى لوائح وضمانات واضحة، مع ازدياد دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في تصميم المنتجات الرقمية».

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».