بروفايل: أنور إبراهيم... يعود إلى الواجهة رئيساً لوزراء ماليزيا

بعد أيام من الجمود السياسي أعقبت الانتخابات العامة، حظيت ماليزيا أخيراً برئيس وزرائها الـ10، وهو السياسي الإصلاحي داتوك سيري أنور إبراهيم (75 سنة)، فغدا خامس مَن يتقلد هذا المنصب في غضون أقل من خمس سنوات. ويتحقق هذا الإنجاز لأنور إبراهيم بعد انتظار نحو ثلاثة عقود، زجّ به في السجن خلالها مرتين، وأمضى عقدين منها زعيماً للمعارضة في ماليزيا. في الانتخابات التي أجريت يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني)، فاز حزب «تحالف الأمل» الذي ينتمي إليه أنور بأكبر عدد من المقاعد وهو 82، إلا أنه يقل عن الغالبية المطلقة البالغة 112 مقعداً ليشكل حزبه الحكومة العتيدة منفرداً. ولذا عقب إعلان النتيجة دارت مداولات مكثفة بين تشكيلات مختلفة من الأحزاب والتحالفات السياسية، بهدف معاونة «تحالف الأمل» على تولي السلطة. ومع ذلك، أدت الخلافات السياسية والآيديولوجية إلى حالة من الجمود. وعليه، اضطر ملك ماليزيا الحالي السلطان عبد الله سلطان أحمد شاه إلى التدخل لحسم الخلافات والاتفاق على حكومة. وبالفعل، وعليه، استدعى السلطان قيادات من الأحزاب السياسية وتشاور مع سلاطين الولايات، وحثّ على تشكيل حكومة وحدة وطنية، إلى أن انتهت الجهود بتسمية إبراهيم لمنصب رئيس الوزراء.

ولد أنور إبراهيم لأسرة ماليزية مسلمة متواضعة البدايات، يوم 10 أغسطس (آب) عام 1947، في بلدة سيبرانغ براي بولاية بينانغ في شمال غرب شبه جزيرة الملايو، ونشأ في شيروك توكون أيضاً في بينانغ. وكان والده إبراهيم عبد الرحمن يعمل في مستشفى ووالدته تشي يان ربة منزل. لكن وضع الأسرة تحسن مع انخراط والديه في السياسة. ومع بلوغ الوالد سن التقاعد كان يشغل منصب سكرتير برلماني لوزارة الصحة، ونشطت والدته في المنظمة الوطنية الملاوية المتحدة (يو إن إم أو)، بعد إتمامها دراستها الثانوية.
تلقى تعليمه المبكّر في واحدة من أعرق المدارس الابتدائية في بينانغ. ثم، في مرحلة تعليمه الثانوي، التحق بكلية مالاي كوليدج كوالا كانغسر التي تعد من أعرق مدارس البلاد. وخلال الفترة التي أمضاها هناك، شارك بنشاط في المناظرات التي كانت تعقدها المؤسسة التعليمية ووقع الاختيار عليه رئيساً لاتحاد الطلاب بفضل إنجازاته وسمعته الطيبة. وبعدها، أكمل أنور دراسته الجامعية في جامعة الملايو (مالايا) التي تعد واحدة من أبرز جامعات ماليزيا وأعرقها. وفي الجامعة، اتضحت إمكاناته كزعيم سياسي، ذلك أنه لفترة ترأس جمعية اللغة الملاوية. كذلك اكتسب سمعة وحصل على شعبية واسعة من خلال مشاركته بشدة في الدفاع عن مجتمع الملاي والمسلمين خلال فترة ما عرف باسم حادثة 13 مايو (أيار) 1969.
لدى أنور إبراهيم وزوجته وان عزيزة 6 أولاد. ورغم تركز الأنظار حالياً عليه على الصعيد العالمي، تحظى زوجته وان عزيزة وابنته نور العزة بمكانة بارزة على مستوى المشهد السياسي المحلي، مع سنوات وسنوات من تمثيل الناس. فعام 1999، انتخبت وان عزيزة نائبة في البرلمان عن دائرة انتخابية كانت تحت نفوذ زوجها قبل اعتقاله. ونجحت في الاحتفاظ بالمقعد في الانتخابات العامة لعامي 2004 و2008، ومن جهة ثانية، فاجأت نور العزة الجميع بفوزها في الانتخابات البرلمانية عام 2008.

- مسيرة الصعود والهبوط
كما سبقت الإشارة، في سنوات الدراسة الجامعية، برز أنور إبراهيم قيادياً يناضل من أجل الطلاب والحقوق الاجتماعية، وحركياً ناشطاً ومثيراً للجدل. وخلال تلك الفترة كان يتحدث بإعجاب عن البطل الثوري الفلبيني خوسيه ريزال، معتبراً إياه قدوة له، ويقول عنه إنه «رجل ينتمي بحق لعصر النهضة الآسيوية». وبحلول وقت تخرجه في الجامعة، كان قد أصبح بالفعل شخصية وطنية مشهورة تسعى بدأب لتنفيذ أجندة إصلاحية. وفي عام 1971، أسس «حركة الشباب المسلم في ماليزيا»، بهدف تعزيز مبادئ الإسلام المعتدل والتمسك بها والعمل على النهوض الأخلاقي والعدالة الاجتماعية، إلا أنه بين عامي 1974 و1975، أمضى بعض الوقت في السجن نتيجة لاعتقاله عام 1974 أثناء مظاهرات طلابية ضد الجوع والفقر في المناطق الريفية، ومع هذا حرص على استغلال فترة سجنه لنيل درجة الماجستير في الأدب من جامعة ماليزيا الوطنية.
عام 1982، صدم أنصار أنور إبراهيم مع تواتر أنباء عن انضمامه إلى المنظمة الوطنية الملاوية المتحدة، وكان قد تلقى دعوة للانضمام إلى المنظمة ذلك العام من قبل رئيس الوزراء – حينذاك – الدكتور مهاتير محمد، وهو الرجل الذي تحوّل بمرور الأيام إلى مرشده الروحي وألد أعدائه في الوقت ذاته. والواقع أن أنور عُرف خطيباً مفوهاً، وحظي بالاحترام لموقفه المسؤول ضد الفساد، وكذلك إدارته للاقتصاد الماليزي خلال فترة مضطربة عانى فيها من أزمة مالية. ومن ثم نُظر إليه باعتباره أحد الآباء المؤسسين للنهضة الآسيوية. والحقيقة أن صعود أنور داخل الحزب جاء سريعاً، وسرعان ما رقّي إلى مناصب وزارية، بل وأسند إليه منصب نائب رئيس الوزراء بين عامي 1993 و1998، بجانب توليه منصب وزير المالية من 1991 حتى 1998، وفي ذلك الوقت، سادت توقعات بأنه سيخلف مهاتير محمد. ولكن سرعان ما تفجّر الخلاف بين الرجلين حول كيفية التعامل مع الأزمة المالية الآسيوية التي عصفت بالبلاد، وتوجيه أنور اتهامات بالفساد إلى المنظمة الوطنية الملاوية المتحدة في ظل قيادة مهاتير.
في المقابل، في خضم الأزمة المالية الآسيوية التي وقعت عام 1997، حظي أنور إبراهيم بإشادات واسعة لقيادته ماليزيا خلال فترة الاضطراب الاقتصادي والمالي. يذكر أنه أيد مبادئ السوق الحرة وسلّط الضوء على مسألة تقارب الأعمال والسياسة في ماليزيا. كذلك دعا إلى قدر أكبر من المساءلة، ورفض تقديم الحكومة الدعم المالي لإنقاذ المؤسسات المتعثرة، كما أقر إجراءات تقليص للإنفاق على نطاق واسع. ونجحت هذه الإجراءات التقشفية في إنقاذ الاقتصاد الماليزي، ومُنح أنور أوسمة وتقديرين منها «جائزة الشخصية الآسيوية للعام» من مجلة «نيوزويك إنترناشونال».

- الصراع مع مهاتير
ولكن مع تكثيف أنور إبراهيم دعواته للإصلاح عام 1998، خشي مهاتير أن يفقد سيطرته على السلطة، فأقاله من الحكومة وطرده من الحزب. وعلى الأثر شرع أنور في قيادة الاحتجاجات العامة ضد مهاتير في خطوة كانت إيذاناً ببدء حركة جديدة داعمة للديمقراطية. ويومها واجه اتهامات بالفساد والمثلية الجنسية، وأخضع للمحاكمة. ثم بعد اعتقاله نزل آلاف المتظاهرين إلى الشوارع مدعين وجود دوافع وغايات سياسية خلف محاكمته. وفي نهاية الأمر، ألغت المحكمة العليا الماليزية قرار إدانته وأُطلق سراحه من الحبس الانفرادي عام 2004.
عندها، عاد أنور إلى السياسة، وقاد حزبه الإصلاحي الذي أوشك على إنزال الهزيمة بالمنظمة الوطنية الملاوية المتحدة في انتخابات 2013، ولكن من جديد، جرى توجيه اتهامات جديدة ضده بالمثلية، وسُجن عام 2015 لمدة خمس سنوات. إلا أنه حصل على براءته وعفو كامل من الملك الماليزي بعد ثلاث سنوات من سجنه. وعاد إلى البرلمان خلال بضعة أشهر في انتخابات فرعية.
ولاحقاً، في تطور صادم، ورغم وجوده خلف القضبان، عقد أنور إبراهيم تحالفاً مع غريمه السابق مهاتير في انتخابات 2018 بهدف الإطاحة بحكومة نجيب رزاق، الذي تورطت إدارته في فضيحة فساد ارتبطت بصندوق الاستثمار الحكومي ماليزيا «1 ماليزيا ديفللوبمنت بيرهاد». وفي سياق حملته الانتخابية، تعهد مهاتير محمد بإطلاق سراح أنور، بل وتعهد بالتنحي عن السلطة لصالحه بعد سنتين. وبالفعل حقق «الثنائي» انتصاراً تاريخياً ضد رزاق، الذي يمضي حالياً عقوبة السجن 12 سنة بتهمة الفساد، وعاد مهاتير محمد رئيساً للوزراء للمرة الثانية، مع وجود اتفاق على تسليمه المنصب لأنور إبراهيم لاحقاً. ولكن في حين أوفى مهاتير بتعهده الأول بصدور عفو ملكي بحق أنور، الذي أفرج عنه بالفعل بعد الانتخابات مباشرة، فإنه تراجع عن تعهده الثاني، وهكذا انهار التحالف بينهما بعد 22 شهراً.

- المكافآت والإنجازات
يشير عارفو أنور إبراهيم إلى نشاطه في الساحة الدولية، وكونه مدافعاً قوياً عن الحوار بين الحضارات، عمل دونما كلل من أجل قيم التعايش المتبادل بين الحضارات والتفاعل بين مختلف الأفكار الاجتماعية والثقافية والروحية. يُذكر أنه بين عامي 1995 و1998، تولى تنظيم سلسلة من المؤتمرات حول النهضة الآسيوية، بهدف تجاوز الحواجز الجغرافية ـ السياسية بين المجتمعات والأمم وإنشاء هياكل سياسية لتعزيز الحوار بين مختلف الثقافات.
من ناحية أخرى، أنور إبراهيم متحدث معروف دولياً في موضوعات الاقتصاد والديمقراطية والحرية والحكم والإسلام والديمقراطية والحاجة إلى المساءلة. وعلاوة على ذلك، كان أستاذاً زائراً في كلية الخدمة الخارجية التابعة لجامعة جورجتاون في العاصمة الأميركية واشنطن، بجانب عمله مستشاراً للبنك الدولي في مجالات الحوكمة والمساءلة. كذلك تقلد مناصب بمجال التدريس في كلية سانت أنطوني بجامعة أوكسفورد البريطانية، وكلية الدراسات الدولية المتقدمة التابعة لجامعة جونز هوبكنز الأميركية منذ عام 2004، ثم إنه منح الميدالية الرئاسية من جامعة جورجتاون، ودكتوراه فخرية من جامعة أتينيو دي مانيلا بالفلبين بفضل مساهماته عام 1996.
على صعيد آخر، في عام 1993 وفي أعقاب تولي أنور منصب وزير المالية، اختارته مؤسسة «يوروموني» واحداً من أفضل أربعة وزراء مالية عالمياً، ثم في عام 1996 وقع اختيار مؤسسة «إيجا موني» عليه باعتباره أفضل وزير مالية خلال العام. ولاحقاً، عُيّن رئيساً فخرياً لمؤسسة «المساءلة» (أكاونتابيليتي) ومقرها لندن، في مارس (آذار) 2009، وهو إضافة لذلك رئيس مجلس إدارة «مؤسسة المستقبل»، ويشغل كذلك منصب مستشار «حزب العدالة الشعبية» في ماليزيا.