المشهد : ناقد «حقيقي»!

TT

المشهد : ناقد «حقيقي»!

> يُثير، من حين لآخر، بعض المثقفين والمخرجين والمهتمين بالسينما والمتابعين لها في بلادنا العربية مسألة ما إذا كان هناك «نقد سينمائي حقيقي» في هذا الجزء من العالم.
> سؤال غريب جداً يُثير الريبة عند البعض أو يترك القارئ محتاراً، فهو قد قرأ قبل ساعات أو أيام قليلة نقداً لفيلم ما أعجبه أو خرج منه بقراءة وافية عنه وعما يقع بين المشاهد مما لم يستطع الانتباه إليه.
> سؤال غريب لمن يعرف العكس لأنه يقترح إلغاء النقاد العرب الجادين والذين أمضوا سنوات حياتهم في العمل منتقلين بأعينهم من شاشة السينما إلى شاشة الكومبيوتر، بل ومن هم قبلهم قبل تعدد الشاشات حين كان الورق هو الأداة المستخدمة لنقل العلم بالسينما ونقد الأفلام.
> ماذا نقول عن كل هؤلاء وقد جاء من ينفي وجودهم؟ هل هناك نقد سينمائي غير ذلك الذي يكتبونه؟ أين هو؟ ثم ما هو النقد السينمائي «الحقيقي»؟ أين يُباع؟ ما شروطه؟ وما هو الزائف إذن؟ هل نحن مزيّفون؟
> المسألة خطرة لأنها تقترح أن النقاد الممارسين اليوم ليسوا نقاداً، وهذا ظلم فادح. الأجدى القول إن النقاد لا يتساوون. هناك نقاد جيدون ونقاد أقل من ذلك. هذا مقبول لأنه الوضع الطبيعي لأي مجال عمل من أي نوع.
> النقد السينمائي العربي فيه درجات من النقاد والنقد الناتج يشوبه تغليب الرأي على العلم بالسينما وبتاريخها ومختلف مجالاتها. إن لم يصل الكاتب لهذا المستوى فهو ناقد ضعيف، لكن النقد موجود بين قطاع كبير آخر من الذين يؤمّونه لغرض واحد: المساهمة في ثقافة حياة وفن لا تنضب.
م. ر



«الدراما العمودية» تغيّر المشهد في هوليوود بعدما غزت آسيا

لافتة هوليوود في لوس أنجليس (أ.ب)
لافتة هوليوود في لوس أنجليس (أ.ب)
TT

«الدراما العمودية» تغيّر المشهد في هوليوود بعدما غزت آسيا

لافتة هوليوود في لوس أنجليس (أ.ب)
لافتة هوليوود في لوس أنجليس (أ.ب)

في قصر مزيف شُيّد على تلة في لوس أنجليس، ينشغل فريق صغير بتصوير مشهد يعود لأحد أعمال «الدراما العمودية»، وهي صناعة بمليارات الدولارات أحدثت ثورة في هوليوود في عامين فقط، مع مسلسلات مصممة بالاعتماد على الخوارزميات لمشاهدتها على الهاتف بتنسيق عمودي في أجزاء مدتها 60 ثانية.

بقصصها ذات المواضيع التشويقية وميزانياتها التي لا تتجاوز بضع مئات الآلاف من الدولارات، وجداول تصويرها السريعة، يُحدث هذا النمط الذي نشأ في الصين تحولاً جذرياً قد يسهم في إنقاذ هذا القطاع المتعثر وفق خبراء.

يرى المُنتج فينسنت وانغ أن هذه الأعمال أشبه «بمسلسلات تلفزيونية تحت تأثير الكوكايين». ويقول: «يمكنك إنتاج مسلسل في 30 يوماً، بينما يستغرق الأمر نفسه في هوليوود عامين»، متسائلاً: «أين يكمن المستقبل؟».

وظهرت هذه المسلسلات «العمودية» في الصين في العقد الثاني من القرن الحالي، وسرعان ما جذبت شركات كبرى بفضل انتشارها الواسع وتكلفتها المنخفضة. وهي باتت تُمثل صناعة تُقدّر قيمتها بثمانية مليارات دولار، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

في الولايات المتحدة، تُهيمن على هذا النوع منصات تتمتع بحضور قوي في آسيا، مثل «ريلشورت» ReelShort و«درامابوكس» DramaBox و«فليرفلو» FlareFlow. وقد وظفت هذه المنصات آلاف الممثلين والمخرجين الذين يواجهون صعوبة في العمل في هوليوود.

يقول الممثل زاكاري شادرين خلال لقاء مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في موقع التصوير: «أؤمن إيماناً راسخاً بأن هذا هو المستقبل».

سمعة سيئة

أبدى شادرين على غرار العديد من أقرانه في لوس أنجليس تشكيكاً بهذا النوع الجديد من الإنتاجات في بادئ الأمر.

ولهذا الموقف دوافعه؛ إذ إن للمسلسلات الدرامية العمودية سمعة سيئة بسبب وتيرة التصوير المكثفة التي لا تتجاوز أحياناً خمسة أيام، وأيضاً بسبب مواضيعها التي تتركز على العلاقات السامة وأبطالها الذكور العنيفين.

يقول زاكاري شادرين: «شخصياً، أجد هذه الأعمال سلبية».

مع ذلك، وافق الممثل على المشاركة في بطولة مسلسل «الحب عبر كل الفصول» أو (Love Through All Seasons) على منصة «فليرفلو»، وهو كوميديا رومانسية تدور حول فارق السن.

يوضح شادرين: «هذا ليس النوع من الأعمال التي اعتدت مشاهدتها في هذا النسق من المسلسلات»، مضيفاً أنه يأمل أن تتحسن جودة النصوص.

وقال ممثلون كثر ظهروا مؤخراً في هذه المسلسلات لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنهم فوجئوا بالاحترافية في موقع التصوير.

وبين هؤلاء، يوضح الممثل نيكولاس ماكدونالد: «نسخر أحياناً من بعض الجمل السخيفة للغاية»، «لكن الجميع يدلي بدلوه ويحافظ على احترافيته؛ لأن الأمر يدرّ أموالاً».

يقول منتجو هذا النسق من الأعمال إنهم لا يسعون لمنافسة منصات عملاقة مثل «إتش بي أو» أو «نتفليكس»، بل يحاولون تقديم أعمال تلقى رواجاً على «تيك توك» و«يوتيوب» و«إنستغرام».

قطاع مزدهر

يقوم نموذج عمل هذه المنصات على مبدأ بسيط؛ إذ تُطرح الحلقات القصيرة الأولى مجاناً، ثم يُدعى المشاهدون إلى الدفع لمشاهدة الباقي.

من هنا، ينبغي لكل حلقة أن تحمل قدراً كبيراً من التقلبات لإبقاء المشاهدين في حالة ترقب من خلال حبكات بسيطة تعتمد عادة على الكليشيهات.

يوضح مخرج «الحب عبر كل الفصول» ويانغ لي: «يمكن للجمهور أن يُعجب بالمسلسل فوراً من دون الحاجة إلى التفكير كثيراً». ويضيف: «الجميع مُنهك من الحياة».

يدقق المنتجون بشكل خاص في البيانات المرتبطة باهتمامات الجمهور ونسب المتابعة لديهم لتحديد الصيغ الناجحة، ما يسمح لهم بإنتاج عشرات المسلسلات المماثلة في غضون أشهر قليلة.

غالباً ما يبدأ التصوير حتى قبل الانتهاء من كتابة النصوص التي تكون أحياناً مستوحاة من النسخ الصينية ومُطورة باستخدام الذكاء الاصطناعي، وفق كاتب السيناريو في «فليرفلو» تشو تشي يوان.

ويُقلل العرض العمودي المُصمم لشاشات الهواتف الذكية التكاليف بشكل أكبر من خلال إحكام الإطار حول الممثلين، ما يُقلل الحاجة إلى مواقع التصوير وطاقم العمل.

في حين أن المسلسلات العمودية لا تزال تحظى بشعبية كبيرة في آسيا، فإن الأسواق الأميركية والأوروبية المزدهرة تدر أرباحاً أكبر.

بعد إغلاق الاستوديوهات بسبب جائحة كوفيد والإضرابات ونقل الإنتاج إلى الخارج، أصبحت هذه المسلسلات جذابة بشكل خاص لهوليوود.

يوضح نيكولاس ماكدونالد أن 80 في المائة من تجارب الأداء التي شارك فيها في الآونة الأخيرة مخصصة لهذا النوع من البرامج. ويقول: «لم أعد بحاجة للعمل في وظائف أخرى بدوام جزئي وبات في استطاعتي التفرغ للتمثيل... إنه أمر رائع».


مخرجون عالميون في حصيلة العام

«فلسطين 36» لماري آن جاسر (ملف مهرجان تورنتو)
«فلسطين 36» لماري آن جاسر (ملف مهرجان تورنتو)
TT

مخرجون عالميون في حصيلة العام

«فلسطين 36» لماري آن جاسر (ملف مهرجان تورنتو)
«فلسطين 36» لماري آن جاسر (ملف مهرجان تورنتو)

يقترب العام الحالي من نهايته. المهرجانات الكبرى أُقيمت في مواعيدها وخرج منها الفائز والخاسر. بين هذين الفريقين هناك أيضاً من قدّم أفلاماً جيدة تراوحت نتائجها بين الربح والخسارة.

للإحاطة بأبرز ما شهده عام 2025 على صعيد المخرجين، لا بد من تقسيم النتائج إلى 4 قوائم، لكل منها تخصصها ومزاياها.

قبل ذلك، لا بد من القول إن هذه القوائم ليست لتقييم الأفلام التي حقّقها هؤلاء المخرجون. الواقع أن أي مخرج نجح في اختراق موقعٍ ما قد يكون أخفق فنياً حتى ولو خطف جائزة كبيرة من مهرجان ما. هذا لم يعد أمراً غير معتاد خلال السنوات العشرين الأخيرة، حيث اختلط الحابل بالنابل في أكثر من مناسبة.

كذلك الحال إذا ما خسر مخرج معركته في المهرجانات والمناسبات السنوية. بعض أفضل ما أُنجز منذ مطلع القرن لم يحقق نجاحاً مهرجانياً، ولا حتى نقدياً في أحوال متعددة، كما في حال «خيط وهمي» (Phantom Thread)، لبول توماس أندرسن، 2018)، و«وداعاً للغة» لجان-لوك غودار (2014)، أو «جوكر» لتود فيليبس (2020).

كايت بلانشت في «أب أم أخت أخ» لجيم جارموش (أنيمال كينغدوم)

مخرجون حققوا أفلاماً مهمّة

هناك مخرجتان عربيتان في هذه اللائحة، هما كوثر بن هنية بفيلمها المدوّي «صوت هند رجب»، وماري آن جاسر في «فلسطين 35». ولا بد من القول إنه على كثرة الأفلام العربية التي عُرضت في مهرجانات دولية عدة، فإن «فلسطين 35» و«صوت هند رجب» قادا الأعمال الناطقة بالعربية إلى مستوى اهتمام عالمي. كلا الفيلمين اعتمد، في المقام الأول، على تمويل أجنبي (مع مساهمة عربية محدودة)، ما يجعل انتماءهما للسينما العربية قائماً على عنصرين: هوية المخرج، واللغة العربية المستخدمة. هذان العنصران لا يحددان انتماء الفيلم بوصفه هوية إنتاجية عربية. كلاهما عن موضوع الساعة: فلسطين، وكلاهما يدخلان منافسات موسم الجوائز الحالي

آخرون في المجال نفسه: بول توماس أندرسن عن «معركة بعد أخرى»، والإسباني أوليڤر لاكس عن «سِرات»، والأميركية كاثلين بيغلو عن «منزل الديناميت»، وغويلرمو دل تورو عن «فرنكشتاين».

هذه الأفلام الأربعة ستؤول إلى ترشيحات الأوسكار والمناسبات السنوية الأخرى («غولدن غلوب»، و«بافتا»، و«جمعية المخرجين الأميركية» وغيرها)، شأنها في ذلك شأن الفيلمين العربيين المذكورين.

السعوديتان شهد أمين وهيفاء المنصور ضمن هذه القائمة (الأولى عن «هجرة»، والثانية عن «المجهولة»)، وإن كانتا في مرحلة انتظار ما سيؤول إليه كل فيلم منهما.

«الأوديسا»، الفيلم المقبل لكريستوفر نولان (يوينڤرسال)

مخرجو الجوائز

بدأ العام بفوز برادلي كوربت بجائزة «غولدن غلوب» عن فيلمه «ذا بروتاليست»، تَبِعه شون باكر بفوزه عن «أنورا». هذان الفيلمان من إنتاج السنة الماضية، وكانت المناسبتان محطتهما الأخيرة.

في «كان» حصد البرازيلي كليبر ميندونزا فيلو جائزة أفضل مخرج عن فيلمه الجيد «العميل السري» The Secret Agent. وفي «ڤينيسيا» نال بني صفدي الجائزة نفسها عن «الآلة المدمّرة» The Smashing Machine.

الإيراني جعفر بناهي حقق نصراً في «كان» عبر «كان مجرد حادثة» (It Was Just an Accident)، عندما خطف السعفة الذهبية. أما جائزة أفضل فيلم في مهرجان «ڤينيسيا» فذهبت إلى جيم جارموش عن «أب أم أخت أخ» (Father Mother Sister Brother)، وهو المخرج الأميركي المستقل الوحيد الذي انتزع جائزة كبرى هذا العام.

المخرجون الخاسرون

هناك عدد كبير من الخاسرين خلال المسابقات الدولية، وكثيرون منهم لم يقدّموا ما يستحق الفوز فعلاً.

قدّم الأميركي ريتشارد لينكلتر فيلمين هذا العام. عرض في «كان» فيلم «موجة جديدة» Nouvelle Vague، وخصّص «ڤينيسيا» لفيلم «قمر أزرق» Blue Moon، ولم يفز في أي منهما.

المخرج المستقل الآخر وس أندرسن دخل سباق «كان» بفيلم «مؤامرة فينيقية» وخرج منه صفر اليدين.

الفرنسي أوليڤييه أساياس لم ينجز ما يُذكر عبر «ساحر الكرملين» (The Wizard of Kremlin)، كما خرج مواطنه فرنسوا أوزون بلا ذكر عندما قدّم نسخة من رواية ألبير كامو «The Stranger». اليوناني يورغوس لانثيموس خسر جولته في «كان» عندما قدّم جديده «بوغونيا» (Bugonia) الفانتازي الداكن.

كذلك لم ينجز المجري لاشلو نيميش (مخرج «ابن شاوول» في 2015) أي نجاح بفيلمه الجديد «يتامى». وهذا كان حال الإيطالي باولو سورنتينو في «النعمة» (La Grazia).

عام 2025 كشف أن الفوز أو الخسارة في المهرجانات لا يحدد قيمة المخرج، فالمشهد السينمائي أوسع من الجوائز

مخرجون ما زالوا على القمّة

هناك خمسة مخرجين لم يقدّموا جديداً هذا العام، لكنهم ما زالوا بين من تعتبرهم هوليوود والعالم كباراً؛ هم: جيمس كاميرون الذي سيعرض الجزء الثالث من «أڤاتار» تحت عنوان (Avatar: Fire and Ashes) في 19 من الشهر المقبل. النجاح التجاري المتوقع كبير، علماً بأن الجزء الثاني حقق إعجاباً نقدياً أقل من الجزء الأول.

دنيس (أو دَني، حسب مولده في كيوبك الكندية) ڤيلنوف، يشتغل على «Dune 3» الذي سيعرض في العام المقبل، وسيتبعه أول فيلم لجيمس بوند يُنتَج أميركياً لحساب مؤسسة «أمازون» التي دفعت مليار دولار لشراء حقوقه من المنتجين السابقين باربرا بروكولي ومايكل ولسون.

كريستوفر نولان الذي ما زال يعيش على زخم نجاحات «أوبنهايمر»، وقد دخل مرحلة ما بعد التصوير لفيلمه الجديد «الأوديسا»، المبرمج للعرض في يونيو (حزيران) المقبل.

وأخيراً مارتن سكورسيزي الذي ينجز للعام المقبل «حطام صقلية» (Shipwrecks of Sicily)، وهو فيلم تسجيلي لم يُحدد موعد عرضه بعد.


شاشة الناقد: ثلاثة أفلام رائعة عن الحلم الأميركي الكبير الذي لم يتحقق

«مدينة سمينة»: ستايسي كيتش ملاكم في الحقل (كولمبيا بيكتشرز)
«مدينة سمينة»: ستايسي كيتش ملاكم في الحقل (كولمبيا بيكتشرز)
TT

شاشة الناقد: ثلاثة أفلام رائعة عن الحلم الأميركي الكبير الذي لم يتحقق

«مدينة سمينة»: ستايسي كيتش ملاكم في الحقل (كولمبيا بيكتشرز)
«مدينة سمينة»: ستايسي كيتش ملاكم في الحقل (كولمبيا بيكتشرز)

FAT CITY ★★★★

* إخراج: ‪جون هيوستون ‬

* الولايات المتحدة (1972)

جون هيوستون ليس غريباً عن تحقيق تلك الأفلام التي تتحدّث عن ضمور الحلم الكبير بتحقيق الذات والثروة. «كنوز سييرا مادري» (The Treasure of the Sierra Madre) عام 1948 ثم «الغابة الإسمنتية» (The Asphalt Jungle) عام 1950 سبقا هذا الفيلم، ونجد اللمَحة نفسها في أفلام أخرى لاحقة له. لكن هذا الفيلم هو الأفضل بينها لجهة تصوير حالة رجلَين طمحا كلّ بمفرده، وانتهيا إلى الجلوس في حانة بلا مستقبل منشود.

إنهما توفي (ستايسي كيتش في دور حياته) وإرني (جِف بردجز). الأول ملاكم سابق خسر مكانته ثم امتنع عن السعي، وبلغ سنّاً لا يستطيع معها إلا تذكّر ماضيه. في أحد المشاهد نراه يعمل في الحقول مقابل 3 دولارات في الساعة. إرني هو شاب مقبل، لديه خامة جيدة ويتوقَّع له شأن كبير في الملاكمة.

لكن لا توفي ينجز حلم العودة، ولا إرني يحقق البداية الموعودة. هذا ليس ضمن قصة مُسَلِّية لهواة أفلام الرياضة (أو لأي فئة من هواة القصص)، بل مُعالَج بلمسات رقيقة وحانية وبشعور تعاطفي إنساني عميق تعبّر عنه اللقطات القريبة والأداء الرائع لكل ممثل في هذه الدراما.

البداية تصوّر أناساً غير معروفين يفترشون أرصفة المدينة ومتسكعين في الأحياء الفقيرة التي تقع الأحداث فيها. أولئك خَدعتهم الحياة فتحوّلوا إلى هياكل. وفي النهاية، هناك رجلان (إرني وتوفي) ينضمّان إلى ركاب من فقدوا أحلامهم. في المدينة السمينة بأحلام من فيها، الكل يتساوى حين يفشل.

THE KILLING ★★★★

* إخراج: ‪ستانلي كوبريك‬

* الولايات المتحدة (1956)

قبل أن يكون هذا فيلماً عن عصابة تخطط للسرقة، فهو بدوره فيلم عن ذلك الحلم الذي لن يتحقق. صحيح أن أبطاله (سترلينغ هايدن، جاي فليبن، تِد دي كورسيكا وآخرون) لديهم أسباب مختلفة لتحقيق الحلم تلتقي تحت مظلة انتزاع ثروة تُحسّن أوضاعهم، فإنهم، بالطريقة التي قام كوبريك بتصويرهم ومنحهم شخصياتهم، يبدون، في معظمهم، يستحقون الإفلات بالغنيمة. أنجز كوبريك هذا الفيلم بعد عامين من قيام أكيرا كوروساوا بإنجاز «راشومون»، واستخدم منهج المخرج الياباني في السرد، حيث يُعاد سرد الأحداث من وجهة نظر شخصياتها، ما يوفّر اختلافاً في عرض الحدث الجامع.

سترلينغ هايدن: حلم الثروة في «القتل» (يونايتد آرتستس).

هايدن هو جوني، خرج من السجن ولتوّه يريد تنفيذ السرقة الأخيرة. يجمع حوله 5 أفراد، اثنان منهم يعملان في ميدان سباق الخيل، وسيسهّلان دخول العصابة إلى غرفة تجميع المال وسرقته. أحدهما (جو سوير) لديه زوجة مريضة تلتزم فراشها في منزل متواضع، والآخر (إليشا كوك جونيور) يريد نيل رضا وحب زوجته المتبرّمة من الفقر الذي تعيش فيه. تتم السرقة، لكن مآلاتها تجسّد ضعف الذات واستحالة تحقيق ذلك الحلم.

ليس الفيلم مصنوعاً لتأييد عصابة تزمع الخروج عن القانون، بل هو عن شخصيات (ليست جميعها إيجابية) تبحث لنفسها عن موقع ما تحت ضوء الشمس.

TUCKER‪:‬ THE MAND AND HIS DREAM ★★★★

* إخراج: فرانسيس فورد كوبولا

* الولايات المتحدة (1988)

حتى «العراب» (في جزئه الثاني على الأخص) هو فيلم عن انهيار الحلم الأميركي، كذلك فيلم كوبولا الرائع الأخير «ميغالوبوليس». «تاكر: الرجل وحلمه» يجسّد محاولة هذا المخرج الصادق في نقده، منح المشاهد عملاً محدداً في هذا الاتجاه

يتصدّى الفيلم لسيرة حقيقية تقع في الأربعينات من القرن الماضي: برستون تاكر (جيف بردجز) طمح لصنع سيارة مصممة على نحو مختلف عن السيارات الأميركية الأخرى (فورد، شيفروليه، دودج، وسواها)، تتميّز بالحداثة والطواعية وعناصر السلامة. سريعاً ما تُثير تصاميمه وطموحه مخاوف تلك الشركات التي تنبري لمحاربته. يحاول دخول حرب التنافس مسلّحاً بثقته وإيمانه بالمشروع، ووثوقه ببلوغ الغاية إذا ما تجاوز العراقيل الكثيرة التي تحيط به. لكن هذه تتغلّب عليه، ويعلن إفلاسه وخسارة طموحه.

جِف بردجز في «تاكر: الرجل وحلمه» لكوبولا (باراماونت بيكتشرز)

لا يقل مستوى شغل كوبولا هنا عن أي فيلم آخر حقَّقه. يعرف قيمة الصورة وعناصرها، ويستغل المشاهد قبل تصويرها لتنقل حسّاً جمالياً موحَّد الأسلوب حال تنفيذها.

ما يختلف فيه عما سبق هو أنه يتحدث عن حكاية وقعت بالفعل، وأنه ليس ضرورياً أن يكون الحالمون أشخاصاً من محدودي الدخل. «تاكر» يشترك مع «مدينة سمينة» لهيوستون و«القتل» لكوبريك في الحديث عن اصطدام الأحلام بجدار الفشل الذي لا يعرف صغيراً أو كبيراً. مثلهما أيضاً، هو عن أميركا ولو من زاوية مختلفة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز