مع اقتراب نهاية الأسبوع الحادي عشر من الاحتجاجات الإيرانية، توجه الرئيس إبراهيم رئيسي، أمس، إلى سنندج وسط إجراءات أمنية مشددة في المدينة التي أصبحت بؤرة الحراك الاحتجاجي بالمناطق الكردية في غرب البلاد، وكرر قائد «الحرس الثوري»، حسين سلامي، وصف المحتجين بـ«المخدوعين»، وانتقد من احتفلوا بهزيمة المنتخب الإيراني لكرة القدم أمام المنتخب الأميركي.
ونقلت وسائل إعلام رسمية عن رئيسي قوله، على هامش افتتاح مشروع للإمداد بالمياه في سنندج، إن «الاضطرابات تهدف إلى وقف قطار التقدم عن الحركة». وأضاف: «تقدمنا يغضب الأعداء... لقد ارتكبوا خطأ في الحسابات. اعتقدوا أن بإمكانهم بلوغ أهدافهم عبر الأعمال الإرهابية وإثارة الشغب».
وقال رئيسي: «الناس يواجهون مشكلات اقتصادية واجتماعية؛ لكنهم يعرفون كيف يتصدون للعدو بتضامنهم». وتعهد بأن تكون محافظة كردستان وجهة «رئيسية» لزياراته «حتى نهاية المشكلات والتحديات في المنطقة» التي سجلت أكثر من 100 قتيل خلال حملة القمع التي تشنها السلطات منذ 17 سبتمبر (أيلول) الماضي لإخماد الاحتجاجات التي أشعلت فتيلها وفاة الشابة الكردية مهسا أميني، أثناء احتجازها لدى الشرطة بدعوى «سوء الحجاب».
وتحول الغضب على وفاة أميني إلى انتفاضة شعبية من قبل الإيرانيين من جميع طبقات المجتمع، مما شكل أحد أكبر التحديات جرأة للمؤسسة الحاكمة منذ ثورة 1979.
وقالت «وكالة نشطاء حقوق الإنسان (هرانا)» إن 459 محتجاً سقطوا حتى الأربعاء 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إثر التدخل العنيف من السلطات الإيرانية لاحتواء الاحتجاجات. وأشارت الوكالة؛ التي تتتبع انتهاكات حقوق الإنسان في إيران من كثب، إلى اعتقال 18195 شخصاً في 157 مدينة و143 جامعة عصفت بها المسيرات المنددة بالسلطات.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، قال قائد «الوحدة الصاروخية» في «الحرس الثوري»، أمير علي حاجي زاده، إن أكثر من 300 شخص قُتلوا في الاضطرابات التي أعقبت وفاة أميني. وقبل ذلك قال نائب مدينة مهاباد الكردية، جلال محمود زاده إن 105 أشخاص قتلوا خلال حملة القمع في المدن الكردية.
ولم يتطرق رئيسي إلى إرسال تعزيزات من القوات البرية في «الحرس الثوري» إلى مناطق الأكراد، لكنه قال: «شبراً شبراً في كردستان؛ وقفنا ضد المجاميع المعادية للثورة. لقد حاولوا إيجاد موطئ قدم لهم، لكن أهالي كردستان أحبطوا مساعيهم».
ونقلت وكالة «إيسنا» الحكومية عن رئيسي قوله لأسرة أحد قتلى قوات الأمن في الاحتجاجات إن «وحشية وقسوة من يقفون وراء أعمال الشغب تذكرنا بسلوك (داعش)». وقال: «الأمن خط أحمر للجمهورية الإسلامية، وكل من ارتكبوا جرائم قتل وتسببوا في جروح لقوات الأمن والناس، يجب تقديمهم إلى العدالة». وأضاف: «تأكدوا من أننا سنتخذ جميع التدابير للازمة لتحديد المسؤولين عن قتل أعزائكم».
واتهم رئيسي «تياراً يناصب الجمهورية الإسلامية العداء منذ ثورة 1979» بالسعي إلى «الاستفادة من الأحداث الأخيرة لزعزعة الأمن في كردستان».
ونشرت منظمات حقوقية كردية تسجيل فيديو يظهر انتشاراً واسعاً لقوات الأمن في مدينة سنندج، وفيه يمكن مشاهدة قوات مكافحة الشغب على دراجات نارية.
- حرب مركبة
بدوره؛ شارك قائد «الحرس الثوري»، حسين سلامي، في تدشين مشروع مياه بمدينة شيراز؛ التي كانت من بؤر الاحتجاجات في جنوب إيران، وشهدت هجوماً دامياً على ضريح ديني تبناه تنظيم «داعش» وأسفر عن مقتل 13 شخصاً، لكنه أثار شكوكاً بين الإيرانيين.
ونقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن سلامي قوله إن قواته «لن تسمح بتهديد أمن المواطنين»، وعاد مرة أخرى لوصف المحتجين بـ«المخدوعين». وقال: «الأعداء لا يمكنهم أن يروا تقدم إيران في العالم، لهذا يزرعون بذور الفتنة في قلوب الشباب».
ودافع سلامي عن دور ميليشيات «الباسيج» و«الحرس الثوري» في حملة القمع التي تشنها السلطات لإخماد الاحتجاجات. وقال: «عناصر (الباسيج) و(الحرس) من هذا الشعب. لن نسمح لأحد بتهديد أمن الناس»، وقال: «أتمنى أن يبتعد الشباب من الأعداء، لكي نتعاون يداً بيد في سحب السيف على العدو».
وقلل سلامي من أهمية احتفال الإيرانيين المحتجين بهزيمة منتخبهم الوطني أمام الولايات المتحدة في إطار مباريات كأس العالم. وقال: «مباراة كرة القدم مباراة ودية وليست نزاعاً عالمياً، في الواقع: صداقة عالمية، وتنافس على الصداقة في العالم، لكن بعض المخدوعين يحتفلون بالوكالة عن الأعداء». ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية قوله إن «الأعداء يحاولون زرع اليأس في نفوس الشباب الإيراني، والبعض منهم سعداء لخسارة المنتخب الإيراني لكرة القدم في كأس العالم» التي تستضيفها قطر.
وقتل شخص على الأقل في ميناء أنزلي شمال البلاد، بعدما أطلقت قوات الأمن النار على محتفلين بهزيمة إيران. والأربعاء انتشرت صورة للاعب المنتخب الإيراني سعيد عزت اللهي؛ الذي سجل هدفاً في مرمى منتخب ويلز، مع القتيل مهران سفاك (27 عاماً)، عندما كانا معاً في مدرسة كروية للناشئين.
في غضون ذلك، قال قائد الجيش الإيراني، عبد الرحيم موسوي إن «هجمات الأعداء في البلاد تركز على استهداف موقع المرشد (علي خامنئي)».
ونقلت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن موسوي قوله في هذا الصدد إن بلاده «تتعرض لهجوم بحرب مركبة»، لافتاً إلى أن «رصاصة الحرب المركبة مزيج من الصوت والصورة والكلام»، وأضاف أنها «تترك آثاراً مدمرة وراءها دون أن ننتبه».
وقال قائد الشرطة الإيرانية، حسين أشتري، إن 737 مؤسسة أمنية واستخباراتية، و100 ألف من المتعاونين مع قوات إنفاذ القانون، يعملون على توفير أمن الناس، في 12 ألف نقطة بأنحاء البلاد؛ وفق ما أوردت وكالة «مهر» الحكومية.
من جانبها؛ نقلت صحيفة «جوان» الناطقة باسم «الحرس الثوري» عن قائد ميليشيات «الباسيج»، الجنرال غلام رضا سليماني، قوله إن «47 جهازاً استخباراتياً أجنبياً تقف وراء الاضطرابات الأخيرة». وأضاف؛ خلال مؤتمر لقواته مساء الأربعاء: «الأعداء يستخدمون الحرب المركبة في الاضطرابات». وتابع: «معرفة استراتيجية وتكتيكات الأعداء ضرورية لنا؛ لأن العدو أصيب بخيبة أمل في حربه المباشرة وتحول إلى الحرب المركبة باستخدام وسائل الإعلام والعمليات النفسية».
وجاءت تصريحات سليماني في وقت تناقلت فيه وسائل إعلام ناطقة بالفارسية تسريبات من «موجز إخباري سري» حصلت عليها مجموعة «بلك ريووارد» بعد اختراقها خوادم إلكترونية لوكالة «فارس»؛ الذراع الرئيسية بين وسائل الإعلام التابعة لـ«الحرس الثوري».
ويشير أحد أجزاء الموجز إلى حوار يدور بين المرشد علي خامنئي ومستشاره للشؤون الثقافية، غلام علي حداد عادل، حول سبل لجم الحركة الاحتجاجية. ويقول حداد عادل: «يمكن لجمهور غفير احتواء هذه الاضطرابات. الآن قوات (الباسيج) تمر بحالة ضعف وتفتقد قوة التعبئة».
وكانت مجموعة القرصنة قد وزعت أعداداً من الموجز الإخباري على وسائل الإعلام. وفي أحد الأعداد المسربة، يعارض خامنئي مقترحاً من قوات الشرطة ومجلس الأمن القومي؛ بشأن اعتقال إمام جمعة زاهدان وأحد وجوه أهل السنة في إيران عبد الحميد إسماعيل زهي، وفي المقابل يوصي بتضعيف دوره واستهدافه تدريجياً.
- دعوات للإضراب
ورداً على ما نشر، نقلت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس» عن «مصدر مطلع» أن التصريحات والاقتباسات المنسوبة للمرشد الإيراني «غير صحيحة».
وفي وقت لم يظهر فيه أي مؤشر على تراجع حدة الاحتجاجات، دعا ناشطون إلى إضرابات واحتجاجات من الاثنين إلى الأربعاء المقبل.
في الأثناء، قالت «حملة نشطاء البلوش» إن شقيقين قاصرين يبلغان 16 و17 عاماً يواجهان خطر الإعدام بعد توجيه تهمة «المحاربة» ضدهما، مشيرة إلى اعتقالهما قبل 63 يوماً، من أمام منزلهما في زاهدان؛ مركز محافظة بلوشستان المحاذية لباكستان وأفغانستان.
وقتل أكثر من 100 محتج خلال احتجاجات شهدتها المحافظات على أثر اغتصاب شرطي مراهقة في بلوشستان. وتزامنت مع الاحتجاجات العامة. وتقول منظمة «نشطاء البلوش» إن 400 محتج أصيبوا بجروح خلال الحملة التي شنتها قوات الأمن ضد المتظاهرين.
وقبل ذلك بيوم، ذكر القضاء الإيراني، الأربعاء، أنه قد يصدر أحكاماً بالإعدام على 15 شخصاً؛ بينهم امرأة و3 قاصرين؛ متهمين جميعاً بقتل أحد أفراد مجموعة شبه عسكرية في أوائل نوفمبر الماضي خلال مراسم نظمها المتظاهرون بمناسبة مرور 40 يوماً على وفاة أحدهم. وأعرب جاويد رحمن، محقق الأمم المتحدة المستقل المعني بحقوق الإنسان في إيران، عن قلقه، الثلاثاء، من تصاعد قمع المتظاهرين، حيث شنت السلطات «حملة» لإصدار حكم الإعدام عليهم.
وقال جاويد رحمن لـ«رويترز»: «أخشى أن يرد النظام الإيراني بعنف على قرار مجلس حقوق الإنسان، وقد يؤدي ذلك إلى مزيد من العنف والقمع من جانبهم»، في إشارة إلى تصويت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لإجراء تحقيق في قمع إيران الشرس للاحتجاجات.
وقالت وزارة الخارجية الإيرانية، الاثنين، إن طهران سترفض التعاون مع لجنة تقصي الحقائق.
وقال رحمن: «بدأت (السلطات) الآن حملة لإصدار أحكام بالإعدام على (المتظاهرين)»، قائلاً إنه يتوقع مزيداً من الأحكام، موضحاً أن 21 شخصاً اعتقلوا في سياق الاحتجاجات يواجهون بالفعل عقوبة الإعدام؛ بمن فيهم امرأة متهمة بارتكاب «جرائم جنائية غامضة وواسعة الصياغة»، وصدرت ضدها 6 أحكام هذا الشهر.
وأكد «مكتب حقوق الإنسان»، التابع للأمم المتحدة، في رسالة بالبريد الإلكتروني، أن أحد المتهمين بارتكاب «فساد في الأرض لنشر أكاذيب على نطاق واسع» كان مغني الراب الإيراني الشهير توماج صالحي؛ نقلاً عن مسؤول قضائي.
وحتى قبل الاضطرابات، كانت عمليات الإعدام تزداد، وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إن العدد هذا العام تجاوز 400 بحلول سبتمبر (أيلول) الماضي للمرة الأولى منذ 5 سنوات.
وقال رحمن إنه يتوقع أن تقدم بعثة تقصي الحقائق الجديدة قائمة بالجناة وتشاركها مع السلطات القانونية الوطنية والإقليمية. وأضاف: «ستضمن المساءلة وستقدم الأدلة للمحاكم والهيئات القضائية». وأظهرت وثيقة للأمم المتحدة أن البعثة سيكون لديها 15 موظفاً وميزانية قدرها 3.67 مليون دولار.