التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لدقائق قليلة في حفل عشاء أثناء قمة مجموعة العشرين. وكان اللقاء عبارة عن كسر علني للجمود، بعد ثلاثة أعوام مرت دون أي اتصالات على مستوى عالٍ بين الجانبين.
ويقول الدكتور أتول كومار، الباحث السياسي الهندي في معهد «غريفيث آسيا» بجامعة غريفيث الأسترالية، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، إنه على الرغم من أن شي ومودي لم يشاركا في أي اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين، أعطى الحديث المقتضب بينهما انطباعاً أن هناك مفاوضات ثنائية مكثفة، تجري وراء الكواليس، لحسم الجمود العسكري بين الهند والصين.
وشهدت العلاقات بين الهند والصين معاناة شديدة للغاية خلال السنوات الثلاث الماضية. فالقوات المسلحة الهندية وجيش التحرير الشعبي الصيني في حالة مواجهة في منطقة لاداخ منذ أبريل (نيسان) 2020، وما زال الوضع غير مستقر، حيث يقوم الجانبان بتطوير بنيتهما التحتية العسكرية سريعاً عند خط السيطرة الفعلي. ومع ذلك، تتفاوض الصين والهند في الوقت نفسه على المستويين العسكري والدبلوماسي للحد من الأعمال العدائية وحسم حالة المواجهة سلمياً.
ومن ثم، يمكن القول، إن تطوير القدرات العسكرية الداخلية يسير جنباً إلى جنب مع المفاوضات الثنائية في مسارات متوازية. ويعدّ الحديث بين شي ومودي خلال قمة مجموعة العشرين دليلاً على هذه العملية المكثفة، التي تهدف إلى الحد من العداء وتطوير أسلوب عمل جديد بين الدولتين.
ويقول كومار، إن مودي التقى شي 18 مرة في الفترة بين عامي 2014 و2019، وهو أكبر عدد من المرات قام بها أي زعيم هندي في التاريخ الثنائي للدولتين. كما أن مودي توجه إلى الصين خمس مرات لحضور قمم مختلفة وأبرم اتفاقيات سهلت العلاقات التجارية والسياسية. ومع ذلك، كان لهذه التفاعلات أهمية على المدى الطويل.
- توغل صيني
في عام 2020، احتلت قوات التحرير الشعبي الصيني سبع مناطق متنازع عليها على الجانب الهندي من خط السيطرة الفعلي. وأسفر احتلال جيش التحرير الشعبي الصيني عن أن اتفاقيات ثنائية عدة من أجل السلام والهدوء على الحدود، ولكنها أصبحت بلا معنى.
وبالتالي، واجه مودي انتقاداً داخلياً صارماً لاجتماعه مع شي من حين إلى آخر، مع عدم استيعاب نواياه الحقيقية.
ومنذ ذلك الحين، تجنب شي ومودي اللقاء فيما بينهما بصورة علنية. فقد تقابل الاثنان خلال اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون في أوزبكستان، ولكن تجاهل كل منهما الآخر في العلن. ومع ذلك، هناك دلائل على أنهما عقدا اجتماعاً خلف الكواليس.
وألحقت عملية التوغل التي قام بها جيش التحرير الشعبي الصيني في منطقة خط السيطرة الفعلي الضرر بالعلاقات الصينية - الهندية بشكل كبير، وأدت إلى اشتباك «وادي جالوان» في يونيو (حزيران) 2020 وإلى عمليات الانتشار المضادة التي قامت بها الهند في منطقة جبل كالياش. واقتربت الدولتان من خوض حرب فعلية في أغسطس (آب) 2020. ومع ذلك، ساد الهدوء، وساعدت المفاوضات الثنائية من خلال القنوات الدبلوماسية والعسكرية إلى عدم اشتباك القوات.
- «حزام المناطق العازلة»
وحتى الآن، عقدت الصين والهند 16 اجتماعاً لبحث حالة المواجهة، وهناك احتمال لعقد اجتماع آخر. وأسفرت المفاوضات عن فك اشتباك جزئي لقوات الجانبين من خمس نقاط مواجهة مع انسحاب القوات الصينية والهندية لمسافة متساوية لتوفير منطقة عازلة محددة. ومن ثم تحول خط السيطرة الفعلي إلى «حزام المناطق العازلة» الذي يحظر على جيشي الدولتين صراحة إرسال دوريات إلى هذه المناطق المحددة. ومع ذلك، من المتوقع استمرار المراقبة غير البشرية. ويبدو أن المناطق العازلة هذه تعدّ ترتيباً مناسباً لتوفير مسافة بين القوات الصينية والهندية وسوف توفر وقتاً كافياً للتحذير ضد أي توغلات.
وما زالت الهند تعدّ أقل استفادة لأن معظم المناطق العازلة توجد في أراضي منطقة خط السيطرة الفعلي التي تعدّها تابعة لها.
وعلى أي حال، إذا كانت القوات الهندية لا تستطيع دخول هذه المناطق، فإن القوات الصينية أيضاً لا تستطيع دخولها. وهناك حاجة عاجلة إلى أسلوب عمل عن طريق التفاوض لتسهيل دخول الرعاة المحللين إلى مراعيهم التقليدية الواقعة في هذه المناطق العازلة، وفرض الحظر على دخولهم سيلحق الضرر البالغ بأحوالهم المالية.
ويرى كومار، أن مناطق خط السيطرة الفعلي العازلة وفّرت فضاءً بين القوات الصينية والهندية. ومع ذلك، تثير مشروعات الجانبين السريعة المتعلقة بالبنية التحتية على الحدود خطر وقوع حرب في المستقبل. وحققت الصين بالفعل هدفها المتمثل في منع القوات الهندية من تطوير بنية تحتية في المناطق المتنازع عليها، ويريد جيش التحرير الشعبي الصيني تعزيز مكاسبه والتفاوض من مركز القوة.
- تحت سقف الحرب
وهنا تفضّل الصين تحقيق هدفها تحت سقف الحرب، وقد تجنبت بوعي الوصول إلى الحافة مع الهند. ومع ذلك، لم يتقلص وضع قواتها أو انتشاراتها. وعلى الرغم من حالات فك الاشتباك الجزئية، ما زالت القوات منتشرة بالقرب من كل نقاط الصراع. وخلال الشهر الماضي، أدخل جيش التحرير الشعبي الصيني ثلاثة ألوية مشاة إضافية إلى القطاع الشرقي لخط السيطرة الفعلي للحفاظ على الضغط على الهند طوال الشتاء.
ولطالما تمتعت القوات الصينية باتصالات وتسهيلات لوجيستية أفضل على الهضبة، وأدى تفوقها في البنية التحتية إلى تعزيز ثقتها بالنسبة للاشتباك مع القوات الهندية في أي مكان على خط السيطرة الفعلي. ولكن هذا الشعور سوف ينحسر تدريجياً مع مجاراة الهند لتطورات البنية التحتية الصينية، فقد أدت خبرة الجيش الهندي واسعة النطاق في مجال التحليق المرتفع، وامتلاك الأسلحة المتقدمة، والتدريبات العسكرية الدورية مع الولايات المتحدة وحلفائها إلى زيادة تعزيز ثقة الهند. ومن ثم، فإن التوازن العسكري على خط السيطرة الفعلي أصبح من الصعب التكهن به.
وحفز هذا الدبلوماسيين من الجانبين على البحث عن خيارات سلمية. وأوضحت عملية كسر الجمود بين شي ومودي في قمة مجموعة العشرين، أن هناك جهوداً دبلوماسية محمومة تجرى وراء الكواليس. ومع ذلك، لا يمكن توقع أي حل سريع لحالة المواجهة، فالدولتان مشاركتان في الوقت نفسه في مواجهة ومفاوضات. ومن الممكن أن تكون قمة منظمة شنغهاي للتعاون وقمة مجموعة العشرين في الهند العام المقبل، والتي من المتوقع أن يحضرها شي، موعداً نهائياً مؤقتاً لحسم حالة المواجهة بين الهند والصين.