صدمة يمنية برحيل الشاعر والأكاديمي عبد العزيز المقالح

صدم اليمنيون ومعهم الوسط الأدبي والثقافي العربي والإنساني، الاثنين، بوفاة الشاعر والكاتب البارز والأكاديمي عبد العزيز المقالح عن عمر ناهز 85 عاما، والذي يعد واحدا من أعمدة الثقافة العربية، حيث تتلمذ على يديه الآلاف من المبدعين والدارسين اليمنيين على مدار العقود الستة الماضية.
شكل الأديب المقالح حالة إبداعية فريدة جعلت منه أبا روحيا لجيل كامل من الشعراء والنقاد، كما حصل على العديد من الجوائز والأوسمة طيلة مشواره الأدبي والأكاديمي، منذ حصوله على درجة الدكتواره من جامعة عين شمس المصرية، وصولا إلى رئاسته لجامعة صنعاء ومركز الدراسات والبحوث اليمني، ثم تأسيسه للمجمع اللغوي اليمني.
أبدع المقالح نحو 35 مؤلفا ما بين دواوين شعرية ودراسات أدبية ونقدية وفكرية، وقدم للعشرات من الشعراء والكتاب اليمنيين، كما ترك وراءه إرثا كبيرا في الصحافة الثقافية، وكتب للعديد من المجلات العربية.
في السنوات الأخيرة، تدهورت صحة أديب اليمن الكبير وفاقم من حالته ما مرت به البلاد بعد الانقلاب الحوثي، حيث سعى قادة الميليشيات الحوثية للضغط عليه وترهيبه من أجل انتزاع مواقف مؤيدة لهم، غير أنه فضل الاعتكاف في منزله ملتزما بإيمانه بالقيم الجمهورية والوطنية بعيدا عن الاصطفافات الفئوية والحزبية، كما كان طيلة سنوات عمره قريبا من كل الأطياف والقوى السياسية إلى جانب عمله الحكومي.
بمجرد إعلان نبأ وفاته غصت مواقع التواصل الاجتماعي ببيانات النعي الشخصية والحكومية، وقالت وزارة الإعلام والثقافة في الحكومة الشرعية إنه «خلد اسمه عميقاً في التاريخ بإنجازاته الكبيرة والمتنوعة، وقد انتمى إلى اليمن فكراً وروحاً وهوية، مخلفاً آلاف التلاميذ الأوفياء الذين يواصلون مسيرته في مختلف مناطق اليمن، كما هو الشأن مع صديقه ورفيق دربه الأديب والشاعر الكبير عبد الله البردوني».
ويعد المقالح إلى جانب كونه شاعرا من الرعيل العربي الأول في العصر الحديث من أبرز الأكاديميين اليمنيين ومن جيل الرواد، حيث ترأس جامعة صنعاء بداية من عام 1982 وحتى عام 2001، كما رأس مركز البحوث والدراسات اليمنية التابع لها، ورأس المجمع اللغوي اليمني، حتى وفاته.
إلى ذلك لقي شعر المقالح اهتماما يمنيا وعربيا، حيث كتبت عنه العشرات من الدراسات والمؤلفات، وأعدت حوله العديد من الأطروحات الأكاديمية، كما حظي منجزه النقدي باهتمام واسع جعل منه واحدا من أهم أعمدة النقد والكتابة المحتفية بالنصوص الإبداعية.
ولد المقالح في قرية المقالح بمديرية السدة التابعة لمحافظة إب في عام 1937، حيث تعلم فيها مبادئ القراءة والكتابة، ثم انتقل إلى صنعاء، ودرس فيها على يد كبار علمائها، ليتخرج في عام 1960 من دار المعلمين بصنعاء، ثم غادر إلى جمهورية مصر العربية، وواصل تعليمه الجامعي والأكاديمي فيها، حيث حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة عين شمس عام 1977، وترقى بعدها إلى الأستاذية.
اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الذي يعد المقالح من كبار مؤسسيه، أصدر بيان نعي أشار فيه إلى مناقب الراحل الذي «أفنى معظم حياته في خدمة القضية الوطنية والقصيدة الحديثة والنقد الرصين».
وقال البيان إن «اليمن والأمة العربية والعالم خسروا بوفاة شاعر اليمن الكبير المقالح واحدا من أهم الأسماء الشعرية التي مثلت إضافة ورصيدا مختلفا لقصيدة التفعيلة والنقد العربي الحديث، علاوة على التعليم الأكاديمي الذي كان المقالح من أبرز أعلامه».
ونوه البيان بتجربة المقالح النضالية في خدمة الثورة اليمنية والجمهورية والوحدة والدفاع عنها من خلال التزام موقف نزيه في سياق علاقته الوثيقة بالقضية الوطنية.
وأشار إلى ما «تمتعت به قصيدته الحديثة ومقاله الرصين من سمات عززت من مكانته وكرست حضوره الإبداعي والإنساني اسما كبيرا وعلما عظيما من أعلام القصيدة العربية».
وفي بيان نعي الحكومة اليمنية قال رئيسها معين عبد الملك: «لقد ترك الدكتور عبد العزيز المقالح إرثاً أدبياً كبيراً تغرف منه الأجيال القادمة، وهو في إرثه سيظل حاضراً في ذاكرتنا وضميرنا، ويدفعنا أكثر من أي وقت للتمسك بوطننا وقيمه في الحرية والحفاظ على الثورة والجمهورية وإعلاء راية الوطن والانتصار للمواطن، مهما طال الظلام أو حاول غبار التاريخ إعادة العجلة الى الوراء».
حصل المقالح على جائزة لوتس للأدب عام 1986، وعلى جائزة الثقافة العربية، اليونسكو، باريس 2002، وعلى جائزة الفارس من الدرجة الأولى في الآداب والفنون من الحكومة الفرنسية 2003، وعلى جائزة الثقافة العربية من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو)، 2004 وعلى جائزة الشعر من مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية 2010.
ومن مجموعاته الشعرية: لا بد من صنعاء، ورسالة إلى سيف بن ذي يزن، وهوامش يمانية على تغريبة ابن زريق البغدادي، وعودة وضاح اليمن، وأبجدية وكتاب صنعاء، وكتاب القرية، وكتاب الأصدقاء وكتاب بلقيس وقصائد لمياه الأحزان، وكتاب المدن، وبالقرب من حدائق طاغور.