إدارة جائحة «كورونا»... حكومات «بالغت» وأخرى «تهاونت»

الصين تجني ثمار «الإفراط»... وخبراء يدعون لـ«التوازن»

سيارات للشرطة في شنغهاي بعد احتجاجات نادرة على سياسة «صفر كوفيد 19» (أ.ف.ب)
سيارات للشرطة في شنغهاي بعد احتجاجات نادرة على سياسة «صفر كوفيد 19» (أ.ف.ب)
TT

إدارة جائحة «كورونا»... حكومات «بالغت» وأخرى «تهاونت»

سيارات للشرطة في شنغهاي بعد احتجاجات نادرة على سياسة «صفر كوفيد 19» (أ.ف.ب)
سيارات للشرطة في شنغهاي بعد احتجاجات نادرة على سياسة «صفر كوفيد 19» (أ.ف.ب)

في بدايات جائحة «كورونا»، عاب خبراء المناعة والفيروسات على بريطانيا اتباع سياسة تبدو «متهاونة» في التعامل مع الفيروس، المسبب لمرض «كوفيد - 19»، غير أن الخبراء أنفسهم هم من يعيبون الآن على الصين استخدام سياسة «مبالغة» في التعامل مع الفيروس، في مشهد قد يبدو «متناقضاً»، لكنه في حقيقته يشير إلى أهمية «التوازن» في إدارة الجوائح.
ووفق خبراء، استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم، فإن إدارة الجوائح، تحتاج إلى التوازن، فالإفراط الذي تمارسه الصين حالياً، عبر سياسة «صفر كوفيد - 19»، التي تسببت في مشهد غير مألوف، وهو خروج مظاهرات في الصين، ليس مطلوباً، كما أن «التفريط» الذي مارسته بريطانيا في بدايات الوباء غير مطلوب أيضاً.
يقول تامر سالم، أستاذ البيولوجيا الجزيئية والفيروسات بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا بمصر لـ«الشرق الأوسط»: «تطبيق سياسة الإغلاق، التي تمارسها الصين – حالياً - كان يمكن أن تكون مقبولة في البدايات، حيث كانت الصين، هي مصدر هذا الوباء، وبالتالي كان يمكن حصاره، لكنها تأخرت في تنفيذه في البداية، بل إنها عاقبت طبيباً تحدث عن وجود الفيروس، ثم تسعى حالياً لتطبيق تلك السياسة بعد أن صار الفيروس جائحة عالمية، وهو أمر يبدو أقرب إلى الاستحالة».
ويأتي وصف «الاستحالة» - كما يوضح سالم، من كون دولة الصين منفتحة اقتصادياً على العالم، وتوجد حركة طيران بينها وبين أغلب دول العالم، ويضيف: «لنفترض أن هناك صينيين كانوا متواجدين في بطولة كأس العالم بقطر حالياً، كمشجعين أو في بعض الأعمال المرتبطة بالاستادات التي استضافت البطولة، ثم حصلوا على العدوى من هناك، وعادوا إلى مدن مختلفة في الصين، فهل سيتم إغلاق كل المدن».
وخلص من ذلك، إلى أن «تطبيق هذه السياسة يبدو مستحيلاً، وأثبت عدم جدواه، بدليل أنه لم يمنع الإصابات، حيث تشهد الصين أعداداً كبيرة من الإصابات».
وأعلنت الصين، الأحد، أنها سجلت لليوم الثالث على التوالي رقماً قياسياً في عدد الحالات الجديدة المكتشف إصابتها بفيروس كورونا بعد رصد 35183 إصابة جديدة خلال يوم السبت، وفق وكالة الأنباء الرسمية.
في المقابل، فإن التهاون البريطاني في مواجهة الوباء في البداية، لم يكن مطلوباً أيضاً، لأننا كنا نتعامل مع فيروس جديد، لا نعرف عنه شيئاً، وكان يجب الإغلاق لفترة، ثم تخفيف إجراءات الإغلاق رويداً رويداً، مع توفر الأدوية واللقاحات، وهي السياسة التي نفذها كثير من دول العالم، ومهدت الطريق للتعايش مع هذا الفيروس، كما نفعل مع الإنفلونزا حالياً.
يقول سالم: «في البداية لم يكن لدينا أي خبرة مناعية تجاه الفيروس، فكان من الطبيعي أن يصيب عدداً كبيراً بسبب سياسة (مناعة القطيع) التي أرادت بريطانيا تنفيذها في البداية، ولكن مع تكوين تلك الخبرة بالتدريج، سواء من خلال اللقاحات أو الإصابة بالفيروس، أصبحت هناك عدد كبير من الناس محصنين ضد الفيروس، وهو ما يجعل إجراءات إنهاء الإغلاق مجدية، وتبني المزيد من مناعة القطيع».
ويضيف: «على عكس ما يعتقد البعض، فإن الفيروس لا يستهدف إنهاء حياة مضيفه البشري، لذلك فإن الخبرة المناعية التي تشكلت سواء من الإصابة أو اللقاحات، لمنع الفيروس من الولوج إلى مضيفه البشري، تضعه تحت ضغط تطوري، لتجعله يظهر بتركيبة جديدة تكون عادة أضعف من سابقتها، ليتحول مثل فيروس الإنفلونزا الذي يتعايش معه العالم منذ عام 1918».
ما أشار إليه سالم، هو ما يضعه خالد شحاتة، أستاذ الفيروسات بجامعة أسيوط «جنوب مصر»، تحت عنوان عريض اسمه «التوازن في إدارة الجائحة»، الذي يعني أنه «لا يكون هناك إفراط في الإغلاق أو تفريط في الانفتاح».
وعاد شحاتة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى ما أشار إليه سالم، من أن الإفراط في الإغلاق، كان يمكن أن يكون مجدياً لو استجابت الصين في البداية لنداءات الطبيب الذي أعلن عن وجود فيروس جديد، ولم تتم الاستجابة له. ويستطرد: «لكن بعد أن خرج الوضع عن السيطرة، وأصبحت هناك جائحة عالمية، يكون (التوازن) في إدارة الأزمة، هو الحل الأمثل».
والأداة المهمة في تطبيق سياسة التوازن هي اللقاحات التي تساعد على تحقيق مناعة القطيع، وأن تكون نسبة فعالية هذه اللقاحات فعالة بشكل كبير، وهو ما لا يبدو متحققاً في الحالة الصينية، كما يوضح شحاتة.
وكان اثنان من الخبراء الصحيين في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وجها نصيحة للصين الأحد، بأنه «من غير المرجح أن تؤدي سياسة (صفر كوفيد 19) للقضاء على الفيروس من دون حملة تطعيم متطورة لتوسيع نطاق المناعة في البلاد».
وقال منسق الاستجابة للوباء في إدارة الرئيس جو بايدن آشيش جها: «سيكون من الصعب للغاية على الصين أن تتمكن من احتواء الوباء من خلال استراتيجية (صفر كورونا) الخاصة بها». وأضاف لـ«إيه بي سي»، بشأن الاحتجاجات التي انتشرت في الشوارع والجامعات الصينية ضد قيود كورونا: «أوصي باتباع استراتيجية أخرى تتضمن التأكد من تلقيح جميع السكان، وخاصة كبار السن، فهذا، على ما أعتقد، هو الطريق للخروج من هذا الوباء، إذ إنه سيكون من الصعب للغاية الاستمرار في عمليات الإغلاق وسياسة (صفر كورونا)».
وقال أنتوني فاوتشي، كبير المستشارين الطبيين للرئيس بايدن: «كان نهج الصين قاسياً للغاية، بل حتى إنه وحشي، إذ دخلوا في حالة إغلاق مطولة من دون أي غرض واضح»، معتبراً خلال مقابلة مع قناة «إن بي سي»، أن هذا ما يجعل السياسة الصينية لمواجهة كورونا «لا معنى لها بالنسبة للصحة العامة».
وتدافع الصين عن سياسة «صفر كوفيد 19» التي ينتهجها الرئيس الصيني شي جينبينغ، الخاصة بـ«صفر إصابات»، بأنها «ضرورية لعدم الضغط على نظام الرعاية الصحية في دولة يبلغ عدد سكانها ملياراً و412 مليون نسمة»، غير أن أحمد سالمان، مدرس علم المناعة وتطوير اللقاحات في معهد «إدوارد جينز» بجامعة أكسفورد، قال في تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط»: «هذه السياسة يمكن أن تكون مجدية مع أمراض تنتقل عن طريق الدم مثلاً، حيث يتم تنفيذ سياسة الإغلاق، لحين القضاء على سبب المشكلة، لكن الفيروسات التنفسية من المستحيل القضاء عليها بهذه السياسة؛ لأن الفيروس ينتقل عن طريق الهواء، وإذا نجحت في السيطرة عليه في وقت معين، ثم قمت بفتح أبوابك، سينتشر مجدداً، إن لم يكن بواسطة مواطنين صينيين، فسيكون مصدره أجانب؛ لأن الصين دولة منفتحة اقتصادياً على العالم».
وأضاف: «تنفيذ تلك السياسة تسبب في حدوث (فجوة مناعية)»، موضحاً أنه «عندما يصاب قطاع عريض من السكان بالفيروس أو يحصلون على اللقاح يشكلون مناعة، ستكون مجدية، حتى لو أصيبوا بالفيروس مجدداً، لأن الفيروس ورغم تحور بعض أجزائه، تظل هناك نسبة معقولة من مكوناته القديمة، تعطي مناعة تقلل من الإصابة الشديدة، ولكن مع الإغلاقات يحرم السكان من هذه المناعة الطبيعية، وبالتالي عند تحور الفيروس سيواجهون فيروساً بتركيبة مختلفة إلى حد كبير، مما يزيد من عدد الإصابات وشدتها».


مقالات ذات صلة

الشاي الأخضر قد يقلل من خطر الإصابة بالخرف

صحتك شرب الشاي الأخضر يخفض عدد آفات الدماغ المرتبطة بالخرف (أرشيفية - رويترز)

الشاي الأخضر قد يقلل من خطر الإصابة بالخرف

ربطت دراسة يابانية جديدة بين شرب الشاي الأخضر وانخفاض عدد آفات الدماغ المرتبطة بالخرف.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك التعدد اللغوي يعزز المهارات الإدراكية لأطفال التوحد

التعدد اللغوي يعزز المهارات الإدراكية لأطفال التوحد

يساعد على زيادة نسبة التركيز

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
يوميات الشرق حظر إعلانات التبغ يقود لانخفاض معدلات التدخين (رويترز)

حظر إعلانات التبغ يقلل عدد المدخنين الجدد بنسبة 37 %

أفادت دراسة تحليلية بأن حظر الإعلانات والترويج لمنتجات التبغ يرتبط بانخفاض احتمالية التدخين بنسبة 20 في المائة، وتقليل خطر البدء في التدخين بنسبة 37 في المائة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك إصابات الرأس الخطيرة يمكن أن توجه ضربة خبيثة إلى الجهاز المناعي البشري (أرشيفية - أ.ف.ب)

إصابات الرأس الخطيرة قد تُوقظ فيروسات كامنة داخل الجسم

أكدت دراسة جديدة أن إصابات الرأس الخطيرة يمكن أن توجه ضربة خبيثة إلى الجهاز المناعي البشري وتتسبّب في إيقاظ وإعادة تنشيط فيروسات خاملة في الجسم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد وزير الاستثمار المصري حسن الخطيب خلال كلمته في مؤتمر «سيرا كير» (وزارة الاستثمار المصرية)

إطلاق أول شركة للاقتصاد الرعائي في مصر باستثمارات 27.7 مليون دولار

أطلقت شركة «سيرا للتعليم»، الأحد، شركة استثمار جديدة في الاقتصاد الرعائي (سيرا كير) باستثمارات 1.4 مليار جنيه تُضخ على مدار عامين، تستهدف من خلالها تغطية 5 دول.

صبري ناجح (القاهرة)

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
TT

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

خلُص تقرير جديد إلى أن عدد ضحايا الأسلحة المتفجرة من المدنيين وصل إلى أعلى مستوياته عالمياً منذ أكثر من عقد من الزمان، وذلك بعد الخسائر المدمرة للقصف المُكثف لغزة ولبنان، والحرب الدائرة في أوكرانيا.

ووفق صحيفة «الغارديان» البريطانية، فقد قالت منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» (AOAV)، ومقرها المملكة المتحدة، إن هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024، بزيادة قدرها 67 في المائة على العام الماضي، وهو أكبر عدد أحصته منذ بدأت مسحها في عام 2010.

ووفق التقرير، فقد تسببت الحرب الإسرائيلية على غزة بنحو 55 في المائة من إجمالي عدد المدنيين المسجلين «قتلى أو جرحى» خلال العام؛ إذ بلغ عددهم أكثر من 33 ألفاً، في حين كانت الهجمات الروسية في أوكرانيا السبب الثاني للوفاة أو الإصابة بنسبة 19 في المائة (أكثر من 11 ألف قتيل وجريح).

فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على أقاربهم الذين قُتلوا بالغارات الجوية الإسرائيلية في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (د.ب.أ)

وشكّلت الصراعات في السودان وميانمار معاً 8 في المائة من إجمالي عدد الضحايا.

ووصف إيان أوفيرتون، المدير التنفيذي لمنظمة «العمل على الحد من العنف المسلح»، الأرقام بأنها «مروعة».

وأضاف قائلاً: «كان 2024 عاماً كارثياً للمدنيين الذين وقعوا في فخ العنف المتفجر، خصوصاً في غزة وأوكرانيا ولبنان. ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهل حجم الضرر الناجم عن هذه الصراعات».

هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024 (أ.ب)

وتستند منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» في تقديراتها إلى تقارير إعلامية باللغة الإنجليزية فقط عن حوادث العنف المتفجر على مستوى العالم، ومن ثم فهي غالباً ما تحسب أعداداً أقل من الأعداد الحقيقية للمدنيين القتلى والجرحى.

ومع ذلك، فإن استخدام المنظمة المنهجية نفسها منذ عام 2010 يسمح بمقارنة الضرر الناجم عن المتفجرات بين كل عام، ما يُعطي مؤشراً على ما إذا كان العنف يتزايد عالمياً أم لا.