«أطلنتس» المفقودة تثير أسطورة خطيرة

مدينة «أطلنتس» المفقودة (علم الأعراق)
مدينة «أطلنتس» المفقودة (علم الأعراق)
TT

«أطلنتس» المفقودة تثير أسطورة خطيرة

مدينة «أطلنتس» المفقودة (علم الأعراق)
مدينة «أطلنتس» المفقودة (علم الأعراق)

شاهد الملايين مسلسل «Ancient Apocalypse - نهاية العالم القديمة» لعام 2021 من إنتاج شبكة «نتفليكس»، الذي كان مجرد تفسير حديث لقصة قديمة، وفقاً لصحيفة «الغارديان» البريطانية.
لكن عبر طرحه سياق «علم الأعراق»، فإن الأمر يُعدّ أكثر من مجرد حالة مثيرة للجدل بالنسبة إلى قصة رُويت للمرة الأولى قبل 2300 سنة، أظهرت أسطورة «أطلنتس» ثباتاً ملحوظاً في البقاء والاستمرار على مدى آلاف السنين. في مستهلّ الأمر كان أفلاطون يسرد قصة نشوء حضارة عريقة وعظيمة أعقبها دمار مروّع ورهيب. منذ ذلك الحين، ولّدت هذه الرواية تفسيرات لا تُعدّ ولا تُحصى.
وكان عدد من نُسخ القصة مثيراً للاهتمام وممتعاً، لكن أياً منها لم يكن مثيراً للجدل بقدر ما كانت أحداث آخر جولة لها في مسلسل «نهاية العالم القديمة».
ويزعم المسلسل حديث الإنتاج، الذي قدّم إلى إخراجه المؤلف غراهام هانكوك، أن الفيضانات التي أثارها مُذنَّب عملاق تحطّم على سطح الأرض قد دمرت ثقافة بالغة التطور في الماضي، تلك الكارثة التي ألهمت أسطورة «أطلنتس» الغارقة.
ووفقاً لهانكوك، «انتشر الناجون من هذه الكارثة في مختلف أنحاء العالم، الذي كان يسكنه آنذاك صيادون محترفون بسطاء، جاءوا إليهم بالعلوم، والتكنولوجيا، والزراعة، والهندسة المعمارية الضخمة، ونحن اليوم مدينون لهؤلاء الأفراد أصحاب القداسة».
وعلى سبيل الاحتياط، يزعم هانكوك، الذي ظل يروّج لهذه الأفكار في كتبه لعقود من الزمان، أن علماء الآثار تعمّدوا التستر على هذه الرؤية الكارثية لانتشار الحضارة، ويتهم الأكاديميين من التيارات السائدة بمواقفهم «الدفاعية المُتعجرفة والمُغرضة».
وقد ساعدت هذه الادعاءات الصارخة المسلسل على الوصول إلى أعلى قوائم المشاهدة على جانبي الأطلسي، مما أثار استياء علماء الآثار الذين - من جهتهم - شجبوا المسلسل بشدة، على أساس أنه لا يقدّم سوى القليل من الأدلة لتأييد ادعاءاته الكبيرة، وللترويج لنظريات المؤامرة المتلبسة برداء العلم.



«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
TT

«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)

استقبل مسرح «الطليعة» في مصر أحد العروض الشهيرة للكاتب الآيرلندي الراحل صمويل بيكيت (1906- 1989)، «لعبة النهاية»، الذي رغم احتفاظه بالروح الأصلية للعمل الشهير المنسوب إلى مسرح العبث، فقد شكَّل إضاءة على مشاعر الاغتراب في الواقع المعاصر. وهو عرضٌ اختتم مشاركته في مهرجان «أيام قرطاج المسرحي» ليُتاح للجمهور المصري في المسرح الكائن بمنطقة «العتبة» وسط القاهرة حتى بداية الأسبوع المقبل.

على مدار 50 دقيقة، يحضر الأبطال الـ4 على المسرح الذي يُوحي بأنه غُرفة منسيّة وموحشة، فيتوسّط البطل «هام» (محمود زكي) الخشبة جالساً على كرسيّه المتحرّك بعينين منطفئتين، في حين يساعده خادمه «كلوف» ويُمعن في طاعته والإصغاء إلى طلباته وتساؤلاته الغريبة التي يغلُب عليها الطابع الساخر والعبثيّ المُتكرّر عبر سنوات بين هذا السيّد والخادم.

يَظهر والد «هام» ووالدته داخل براميل قديمة وصدئة، ويجلسان طوال العرض بداخلها، ولا يخرجان إلا عندما يستدعيهما الابن الذي صار عجوزاً، فيسألهما أسئلة عبثية لا تخلو من تفاصيل عجيبة، ويخاطبهما كأنهما طفلين يُغريهما بالحلوى، في حين يبادلانه أحاديث تمتزج بالذكريات والجنون، ليبدو كأنهما خارج العالم المادي؛ محض أرواح مُحتضرة تُشارك «هام» هلوساته داخل تلك الغرفة.

الأب يؤدي دوره من داخل أحد البراميل (مسرح الطليعة)

في المعالجة التي يقدّمها العرض، يحتفظ المخرج المصري السيد قابيل بأسماء الأبطال الأجنبية التي كتبها صمويل بيكيت من دون منحها أسماء محلّية. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «قدَّم المسرح المصري هذه المسرحية قبل 60 عاماً تقريباً في عرض للفنان الكبير الراحل سعد أردش، لكنه كان باللغة العربية الفصحى. اليوم، عالجتُ النص وأقدّمه بالعامية المصرية. احتفظت بالأسماء الأصلية للأبطال وهوياتهم، وكذلك بروح العمل وتفاصيل الحوار فيه، خصوصاً أنّ لهذا العرض الذي ينتمي إلى مسرح العبث فلسفته التي تمسّكتُ بها ضمن قالب جديد».

يؤدّي دور الخادم «كلوف» الفنان المصري محمد صلاح الذي اعتمد جزءٌ كبير من أدائه على الإفراط بحركات سير متعرّجة في محاولاته المُتسارعة لتلبية طلبات سيّده الأعمى، إذ يبدو كأنه في مَهمّات لا نهائية، منها ترتيب البيت الخالي بشكل فانتازي. بالإضافة إلى تردّده الدائم على نافذة الغرفة التي يظّل سيّده يطلب منه وصف ما يدور خارجها، فيصف له الضوء والبحر اللذين لا يدرك إذا كانا موجودَيْن بالفعل أم محض خيال.

على مدار العرض، يظلُّ الخادم يسأل: «لماذا أطيعك في كل شيء؟»، و«متى جئتُ إلى هذا البيت لخدمتك؟»، فيكتشف أنه قضى عمره داخل جدرانه المخيفة، فيقرّر في خطوة خلاص مغادرة خدمة سيّده، فتكون لحظة فتحه باب البيت هي عينها لحظة نهاية اللعبة، حتى وإنْ ظلّ واقفاً أمامه، متوجّساً من الخروج إلى العالم الحقيقي ومواجهة المجهول. لحظة تحدّيه سيطرة سيّده «هام» سرعان ما تبدو كأنها لا تختلف عن «الفراغ» الذي أمامه، بما يعكس فلسفة صمويل بيكيت عن سخرية الحياة، حيث لا يبدو الهروب من عبثها ممكناً أبداً.

الأب والأم في أحد مَشاهد المسرحية (مسرح الطليعة)

يشير مخرج العرض السيد قابيل إلى أنّ «للقضية التي تطرحها المسرحية صيغة إنسانية عابرة للمكان والزمان، وتصلُح لتقديمها في أي وقت؛ وإنْ كُتب النصّ الأصلي لبيكيت في الخمسينات. فكثير من نصوص شكسبير، والنصوص اليونانية القديمة العائدة إلى ما قبل الميلاد، لا تزال قابلة لإعادة تقديمها، وصالحة لطرح أسئلة على جمهور اليوم. وفي هذا العرض أدخلنا بعض الإضافات على الإضاءة والموسيقى للتعبير بصورة أكبر عن دراما الأبطال، ومساعدة المتلقّي على مزيد من التفاعُل».

الفنان محمود زكي في مشهد من العرض (مسرح الطليعة)

وعكست ملابس الممثلين الرثّة حالة السواد التي تطغى على عالمهم، في حين وُظّفت الإضاءة في لحظات المُكاشفة الذاتية التي تتوسَّط سيل الحوارات الغارقة في السخرية والتكرار العدميّ والخضوع التام. فإذا كان السيّد الأعمى والمشلول يعتمد على خادمه في مواصلة لعبة عبثية يتسلّى بها في عزلته، فإنّ الخادم يظلُّ غير قادر على تصوُّر الحياة بعيداً عن قواعد تلك «اللعبة».