«تويتر»... بين عزوف المغردين ومجابهة «أزمات الإدارة»

«تويتر»... بين عزوف المغردين ومجابهة «أزمات الإدارة»
TT

«تويتر»... بين عزوف المغردين ومجابهة «أزمات الإدارة»

«تويتر»... بين عزوف المغردين ومجابهة «أزمات الإدارة»

بعد سلسلة من التطورات التي شهدتها منصة «تويتر»، خلال الفترة الماضية، تتعلق بأزمات إدارية وعزوف بعض المغردين، صعد مشهد «الفراغ الوظيفي» ليمثل فصلاً جديداً في أزمات الشركة تحت قيادة إيلون ماسك. وقبل أيام، وفق وكالة «بلومبرغ»، اضطرت الشركة إلى إغلاق مكتب بروكسل، بعد رحيل جميع العاملين، سواء بالإقالة أو الاستقالة، ما يهدد «العصفور الأزرق» باتساع رقعة «الفراغ الوظيفي» في مكاتب أخرى متفرقة حول العالم. الأمر الذي يزيد علامات الاستفهام حول مستقبل التطبيق العالمي للتواصل الاجتماعي ونقل المعلومات.
مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، اعتبر في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن ما يحدث داخل «تويتر» كان متوقعاً. ويتابع: «لم أستغرب هذا الاضطراب في المنصة، لأن من يتابع تاريخ إيلون ماسك في إدارة شركاته الأخرى، يلمس أنه يعتمد على اختبار منتجاته حسب ردة فعل الجمهور». أما عن أزمة عزوف المغردين، فيرى كيالي أن «حالة (تويتر) حالياً ليست أسوأ من حالات منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، التي تعاني كلها من تزايد الخسائر، في حال لم تظهر ثورة جديدة تقدمها هذه المنصات... وبالتالي، أتوقع المزيد من الخسائر في الأرباح، وقد تصل الأمور إلى إغلاق أو اندثار بعض هذه المنصات».
يذكر أنه بعد إبرام ماسك صفقة شراء «تويتر» مقابل 44 مليار دولار أميركي، اتجه نحو الحديث عن تعدد جهات الدخل، وقال إنه لن يقبل أن يستمر نموذج الإعلانات على النحو السابق، غير أن المعلنين «باغتوه بالانسحاب ربما قبيل استقراره على البدائل». ووفقاً لتحليل صحافي أميركي لبيانات التسويق «لم يعلن أكثر من ثلث أكبر 100 جهة تسويق على تويتر خلال الأسبوعين الماضيين... ومع مواصلة ماسك جهوده لخفض التكاليف وإيجاد أشكال بديلة للإيرادات، لا تزال (تويتر) تعتمد بشدة على الإعلانات التي كانت تمثل 90 في المائة من الدخل».
كيالي يتوقع ألا يهتز ماسك لا بعزوف المعلنين ولا أزمات «الفراغ الوظيفي» الراهنة. ويبرر ذلك بأنه «منذ البداية كانت لديه استراتيجية لا تعتمد على الكثافة الوظيفية. ولهذا أتوقع أن يحول ماسك (تويتر) من الاعتماد على الموظفين إلى الاعتماد على الأتمتة، وبالذات، الروبوتات على نحو متزايد في المرحلة المرتقبة».
في المقابل، يرى محمد عادل، الخبير التقني المصري ومؤسس مدونة «تكنولوبيا»، أن «تويتر» تمر بمرحلة ضبابية تثير القلق، ويشير في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى «انعدام الرؤية بخصوص مصير المنصة من الأساس، حتى إن الأمر وصل بالبعض لاتخاذ نسخ احتياطية من تغريداتهم للاحتفاظ بها، في حال أغلقت المنصة أبوابها نهائياً... كل هذا لا يشير إلى أي استقرار قريب». ويصف عادل نموذج العمل الذي يعتمده ماسك راهناً داخل «تويتر»، فيقول: «ماسك يعمل بسياسة التحرك بسرعة وتكسير الأشياء، وهي السياسة التي تبنت مثلها رؤية مارك زوكربرغ، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، إلا أن الأخير توقف عن ذلك بعدما ثبتت قلة جدواها».
وفي حين تفيد صحيفة «النيويورك تايمز» في تقرير لها حول مستقبل «تويتر» بأن «ما يفعله ماسك داخل المنصة هو نفسه ما فعله من قبل مع شركة تيسلا»، وهو ما يتفق عليه الخبراء أيضاً، ويحد من قلقهم بشأن مستقبل المنصة، حيث يحلل محمد عادل المشهد بالقول إن «التسريح، ثم التوظيف والبناء، نسخة جديدة من أسلوب كان قد اتبعه ماسك مع شركاته... لقد استخدمه في 2008 مع تيسلا عندما تولى إدارتها وحولها إلى شركة خاصة في ذلك الوقت، وكذلك اتبعها مع شركة سبيس إكس في الكثير من الفترات، لا سيما تلك التي تشهد خلالها شركاته أزمات اقتصادية». ويشرح عادل أن تسريح أكثر من 75 في المائة من موظفي تويتر يقلص النفقات بشكل واضح ومباشر... وإعادة فتح باب التوظيف في ذلك الوقت مباشرة بعد الإقالات، يعكس أمراً من اثنين هما:
1 - أن ماسك عبقري قرر الاستفادة من حالة الركود والتسريحات التي ضربت كل الشركات التقنية بتخفيض مستوى الأجور، والاستفادة من فرصة ضم كوادر محترفة بكفاءات عالية لكن مع تحمل نفقات، في ضوء تقلص فرص العمل المتوافرة في السوق.
2 - أن يكون التخبط الإداري في تويتر قد وصل لأقصاه مع تسريح موظفين وكوادر من دون دراسة مدى جدوى خبراتها وتأثيرها في تنفيذ مشاريع الشركة الحالية، وهو ما يصعب اختباره راهناً.

الخروج من نفق الأزمة
صحيفة «الإندبندنت» البريطانية كتبت قبل أيام تفاصيل الرسالة الإلكترونية الأخيرة التي أرسلها مالك «تويتر» إلى من تبقى من الموظفين. وذكرت أنها «تضمنت نصائح بشأن تعزيز الإنتاجية والحد من إضاعة الوقت باجتماعات لا جدوى منها»، ما يعني بحسب الصحيفة «محاولته تحقيق أقصى استفادة من الكيان الوظيفي للمنصة».
مهران كيالي، يرى أن «الضربات المتلاحقة التي يتلقاها ماسك ربما لا تكون شغله الشاغل في المرحلة الحالية. بل من الواضح أن ماسك غير مهتم بالبحث عن مصادر دخل عن طريق تويتر، بينما يمضي قدماً نحو إعادة ولاء الجمهور للمنصة، وتحسين أداء المنصة من حيث السرعة والاستقرار، بالإضافة إلى جودة المحتوى». ولكن في موضوع خيارات الخروج من الأزمة، يرى محمد عادل أن «ثمة مصادر ربحية عدة أمام منصة تويتر حان الوقت لتفعيلها وتعديل نموذج العمل المعتمد على الإعلانات». ويضيف: «أنا أعتبر ميل ماسك إلى تحاشي الاعتماد كلياً على الإعلانات كمصدر دخل للمنصة، توجهاً ذكياً، لا سيما، وأن ثمة نماذج أخرى يمكن الاعتماد عليها في المرحلة المقبلة». ويتابع: «ماسك يختبر الخدمات المدفوعة، ويمكن تزويد خدمة تويتر بلو بمزايا مثل أنظمة الباقات على أن يقدم كل منها خدمات إضافية تضيف للمستخدم وتلبي احتياجاته المستقبلية». ويلفت إلى أهمية الاشتراكات قائلاً إن «الاشتراكات هي مستقبل ربحية الخدمات والتطبيقات، وشاهدنا ذلك في تطبيقات الترفيه، ومن ثمة يمكن لتويتر بلو أن يكون الطريق نحو استقرار المنصة».
على صعيد آخر، مع تزايد المخاوف على مستقبل منصات التواصل الاجتماعي بشكل عام، و«تويتر» بشكل خاص، ثمة قلق يتصاعد فيما يخص تأثير هذه الضبابية على المنصات الصحافية التي تربطها أواصر قوية بشبكات التواصل الاجتماعي. وفي هذا الشأن يرى كيالي إن «ما يحدث داخل تويتر يمكن أن يرمي بظلاله لاحقاً على المؤسسات الصحافية... وعندما تعرضت منصات التواصل الاجتماعي لهزات اقتصادية طاحنة، لاحظنا أنها شنت هجوماً عنيفاً على الوسائل الإعلامية، ربما لأنها تدعي أن وسائل الإعلام تقلل من الفكرة الرئيسة التي نشأت على أساسها هذه المنصات، والتي هي التواصل الاجتماعي بين الأفراد، وليس نقل الأخبار والمعلومات».
ويتفق محمد عادل مع هذا الرأي الذي يضع لـ«تويتر» أهمية خاصة فيما يتعلق بنشر المعلومات. ثم يوضح: «تويتر منصة اجتماعية صحافية في المقام الأول... ولقد كانت محركاً أساسياً في الأزمات التي شهدها العالم، حتى في فترات الانتخابات الأميركية. تويتر كانت دائماً هي المنصة الأقوى والأسرع لانتشار المحتوى اللحظي، وبالتالي، فإن ارتباك تويتر ربما يرمي بظلاله على نموذج نقل المعلومات بشكل عام، وقد يعزز انتشار الشائعات والمعلومات الزائفة».


مقالات ذات صلة

«ملتقى صناع التأثير» ينطلق في الرياض بحوارات وشراكات بـ267 مليون دولار

يوميات الشرق وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري يلقي كلمة أمام الحضور (الملتقى)

«ملتقى صناع التأثير» ينطلق في الرياض بحوارات وشراكات بـ267 مليون دولار

انطلاق «ملتقى صناع التأثير»، الأربعاء، في الرياض، بصفته أكبر تجمع للمؤثرين في العالم.

عمر البدوي (الرياض)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

وافقت شبكة «إيه بي سي نيوز» على دفع 15 مليون دولار لصالح مكتبة دونالد ترمب الرئاسية، لتسوية دعوى قضائية تتعلق بتصريح غير دقيق من المذيع جورج ستيفانوبولوس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.