«مصباح زيت المطر» يقود «كاوست» لتطوير تقنية تجميد الكربون

تعمل على احتجازه عند درجة حرارة منخفضة لمواجهة تغير المناخ

استلهم واغستاف فكرة «مصباح زيت المطر» لتطوير تقنية احتجاز الكربون (أنستازيا سيرين)
استلهم واغستاف فكرة «مصباح زيت المطر» لتطوير تقنية احتجاز الكربون (أنستازيا سيرين)
TT

«مصباح زيت المطر» يقود «كاوست» لتطوير تقنية تجميد الكربون

استلهم واغستاف فكرة «مصباح زيت المطر» لتطوير تقنية احتجاز الكربون (أنستازيا سيرين)
استلهم واغستاف فكرة «مصباح زيت المطر» لتطوير تقنية احتجاز الكربون (أنستازيا سيرين)

في تطور نوعي، يقترب علماء من «جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)» من تطوير تقنية احتجاز وتجميد ثاني أكسيد الكربون عند درجة حرارة منخفضة، بصورة أكثر فاعلية وكفاءة من منهجية ما يسمى «الامتصاص أو إزالة الامتصاص».
هذا التطور يأتي بعد تحذير الأمين العام للأمم المتحدة لدول العالم قبيل انعقاد مؤتمر «كوب27» في مصر خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، حيث قال إن العالم على «طريق سريعة إلى جحيم مناخي».
وكما هو معلوم؛ فإن ثاني أكسيد الكربون يعدّ السبب الرئيسي للاحترار العالمي الذي يعدّ بدوره أحد أكثر التحديات إلحاحاً في مواجهة البشرية. ولمكافحة آثاره الكارثية المحتملة، يبحث العلماء عن تقنيات جديدة يمكن أن تساعد العالم في الوصول إلى الحياد الكربوني؛ أي التخلص من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الهائلة بطرق آمنة.
وحول التقنية التي تعمل «كاوست» على تطويرها، يقول كريستوفر واغستاف؛ الباحث في مرحلة الدكتوراه في «مركز أبحاث الاحتراق النظيف» بالجامعة: «يوجد في قلب تقنيتنا - لاحتجاز الكربون - ذات درجة الحرارة المنخفضة، جهاز يقوم برش سائل شديد البرودة على الغاز الصاعد من المداخن أو مصارف انبعاث الغاز. وفور ملامسة السائل البارد ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغاز، يتجمد على الفور، مما يُسّهل من مهمة جمعه وتخزينه».
كما يشير واغستاف إلى أنّ ثمة شروطاً يجب توافرها في رذاذ السائل البارد لتحسين هذه التقنية، وهو أن تكون قطرات هذا السائل متجانسةً ومتسقةً ومُكثّفةً، مع مراعاة توزيع القطرات بالتساوي، وهو ما تفتقده التصميمات الموجودة حالياً لهذه التقنية.
ويعمل واغستاف على حلّ هذا التحدّي تحت إشراف البروفسور ويليام روبيرتس، أستاذ الهندسة الميكانيكية في «كاوست»، وبعد استعراض المفاهيم المختلفة مع زملائه، وصل واغستاف إلى اعتقادٍ مفاده بأنّ التغيرات الطفيفة في الفوهات، أو أنماط الرش، لن تؤدي إلى تحسُّن كبير.
فكرة المصباح
في أحد الأيّام، بينما كان واغستاف يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، أسر انتباهه مجموعة تسمى «اكتشافات غريبة مستعملة»، في هذه المجموعة شارك شخص ما صورة لـ«مصباح زيت المطر»، الذي يعرفه منذ طفولته.
تلك المصابيح التي كانت شائعة في ستينات وسبعينات القرن الماضي قد سميت بهذا الاسم لأنك ترى الزيت يتدفق منها، مما يعطيها مظهراً كأنها تمطر. وكانت تأتي مع مجموعة متنوعة من الشخصيات في الداخل؛ من عجلة طاحونة إلى زوجين راقصين.
يقول واغستاف: «كان لدى أصدقاء العائلة مصابيح زيت المطر، وفي الوقت الذي كان فيه الكبار يثرثرون بأحاديث مملة، كنت أحدّق بشغف طفولي في هذا المصباح، حيث كنت أتتبع القطرات المنزلقة على طول الأسلاك المبللة بالزيت»، ويضيف: «الطريقة التي كانت تنزلق بها القطرات تأسر العين، والتي تتحرك في الغالب بانتظام وعلى نحوٍ متوقع، كماءٍ فوق شلال».
أدرك واغستاف أنّ تصميم تلك الأسلاك المبللة من الممكن أن يكون نواة لتطوير جهاز الرشّ الذي يستخدم في رش الرذاذ البارد لتجميد ثاني أكسيد الكربون، فيقول: «انزلاق القطرات على الأسلاك ربما يجعلها أكثر انتظاماً في الحجم وموزعة بدقة وبالتساوي، وربما تسقط بشكل أبطأ بكثير من القطرات عند السقوط الحر»، ويمكن للفريق البحثي احتجاز مزيد من ثاني أكسيد الكربون من غاز المداخن بشكل عملي عبر استخدام هندسة الأسلاك للتحكم بدقة في القطرات.
أجرى واغستاف تجارب واسعة النطاق؛ لتحديد التباعد بين الأسلاك الأكثر إحكاماً، وتحديد الاتجاهات الأفضل؛ تجنباً لامتزاج القطرات، واختبر أيضاً التوتر السطحي (التأثير الذي يجعل الطبقة السطحيّة لأي سائل تتصرف كورقة مرنة) تحت تدفق الغاز الوارد. وبشرت التجارب الأولية بالأسلاك المبللة بالزيت، بنتائج مبهرة.
ويقول البروفسور روبيرتس من جانبه: «إنّها مشكلة معقدة، لكن إذا ما أمكن هندسة ظاهرة الأسلاك المبللة في حلٍ عملي؛ فقد يقود ذلك إلى تغيير النظام من حيث الكفاءة وقابليته للتوسع». ويضيف واغستاف: «نعمل مع الشركات السعودية لعرض هذه التقنية والتي يمكن لها أيضاً أن تنجز كثيراً من المهام، فعمليات التقطير والتكرير - على سبيل المثال - يمكن أن تستفيد من هذه الفكرة».
جهود لإنقاذ الكوكب
أصبحت الحلول العلمية عنصراً أساسياً وفعالاً لمواجهة التغيرات المناخية وتأثيراتها المختلفة، فنحن اليوم نواجه تحديات كبيرة في العالم، خصوصاً تلك المتعلقة بالغذاء والمياه والطاقة والبيئة؛ وهي محاور الأبحاث الأربعة الاستراتيجية التي تبنتها «جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)» منذ افتتاحها في عام 2009. وانطلاقاً من ذلك، يعمل علماء الجامعة في مختلف التخصصات على قدم وساق في محاولة لفهم المخاطر والتحديات المرتبطة بتغيرات المناخ من أجل الخروج بحلول مبتكرة ومستدامة.
ولا شك في أن «كاوست» تمتلك ميزات خاصة تجعلها مهيأة تماماً لتولي مهمة معالجة تحديات تغيرات المناخ والتي ستعود بالنفع على المملكة العربية السعودية بصورة خاصة والعالم بصورة عامة. فموقعها الاستراتيجي على شواطئ البحر الأحمر يسمح لها بالوصول الفوري إلى بيئة بحرية فريدة تتميز عن باقي المسطحات المائية في العالم؛ لأنها أكثر ملوحة ودفئاً وتعدّ نموذجاً مهماً لدراسة تأثيرات ظاهرة الاحتباس الحراري في المحيطات. لهذا أنشأت الجامعة «مركز أبحاث البحر الأحمر» الذي يقوم ببحوث عديدة ومتقدمة لدراسة الآثار المحتملة لتغيرات المناخ على الأحياء البحرية في البحر الأحمر.
وتعتمد «كاوست» منهجاً متعدد التخصصات في التعامل مع تغيرات المناخ يجمع علماء الأحياء، والكيمياء، والهندسة الكهربائية، وعلماء الكومبيوتر... وغيرهم، لاكتشاف الحلول المبتكرة الموفرة للطاقة والفعالة من حيث التكلفة؛ سواءً أكان ذلك عبر تصنيع مواد جديدة ومتقدمة لعزل غاز ثاني أكسيد الكربون، أم تطوير الجيل المقبل من الوقود الحيوي، أم تصنيع بلورات ذات جودة عالية ترفع من طاقة الخلايا الشمسية.
من جانب آخر؛ ونظراً لإسهامات الجامعة في هذا المجال، فقد اختيرت ضمن هيئة الترشيح لجائزة «Earthshot» التي أسسها كل من الأمير ويليام؛ ولي عهد المملكة المتحدة حالياً، والاختصاصي في الطبيعة البريطاني السير ديفيد أتينبورو؛ في أكتوبر (تشرين الأول) 2020.
هذه الجائزة تدعم الجهود المبذولة لإنقاذ كوكب الأرض من التغيرات البيئية بتمويل يصل إلى 50 مليون جنيه إسترليني.
وتُكّرم الجائزة الأفراد والمجتمعات والشركات والمنظمات التي تقدم حلولاً واعدة لأكبر التحديات البيئية في العالم، في 5 مجالات رئيسية؛ هي: حماية الطبيعة واستعادتها، وتنقية الهواء، وإحياء المحيطات، وبناء عالم خالٍ من النفايات، وإصلاح المناخ.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة
TT

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة

ابتكر أليكس ويلشكو، مؤسس شركة الذكاء الاصطناعي «أوسمو»، وفريقه نسخة «ألفا» من جهاز خيالي بحجم حقيبة الظهر مزودة بمستشعر شمّ يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد المنتجات المقلدة من خلال تحليل تركيبها الكيميائي.

وأقامت شركة «أوسمو» (Osmo) شراكة مع منصات إعادة بيع الأحذية الرياضية لإظهار أن اختبار الشم عالي التقنية قادر على تحديد المنتجات المزيفة بدرجة عالية من الدقة.

الجزيئات المتطايرة تحدد الرائحة

كل شيء في العالم له رائحة، من الملابس إلى السيارات إلى جسمك. هذه الروائح هي جزيئات متطايرة، أو كيمياء «تطير» من تلك الأشياء وتصل إلى أنوفنا لتخبرنا بالأشياء. ويختبر الإنسان ذلك بوعي ووضوح عندما يكون هناك شيء جديد قرب أنفه، مثل شم سيارة جديدة أو زوج من الأحذية الرياضية. لكن حتى عندما لا تلاحظ الروائح، فإن الجزيئات موجودة دائماً.

رائحة المنتجات المقلَّدة

الأحذية المقلدة لها رائحة مختلفة عن الأحذية الحقيقية. إذ لا تختلف الأحذية الرياضية الأصلية والمقلدة في المواد، فحسب، لكن في التركيب الكيميائي. حتى الآن، اعتمدت شركات مثل «استوكس» (StockX) على اختبارات الشم البشري والفحص البصري لتمييز الأصالة - وهي عملية تتطلب عمالة مكثفة ومكلفة. وتهدف التقنية الجديدة إلى تبسيط العملية.

خريطة تحليل الفوارق اللونية

تدريب الذكاء الاصطناعي على الاختلافات الجزيئية

ووفقاً لويلشكو، درَّب فريقه «الذكاء الاصطناعي باستخدام أجهزة استشعار شديدة الحساسية للتمييز بين هذه الاختلافات الجزيئية».

وستغير هذه التكنولوجيا كيفية إجراء عمليات التحقق من الأصالة في الصناعات التي تعتمد تقليدياً على التفتيش اليدوي والحدس. وتهدف إلى رقمنة هذه العملية، وإضافة الاتساق والسرعة والدقة.

20 ثانية للتمييز بين المزيف والحقيقي

ويضيف أن آلة «أوسمو» تستغرق الآن نحو 20 ثانية للتمييز بين المنتج المزيف والحقيقي. وقريباً، كما يقول، ستقل الفترة إلى خمس ثوانٍ فقط. وفي النهاية، ستكون فورية تقريباً.

تم بناء أساس التقنية على سنوات من العمل المخبري باستخدام أجهزة استشعار شديدة الحساسية، كما يصفها ويلشكو، «بحجم غسالة الأطباق»، ويضيف: «تم تصميم أجهزة الاستشعار هذه لتكون حساسة مثل أنف الكلب، وقادرة على اكتشاف أضعف البصمات الكيميائية».

وتعمل هذه المستشعرات على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وتجمع باستمرار البيانات حول التركيب الكيميائي لكل شيء من البرقوق والخوخ إلى المنتجات المصنعة»، كما يوضح ويلشكو.

خريطة الرائحة الرئيسية

تشكل البيانات التي تم جمعها العمود الفقري لعملية تدريب الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة، والتي تساعد في إنشاء فهم عالي الدقة للروائح المختلفة ومنحها موقعاً في نظام إحداثيات يسمى خريطة الرائحة الرئيسية.

إذا كنت على دراية بكيفية ترميز ألوان الصورة في الصور الرقمية، فان الطريقة تعمل بشكل مماثل. إذ تقريباً، يتوافق لون البكسل مع مكان على خريطة RGB، وهي نقطة في مساحة ثلاثية الأبعاد بها إحداثيات حمراء وخضراء وزرقاء.

تعمل خريطة الرائحة الرئيسية بشكل مشابه، باستثناء أن الإحداثيات في تلك المساحة تتنبأ بكيفية ورود رائحة مجموعات معينة من الجزيئات في العالم الحقيقي. يقول ويلشكو إن هذه الخريطة هي الصلصة السرية لشركة «أوسمو» لجعل الاختبار ممكناً في الوحدات المحمولة ذات أجهزة استشعار ذات دقة أقل وحساسة تقريباً مثل أنف الإنسان.

من المختبر إلى الأدوات اليومية

يقول ويلشكو إنه في حين أن أجهزة الاستشعار المحمولة أقل حساسية من وحدات المختبر، فإن البيانات المكثفة التي يتم جمعها باستخدام أجهزة الاستشعار عالية الدقة تجعل من الممكن إجراء اكتشاف فعال للرائحة. مثل الذكاء الاصطناعي لقياس الصورة القادر على استنتاج محتويات الصورة لإنشاء نسخة بدقة أعلى بناءً على مليارات الصور من نموذجه المدرب، فإن هذا يحدث بالطريقة نفسها مع الرائحة. تعدّ هذه القدرة على التكيف أمراً بالغ الأهمية للتطبيقات في العالم الحقيقي، حيث لا يكون نشر جهاز بحجم المختبر ممكناً.

من جهته، يشير روهينتون ميهتا، نائب الرئيس الأول للأجهزة والتصنيع في «أوسمو»، إلى أن مفتاح عملية التعريف لا يتعلق كثيراً بالروائح التي يمكننا إدراكها، لكن بالتركيب الكيميائي للكائن أو الشيء، وما يكمن تحته. ويقول: «الكثير من الأشياء التي نريد البحث عنها والتحقق من صحتها قد لا يكون لها حتى رائحة محسوسة. الأمر أشبه بمحاولة تحليل التركيب الكيميائي».

وهو يصف اختباراً تجريبياً أجرته الشركة مؤخراً مع شركة إعادة بيع أحذية رياضية كبيرة حقق معدل نجاح يزيد على 95 في المائة في التمييز بين الأحذية المزيفة والأحذية الحقيقية.

إلا أن الطريقة لا تعمل إلا مع الأشياء ذات الحجم الكبير، في الوقت الحالي. ولا يمكن للتكنولوجيا التحقق من صحة الأشياء النادرة جداً التي تم صنع ثلاثة منها فقط، مثلاً.

هذا لأنه، كما أخبرني ويلشكو، يتعلم الذكاء الاصطناعي باستخدام البيانات. لكي يتعلم رائحة طراز جديد معين من الأحذية، تحتاج إلى إعطائه نحو 10 أزواج من الأحذية الرياضية الحقيقية. في بعض الأحيان، تكون رائحة البصمة خافتة لدرجة أنه سيحتاج إلى 50 حذاءً رياضياً أصلياً ليتعلم الطراز الجديد.

خلق روائح جديدة

لا يشم مختبر «أوسمو» الأشياء التي صنعها آخرون فحسب، بل يخلق أيضاً روائح جديدة داخل الشركة باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات نفسها. أظهر علماء الشركة كيف يعمل هذا بطريقة عملية خلال تجربة أطلقوا عليها اسم مشروع نقل الرائحة. لقد التقطوا رائحة باستخدام مطياف الكتلة للتفريق اللوني الغازي (GCMS)، الذي يحللها إلى مكوناتها الجزيئية ويحمل البيانات إلى السحابة. أصبحت هذه البيانات الملتقطة إحداثيات على خريطة الرائحة الرئيسية. بمجرد رسم الخريطة، يتم توجيه روبوت التركيب في مكان آخر لخلط عناصر مختلفة وفقاً لوصفة الرائحة، وإعادة إنشاء الرائحة الأصلية بشكل فعال.

رائحة مصنّعة لتعريف المنتجات

باستخدام تقنية تصنيع الرائحة نفسها، يتخيل ويلشكو أن «أوسمو» يمكن أن تدمج جزيئات عديمة الرائحة مباشرة في المنتجات بصفتها معرفاتٍ فريدة؛ مما يخلق توقيعاً غير مرئي لن يكون لدى المزورين أي طريقة لاكتشافه أو تكراره. فكر في هذا باعتباره ختماً غير مرئي للأصالة.

وتعمل شركة «أوسمو» على تطوير هذه العلامات الفريدة لتُدمج في مواد مثل الغراء أو حتى في القماش نفسه؛ ما يوفر مؤشراً سرياً لا لبس فيه على الأصالة.

هناك فرصة كبيرة هنا. وكما أخبرني ويلشكو، فإن صناعة الرياضة هي سوق بمليارات الدولارات، حيث أعلنت شركة «نايكي» وحدها عن إيرادات بلغت 60 مليار دولار في العام الماضي. ومع ذلك، تنتشر النسخ المقلدة من منتجاتها على نطاق واسع، حيث أفادت التقارير بأن 20 مليار دولار من السلع المقلدة تقطع هذه الإيرادات. وقد صادرت الجمارك وحماية الحدود الأميركية سلعاً مقلدة بقيمة مليار دولار فقط في العام الماضي في جميع قطاعات الصناعة، وليس فقط السلع الرياضية. ومن الواضح أن تقنية الرائحة هذه يمكن أن تصبح سلاحاً حاسماً لمحاربة المنتجات المقلدة، خصوصاً في أصعب الحالات، حيث تفشل الأساليب التقليدية، مثل فحص العلامات المرئية.

الرائحة هي مفتاح المستقبل

يرى ويلشكو أن النظام جزء من استراتيجية أوسع لرقمنة حاسة الشم - وهو مفهوم بدأ العمل عليه عند عمله في قسم أبحاث «غوغل». إن أساس النظام يكمن في مفهوم يسمى العلاقة بين البنية والرائحة. وتتلخص هذه العلاقة في التنبؤ برائحة الجزيء بناءً على بنيته الكيميائية، وكان مفتاح حل هذه المشكلة هو استخدام الشبكات العصبية البيانية.

إمكانات طبية لرصد الأمراض

إن الإمكانات الطبية لهذه التقنية هي تحويلية بالقدر نفسه. ويتصور ويلشكو أن النظام يمكن استخدامه للكشف المبكر عن الأمراض - مثل السرطان أو السكري أو حتى الحالات العصبية مثل مرض باركنسون - من خلال تحليل التغييرات الدقيقة في رائحة الجسم التي تسبق الأعراض غالباً.

لكنه يقول إنه حذّر بشأن موعد حدوث هذا التقدم؛ لأنه يجب على العلماء أن يحددوا أولاً العلامات الجزيئية لهذه الروائح قبل أن تتمكن الآلة من اكتشاف أمراض مختلفة. وتعمل الشركة بالفعل مع عدد من الباحثين في هذا المجال.

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»