انطلقت، أمس (السبت)، في العاصمة المكسيكية، جولة جديدة من المفاوضات بين الحكومة الفنزويلية والمعارضة، في ظل اختراق تمثل بتوصّل الطرفين إلى «اتفاق اجتماعي واسع النطاق» رحّبت به الإدارة الأميركية التي سمحت لشركة «شيفرون» النفطية باستئناف عملها في البلاد. وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن من شأن الاختراق الذي تحقّق أن يترجم تخفيفاً محتملاً للعقوبات الاقتصادية والسياسية الصارمة التي تفرضها واشنطن على كراكاس. وقال وزير الخارجية المكسيكي مارسيلو ايبرارد الذي بذل جهود وساطة بين الطرفين إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في قاعة اجتماعات أحد فنادق مكسيكو يشكّل «أملاً لاميركا اللاتينية برمتها».
والسبت وقّع طرفا الأزمة الفنزويلية اتفاقاً انسانياً يتمحور حول التعليم والصحة والأمن الغذائي والاستجابة للفيضانات وبرامج للكهرباء. كذلك اتّفقا على مواصلة المحادثات حول الانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في العام 2024.
وفور الإعلان عن توقيع الاتفاق في مكسيكو، أجازت وزارة الخزانة الأميركية لمجموعة شيفرون النفطية بأن تستأنف جزئياً أنشطة التنقيب في فنزويلا التي تختزن أكبر احتياطيات نفطية في العالم.
وأشارت الوزارة إلى أن الإجازة ستكون صالحة لمدة ستة أشهر، ستدرس خلالها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مدى وفاء حكومة نيكولاس مادورو بالتعهّدات التي قطعتها في الاتفاق الموقع السبت.
ومن أبرز النقاط التي يتضمنها الاتفاق، استعداد الطرفين للإفراج عن الودائع المالية الضخمة المجمدة في الخارج، بمساعدة الإدارة الأميركية التي قالت مصادر مواكبة لهذه المفاوضات إنها تعهدت بتوفير الضمانات للمصارف وصناديق الاستثمار التي توجد لديها الودائع، على أن يخصص جزء منها لتمويل الحكومة الفنزويلية، والجزء الآخر لصندوق مساعدات إنسانية بإشراف الأمم المتحدة.
وتقول مصادر النظام الفنزويلي إن المصرف المركزي البريطاني يحتجز 31 طناً من سبائك الذهب العائدة لفنزويلا، وإنّ الأرصدة المجمدة في مصارف الولايات المتحدة تقارب خمسة مليارات دولار.
وفي حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط»، قال مصدر مسؤول في المعارضة الفنزويلية، إن هذه الجولة الجديدة من المفاوضات جاءت ثمرة حاجة مزدوجة للطرفين: النظام الذي نضبت مصادر تمويله، والإدارة الأميركية الراغبة في عودة فنزويلا إلى سوق النفط العالمية بقدراتها الإنتاجية السابقة.
وأضاف المصدر أن المعارضة حصلت على تأكيدات من الجانب الأميركي، بأن أي اتفاق مع النظام يبقى مشروطاً بالهدف النهائي المنشود من المفاوضات، وهو إجراء انتخابات رئاسية واشتراعية حرة تحت إشراف مباشر من الأمم المتحدة والأسرة الدولية. وقال إن القوى والأحزاب المعارضة توافقت على تقديم مرشح واحد ضد الرئيس الحالي نيكولاس مادورو، تحدده انتخابات أولية تجريها أطياف المعارضة مطالع العام المقبل.
وكان لافتاً أن الإعلان عن استئناف هذه المفاوضات صدر عن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بترو الذي لعب دوراً أساسياً، إلى جانب النرويج وهولندا وروسيا، لتقريب وجهات النظر بين المعارضة والنظام، مدعوماً أيضاً من الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرناديز، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي نشط في الفترة الأخيرة على خطوط التواصل لمعالجة الأزمة الفنزويلية.
ولدى وصوله أمس إلى مكسيكو، صرّح خورخي رودريغيز، رئيس الوفد الرسمي المفاوض والذراع اليمنى لمادورو، بأن أولوية الحكومة في الوقت الراهن هي «استعادة الموارد المشروعة التي تملكها الدولة الفنزويلية والمجمدة حالياً في النظام المالي العالمي». وأضاف أن هذه الموارد ستخصص لتعزيز النظام الصحي والبنى التحتية وشراء الأدوية واللقاحات.
ويضمّ وفد النظام الفنزويلي، إلى جانب رودريغيز، أحد أبناء مادورو الذي يحمل نفس اسمه، وزوجة أليكس صعب، رجل الأعمال الكولومبي المنحدر من أصول لبنانية الموجود في عهدة العدالة الأميركية، حيث يخضع للمحاكمة بتهم غسل الأموال وانتهاك العقوبات المفروضة على النظام الفنزويلي، ما يدلّ على أنه في مرحلة ما من المفاوضات ستطلب حكومة مادورو الإفراج عن صعب الذي كان لسنوات الوسيط الرئيسي للنظام في صفقاته مع الخارج.
تجدر الإشارة إلى أن جولات المفاوضات السابقة التي كانت قد قطعت شوطاً بعيداً في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، توقفت فجأة عندما قرر وفد النظام مغادرتها إثر تسليم سلطات الرأس الأخضر أليكس صعب إلى العدالة الأميركية.
وتقول مصادر مواكبة لهذه المفاوضات إن واشنطن هي التي عادت واستأنفت التواصل مع النظام الفنزويلي مطلع الربيع الفائت، بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا. وكان مادورو اعترف، في خطاب متلفز أواخر مارس (آذار) الماضي، بأنه اجتمع مع عدد من كبار المسؤولين الأميركيين في أجواء سادها «الاحترام والودّ والدبلوماسية». وقال: «اتفقنا على العمل انطلاقاً من الاحترام المتبادل والأمل، من أجل التقدم على مسار السلام والرفاهية لشعوب المنطقة».
وتعتقد هذه المصادر أن مبادرة الإدارة الأميركية تراهن على أن هذه المفاوضات التي يديرها خوان غونزاليس، مستشار البيت الأبيض الخاص لشؤون أميركا اللاتينية، لن تساعد فحسب على عودة فنزويلا إلى سوق النفط العالمية وكبح صعود أسعاره في الولايات المتحدة، بل من شأنها أن تمهّد لابتعاد النظام الفنزويلي عن روسيا وإيران.
يشار إلى أن مادورو أعلن، مطلع هذا العام، أن إنتاج النفط الفنزويلي بلغ مليون برميل يومياً، وأنه في نهاية السنة الجارية سيصل إلى مليونين. لكن بيانات الوكالة الدولية للطاقة تفيد بأن الإنتاج الفنزويلي حالياً لا يتجاوز 700 ألف برميل يومياً، ويواجه صعوبات تقنية كبيرة.
اتفاق بين الحكومة الفنزويلية والمعارضة... وترحيب أميركي
واشنطن تجيز لمجموعة «شيفرون» النفطية باستئناف أنشطة التنقيب
اتفاق بين الحكومة الفنزويلية والمعارضة... وترحيب أميركي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة