«الجمعة السوداء» حلبة صراع بين الواقع والأحلام

كأس العالم ينضم إلى «تحالف» التضخم والتقشف

أميركيتان تأخذان لحظة للراحة في الجمعة السوداء في مركز للتسوق بناشفيل في ولاية تينيسي (أ.ف.ب)
أميركيتان تأخذان لحظة للراحة في الجمعة السوداء في مركز للتسوق بناشفيل في ولاية تينيسي (أ.ف.ب)
TT

«الجمعة السوداء» حلبة صراع بين الواقع والأحلام

أميركيتان تأخذان لحظة للراحة في الجمعة السوداء في مركز للتسوق بناشفيل في ولاية تينيسي (أ.ف.ب)
أميركيتان تأخذان لحظة للراحة في الجمعة السوداء في مركز للتسوق بناشفيل في ولاية تينيسي (أ.ف.ب)

تأتي «الجمعة السوداء» والتي تعد فاتحة لموسم التسوق الشتوي، هذا العام في وقت حساس، مع تراكم ضغوط كبرى من التضخم إلى التقشف على كاهل المستهلكين في نهاية الأمر. ويترقب الجميع ما ستسفر عنه من أرقام، والتي ربما تكون «مقياسا» جيدا لمدى قدرة المستهلكين «المستنزفين» على الاستمرار في الإنفاق، الذي يعد أحد أهم شرايين النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.
ورغم أن المعطيات القائمة تشير إلى واقع محبط، مع مشاهد تشير إلى تراجع اقتصادي في «الصين المغلقة» أو «بريطانيا المضربة»، وصولا إلى «أميركا المتأففة» من زيادة الأسعار، فإن الآمال لا تزال قائمة بقوة، حيث قد تعطي «الجمعة السوداء» شريان أمل جديد لتجارة التجزئة في ظل موجات التضخم التي اجتاحت العالم على مدار عام كامل، وتبعات فيروس كورونا التي تلوح في الأفق من جديد، بالتزامن مع ارتفاع محتمل في حالات الإفلاس.
وقال أوين باسيت، خبير البيع بالتجزئة ومدير الاكتتاب في أرتيدس التي توفر تأمين الائتمان التجاري، في تصريحات نشرتها «فاينانشيال تايمز»، إن الجمعة السوداء مهمة للغاية لتجار التجزئة هذا العام.
وكان طلب المستهلكين منخفضا نسبيا حتى هذه اللحظة من العام، وربما كان أول المؤشرات على «الخريف الصعب» ما شهده «يوم العزاب» في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي من نتائج هي الأضعف في تاريخه على الإطلاق.
وفي ظل الضغوط أصبح يتعين على الناس اتخاذ قرارات صعبة حول المكان الأجدر بالصرف الذي ينفقون فيه أموالهم في ضوء ارتفاع تكلفة المعيشة... وبذلك قد تصبح «الجمعة السوداء» فرصة لتجار التجزئة لإغراء المستهلكين بفك قيودهم المالية.
شركات في مأزق
وتأمل الشركات في الاستفادة من عروض الجمعة السوداء الترويجية كفرصة للتخلص من فائض المخزون الذي يحتفظون به، وتوليد النقد من أجل تحسين آفاقهم الاقتصادية للعام المقبل. وإذا فشل تجار التجزئة في إدارة مخزونهم وسلسلة التوريد الخاصة بهم بشكل فعال، فقد نواجه تدفقا للإعسار في هذا القطاع في الربع الأول من عام 2023.
وقد يتعين على الشركات في بريطانيا مثلا تقديم خصومات أكثر قوة من المعتاد، لتشجيع المتسوقين على قضاء يوم «الجمعة السوداء»، في ظل إضرابات لا تتوقف... لكن هذا سيؤذي هوامش الربح.
ويرى المحللون أن الشركات سوف تكافح بشدة من أجل الحصول على قدر جماعي مخفض من الإنفاق الاستهلاكي المحتمل. ومع ذلك، تواجه الشركات أيضا زيادة كبيرة في التكاليف من الطاقة إلى الأجور إلى المواد، وسيؤدي هذا المزيج المزعج من التكاليف المتزايدة والخصومات المرتفعة إلى الضغط على الهوامش، مما يجعل من الصعب على تجار التجزئة الحفاظ على أرباحهم. وقد يعانون أيضا من مخلفات كثير من المخزون إذا كانت المبيعات أقل من التوقعات، مما قد يؤدي إلى المزيد من الخصومات بعد عيد الميلاد في العام الجديد وحتى بهوامش ربح ضيقة.
ولا تزال أسهم التجزئة الأميركية، وهي مقياس لثقة المستهلك مع اشتداد التضخم، تحت الضغط بعد هدوء في أرقام مبيعات أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني).
مستهلكون مستنزفون
ورغم العروض والخصومات، فإن المستهلكين المستنزفين ماديا، أصبحوا يترقبون مزيدا من الخصومات والعروض، متوقعين أن الانتظار لما بعد «الجمعة السوداء» سيكون أكثر مناسبة للشراء.
وتعني أزمة تكلفة المعيشة المتفاقمة أن المتسوقين في المملكة المتحدة وأوروبا سيكونون عازمين على إيجاد تخفيضات قوية. وتوصلت الأبحاث التي أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية إلى أن المتسوقين في أوروبا يخططون لإنفاق ما يقرب من الخمس خلال فترة الخصم السنوية لهذا العام، بسبب ضغط التضخم.
ومن المقرر أن يخفض المستهلكون في بريطانيا بأكبر هامش في المنطقة، حيث ينفقون أقل بنحو 18 بالمائة، بينما يخطط المستهلكون في فرنسا وألمانيا لخفض إنفاقهم بنحو 15 بالمائة، وإسبانيا بنسبة 13 بالمائة.


مقالات ذات صلة

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

الاقتصاد مفوض الاتحاد الأوروبي للعمل المناخي فوبكي هوكسترا في مؤتمر صحافي على هامش «كوب 29» (رويترز)

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

تتواصل المفاوضات بشكل مكثّف في الكواليس للتوصل إلى تسوية نهائية بين الدول الغنية والنامية رغم تباعد المواقف في مؤتمر المناخ الخميس.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد أشخاص يقومون بتعديل لافتة خارج مكان انعقاد قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة (أ.ب)

أذربيجان تحذر: «كوب 29» لن ينجح دون دعم «مجموعة العشرين»

استؤنفت محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، يوم الاثنين، مع حث المفاوضين على إحراز تقدم بشأن الاتفاق المتعثر.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد سفينة شحن في نهر ماين أمام أفق مدينة فرنكفورت الألمانية (رويترز)

«المركزي الألماني»: خطط ترمب الجمركية نقطة تحول في التجارة العالمية

أعرب رئيس البنك المركزي الألماني عن خشيته من حدوث اضطرابات في التجارة العالمية إذا نفّذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خططه الخاصة بالتعريفات الجمركية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد لافتة للبنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

ناغل من «المركزي الأوروبي»: تفكك الاقتصاد العالمي يهدد بتحديات تضخمية جديدة

قال عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، يواخيم ناغل، إن هناك تهديداً متزايداً بتفكك الاقتصاد العالمي، وهو ما قد يضع البنوك المركزية أمام تحديات تضخمية جديدة.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)
الاقتصاد يقف المشاركون وموظفو الأمن خارج مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في باكو (إ.ب.أ)

الدول في «كوب 29» لا تزال بعيدة عن هدفها بشأن التمويل المناخي

كانت عوامل التشتيت أكبر من الصفقات في الأسبوع الأول من محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، الأمر الذي ترك الكثير مما يتعين القيام به.

«الشرق الأوسط» (باكو)

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
TT

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)

تواصل الأسهم الأميركية تعزيز تفوقها على منافسيها العالميين، ويعتقد العديد من المستثمرين أن هذه الهيمنة قد تزداد إذا تمكن الرئيس المنتخب دونالد ترمب من تنفيذ برنامجه الاقتصادي بنجاح، دون الانجرار إلى حرب تجارية شاملة أو تفاقم العجز الفيدرالي.

وحقق مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» زيادة تفوق 24 في المائة في عام 2024، مما جعله في الصدارة بين مؤشرات الأسهم في أوروبا وآسيا والأسواق الناشئة. وبمعدل 22 ضعفاً للأرباح المستقبلية المتوقعة، فإن علاوته مقارنة بمؤشر «إم إس سي آي» للأسواق من أكثر من 40 دولة، تعد الأعلى منذ أكثر من عقدين، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي». وعلى الرغم من أن الأسهم الأميركية قد تفوقت على نظيراتها العالمية لأكثر من عقد من الزمان، فإن الفجوة في التقييم قد اتسعت هذا العام بفضل النمو الاقتصادي المتين والأرباح القوية للشركات، لا سيما في قطاع التكنولوجيا، حيث ساعدت التطورات المثيرة في مجال الذكاء الاصطناعي على تعزيز أسهم شركات رائدة مثل «إنفيديا».

ويعتقد بعض المشاركين في السوق أن أجندة ترمب الاقتصادية، التي تشمل تخفيض الضرائب، وتخفيف القيود التنظيمية، وحتى فرض الرسوم الجمركية، قد تعزز من تفوق الولايات المتحدة، متفوقة على المخاوف المتعلقة بتأثيراتها المزعزعة المحتملة على الأسواق وزيادة التضخم.

وقال رئيس استراتيجية الأسهم الأميركية في بنك «باركليز»، فينو كريشنا: «نظراً للتوجهات المؤيدة للنمو في هذه الإدارة الجديدة، أعتقد أنه سيكون من الصعب مواجهة الأسهم الأميركية، على الأقل في عام 2025». وكانت هناك مؤشرات على تزايد تفضيل المستثمرين للأسهم الأميركية مباشرة بعد الانتخابات التي جرت في 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما استقبلت صناديق الأسهم الأميركية أكثر من 80 مليار دولار في الأسبوع الذي تلا الانتخابات، في حين شهدت صناديق الأسهم الأوروبية والأسواق الناشئة تدفقات خارجة، وفقاً لبنك «دويتشه».

ويعد «مورغان ستانلي»، و«يو بي إس» لإدارة الثروات العالمية، ومعهد الاستثمار «ويلز فارغو» من بين المؤسسات التي توصي بزيادة الوزن للأسهم الأميركية في المحافظ الاستثمارية أو تتوقع تفوقها في العام المقبل.

محرك الأرباح

أحد المحركات الرئيسية لقوة الأسهم الأميركية هو ميزة أرباح الشركات الأميركية، حيث من المتوقع أن ترتفع أرباح شركات «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 9.9 في المائة هذا العام وبنسبة 14.2 في المائة في 2025، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي». وفي المقابل، من المتوقع أن ترتفع أرباح الشركات في مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي بنسبة 1.8 في المائة هذا العام وبنسبة 8.1 في المائة في 2025.

وقال كبير الاستراتيجيين الاستثماريين في «ستيت ستريت غلوبال أدفايزر»، مايكل أرون: «الولايات المتحدة تظل المنطقة الجغرافية التي تحقق أعلى نمو في الأرباح وأكبر قدر من الربحية على مستوى العالم».

ويسهم الدور المهيمن للشركات التكنولوجية العملاقة في الاقتصاد الأميركي، وأوزانها الكبيرة في مؤشرات مثل «ستاندرد آند بورز 500»، في تعزيز هذا النمو. إذ تبلغ القيمة السوقية لأكبر خمس شركات أميركية («إنفيديا» و«أبل» و«مايكروسوفت» و«أمازون دوت كوم» وألفابت) أكثر من 14 تريليون دولار، مقارنة بحوالي 11 تريليون دولار لجميع شركات «ستوكس 600»، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي».

وعلى نطاق أوسع، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 2.8 في المائة في 2024 وبنسبة 2.2 في المائة في 2025، مقارنة بنسبة 0.8 في المائة هذا العام و1.2 في المائة في العام المقبل لمجموعة من حوالي 20 دولة تستخدم اليورو، وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي.

وقد تساعد خطط ترمب لزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الولايات المتحدة في تعزيز هذا التفوق، رغم المخاطر التي قد تترتب على ذلك، وفقاً لما قاله مايك مولاني، مدير أبحاث الأسواق العالمية في «بوسطن بارتنرز»، الذي يفضل الأسهم الأميركية. وقال مولاني: «إذا فرض ترمب رسوماً جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على السلع الأوروبية، فإنهم سيتأثرون أكثر منا بشكل نسبي».

وقد دفع تحكم الجمهوريين في السلطة في واشنطن، ما يسهل على ترمب تنفيذ أجندته، اقتصاديي «دويتشه بنك» إلى رفع توقعاتهم لنمو الاقتصاد الأميركي في 2025 إلى 2.5 في المائة مقارنة بـ 2.2 في المائة.

وبينما من المتوقع أن تعزز تخفيضات الضرائب وإلغاء القيود التنظيمية النمو الاقتصادي، فإن الهوامش الضيقة نسبياً في الكونغرس الأميركي وحساسية الإدارة تجاه ردود الفعل السوقية قد تحدان من نطاق بعض السياسات «المتطرفة»، مثل الرسوم الجمركية، كما ذكر البنك في تقريره الأخير.

من جانبه، يتوقع «يو بي إس» لإدارة الثروات العالمية أن يصل مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى 6600 في العام المقبل، مدفوعاً بالتطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، وانخفاض أسعار الفائدة، وتخفيضات الضرائب، وإلغاء القيود التنظيمية. وأغلق المؤشر عند 5948.71 يوم الخميس. مع ذلك، قد تؤدي حرب تجارية شاملة مع الصين ودول أخرى إلى التأثير سلباً على نمو الاقتصاد الأميركي وزيادة التضخم. وفي سيناريو يتم فيه فرض دول ردود فعل على الرسوم الجمركية الأميركية الواسعة، قد ينخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى 5100، رغم أن الأسهم العالمية ستتراجع أيضاً، وفقاً لتوقعات «يو بي إس».

ويمكن أن تكون بعض القطاعات في السوق أكثر عرضة لتأثيرات سياسات ترمب، حيث أدت المخاوف بشأن خطط تقليص الفائض البيروقراطي إلى تراجع أسهم شركات المقاولات الحكومية الأسبوع الماضي، بينما تراجعت أسهم شركات الأدوية بعد اختيار ترمب للمشكك في اللقاحات روبرت ف. كينيدي جونيور لقيادة وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.

كما قد تثير التخفيضات الضريبية الواسعة القلق بشأن زيادة الدين الأميركي. وقد أسهمت المخاوف المتعلقة بالعجز في تراجع بيع السندات الحكومية الأميركية مؤخراً، مما دفع عائد سندات الخزانة الأميركية لمدة 10 سنوات إلى أعلى مستوى له في خمسة أشهر الأسبوع الماضي.

وفي الوقت نفسه، قد تصبح الفجوة في التقييم بين الولايات المتحدة وبقية العالم واسعة لدرجة تجعل الأسهم الأميركية تبدو باهظة الثمن، أو قد تصبح الأسهم الدولية رخيصة للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها. ومع ذلك، في الوقت الراهن، تظل الاتجاهات طويلة المدى لصالح الولايات المتحدة، مع ارتفاع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بأكثر من 180 في المائة مقارنة بارتفاع بنسبة 50 في المائة تقريباً لمؤشر «ستوكس» في أوروبا على مدار العقد الماضي. وقال رئيس استراتيجيات الأصول المتعددة في «روبيكو»، كولين غراهام: «الزخم شيء رائع. إذا كان لديك شيء يستمر في التفوق، فإن المستثمرين سيتبعون الأموال».