رمضان في أميركا: كل عام تزيد أعداد الصائمين ويزيد الاهتمام بهم

البيت الأبيض استضاف عام 1805 أول إفطار رمضاني أقامه الرئيس جيفرسون لدبلوماسي تونسي

الرئيس باراك أوباما أقام الأسبوع الماضي حفل الإفطار السنوي في البيت الأبيض حسب التقليد المتبع (رويترز)
الرئيس باراك أوباما أقام الأسبوع الماضي حفل الإفطار السنوي في البيت الأبيض حسب التقليد المتبع (رويترز)
TT

رمضان في أميركا: كل عام تزيد أعداد الصائمين ويزيد الاهتمام بهم

الرئيس باراك أوباما أقام الأسبوع الماضي حفل الإفطار السنوي في البيت الأبيض حسب التقليد المتبع (رويترز)
الرئيس باراك أوباما أقام الأسبوع الماضي حفل الإفطار السنوي في البيت الأبيض حسب التقليد المتبع (رويترز)

كل عام، خصوصا منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، يزيد اهتمام الأميركيين بالإسلام والمسلمين، وليس فقط حول «داعش» و«القاعدة»، ولكن حول عادة إيجابية صارت، خاصة في الإعلام الأميركي، واحدة من عادات الاحتفالات السنوية الأميركية، ربما مثل عيد الشكر، وأعياد الكريسماس: حفلات الإفطار في رمضان.
مع بلوغ الأيام العشرة الأخيرة في رمضان، شهدت واشنطن احتفالات ربما لم يسبق لها مثيل: إفطار البيت الأبيض السنوي (لم يكن موجودا قبل هجمات 11 سبتمبر)، إفطار الكونغرس (لم يكن موجودا حتى قبل سنوات قليلة)، إفطار غير مسلمين (عادة جديدة، تقيم فيها شخصية، أو جمعية غير مسلمة، إفطارا للمسلمين وغير المسلمين).
الأسبوع الماضي، قدم تلفزيون «سي إن إن» برنامجا عن الصيام في دول إسلامية، مثل: بنغلاديش، وماليزيا، وأفغانستان، والمغرب. وقدم تلفزيون «فوكس» برنامج «رمضان و(داعش)»، عن الصوم في سوريا والعراق، مع نشاطات «داعش» وغيرها من المنظمات الإرهابية. وقدم، أيضا، برنامجا عن المسلمين في ولاية أريزونا، حيث كان متطرفون مسيحيون تظاهروا، قبل شهرين، أمام مسجد، وهم يحملون بنادق ومسدسات، ويرتدون قمصانا عليها عبارات مسيئة جدا للإسلام (في البرنامج ظهر اثنان منهم، وأعلنا «التوبة»، وحضرا إفطار رمضان في المسجد نفسه).
أمس الاثنين، تابعت صحيفة «واشنطن بوست» يوم صيام في حياة كيث إليسون، أول عضو كونغرس مسلم (ديمقراطي، ولاية مينيسوتا). رافقته الصحافية روكسانا روبرت. وسمعت نصيحة والدته الكبيرة في السن: «تأكد أن تتناول بعض البروتينات في وجبة (السحور). كل ليلة، جهز وجبة فيها لحم دجاج». وقوله: «أحس بالتعب أثناء النهار. أحس، حقيقة، بأن الغذاء هو وقود الإنسان. لأن الشخص يعرف عندما ينفد وقوده. بسبب عملي (في الكونغرس)، أحس أنه لا بد من نضال من أجل التركيز في العمل مع نهاية اليوم».
وكتبت روبرت: «يبدو إليسون متعبا، لكن مع بهجة، ومع مرح، في ظهر يوم صيام». وبالإضافة إلى عمله في الكونغرس، عليه تلبية دعوات إفطار، ربما كل يوم. ولأن الشمس تغيب في واشنطن بعد الثامنة والنصف مساء. عادة يستمر برنامجه، خارج نطاق الكونغرس، إلى منتصف الليل تقريبا.
مرات كثيرة، جلس إليسون في حملات انتخابية ودعايات سياسية، حيث تناول الضيوف الآخرون طعام الغداء، إلا هو. وتندر: «أنا على ما يرام مع ذلك، ولا أحد لاحظ لأنهم كانوا مشغولين بالأكل والحديث».
قال إليسون إنه اعتنق الإسلام عندما كان عمره 19 عاما. وظل يصوم خلال شهر رمضان لأكثر من 30 عاما، قال إنه يستيقظ في الرابعة صباحا ليأكل ويصلي، ثم يعود للنوم، ثم يستيقظ ليكون في مكتبه في الكونغرس في السابعة والنصف صباحا.
وأضاف: «طبعا، تقل ممارساتي الرياضية اليومية. هي عادة 40 دقيقة، لكنها 20 دقيقة خلال شهر رمضان»، وقال: «كان رمضان يرعبني. لكن، صرت أتطلع إليه، وأستمتع به. إنه، حقيقة، وقت للتفكير في حياتك، وفي تقييم قيمك الأخلاقية».
من العادات الجديدة المتزايدة وسط الأميركيين حول رمضان، اهتمام مكتبة الكونغرس به. هذا العام، أقامت معرضا صغيرا عنه، وفيه إشارات إلى أول مهاجرين (بعض الأميركيين من أصول أفريقية الذين أحضروا إلى هنا كانوا مسلمين)، وأول مسجد (في ولاية أيوا)، وأول إفطار رمضان في البيت الأبيض (يوم 9 ديسمبر/ كانون الأول عام 1805، عندما دعا الرئيس توماس جيفرسون الدبلوماسي التونسي سيدي سليمان مليملي. كان دعاه قبل أيام، واعتذر بسبب الصيام، فدعاه جيفرسون مرة أخرى).
وفي ضواحي واشنطن، قدم المتحف الأفريقي التاريخي (غير المتحف الذي يجري بناؤه في «ناشيونال مول» الميدان الرئيسي في واشنطن)، عرضا عن المسلمين الأوائل، وعن إصرارهم على إسلامهم، رغم أنهم كانوا رقيقا. حسب معلومات مكتبة الكونغرس، في عام 1996، دعا الرئيس بيل كلينتون لحفل بمناسبة عيد الفطر. وفي عام 2002، بدأ الرئيس جورج دبليو بوش استضافة حفلات إفطار في البيت الأبيض، وصارت سنوية. وفي عام 2009، تبعه الرئيس باراك أوباما.
في الأسبوع الماضي، في حفل أوباما السنوي، قال: «أعلم أن هذه هي أطول أيام السنة، ولهذا السبب أنا سعيد للغاية لأنهم وضعوا الطعام (مع غروب الشمس). أعلم أنكم جوعي، ولهذا السبب، أعدكم ألا أتكلم طويلا».
كان من بين ضيوف أوباما سفراء عرب. وقال يوسف العتيبة، سفير الإمارات العربية المتحدة: «حقا، يجعل الصيام الناس يقدرون ما يملكون، ويتعاطفون مع الذين هم أقل حظا منهم».
وقال سالم الصباح، سفير الكويت: «أعتقد أن هذا هو أصعب عام. لكن، لا بد من كثير من الانضباط. في وظيفتي، نحن نتحدث طول اليوم.. يصير الشخص عطشانا. هذا، بالنسبة لي، هو التحدي الأكبر».
وقالت حنينة المغيري، سفيرة عمان: «اليوم الأول هو الأصعب.. ترى الناس يتجولون وهم يحملون أكواب القهوة أو الشاي، صورة مغرية، خاصة في الصباح».
وقال أمير سيليك، رئيس «رومي فورام» (منتدى جلال الدين الرومي) إنه يحضر مآدب رمضان ربما كل يوم في هذا الشهر. واستضاف المنتدى مأدبة للمسؤولين الحكوميين والدبلوماسيين في أول أيام رمضان.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».