تقف المدن الثلاث «العلا، وتيماء، وخيبر»، الواقعة في شمال غربي السعودية، كثالوث لوجهة ملحمية وثقافية تحكي حقباً زمنية مختلفة، تروى من خلال «مهرجان الممالك القديمة».
عادة يقف الإنسان أمام كومة من الأسئلة وتزداد بحثاً واستكشافاً وأنت توجه بوصلتك نحو الشقيقات الثلاث: «العلا، وتيماء، وخيبر» التي هي في كل يوم مختلفة متجددة نابضة بالحياة.
صورة جوّية لـ«ثالوث العلا»
«الممالك القديمة»؛ هو العنوان العريض لمهرجان يبحر بك في عالم غير الذي أنت فيه، عالم لا يتحدث إلا عن أساطير وموروث للعصور القديمة في المنطقة الشمالية الغربية من السعودية، تحديداً في الواحات الثلاث: «العلا، وتيماء، وخيبر» التي كانت مفترق طرق للثقافة في العصور القديمة، ومراكز النفوذ والثروة والسلطة لتلك الحقب، لذلك لا بد من أن تدرك وأنت تهبط في «العلا» أن كل شيء مختلف في التاريخ والمضمون اللذين تحتضنهما المدينة بين جنباتها وفي كل الاتجاهات؛ بما في ذلك مفهوم السياحة الذي تقوده «الهيئة الملكية لمحافظة العلا»، وتعمل غيه وفق خطة طويلة الأجل لتطوير وتقديم تحوّل حساس ومستديم للمنطقة، مع خلق مجتمع نابض بالحياة واقتصاد مزدهر يدعم المجتمعات.
ملامح من المدينة العتيقة
ومن المواقع المتاحة للمرة الأولى ضمن «مهرجان الممالك القديمة»؛ «تيماء، وخيبر»، لمشاهد كثيرة من التاريخ والحكايات، التي لن تجدها إلا في شمال غربي شبه الجزيرة العربية... العلا تحتضن مزيجاً من الحضارات بوصفها واحة حيوية على «طريق البخور» القديم، ونجحت في إحياء مواقع التراث الرئيسية؛ بما في ذلك دادان ومدينة العلا القديمة وجبل عكمة وموقع التراث العالمي لليونسكو؛ الحجر، لتشكل الواحات الثلاث وجهة ثقافية فريدة تحمل أصداء ترابطها التاريخي وتمثل تجديداً للأبعاد الاقتصادية والبيئية والثقافية لتصبح أكبر متحف حي في العالم، مما يخلق رحلات اكتشاف في تلك المواقع الرائعة التي حدث فيها التاريخ.
وسيتمكن زائرو خيبر من رؤية منظر جوي استثنائي وغير معتاد للمناظر الطبيعية الصحراوية البركانية الخلابة والهياكل الضخمة التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ بواسطة منطاد الهواء الساخن أو الهليكوبتر، وهي حالة استثنائية لن تشعر بها وصفاً كما تعيشها وأنت تطلق العنان لمعايشة التاريخ بأسلوب فريد، ولا يختلف الوضع كثيراً في تيماء وأنت فيه، من خلال إطلاق العنان لقوة التاريخ بطرق إبداعية، مع كل نقطة اتصال تسترشد بالبحث، ويمكن أن يكتشف الجمهور الآتي إلى المهرجان بنفسه؛ ليس فقط رحلة مع الزمن، بل ويكتشف مفترقاً مهماً للثقافات وتاريخاً تخطى المكان والزمان.
تحتضن خيبر «مصائد حجرية» من العصر الحجري
وتحتضن خيبر؛ الواقعة بين المزارع والعيون وتحيطها فوهات البراكين والحصون، التاريخ، حين كانت مركزاً اقتصادياً للجزيرة العربية لكثرة الموارد الطبيعية فيها، واحتضانها أكثر من 300 عين جارية، بالإضافة لحصونها المنيعة التي شيدت على يد «العماليق»، وهم من قبائل العرب البائدة، في حين تعدّ المنطقة وجهة مهمة للباحثين عن التنوع الطبيعي بوجود الفوهات البركانية، كذلك وجود الكهوف؛ ومنها «كهف أم جرسان» الذي صنف أطول كهف طبيعي في الوطن العربي، إضافة إلى المقومات الأثرية مع انتشار المباني الحجرية، مثل المصائد وأشكال فتحات المفتاح والدوائر والمذيلات، في حين تحتضن تيماء العديد من الشواهد الأثرية لأعظم الملوك والشخصيات التاريخية التي عاشت على أرضها، ومنهم نابونيد آخر ملوك بابل، وتضم خيبر 3 مسطحات مائية أو أودية، ومجموعة واحدة على الأقل من سلالات الأسماك التي تعيش في المياه العذبة، وتضم أيضاً 460 مبنىً قديماً أو ما تعرف بـ«المصائد الحجرية» من العصر الحجري اكتُشفت أخيراً، وتتمتع المدينة بتنوع بيولوجي يسمح بوجود سلالات عديدة من النباتات والطيور المهاجرة.
وتعدّ خيبر القديمة مركز القوة ونشاط المجتمعات التي سكنت فيها، وتدل على ذلك آثار القلاع والحصون التي يعود عمرها إلى عام 600 ميلادية، وكانت منطقة أساسية على طريق الحج إلى مكة المكرمة حيث توفر المياه والراحة للحجاج المسافرين.
وفي سياق متصل؛ تعدّ مملكة «دادان»، التي تعرف باسم «لحيان» والتي يعود تاريخها إلى عام 700 قبل الميلاد واستمرت نحو 9 قرون، إحدى الوجهات المهمة التي يجب الوقف عليها لمشاهدة ثورة الحضارة والتقدم، وكيف تراجعت تلك الحضارات التي اشتهر قاطنوها بالتجارة بين جنوب شبه الجزيرة العربية ومصر واليونان عبر محطات تجارية، معتمدين في حياتهم المعيشية على الزراعة والرعي.
وقال عبد العزيز العنزي، من فريق الرواة، لـ«الشرق الاوسط»: «تُعدّ خيبر أكثر المناطق السعودية غنىً بالتاريخ؛ ومنها قرى: مكيدة، والشريك، والرأس الأبيض»، موضحاً أن «الهيئة الملكية» راغبة في إظهار هذا الموقع الذي جاء بعد مفاضلة مع مواقع أخرى.
وفي جولة إعلامية أعدتها «الهيئة الملكية للعلا»، زار خلالها فريق إعلامي الخيمة البدوية ما بين خيبر والعلا، اطُلع على التقاليد القديمة، ومن ثم توجه الفريق إلى خيبر؛ تحديداً إلى المطل، وهو الصعود إلى قمة أحد الجبال لإلقاء نظرة واسعة على المدينة، وتحرك الفريق بعدها في جولة داخل المدينة، انتهت بعرض لطائرات الدرون، والغداء في مطعم «التكية».
وحلقت «الشرق الأوسط» مع الفريق الإعلامي في جولة جوية رصدت خلالها ملامح المدينة العتيقة خيبر؛ من حصون «النزار، والقموص، وأودية خيبر ومزارعها».
تلك هي قصة العلا وأخواتها التي غيرت مفهوم السياحة، وأذابت كل الأسئلة العادية، لتعيش وحدك في عوالم مختلفة وتدوّن في مخيلتك جلّ تلك الحكايات وتفاصيلها؛ بما فيها من شغف وتاريخ يحاكيك في كل زوايا الواحات الثلاث... تلك هي الحكاية التي انطلقت قبل سنوات معدودة مع «شتاء طنطورة» وغيره من البرامج التي تستحدث في كل عام، ضمن أكبر متحف حي في العالم تعمل عليه «الهيئة»، بهدف خلق رحلات اكتشاف من خلال المواقع المفتوحة لتكون الواحات الثلاث مصدر إثراء.