مصر تحتفل باليوبيل الفضي لافتتاح متحف النوبة

يضم كنوزاً ومجموعات تراثية من عصور ما قبل التاريخ

(متحف النوبة)
(متحف النوبة)
TT

مصر تحتفل باليوبيل الفضي لافتتاح متحف النوبة

(متحف النوبة)
(متحف النوبة)

احتفلت مصر باليوبيل الفضي لمتحف النوبة بمحافظة أسوان (جنوب مصر)، الذي يوافق ذكرى مرور 25 عاما على افتتاحه، عبر فعاليات وأنشطة فنية متنوعة تبرز الجوانب المختلفة للثقافة النوبية والتراث الفني والفلكلوري بجانب مقتنيات المتحف النادرة التي توثق لتاريخ النوبة وفنونها منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الحديث.

أقيمت فعاليات الاحتفالية (الأربعاء) الذي يوافق مرور 25 عاما على افتتاح المتحف في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1997، وتضمنت مجموعة متنوعة من الأنشطة وفقا للدكتور عبد المنعم سعيد مدير عام آثار أسوان والنوبة، أبرزها معرض للفن التشكيلي شارك فيه مجموعة من فناني محافظة أسوان، تبرز أعماله الحضارة والتراث النوبي ومواطن الجمال والتفرد في تراث يمتد في جذور التاريخ، ومعرض آخر لأعمال طلاب كلية الآثار بجامعة أسوان.

ويقول سعيد لـ«الشرق الأوسط» إن «الاحتفالية تضمنت أيضا عروضا فلكورية وفنية أبرزت التراث النوبي وفنونه المختلفة، منها موكب فرعوني عبارة عن استعراض فني مستلهم من الحضارة المصرية القديمة».
وجاءت فكرة إنشاء متحف النوبة في محافظة أسوان ليكون مؤسسة لحفظ التراث الحضاري النوبي وعرض التاريخ النوبي من آثاره المبكرة للبشرية في المنطقة حتى تشييد السد العالي، وتزامنت مع انتهاء الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة والتي بدأت من عام 1960م، وقد وضع حجر الأساس للمتحف عام 1986، وافتتح للجمهور في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1997.

يقع متحف النوبة في مدخل مدينة أسوان على ربوة عالية من الصخور المكونة من الحجر الرملي والجرانيت الوردي بجوار القباب الفاطمية الإسلامية، حيث استوحى تصميمه من المعمار التقليدي للقرية النوبية، وتبلغ المساحة الكلية للمتحف 50 ألف متر مربع، خصص منها 7 آلاف متر للعرض المتحفي الداخلي و3 آلاف متر للعرض المتحفي الخارجي والحديقة المتحفية.
ويضم المتحف نحو 3 آلاف قطعة أثرية، هي نتاج أعمال التنقيب في المناطق النوبية التي تعرضت للغرق بعد بناء السد العالي، وهي مقتنيات نادرة تعرض تاريخ النوبة بداية من عصور ما قبل التاريخ حتى نهاية التاريخ الفرعوني، والعصر المسيحي، والعصر الإسلامي، وكذلك التراث النوبي الحديث.

وتبرز مقتنيات وكنوز قاعة «التراث النوبي» شكل الحياة اليومية في النوبة القديمة وفنونها، بينما يقدم متحف الهواء الطلق وقاعات العرض الخارجي «الحديقة المتحفية» في الهواء الطلق مفردات وعناصر وقطعا فنية من الحياة النوبية الاجتماعية تشكل بانوراما تراثية تتمثل في المقابر الصخرية، والشلال ومجرى حي لمياه النيل والأنواع المختلفة للنباتات المثمرة ونباتات الزينة، كما يضم العرض الخارجي نموذجا لبيت نوبي صمم ليكون صورة طبق الأصل من مسكن الإنسان النوبي بكل عناصره الفنية وعمارته المتفردة.

وتضمن الاحتفال باليوبيل الفضي للمتحف عرضا للأزياء النوبية بنقوشها وزخارفها التي تعكس تراثا متفردا، وعروضا فنية لفرقة أسوان للفنون الشعبية بأغانيها وموسيقاها التراثية، وكذلك محاضرات علمية، منها محاضرة عن الآثار وعلم الفلك في الدولة المصرية القديمة.
ويتبنى المتحف عبر «المدرسة المتحفية» الحفاظ على التراث والفنون النوبية المختلفة ونقلها للأجيال الجديدة، بينما يعمل مركز التراث بالمتحف على توثيق وحفظ التراث النوبي بجميع أشكاله.
ويشير الدكتور عبد المنعم سعيد مدير عام آثار أسوان والنوبة إلى أن «تفرد المتحف في كونه تم إنشاؤه بتصميم مميز يعكس مفردات المجتمع النوبي وبيئته، فهو مقام على صخور جرانيتية وهي جزء من البيئة النوبية، كما توثق مقتنياته لكل ما يتعلق بتاريخ النوبة وفنونها وتراثها والحياة الاجتماعية عبر مجموعات متفردة من الكنوز الأثرية».



معرض «من القلب إلى الوطن» للبنانية غادة جمال: أماكن مألوفة تُثير التوقّعات

مشاعر الحنين إلى الوطن وذكريات الطفولة في أعمال غادة جمّال (الشرق الأوسط)
مشاعر الحنين إلى الوطن وذكريات الطفولة في أعمال غادة جمّال (الشرق الأوسط)
TT

معرض «من القلب إلى الوطن» للبنانية غادة جمال: أماكن مألوفة تُثير التوقّعات

مشاعر الحنين إلى الوطن وذكريات الطفولة في أعمال غادة جمّال (الشرق الأوسط)
مشاعر الحنين إلى الوطن وذكريات الطفولة في أعمال غادة جمّال (الشرق الأوسط)

تفرُش التشكيلية اللبنانية غادة جمّال أرض مشغلها بقطع الكانفاس التي تنوي الرسم عليها. الواحدة تلو الأخرى، تصطفُّ أمامها مثل صفحات بيضاء تنتظر دفء ريشتها. وبخطوة غير متوقَّعة، تمسك دلو الألوان وتسكبها عليها. تشقّ طريقها بنفسها وهي تُشاهدها تنساب يميناً ويساراً، فتُكوّن بذلك عالمها الخاص من دون أيّ تدخُّل منها. تترك قماش الكانفاس يتصارع مع هذه الألوان إلى حين. ومن ثم تُلقي غادة جمّال نظرة عليها لتستشفَّ الرؤية التي ولّدتها الألوان بنفسها. هنا تمسك فرشاة الرسم لتفرّقها بعضها عن بعض، أو لتمزجها مع غيرها. ومرات تتدخّل للتخفيف من بحيرات ألوان مكدسّة. ومثل قارئة الفنجان، تُسافر مع لوحاتها إلى عالم الغيب، وتنطلق في تحديد الموضوع الذي تكتشفه من تعرّجات هذه الألوان.

تترك الإكريليك يشقَّ طريقه ويبتكر اللوحة (الشرق الأوسط)

في معرضها «من القلب إلى الوطن» في غاليري «آرت أون 56» ببيروت، تُقدّم لزائره مساحة حرّة، فيتلقف موضوع كل لوحة وفق رؤيته الخاصة. تقول الفنانة لـ«الشرق الأوسط»: «إنها تقنية توفّر لي الالتحام مع لوحاتي بشكل مباشر. أتدخّل في بنيتها لإضفاء بعض التطوّر عليها؛ يتمثّل برسم خطوط نافرة فيها. كذلك ألجأ أحياناً إلى حبال قطنية وقطعة (سِيْف) حديدية أو سكين، فأُخرج مع هذه الأدوات غضباً يتملّكني ويتحرّك مثل بركان في أعماقي؛ يأخذ مرات طابع القلق الذي أعيشه. وعندما أركن إلى ألوان قاتمة، فذلك للإشارة إلى مصير غامض يحضُر أمامي».

تقيم غادة جمّال بين أميركا ولبنان؛ مما يؤجّج مشاعر الحنين الدائم لوطنها. حتى وهي بعيدة عنه، تتابع أخباره وتعيش أزماته: «مرتبطة بجذوري ارتباطاً وثيقاً. كل ما ترينه في هذا المعرض هو مرآة حبّي الكبير للبنان».

الألوان تُشكّل العنصر الرئيسي في أعمالها. وتختار مساحات قماش واسعة لتبرز تدرّجاتها وانسيابيتها؛ وتوزّعها على 3 أقسام في معرضها بعناوين: «أوفوريا»، و«القلق»، و«أبعاد مشتركة».

في القسم الأول، يبهرك مزيج ألوان فاقعة تُثير البهجة، فيحضر الأحمر والزهري والأصفر والبرتقالي. يتألّف هذا القسم من لوحات «موعد»، و«ذكرى منظر جميل»، و«ليلة هانئة في بيروت»، و«مزاج لبناني»، و«فساتين لحلم النهار». عنه تقول: «إنه مسلسلٌ لقصص الفرح، وما حاولت إبرازه فيه هو الأحمر. تركته يشقّ طريقه كما يشاء، مما ألّف تدرّجات منه. لهذا اللون معانٍ كثيرة تتراوح بين الحبّ الجارف والعنف. وتدخّلتُ في بنية اللوحة بخطوط بيضاء تأخذ شكل قناطر البيت اللبناني العريق. وفي أخرى، أشرتُ إلى سماء بلدي الزرقاء المطلّة علينا من نافذة عالية».

«من القلب إلى الوطن» يتوزّع على 3 أقسام (الشرق الأوسط)

فيما تتفرّج على لوحات غادة جمّال، تسرح بخيالك، وتنكبّ على البحث عن الأشكال المفروزة فيها. تُعلّق الفنانة: «أتفرّج عليها مثل أيّ زائر. أغوص بألوانها والنتوءات التي تستحدثها، فأتخيّلها جبلاً أو بحيرة أو منزلاً قروياً، وأطلق عليها الاسم الذي يناسبها».

تتراءى لمُشاهد لوحات معرض «من القلب إلى الوطن» مَشاهد مختلفة، تتألّف مرات من عازف بيانو أو من رجل معطاءٍ يمدّ يد العون لغيره. وفي قسمه الثاني بعنوان «أبعاد مشتركة»، نمرُّ على تقنية رسم ترتكز على الضوء، فنتنقّل فيها بين مشاعر النوستالجيا والوحدة والحزن والسكون الطاغي. من خلالها، تستعيد جمّال شريطاً من ذكرياتها الطفولية، فتتوقّف في العاصمة بيروت وتدخل أزقّتها والحيّ الذي يقع فيه منزلها. ويستوقفك سلّم خشبي ينتصب وحيداً على جدار بيت يطلّ على البحر: «إنه منظر أتذكّره باستمرار منذ صغري». وتتابع عن لوحتها «سلّم الطفولة»: «كنتُ أتسلّقه لأطلّ منه على مساحة بيتنا. كنتُ أراها صغيرة جداً كي تتسّع لنا بوصفنا عائلة. البيت تألّف من غرف صغيرة، ولكن مِن على هذا السلّم كنت أرى الأشياء بوضوح أكبر. يجول نظري في البيوت المحيطة بنا وفي منظر البحر في منطقة الرملة البيضاء. إنها جمالية المشهد التي أتمسّك بها في لوحاتي».

التشكيلية اللبنانية غادة جمّال أمام إحدى لوحاتها (الشرق الأوسط)

أما في قسم «القلق»، فتترجم مشاعر متناقضة. فقد رسمت لوحاتها بين عامي 2023 و2024، وأعطتها عناوين مثل «بدايات غير معنونة»، و«انعطافات عنيفة»، و«طموحات كبيرة»، لتختزل قلقاً كبيراً ولّدته عندها حرب غزة. تتابع: «شكّلت بالنسبة إليَّ محطة قاسية لم أستطع تحمّلها. وعندما رسمتُ لوحاتي في تلك المرحلة، تملّكني قلق كبير ترجمته في هذه المجموعة. يطالعك الأسود في نهايتها، وفي وسطها، ومرات يغطّي بعض معالمها».

لكنكِ تستعملين في لوحة «طموحات كبيرة» الزهري بشكل نافر؟ تردّ: «استخدام الألوان الفاقعة والزاهية لا يعني دائماً الفرح بالضرورة. فاللون عينه يمكن أن يترك مشاعر الحزن أيضاً. وهنا تكمن قوة الألوان من خلال أسلوب استخدامها».

أعمال غادة جمّال تُشكّل مرآة حبّها للبنان (الشرق الأوسط)

هذه المجموعة سبقتها لوحات أطلقت عليها اسم «حدود وهوية». وعندما تُحدّثك عنها جمّال تشعر بالأثر الكبير الذي تركته هذه الحرب في أعماقها، فيخفُت صوتها وتتغيّر نبرته. تشعر بأنها تغصّ مرات وهي تتحدّث عنها. جمعتها تحت اسم واحد: «غزة». ومن خلالها تكتشف مفاعيل حرب جرحت مشاعر الفنانة، لذلك غمرتها بالحبر الأسود وبخطوط فوضوية رسمتها بالطول والعرض: «كنت أشعر مثل مَن يريد الهروب ولا طريق توصله إلى الأمان. فكل طرقات الحلّ كانت مقفلة».