في مفارقة مزدوجة، يواجه بيير بواليفير، زعيم حزب المحافظين الكندي، الذي كان إلى وقت قريب، المرشح الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات العامة في كندا، والشخصية المحبوبة لدى اليمين الأميركي، جمهوراً من الناخبين، بات قلقاً من تعهدات الرئيس دونالد ترمب بضم كندا، بصفتها الولاية الـ51. في المقابل، بدا أن تحقيق ترمب هذا الوعد، مهما بدا احتمالاً ضعيفاً حتى الآن، من شأنه أن يغير الخريطة السياسية بطريقة من المرجح أن تكلف الجمهوريين الكثير، ويصبّ في مصلحة الديمقراطيين.
ومع صعود نجمه بسبب خطابه المحافظ واستخدامه الكثير من التعابير والشعارات التي استخدمها ترمب نفسه، لإصلاح «الأمة المكسورة»، وهجماته الشخصية ضد منافسيه السياسيين، واستخدامه الألقاب المهينة وازدرائه العلني لوسائل الإعلام، أصبح بواليفير، المرشح الأوفر حظاً لمنصب زعيم كندا القادم، محبوباً لدى اليمين الأميركي.
لكن عندما أيده إيلون ماسك، الذي يقود حملة عدوانية ضد البيروقراطية الفيدرالية الأميركية نيابة عن ترمب، وجد بواليفير نفسه في موقف غير مريح. واضطر الشهر الماضي إلى الرد بتهكم على ماسك متمنياً عليه «أن يفتتح مصنعاً لشركة (تسلا) في كندا».
وأدت حملة بواليفير ضد ما يعدّه «اليقظة» ووسائل الإعلام الإخبارية، التي تعهد فيها بالتخلص من هيئة الإذاعة العامة الكندية، إلى تفضيله من قِبل محطة «فوكس نيوز»، وجو روغان مقدم البودكاست اليميني الشهير، وماسك وغيرهم من المؤيدين البارزين لترمب، الذين يعبّرون عن كرههم لرئيس الوزراء غير الشعبي جاستن ترودو. وبدا أن الدعم الذي يحظى به من أنصار ترمب، يخاطر بأن يصبح عبئاً عليه، في حين تواجه كندا تهديداً لم يكن يتصوره أحد، بعدما شكك ترمب مراراً وتكراراً في جدوى كندا كأمة، ويهدد بضمها من خلال الضغط الاقتصادي، واصفاً رئيس وزرائها بأنه «حاكم ولاية».
ومع تصاعد المشاعر الوطنية في كندا، تظهر استطلاعات الرأي تراجع تقدم بواليفير بشكل كبير، أمام منافسه الذي سيخلف رئيس الوزراء ترودو. وبعدما كان الأخير هو الهدف المفضل لهجمات بواليفير، بات هناك منافس أكبر وأهم وأكثر شراسة قادم من خارج البلاد، هو دونالد ترمب.
وعُزي تراجع شعبية بواليفير والمحافظين في استطلاعات الرأي، إلى «الفرصة» التي أتيحت مرة أخرى لليبراليين بعد إعلان ترودو استقالته من منصبه، وتصاعد الدعوات الوطنية للتحلق حول العَلم ودعم «كل شيء كندي» رداً على فرض ترمب رسوماً جمركية وتهديداته بضم كندا.
وبغض النظر عن كيفية تطور استطلاعات الرأي، فإن موقف بواليفير يُظهر كيف قلبت السياسة الخارجية العدوانية لترمب، سياساته الداخلية؛ ما اضطره إلى تخفيف هجماته الشخصية على منافسيه، والتحول إلى رسالة «كندا أولاً». وفي خطاب له في تجمع حاشد في أوتاوا عاصمة البلاد خلال عطلة نهاية الأسبوع، خصص بواليفير جزءاً كبيراً من خطابه للرد على التهديد من الولايات المتحدة، وتعهد «بتحمل أي عبء ودفع أي ثمن لحماية سيادتنا واستقلالنا».
وبعدما تبنى تكتيكات ورسائل ترمب، وصور نفسه على أنه «دخيل» يقاتل ضد المؤسسة السياسية الليبرالية والتجارية والأكاديمية والإعلامية الفاسدة، وجد نفسه مضطراً إلى التمييز بينه وبين ترمب، بشكل لم يكن يتوقعه؛ ما قد يهدد باتهامه بأنه شخصية ضعيفة وأقل بكثير مما يمثله ترمب. ويرى الكثير من المحللين أن موقف بواليفير تجاه الرئيس الأميركي، سيكون من بين العوامل المهمة في الانتخابات العامة، التي تحولت فجأة من كونها تدور حول ترودو إلى كونها تدور حول ترمب.
في هذا الوقت، بدا أن دعوات ترمب لضم كندا، في طريقها للتحول إلى فرصة للديمقراطيين لتغيير ميزان القوى الداخلي ضد الجمهوريين.
إن جعلها ولاية، وفقاً لبعض الدراسات المبكرة للرأي العام وأنماط التصويت، من شأنه أن يكلف الجمهوريين السيطرة على مجلس النواب، وتقليص أغلبيتهم في مجلس الشيوخ وحرمانهم من الفوز بالبيت الأبيض في الانتخابات المستقبلية. فكندا، أرض الرعاية الصحية الاجتماعية، وسياسات الهجرة الودية، والالتزام بحماية البيئة، ليست أرض «ماغا» شعار ترمب «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى».
بينما يرى البعض أن حديث ترمب عن ضم كندا، ليس سوى محاولة للضغط على الكنديين في قضايا التجارة وغيرها من التنازلات التي يرغب في الحصول عليه، لكنه نجح في إثارة غضبهم. وقال رئيس الوزراء المستقيل ترودو في تعليقات مسربة إنه لا يعدّها مزحة، بل هي في الواقع «تهديد حقيقي».
وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فقد توجه جميع رؤساء وزراء المقاطعات والأقاليم الـ13 في كندا إلى واشنطن الأسبوع الماضي، جزءاً من مهمة مشتركة لتعزيز العلاقات بين كندا والولايات المتحدة ونزع فتيل الحرب التجارية التي أشعلها ترمب. وبعد الاجتماع، قال جيمس بلير، نائب رئيس موظفي البيت الأبيض، إنه عندما يتعلق الأمر بتعليقات الرئيس ترمب حول أن تصبح كندا الولاية رقم 51، يجب على المسؤولين هناك «أن يأخذوا ما يقوله على محمل الجد».
أكبر ولاية أميركية
لكن فكرة كندا بصفتها ولاية أميركية، مهما كانت بعيدة وغير محتملة، أثارت اهتمام الطبقة السياسية الأميركية. ومع 40 مليون نسمة ونحو 6 ملايين كيلومتر مربع، ستصبح كندا أكبر ولاية أميركية وأكثرها اكتظاظاً بالسكان، متفوقة على جميع الولايات الخمسين الأخرى مجتمعة من حيث المساحة، وعلى كاليفورنيا قليلاً من حيث عدد السكان. كما سيكون لها أيضاً تأثير أكبر من كاليفورنيا، في خياراتها السياسية.
وبحسب استطلاع للرأي أجراه معهد «ليغر»، قال ما يقرب من ثلثي الكنديين، أو 64 في المائة، إنهم كانوا سيصوتون لكامالا هاريس بينما قال 21 في المائة فقط إنهم كانوا سيدعمون ترمب. بيد أن استطلاع «يوغوف دوت كوم» أظهر أن 77 في المائة يعارضون الانضمام إلى الولايات المتحدة، وحتى بين المحافظين، يؤيد 23 في المائة فقط الفكرة بينما لا يؤيدها 73 في المائة.
وإذا حصلت «ولاية» كندا على 55 صوتاً في المجمع الانتخابي بناءً على عدد سكانها، فإن من شأن ذلك أن يترك هامشاً ضيقاً للجمهوريين في المستقبل. وسيفترضون سلفاً في كل سباق وجود 55 صوتاً إضافياً في المجمع الانتخابي لمصلحة الديمقراطيين. وسيكون التأثير الأكبر في مجلس النواب، ناهيك عن خسارة مقعدي مجلس الشيوخ.