قادة «الحراك الشعبي» في السودان يعولون على «إرهاق القوات الأمنية»

الشرطة تغلق الجسور وتشل العاصمة كلما أُعلن عن «مسيرة مليونية»

جانب من مسيرة في الخرطوم يوم 8 نوفمبر تطالب بالحكم المدني (أ.ف.ب)
جانب من مسيرة في الخرطوم يوم 8 نوفمبر تطالب بالحكم المدني (أ.ف.ب)
TT

قادة «الحراك الشعبي» في السودان يعولون على «إرهاق القوات الأمنية»

جانب من مسيرة في الخرطوم يوم 8 نوفمبر تطالب بالحكم المدني (أ.ف.ب)
جانب من مسيرة في الخرطوم يوم 8 نوفمبر تطالب بالحكم المدني (أ.ف.ب)

أدخلت «لجان المقاومة» التي تقود الحراك الشعبي في السودان، الأجهزة الأمنية في «حيرة من أمرها»، بتأجيل الموكب الاحتجاجي المعلن عنه لليوم التالي والمرتب له ضمن جدول تظاهرات تطالب بعودة الحكم المدني مستمرة منذ أكثر من عام، وذلك بعد أن أغلقت سلطات الخرطوم الجسور بحاويات نقل البضائع المعدنية تحسباً لوصول المتظاهرين للقصر الرئاسي، ما تسبب في أزمة سير خانقة ينتظر أن تستمر ليومين. وقالت مصادر في المعارضة إن قادة «الحراك الشعبي» يعولون على «إرهاق القوات الأمنية» التي دأبت على إغلاق الجسور التي تربط بين مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم، وأم درمان، وبحري) للحيلولة دون وصول المتظاهرين إلى القصر الرئاسي، ما يشل الحركة في العاصمة كلما أعلن قادة الحراك الشعبي عن موعد «مسيرة مليونية».
وتستخدم السلطات الأمنية حاويات نقل البضائع المعدنية لإغلاق الجسور، كما تغلق الشوارع الرئيسية في العاصمة وتنشر أعداداً كبيرة من الجنود والعربات المصفحة، منذ منتصف الليلة السابقة للموكب الاحتجاجي المعلن عنه. ورغم تلك الإجراءات فقد تمكن المتظاهرون من الوصول إلى القصر الرئاسي أكثر من مرة، قبل أن تتصدى لهم الشرطة وأجهزة الأمن مستخدمة «عنفاً مفرطاً»، ما أدى إلى مقتل العشرات وإصابة وجرح الآلاف.
وقالت «لجان مقاومة ولاية الخرطوم» في تصريح صحافي، أمس، إن السلطات الأمنية استعدت لمواجهة المحتجين السلميين بإغلاق الجسور، استمراراً لنهجها في كل مرة يتم فيها الإعلان عن موكب احتجاجي. وأضافت أنها قررت تأجيل المسيرات الاحتجاجية التي كانت مقررة يوم الثلاثاء، إلى اليوم الأربعاء، بغرض وضع «مزيد من الضغط» على السلطات الأمنية التي تنفق الكثير من الجهد والمال لمنع موكب يتم إلغاؤه في اللحظة الأخيرة، ثم يتغير تاريخه لليوم التالي. وهذه هي المرة الثانية التي تلجأ فيها «لجان المقاومة الشعبية» لهذه المناورة. وخاطبت «لجان المقاومة» المحتجين قائلة: «كنتم وما زلتم قابضين على جمر القضية، ملبين نداء الثورة متى وأينما دعي له... واستمرت نضالاتكم عاماً وأكثر، ولو استمر مائة عام لكنتم على الموعد». وأضافت: «نعي ونعلم تماماً حجم الاستعداد والصرف الذي جهزته السلطة» لمواجهة المحتجين السلميين.
وأغلقت سلطات الأمن في الخرطوم، أمس جسر «المك نمر» الذي يربط مدينتي الخرطوم وبحري، ويمر بالقرب من القصر الرئاسي والوزارات المهمة، وهو جسر ظل شبه مغلق طوال عام، كما أغلقت جسر «النيل الأبيض» الذي يربط بين مدينتي الخرطوم وأم درمان ويمر بالقرب من مبنى البرلمان، ما تسبب في أزمة سير خانقة وسط العاصمة. وفي مرات سابقة أغلقت السلطات كافة الجسور في العاصمة ما عدا جسرين في أطراف المدينة هما «الحلفايا، وسوبا» اللذين يبعدان عن مركز العاصمة بنحو 25 كيلومتراً، ما يضطر القادمين من أم درمان وبحري إلى قطع مسافات طويلة للغاية للوصول إلى مواقع أعمالهم.
وتجاهلت «لجان المقاومة الشعبية» الأنباء التي تتردد هذه الأيام عن التوصل إلى تسوية وتفاهمات بين المدنيين والعسكريين بشأن حل أزمة الحكم، ودعت المحتجين للاستعداد لما أسمته «مليونية الأربعاء»، وتجهيز أدوات التظاهر من أحذية وأقنعة غاز ودروع معدنية، وهي معدات تظاهر يصنعونها بأنفسهم، لتقيهم الرصاص الحي والمطاطي الذي دأبت أجهزة الأمن على إطلاقه عليهم. وسبق أن أجلت «لجان المقاومة» موكباً احتجاجياً كانت قد أعلنت عنه، ثم أجلته بصورة مفاجئة، ضمن تكتيكات دأبت على اتخاذها لإرهاق الشرطة وأجهزة الأمن، وأطلقت عليها مصطلحاً شعبياً هو «غنجة» ويعني «مقلب»، بأن تترك الأجهزة الأمنية تستعد للمحتجين، ثم تقرر تأجيل الموكب ليوم غير معلوم، أو إلغاؤه في اللحظة الأخيرة، غير أن تأجيل موكب أمس (الثلاثاء) لليوم التالي مباشرة، أدخل السلطات الأمنية في موقف محير؛ إذ إنها ترددت في فتح الجسور ثم إغلاقها مرة ثانية منتصف الليل، أما إذا تركتها مغلقة فتكون قد فرضت حصاراً على مقرات الحكومة، وفاقمت أزمة السير الخانقة طوال يومين.
ومنذ تولى الجيش السلطة في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، لم تتوقف الاحتجاجات التي تنظمها «لجان المقاومة» للمطالبة بعودة الحكم المدني الديمقراطي، وعودة العسكريين للثكنات، ودمج الجيوش المتعددة في جيش واحد بعقيدة وطنية جديدة. كما ترفض «لجان المقاومة» وبعض الأحزاب المعارضة التفاهمات السياسية الجارية حالياً بين العسكريين وتحالف المعارضة «الحرية والتغيير»، وتتمسك بشعاراتها المعروفة باللاءات الثلاثة، وهي «لا تفاوض، لا شراكة، لا مساومة» مع السلطة العسكرية.
و«لجان المقاومة» هي تنظيمات شعبية غير حزبية، يغلب عليها الشباب، وتأسست إبان سنوات مقاومة نظام الإسلاميين بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير، الذي أُطيح به في 11 أبريل (نيسان) 2019 وتولت حكومة مدنية انتقالية السلطة التنفيذية لنحو عامين قبل أن يعود الجيش للسلطة في 25 أكتوبر 2021، في خطة أسماها «إجراءات تصحيحية» بينما أسمتها المعارضة والمجتمع الدولي «انقلاباً».


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

بعد سقوط الأسد... روسيا تركّز على ليبيا لتحقيق طموحاتها الأفريقية

وصول نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف إلى مطار بنينا العام الماضي (الجيش الوطني)
وصول نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف إلى مطار بنينا العام الماضي (الجيش الوطني)
TT

بعد سقوط الأسد... روسيا تركّز على ليبيا لتحقيق طموحاتها الأفريقية

وصول نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف إلى مطار بنينا العام الماضي (الجيش الوطني)
وصول نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف إلى مطار بنينا العام الماضي (الجيش الوطني)

أدى سقوط بشار الأسد في سوريا إلى عرقلة مشاريع روسيا في أفريقيا، وأرغمها على البحث عن نقطة إسناد بديلة في حوض البحر الأبيض المتوسط، متطلعة في هذا السياق إلى ليبيا. ولموسكو، الحليفة للأسد ودمشق منذ أعوام طويلة، ميناء عسكري وقاعدة جوية على الساحل السوري، ما يسهّل عملياتها في المتوسط والشرق الأوسط ووسط أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، غير أن إطاحة الأسد بعد ربع قرن في الحكم عرّضت هذا الحضور للخطر.

وسعى القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، إلى طمأنة روسيا، واصفاً إياها بأنّها دولة «مهمّة»، قائلاً: «لا نريد أن تخرج روسيا من سوريا بالشكل الذي يهواه البعض».

* تراجع استراتيجي نحو ليبيا

في ظل عدم وضوح التشكيل السياسي في سوريا الجديدة، باتت موسكو مضطرة لبدء تراجع استراتيجي نحو ليبيا، وفي هذا السياق يقول جلال حرشاوي، الباحث في المعهد البريطاني «رويال يونايتد سرفيسز»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنّ ذلك يهدف «على وجه الخصوص للحفاظ على المهمات الروسية القائمة في أفريقيا»، مضيفاً أنّه «رد فعل لحفظ الذات» من جانب موسكو، الحريصة على «التخفيف من تآكل موقعها في سوريا».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إ.ب.أ)

في مايو (أيار) 2024، كشف اتحاد التحقيقات السويسري «All Eyes On Wagner» (كل العيون على فاغنر) وجود الأنشطة الروسية في نحو 10 مواقع ليبية، من بينها ميناء طبرق، حيث وصلت معدّات عسكرية في فبراير (شباط) وأبريل (نيسان) الماضي. وكان عديد القوات الروسية في فبراير 2024 يناهز 800 عنصر، لكنه ارتفع إلى 1800 في مايو من العام نفسه.

* رجال ومعدّات

في 18 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية بأنّه تمّ نقل رادارات وأنظمة دفاع جوي روسية، من بينها «إس-300» و«إس-400» من سوريا إلى ليبيا، مستندة في ذلك إلى مسؤولين ليبيين وأميركيين. وفي هذا الإطار، يؤكد حرشاوي أنّه منذ سقوط الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، «تم نقل كمية كبيرة من الموارد العسكرية الروسية إلى ليبيا من بيلاروسيا وروسيا»، مشيراً في الوقت نفسه إلى إرسال مقاتلين. ومن جانبها، أفادت الاستخبارات الأوكرانية في الثالث من يناير (كانون الثاني) الحالي بأنّ موسكو تخطّط لـ«استخدام سفينتي الشحن (سبارتا) و(سبارتا 2) لنقل معدات عسكرية وأسلحة».

تركيا دعمت حكومة الوفاق الوطني السابقة وبعدها حكومة الدبيبة في طرابلس (الوحدة)

في هذا السياق، يقول الخبير في المجلس الأطلسي في واشنطن، عماد الدين بادي، إنّ هذا التحوّل «لا ينبع من تغيير قسري بسيط للحليف الإقليمي، بل من البحث عن الاستمرارية»، مؤكداً أنّها «خطوة تؤكد أهمية ليبيا بوصفها عنصراً في استراتيجية طويلة الأمد»، وأنّ «الأسد قدّم لموسكو مرسى على الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، ومنصّة لاختبار قدراتها». وأثارت التحرّكات الروسية انزعاج حكومة طرابلس، والقوة الاستعمارية السابقة إيطاليا، بينما يراقبها الاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو» بقلق. وقد أكد وزير الدفاع الإيطالي، غويدو كروسيتو، أنّ موسكو تنقل «موارد من قاعدتها السورية في طرطوس باتجاه ليبيا».

* الوجود الروسي أكثر وضوحاً

تحدثت مصادر عدة عن مساعٍ أميركية لإقناع المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني، برفض تمركز الروس بشكل دائم في ميناء طبرق، وهو أمر يسعون إليه منذ عام 2023، لكن الكرملين لن يتمتّع بالأريحية نفسها التي كانت متوافرة في عهد الأسد.

يقول أولف لايسينغ، المسؤول عن برنامج الساحل في مؤسسة «كونراد أديناور»، إنّ سوريا «كانت مناسِبة على الصعيد العملي... كانت صندوقاً أسود دون دبلوماسيين أو صحافيين أجانب. (الروس) فعلوا إجمالاً ما أرادوه». ويضيف لايسينغ مستدركاً: «في ليبيا، سيكون الوضع أكثر تعقيداً بكثير. من الصعب الحفاظ على الأسرار هناك، كما أنّ الوجود الروسي سيكون أكثر وضوحاً».

المشير خليفة حفتر مع قادة قواته في بنغازي (الجيش الوطني)

إضافة إلى ذلك، سيتعيّن على موسكو التعامل مع قوى أخرى، من بينها تركيا، حليفة حكومة الوفاق الوطني، وبعدها «الوحدة» المؤقتة. كما ستكون حريصة على عدم تعريض مستقبلها للخطر إذا ساءت الأمور بالنسبة إليها. وفي هذا السياق، يقول فلاد كليبتشينكو، المراسل العسكري لموقع «تسارغراد» المؤيد للكرملين: «يجب عدم تكرار الأخطاء السورية والرهان، دون خيار بديل، على ديكتاتور محلي». وفي ليبيا المنقسمة، التي تشهد نزاعاً منذ الإطاحة بمعمَّر القذافي في عام 2011، يحاول كل طرف أن يُبقي خياراته مفتوحة مع الآخرين، حسبما يؤكد لايسينغ. فمنذ عام، تتقرب أنقرة من حفتر عبر مشاريع اقتصادية واجتماعات ذات غايات دبلوماسية، لكن هذا الأخير لن يستطيع أيضاً أن يدير ظهره للغربيين، الذين دعموه سراً انطلاقاً من قناعتهم بقدرته على وقف تمدُّد الإسلام السياسي. ويقول لايسينغ: «لذلك، هناك دون شك حدود لما يمكن لروسيا أن تفعله في ليبيا».